الموسوعة الحديثية


- يَخرُجُ الدَّجَّالُ في خَفْقةٍ مِن الدِّينِ، وإدْبارٍ مِن العِلمِ، فلَه أرْبعونَ لَيلةً يَسيحُها في الأرضِ، اليومُ منها كالسَّنةِ، واليومُ منها كالشَّهرِ، واليومُ منها كالجُمُعةِ، ثُمَّ سائِرُ أيَّامِه كأيَّامِكُم هذه، وله حِمارٌ يَركَبُه عَرضُ ما بَينَ أُذُنَيه أرْبعونَ ذِراعًا، فيقولُ للنَّاسُ: أنا رَبُّكُم، وهو أعْوَرُ، وإنَّ ربَّكُم ليس بِأعْوَرَ، مَكتوبٌ بَينَ عَينَيهِ كافِرٌ -ك ف ر مُهَجَّاةٌ- يَقرَؤُه كلُّ مُؤمِنٍ كاتِبٍ، وغَيرِ كاتِبٍ، يَرِدُ كلَّ ماءٍ ومَنهَلٍ إلَّا المدينةَ ومكَّةَ، حرَّمَهُما اللهُ عليه، وقامَتِ الملائِكةُ بِأبْوابِها، ومعه جِبالٌ مِن خُبزٍ، والنَّاسُ في جَهْدٍ إلَّا مَن تَبِعَه، ومعه نَهرانِ أنا أعْلَمُ بهما منه، نَهرٌ يقولُ: الجَنَّةُ، ونَهرٌ يقولُ: النَّارُ، فمَن أُدخِلَ الذي يُسَمِّيه الجَنَّةَ، فهو النَّارُ، ومَن أُدخِلَ الذي يُسَمِّيه النَّارَ، فهو الجَنَّةُ، قال: ويَبعَثُ اللهُ معه شياطينَ تُكَلِّمُ النَّاسَ، ومعه فِتْنةٌ عَظيمةٌ، يَأمُرُ السماءَ فتُمطِرُ فيما يَرى النَّاسُ، ويَقتُلُ نَفسًا ثُمَّ يُحييها فيما يَرى النَّاسُ، لا يُسَلَّطُ على غَيرِها مِن النَّاسِ، ويقولُ: أيُّها النَّاسُ: هل يَفعَلُ مِثلَ هذا إلَّا الربُّ، قال: فيَفِرُّ المُسلِمون إلى جَبَلِ الدُّخانِ بالشامِ فيَأتيهِم، فيُحاصِرُهم، فيَشتَدُّ حِصارُهم ويُجهِدُهُم جَهْدًا شَديدًا، ثُمَّ يَنزِلُ عيسى ابنُ مَريَمَ فيُنادي مِن السَّحَرِ، فيقولُ: يا أيُّها النَّاسُ، ما يَمنَعُكُم أنْ تَخرُجوا إلى الكَذَّابِ الخَبيثِ؟ فيقولونَ: هذا رَجُلٌ جِنِّيٌّ، فيَنطَلِقون فإذا هُم بعيسى ابنِ مَريَمَ، فتُقامُ الصلاةُ، فيُقالُ له: تَقدَّمْ يا رُوحَ اللهِ، فيقولُ: لِيتقَدَّمْ إمامُكُم فلْيُصَلِّ بِكُم، فإذا صلَّى صلاةَ الصبحِ خَرَجوا إليه، قال: فحينَ يَرى الكَذَّابُ يَنْماثُ كما يَنْماثُ المِلْحُ في الماءِ، فيَمْشي إليه، فيَقتُلُه حتى إنَّ الشَّجَرةَ والحَجَرَ يُنادي: يا رُوحَ اللهِ، هذا يَهوديٌّ، فلا يَترُكُ ممَّن كان يَتبَعُه أحَدًا إلَّا قَتَلَه.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 14954 | خلاصة حكم المحدث : إسناده على شرط مسلم | التخريج : أخرجه أحمد (14954) واللفظ له، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (1/102)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (5694)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يأمُرُ أُمَّتَه بما يَنفَعُهم، ويُحذِّرُهم مِمَّا يَخافُ عليهم منه، فأخبَرَهم بعَلاماتِ السَّاعةِ التي تُنذِرُ بقُربِها؛ لِيُبادِروا بالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لِلنَّجاةِ مِن هَولِها، وفي هذا الحَديثِ حَذَّرَنا مِن فِتنةِ الدَّجَّالِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يَخرُجُ الدَّجَّالُ" وهو الكَذَّابُ الذي يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، ويَدَّعي الأُلوهيَّةَ، ويَكونُ أكبَرَ فِتنةٍ في الأرضِ، والدَّجَّالُ مِنَ الدَّجَلِ: وهو التَّغطيةُ، سُمِّيَ به؛ لِأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه. "في خَفقةٍ مِنَ الدِّينِ" ويَقصِدُ به قِلَّةَ الدِّينِ، وقِلَّةَ أهلِه، وظُهورَ أهلِ الباطِلِ على أهلِ الحَقِّ، وفُشُوَّ الشَّرِّ وأهلِه، "وإدبارٍ مِنَ العِلْمِ" حيث يَنزِعُ اللهُ العِلْمَ بمَوتِ العُلَماءِ، "فلَه أربَعونَ لَيلةً يَسيحُها في الأرضِ" يَدورُ في كُلِّ الأرضِ، وتَكونُ أيَّامُه مُختَلِفةً في الطُّولِ والقِصَرِ، "اليَومُ منها كالسَّنةِ، واليَومُ منها كالشَّهرِ، واليَومُ منها كالجُمُعةِ، ثم سائِرُ أيَّامِهِ كأيَّامِكم هذه"، وقد أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن أدرَكوا ذلك الزَّمانَ أنْ يَقدُروا أوقاتَ الصَّلَواتِ فيُصلُّوها خَمسَ صَلواتٍ في مِقدارِ اليَومِ المَعروفِ، كما عِندَ مُسلِمٍ "وله حِمارٌ يَركَبُه عَرضُ ما بَينَ أُذُنَيْه أربَعونَ ذِراعًا" وهذا يَدُلُّ على عِظَمِ خَلقِ هذا الحِمارِ، "فيَقولُ الدَّجَّالُ لِلنَّاسِ: أنا رَبُّكم" وهو كاذِبٌ في ذلك؛ لِأنَّ اللهَ سُبحانَه له صِفاتُ الكَمالِ والجَمالِ، بَينَما الدَّجَّالُ "هو أعوَرُ، وإنَّ رَبَّكم ليس بأعوَرَ، وهو مَكتوبٌ بَينَ عَينَيْه كافِرٌ -ك ف ر مُهَجَّاةً-" ظاهِرةَ الحُروفُ، أو مُفَرَّقةَ الحُروفِ "يَقرَؤُه كُلُّ مُؤمِنٍ كاتِبٍ، وغَيرِ كاتِبٍ"، وذلك بتَوفيقِ اللهِ لِلمُؤمِنينَ؛ لِيَعرِفوا أنَّه الدَّجَّالُ الكَذَّابُ، "يَرِدُ كُلَّ ماءٍ ومَنهَلٍ إلَّا المَدينةَ ومَكةَ، حَرَّمَهما اللهُ عليه، وقامَتِ المَلائِكةُ بأبوابِها" فوَقَفوا على جَنَباتِ المَدينتَيْنِ المُقدَّستَيْنِ لِحِراسَتِهما منه، ومَنعِه مِن دُخولِهما. وفي رِوايةٍ لِأحمَدَ: "لا يأتي أربَعةَ مَساجِدَ، فذَكَرَ المَسجِدَ الحَرامَ، والمَسجِدَ الأقصى، والطُّورَ، والمَدينةَ". ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "معه جِبالٌ مِن خُبزٍ، والناسُ في جَهدٍ" وتَعَبٍ وقِلَّةٍ مِنَ الأزْوادِ والطَّعامِ، "إلَّا مَن تَبِعَه" حيثُ يُعطي أتباعَه مِنَ الخُبزِ والطَّعامِ والماءِ الذي معه، "ومعه نَهرانِ، أنا أعلَمُ بهما منه، نَهرٌ يَقولُ: الجَنَّةُ، ونَهرٌ يَقولُ: النارُ" وهذا بزَعمٍ كاذِبٍ مِنَ الدَّجَّالِ؛ لِيَفتِنَ الناسَ ويَخدَعَهم "فمَن أدخَلَ الذي يُسمِّيه الجَنَّةَ، فهو النارُ، ومَن أدخَلَ الذي يُسمِّيه النارَ، فهو الجَنَّةُ"؛ لِأنَّ الدَّجَّالَ يُلقي اتباعَه في الماءِ الكاذِبِ الذي يُقالُ له الجَنَّةُ، وهو في حَقيقَتِه نارٌ؛ فيُعذَّبونَ فيها، بَينَما يُلقي مَن آمَنَ باللهِ وكَذَّبَ الدَّجَّالَ في الماءِ الذي يَزعُمُ أنَّه نارٌ، بَينَما هو في الحَقيقةِ جَنَّةٌ ورَحمةٌ مِنَ اللهِ لِلمُؤمِنينَ، "ويَبعَثُ اللهُ معه شَياطينَ تُكلِّمُ الناسَ" لِتَخدَعَهم وتَفتِنَهم "ومعه فِتنةٌ عَظيمةٌ: يأمُرُ السَّماءَ فتُمطِرُ فيما يَرى الناسُ" هذا كالسِّحرِ الذي تَراه العُيونُ، ولكنْ لا حَقيقةَ له "ويَقتُلُ نَفْسًا ثم يُحييها، فيما يَرى الناسُ، لا يُسلَّطُ على غَيرِها مِنَ الناسِ"، فلا يَستَطيعُ إجراءَ الحياةِ والمَوتِ مَرَّةً أُخرى على أيِّ أحَدٍ "ويَقولُ: أيُّها الناسُ: هل يَفعَلُ مِثلَ هذا إلَّا الرَّبُّ؟ قال: فيَفِرُّ المُسلِمونَ" يَهرُبونَ مِنَ الدَّجَّالِ "إلى جَبَلِ الدُّخانِ بالشَّامِ، فيَأتيهم، فيُحاصِرُهم، فيَشتَدُّ حِصارُهم ويُجهِدُهم جَهدًا شَديدًا" بسَبَبِ حِصارِه لهم ومَنعِهم مِنَ الزَّادِ والمَؤونةِ، "ثم يَنزِلُ عيسى ابنُ مَريَمَ، فيُنادي مِنَ السَّحَرِ" وَقتَ الفَجرِ "فيَقولُ: يا أيُّها الناسُ، ما يَمنَعُكم أنْ تَخرُجوا إلى الكَذَّابِ الخَبيثِ؟" فتُقاتِلونَه وتَمنَعونَه مِن فِتنةِ النَّاسِ؟ "فيَقولونَ: هذا رَجُلٌ جِنِّيٌّ"؛ وذلك لِمَا يَرَوْنَه مِن سِحرِه وخِداعِه، "فيَنطَلِقونَ، فإذا هم بعيسى ابنِ مَريَمَ" قد نَزَلَ مِنَ السَّماءِ "فتُقامُ الصَّلاةُ، فيُقالُ له: تَقدَّمْ يا رُوحَ اللهِ" لِتَؤُمَّ المُسلِمينَ في الصَّلاةِ "فيَقولُ: لِيَتقدَّمْ إمامُكم فليُصَلِّ بكم"؛ وذلك لِأنَّه يَعرِفُ أنَّ إمامَ المُسلِمينَ في الصَّلاةِ لا بُدَّ أنْ يَكونَ منهم "فإذا صَلَّى صَلاةَ الصُّبحِ خَرَجوا إليه"، أي: تَوجَّهوا إلى الدَّجَّالِ الكَذَّابِ "فحينَ يَرى الكَذَّابُ" ويَعلَمُ بقُدومِ عيسى ابنِ مَريَمَ، "يَنماثُ"، أي: يَذوبُ "كما يَنماثُ المِلحُ في الماءِ، فيَمشي إليه" عيسى ابنُ مَريَمَ "فيَقتُلُه" ويُخلِّصُ الناسَ مِن فِتنَتِه، ثم يُقاتِلُ أتْباعَ الكَذَّابِ مِنَ اليَهودِ، فيَختَبِئونَ منه، ولكِنَّ اللهَ سُبحانَه يُنطِقُ الأشياءَ، "حتى إنَّ الشَّجرةَ والحَجَرَ يُنادي: يا رُوحَ اللهِ" يَعْنونَ عِيسى بنَ مَريمَ عليه السَّلامُ، هذا يَهوديٌّ" يَختَبئُ "فلا يَترُكُ مِمَّن كان يَتبَعُه أحَدًا إلَّا قَتَلَه"، فيَنقَطِعُ دابِرُهم جَميعًا، ويُهلِكُهمُ اللهُ بيَدِ المُسلِمينَ مع عيسى ابنِ مَريَمَ عليه السَّلامُ. وفي الحَديثِ: بَيانُ عِظَمِ فِتنةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ. وفيه: إثباتُ نُزولِ عيسى عليه السَّلامُ آخِرَ الزَّمانِ. وفيه: بيانُ أنَّ الحَقَّ يَغلِبُ الباطلَ وإنْ طالَ زَمَنُ الباطِلِ وفَحُشَ أمْرُه.