الموسوعة الحديثية


- حاصَرْنا مع نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِصنَ الطائفِ، فسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن بَلَغَ بسَهمٍ فله درجةٌ في الجَنَّةِ. قال: فبلَّغْتُ يَومَئذٍ ستَّةَ عَشَرَ سَهمًا، فسمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن رَمى بسَهمٍ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ فهو عِدْلُ مُحَرَّرٍ، ومَن شابَ شَيْبةً في سبيلِ اللهِ، كانت له نورًا يَومَ القيامةِ، وأَيُّما رجُلٍ مُسلِمٍ أَعتَقَ رجُلًا مُسلِمًا، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جاعِلٌ وَفاءَ كلِّ عَظْمٍ مِن عِظامِه عَظْمًا مِن عِظامِ مُحَرِّرِه مِنَ النارِ، وأَيُّما امْرأةٍ مُسلِمةٍ أَعتَقَتِ امْرأةً مُسلِمةً، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جاعِلٌ وَفاءَ كلِّ عَظْمٍ مِن عِظامِها عَظْمًا مِن عِظامِ مُحَرِّرِها مِنَ النارِ.
الراوي : عمرو بن عبسة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 17022 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلم | التخريج : أخرجه أبو داود (3966) مختصرا بنحوه، والترمذي (1638) مختصرا، والنسائي (3145) مختصرا باختلاف يسير، وأحمد (17022) واللفظ له
في هذا الحَديثِ يُعدِّدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبوابَ الفَضلِ والخَيرِ التي يَنبَغي أنْ يَحرِصَ عليها المُسلِمُ في تَحصيلِ الأجْرِ والثَّوابِ العَظيمِ، وفه يقولُ أبو نَجيحٍ عَمرُو بنُ عَبَسةَ السُّلَميُّ رَضيَ اللهُ عنه: "حاصَرْنا مع نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِصنَ الطائِفِ" وكان بها قَبيلةُ ثَقيفٍ آنَذاكَ، "فسَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: مَن بَلَغَ بسَهمٍ" أوصَلَه إلى كافِرٍ وأصابَه به "فله دَرَجةٌ في الجَنَّةِ" يَكونُ جَزاؤُه أنْ يُعطى دَرَجةً ومَنزِلةً في الجَنَّةِ، ويَحتَمِلُ أنْ يَكونَ المَعنى: مَن وَصَلَ وبَلَغَ مَكانَ الحَربِ ومعه سَهمٌ فهو له دَرَجةٌ في الجَنَّةِ، والدَّرجةُ هي المَنزِلةُ والمَكانةُ والرِّفعةُ في مُستَوياتِ الجَنَّةِ. قال أبو نَجيحٍ عَمرُو بنُ عَبَسةَ السُّلَميُّ: "فبَلَّغتُ يَومَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهمًا"، وفي هذا بَيانٌ لِكَثرةِ ما أصابَ في المُشرِكينَ، وما يَطمَعُ بها في نَيلِ سِتَّ عَشرةَ دَرَجةً في الجَنَّةِ، "فسَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: مَن رَمى بسَهمٍ في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ" فضَرَبَ به، سواءٌ أصابَ أم لم يُصِبْ به، "فهو عَدلُ مُحَرِّرٍ"، أي: فيَكونُ له أجْرُ مَن أعتَقَ رَقَبةً للهِ عَزَّ وجَلَّ، وثَوابُه. "ومَن شابَ شَيبةً في سَبيلِ اللهِ" مَنِ استَوطَنَ الجِهادَ والغَزوَ حتى يَبدُوَ الشَّيبُ في شَعرِ رَأْسِه أو لِحيَتِه، وقيلَ: سواءٌ كان في الغَزوِ أمِ الحَجِّ أم طَلَبِ العِلْمِ، أم في الإسلامِ، كما في رِوايةٍ أُخرى، "كانَتْ له نُورًا يَومَ القِيامةِ" كان أجْرُه بكُلِّ شَيبةٍ أنْ يَجعَلَ اللهُ له نُورًا يُضيءُ له ظُلُماتِ يَومِ القِيامةِ. "وأيُّما رَجُلٍ مُسلِمٍ أعتَقَ رَجُلًا مُسلِمًا" حَرَّرَ مَملوكًا مِن عُبوديَّتِه؛ "فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ جاعِلٌ وَفاءَ كُلِّ عَظمٍ مِن عِظامِه عَظمًا مِن عِظامِ مُحَرِّرِه مِنَ النارِ"، والمَعنى أنَّه يَكونُ له فِداءً مِنَ النارِ، فالمُسلِمُ إذا أعتَقَ رَجُلًا مُسلِمًا، يَفدي اللهُ كُلَّ عُضوٍ مِنَ المُعتِقِ بكُلِّ عُضوٍ مِنَ المُعتَقِ، وكان له مِنَ الأجْرِ فِكاكُه مِنَ النارِ، ونَصَّ على المُسلِمِ؛ لِأنَّ عِتقَه أنفَعُ وأفضَلُ، بخِلافِ الكافِرِ، ثم بَيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ النِّساءَ كذلك لهُنَّ الأجْرُ نَفْسُه، فقال: "وأيُّما امرأةٍ مُسلِمةٍ أعتَقَتِ امرأةً مُسلِمةً؛ فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ جاعِلٌ وَفاءَ كُلِّ عَظمٍ مِن عِظامِها عَظمًا مِن عِظامِ مُحَرَّرِها مِنَ النارِ" فيَكونُ عِتقُها لِأمَةٍ مُسلِمةٍ سَبَبًا في عِتقِها مِنَ النارِ. وقد قيلَ: عِتقُ الرِّجالِ أفضَلُ وأكمَلُ وأعظَمُ في الأجْرِ؛ نَظَرًا لِأنَّ فَوائِدَه أكبَرُ، مِن جِهةِ ما عِندَ الرَّجُلِ مِنَ القُدرةِ والفائِدةِ التي تَحصُلُ مِنَ الرِّجالِ في الأُمورِ المَطلوبةِ منهم، وقد وَرَدَ أنَّ عِتقَ امرأتَيْنِ يُعادِلُ عِتقَ رَجُلٍ واحِدٍ. وفي الحَديثِ: بَيانُ فَضلِ الرَّميِ في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. وفيه: بَيانُ فَضلِ عِتقِ الرِّقابِ المُسلِمةِ. وفيه: فَضلُ مَن شابَ وهو على الجِهادِ، وفيه الحَثُّ عليه.