الموسوعة الحديثية


- كانت خُزاعةُ حُلفاءَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكانت بنو بكرٍ - رهطٌ مِن بني كِنانةَ - حُلفاءَ لأبي سُفيانَ قال : وكانت بينهم موادعةٌ أيَّامَ الحُديبيَةِ فأغارت بنو بكرٍ على خُزاعةَ في تلك المدَّةِ فبعَثوا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يستمِدُّونَه فخرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُمِدًّا لهم في شهرِ رمضانَ فصام حتَّى بلَغ قُدَيدًا ثمَّ أفطَر قال : ( لِيصُمِ النَّاسُ في السَّفرِ ويُفطِروا فمَن صام أجزَأ عنه صومُه ومَن أفطَر وجَب عليه القضاءُ ) ففتَح اللهُ مكَّةَ فلمَّا دخَلها أسنَد ظهرَه إلى الكعبةِ فقال : ( كُفُّوا السِّلاحَ إلَّا خزاعةَ عن بكرٍ ) حتَّى جاءه رجُلٌ فقال : يا رسولَ اللهِ إنَّه قُتِل رجُلٌ بالمُزدَلِفةِ فقال : ( إنَّ هذا الحرَمَ حرامٌ عن أمرِ اللهِ لَمْ يحِلَّ لِمَن كان قبْلي ولا يحِلُّ لِمَن بعدي وإنَّه لَمْ يحِلَّ لي إلَّا ساعةً واحدةً وإنَّه لا يحِلُّ لمسلمٍ أنْ يُشهِرَ فيه سلاحًا وإنَّه لا يُختَلى خَلاه ولا يُعضَدُ شجَرُه ولا يُنفَّرُ صيدُه ) فقال رجُلٌ : يا رسولَ اللهِ إلَّا الإذخِرَ فإنَّه لبيوتِنا وقبورِنا فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( إلَّا الإذخِرَ وإنَّ أعتى النَّاسِ على اللهِ ثلاثةٌ : مَن قتَل في حرَمِ اللهِ أو قتَل غيرَ قاتلِه أو قتَل لِذَحْلِ الجاهليَّةِ ) فقام رجُلٌ فقال : يا نبيَّ اللهِ إنِّي وقَعْتُ على جاريةِ بني فلانٍ وإنَّها ولَدَتْ لي فَأْمُرْ بولَدي فلْيُرَدَّ إليَّ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( ليس بولدِك لا يجوزُ هذا في الإسلامِ والمدَّعى عليه أَوْلى باليمينِ إلَّا أنْ تقومَ بيِّنةٌ، الولدُ لصاحبِ الفِراشِ وبِفِي العاهرِ الأَثْلَبُ ) فقال رجُلٌ : يا نبيَّ اللهِ وما الأَثْلَبُ ؟ قال : ( الحجَرُ فمَن عهِر بامرأةٍ لا يملِكُها أو بامرأةِ قومٍ آخَرينَ فولَدتْ فليس بولدِه لا يرِثُ ولا يُورَثُ والمؤمنونَ يدٌ على مَن سواهم تتكافَأُ دماؤُهم يُجيرُ عليهم أوَّلُهم ويرُدُّ عليهم أقصاهم ولا يُقتَلُ مؤمنٌ بكافرٍ ولا ذو عهدٍ في عهدِه ولا يتوارَثُ أهلُ ملَّتَيْنِ ولا تُنكَحُ المرأةُ على عمَّتِها ولا على خالتِها ولا تُسافِرُ ثلاثًا مع غيرِ ذي مَحرَمٍ ولا تُصَلُّوا بعدَ الفجرِ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ ولا تُصَلُّوا بعدَ العصرِ حتَّى تغرُبَ الشَّمسُ )
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 5996 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
حِفظُ العَهدِ والوَفاءُ به مِن شَمائِلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد كان بَينَه وبَينَ قُرَيشٍ قَبلَ فَتحِ مَكةَ صُلحُ الحُدَيبيةِ. وفي هذا الحَديثِ بيانُ بَعضِ ذلك، حيثُ يقولُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: "كانت خُزاعةُ حُلَفاءَ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" وخُزاعةُ قَبيلةٌ كانت تَسكُنُ خارِجَ مَكةَ، والحَليفُ هو مَن دَخَلَ في ذِمَّةِ غَيرِه وحِمايَتِه، "وكانت بَنو بَكرٍ -رَهطٌ مِن بَني كِنانةَ- حُلَفاءَ لِأبي سُفيانَ" وذِكْرُ أبي سُفيانَ كِنايةٌ عن أنَّهم حُلفاءُ لِقُرَيشٍ، وكان ذلك قَبلَ أنْ يُسلِمَ أبو سُفيانَ، "وكانت بَينَهم مُوادَعةٌ أيَّامَ الحُدَيبيةِ" بمَعنى أنَّه بَعدَ صُلحِ الحُدَيبيةِ كانت بَينَ بَني بَكرٍ وخُزاعةَ هُدنةٌ وعَدَمُ حَربٍ، ولكِنَّ بَني بَكرٍ نَقَضوا الصُّلحَ، "فأغارَتْ بَنو بَكرٍ على خُزاعةَ في تلك المُدَّةِ" بمَعنى: نَقَضوا العَهدَ وحارَبوهم، "فبَعَثوا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَستَمِدُّونَه" فطَلَبتْ خُزاعةُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العَونَ والنُّصرةَ، "فخَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُمِدًّا لهم" بمَعنى: خَرَجَ بجَيشٍ كمَدَدٍ لِخُزاعةَ على بَني بَكرٍ ومِن خَلفِها قُرَيشٍ، "في شَهرِ رَمَضانَ" وذلك في العامِ الثامِنِ مِنَ الهِجرةِ، "فصامَ حتى بَلَغَ قُدَيدًا، ثم أفطَرَ" وهو عِندَ مَوضِعِ ماءٍ بَينَ قُدَيدٍ وعُسفانَ على بُعدِ حَوالَيْ 80 كم مِن مَكةَ شَمالًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمَن معه: "لِيَصُمِ الناسُ في السَّفَرِ ويُفطِروا" وهذه رُخصةٌ وبَيانٌ لِجَوازِ الأمرَيْنِ، وأنَّه مَنِ استَطاعَ إكمالَ الصِّيامِ فلا حَرَجَ عليه، ومَن أرادَ أنْ يُفطِرَ لِئَلَّا يَضعُفَ عنِ الحَربِ فلا حَرَجَ عليه، ثم قال: "فمَن صامَ أجزَأ عنه صَومُه" وهو صَومٌ صَحيحٌ ومَقبولٌ "ومَن أفطَرَ وَجَبَ عليه القَضاءُ" بَعدَ انقِضاءِ الشَّهرِ، "ففَتَحَ اللهُ مَكةَ" فأذعَنتْ قُرَيشٌ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واستَسلَمتْ له، "فلَمَّا دَخَلَها أسنَدَ ظَهرَه إلى الكَعبةِ فقال: كُفُّوا السِّلاحَ" فلا تَرفَعوه، وأدخِلوه في غِمدِه، ولا تَقتُلوا أحَدًا، "إلَّا خُزاعةَ عن بَكرٍ"؛ فإنَّ لها أنْ تَثأرَ مِن بَني بَكرٍ "حتى جاءَه رَجُلٌ فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه قُتِلَ رَجُلٌ بالمُزدَلِفةِ" وهي مِنَ المَشعَرِ الحَرامِ مِن مَشاعِرِ الحَجِّ، "فقال: إنَّ هذا الحَرَمَ حَرامٌ عن أمْرِ اللهِ"، أي: يَحرُمُ فيه القَتلُ والمَعصيةُ بأمْرٍ مِنَ اللهِ "لم يَحِلَّ لِمَن كان قَبْلي، ولا يَحِلُّ لِمَن بَعدي، وإنَّه لم يَحِلَّ لي إلَّا ساعةً واحِدةً" حتى يَفتَحَ اللهُ مَكَّةَ، وقد فُتِحتْ، فعادَتْ حُرمَتُها، "وإنَّه لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يُشهِرَ فيه سِلاحًا" فلا يُرفَعُ سِلاحٌ في الحَرَمِ المَكِّيِّ كُلِّه، "وإنَّه لا يُختَلَى خَلاهُ ولا يُعضَدُ شَجَرُه" فلا يُقطَعُ نَباتُه، لا الشَّجَرُ الكِبارُ ولا الشَّجَرُ الصِّغارُ، أوِ النَّباتُ الصَّغيرُ الذي هو الحَشيشُ الرَّطبُ، "ولا يُنفَّرُ صَيدُه" فلا يُزعَجُ مِن مَكانِه ولا يَحِلُّ صَيدُه، "فقال رَجُلٌ" وهو العَبَّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ رَضيَ اللهُ عنه: "يا رَسولَ اللهِ، إلَّا الإذخِرَ" وهو: نَباتٌ عُشبيٌّ عَريضُ الأوراقِ، مِن فَصيلةِ النَّجيليَّاتِ، له رائِحةٌ لَيمونيَّةٌ عَطِرةٌ، أزهارُه تُستَعملُ مَنقوعةً كالشَّايِ؛ "فإنَّه لِبُيوتِنا وقُبورِنا"، أي: فإنَّه نَباتٌ نافِعٌ لهم في حَرقِه بَدَلًا مِنَ الحَطَبِ، ويَجعَلونَه في أسقُفِ بُيوتِهم، وكذا لِسُقُفِ قُبورِهم، فاستَثناه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ النَّهيِ عن قَطعِه فقالَ: "إلَّا الإذخِرَ". ثم قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإنَّ أعْتَى الناسِ على اللهِ ثَلاثةٌ"، أي: إنَّ أكثَرَ الناسِ تَجبُّرًا وتَكبُّرًا وأبغَضَ الناسِ إلى اللهِ مِمَّن هم مِن جُملةِ المُسلِمينَ ثَلاثةُ أصنافٍ، وهُم: "مَن قَتَلَ في حَرَمِ اللهِ" وهو مَن قَتَلَ في الحَرَمِ المَكِّيِّ بغَيرِ حَقٍّ، فهو بذلك مُلحِدٌ في الحَرَمِ، وهو مِنَ الظُّلمِ والعِصيانِ وفِعلِ الكَبائِرِ، والمَعصيةُ في الحَرَمِ تَزيدُ على المَعصيةِ في غَيرِه، "أو قَتَلَ غَيرَ قاتِلِه" وهو مَن طَلَبَ قَتلَ امرِئٍ مُسلِمٍ وإراقةَ دَمِه بغَيرِ حَقٍّ، والمَقصودُ أنَّ القَوَدَ يَتعَلَّقُ بالقاتِلِ، ولا يَجوزُ بسَبَبِ القَتلِ التَّعرُّضُ لِغَيرِ القاتِلِ مِن أقرِبائِه وذَويه، وكانوا يَفعَلونَ ذلك تَعدِّيًا في الجاهليَّةِ، "أو قَتَلَ لِذَحلِ الجاهليَّةِ" فقَتَلَ بسَبَبِ ثأرٍ كان في الجاهليَّةِ قَبلَ الإسلامِ، والمُرادُ أنَّ هؤلاء الثَّلاثةَ الأصنافِ أبغَضُ أهلِ المَعاصي إلى اللهِ تَعالى، "فقامَ رَجُلٌ فقال: يا نَبيَّ اللهِ، إنِّي وَقَعتُ على جاريةِ بَني فُلانٍ"، أي: عاشَرتُها وجامعتُها، "وإنَّها وَلَدتْ لي، فَأْمُرْ بوَلَدي فلْيُرَدَّ إليَّ" وهذا القَولُ منه على ما كان مِن أمْرِ الجاهليَّةِ مِنَ الفُحشِ والزِّنا، ثم ادِّعاءِ وَلَدِ الزِّنا لِمَن زَنا بأُمِّه "فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ليس بوَلَدِكَ، لا يَجوزُ هذا في الإسلامِ"؛ فإنَّ الإسلامَ حَرَّمَ الزِّنا والفاحِشةَ، وقَضَى أنَّ الوَلَدَ لِلفِراشِ، فهو وَلَدٌ لِمَن وَلَدتْه أُمُّه على فِراشِه، وفي بَيتِه، "والمُدَّعى عليه أوْلَى باليَمينِ" فيَحلِفُ لِيُثبِتَ بَراءَتَه مِمَّا ادُّعيَ عليه "إلَّا أنْ تَقومَ بَيِّنةٌ" فيَشهَدَ الشُّهودُ لِصالِحِ المُدَّعي. ثم وضَّحَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا الحُكمَ صريحًا فقال: "الوَلَدُ لِصاحِبِ الفِراشِ"، أي: لِصاحِبِ الفِراشِ، وهو الزَّوجُ لِلحُرَّةِ، أو المالِكُ لِلأمَةِ، والفِراشُ هنا هو عَقدُ النِّكاحِ لِلحُرَّةِ، أو مِلكُ الأُمِّ إذا كانتْ أمَةً، "وبِفِي العاهِرِ الأثْلِبُ"، أي: للعاهِرِ الزَّاني الخَيبةُ والخُسرانُ والحِرمانُ، ويُوضَعُ في فَمِ الزَّاني الحَجَرُ، أو يُرجَمُ به إنْ كان مُحصَنًا، ويُجلَدُ إنْ كان غَيرَ مُحصَنٍ؛ فنَفى أنْ يُلحَقَ في الإسلامِ وَلَدُ الزِّنا بالزاني، وكُلُّ وَلَدٍ يُولَدُ لِرَجُلٍ على فِراشِه فهو لاحِقٌ به، "فقال رَجُلٌ: يا نَبيَّ اللهِ، وما الأثْلِبُ؟ قال: الحَجَرُ، فمَن عَهَرَ بامرأةٍ لا يَملِكُها" بأنْ زَنَى بأمَةٍ مَملوكةٍ لِغَيرِه "أو بامرأةِ قَومٍ آخَرينَ" حُرَّةٍ "فوَلَدتْ، فليس بوَلَدِه"؛ فليس المَولودُ وَلَدًا لِلزَّاني، "لا يَرِثُ" مِن أبيه الزاني بأُمِّه، ولا مِن أحَدٍ مِن أقارِبِه؛ لأنَّه لا يَثبُتُ بالزِّنا نَسَبٌ "ولا يُورَثُ" فلا يَرِثُ الأبُ الواطِئَ أُمَّه بالزِّنا منه، ولا أحَدٌ مِن أقارِبِه. ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "والمُؤمِنونَ يَدٌ على مَن سِواهم"؛ فهُم قُوَّةٌ مُجتَمِعةٌ على أعدائِهم وأعداءِ دِينِهم "تَتكافَأُ دِماؤُهم" تَتَساوى دِماؤُهم في القِصاصِ والدِّياتِ لِبَعضِهم مِن بَعضٍ، ولا فَرقَ بَينَ الشَّريفِ والوَضيعِ في الدَّمِ؛ فلا يَفضُلُ شَريفٌ منهم وَضيعًا، وليس كما كان في الجاهليَّةِ، حيثُ كانوا لا يَقتَصُّونَ لِلرَّجُلِ الشَّريفِ إلَّا مِن عِدَّةٍ مِن قَبيلةِ القاتِلِ؛ فأبطَلَ الإسلامُ حُكمَ الجاهليَّةِ، وجَعَلَ دِماءَ المُسلِمينَ على التَّكافؤِ، وإنْ كان بَينَهم تَفاضُلٌ وتَفاوُتٌ، "يُجيرُ عليهم أوَّلُهم، ويَرُدُّ عليهم أقصاهم"، فإذا أعطَى أحَدٌ مِنَ المُسلِمينَ عَهدًا وذِمَّةً لِغَيرِ مُسلِمٍ، ولو كان ذلك مِن عَبدٍ أو أمَةٍ، وَجَبَ على باقي المُسلِمينَ أن يُوفوا له عَهدَه، وفي قَولِه: (أقصاهم) إشارةٌ إلى أنَّه مهما كان بُعدُه ومَكانَتُه لَزِمَ على المُسلِمينَ إنفاذُ إجارَتِه. ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ولا يُقتَلُ مُؤمِنٌ بكافِرٍ" فإذا قَتَلَ مُؤمِنٌ كافِرًا فلا قِصاصَ عليه، "ولا ذو عَهدٍ في عَهدِه" ولا يُقتَلُ المُعاهَدُ بكافِرٍ، ولا قِصاصَ عليه. "ولا يَتوارَثُ أهلُ مِلَّتيْنِ" والمَعنى: أنَّه لا يَكونُ المِيراثُ بَينَ أهلِ مِلَّتيْنِ مُختَلِفَتيْنِ، سواءٌ أكانَ كِلاهما مُشتَرِكَيْنِ في الكُفرِ أم كان الإسلامُ دِينَ أحَدِهما، وقيلَ: إنَّما هو خاصٌّ بما إذا كان أحَدُهما مُسلِمًا، ويَكونُ المَعنى: لا يَرِثُ المُسلِمُ كافِرًا، ولا يَرِثُ الكافِرُ مُسلِمًا. "ولا تُنكَحُ المَرأةُ على عَمَّتِها، ولا على خالَتِها" وهذا نَهيٌ عنِ الجَمعِ بَينَ المَرأةِ وعَمَّتِها، والمَرأةِ وخالَتِها في النِّكاحِ، والرَّضاعةُ تُحرِّمُ ما يُحرِّمُه النَّسَبُ، فكما أنَّ المَرأةَ لا يُجمَعُ بَينَها وبَينَ خالَتِها مِنَ النَّسَبِ، فكذلك لا يُجمَعُ بَينَها وبَينَ خالَتِها مِنَ الرَّضاعةِ، وهي أنْ تَكونَ أُختَ أُمِّها التي أرضَعَتْها، وكذلك العَمَّةُ، فكما لا يُجمَعُ بَينَ المَرأةِ وعَمَّتِها مِنَ النَّسَبِ، لا يُجمَعُ بَينَ المَرأةِ وعَمَّتِها مِنَ الرَّضاعةِ، وأيضًا خالةُ الأبِ مِنَ الرَّضاعِ كخالةِ الأبِ مِنَ النَّسَبِ، وكذلك في سائِرِ المُحَرَّماتِ بالرَّضاعِ. "ولا تُسافِرُ ثَلاثًا مع غَيرِ ذي مَحرَمٍ" والمَحرَمُ لِلنِّساءِ ما حُرِّمتْ عليه تَحريمًا مُؤَبَّدًا؛ كالابنِ والأبِ وابنِ الأخِ وابنِ الأُختِ والعَمِّ والخالِ ونَحوِ ذلك، وقد وَرَدَ في أحاديثَ أُخرى: (مَسيرةَ يَومٍ)، وفي غَيرِها: (مَسيرةَ ثَلاثةِ أيَّامٍ)، ولا تَناقُضَ أو خِلافَ؛ لِأنَّ الكَلامَ اختَلَفَ باختِلافِ السائِلينَ والأشخاصِ، وليس في هذا كُلِّه تَحديدٌ لِأقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسمُ السَّفَرِ، ولم يُرِدْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَحديدَ أقَلِّ ما يُسَمَّى سَفَرًا؛ فالحاصِلُ أنَّ كُلَّ ما يُسَمَّى سَفَرًا تُنهَى عنه المَرأةُ بغَيرِ زَوجٍ أو مَحرَمٍ، سواء كان ثَلاثةَ أيَّامٍ أم يَومَيْنِ أم يَومًا. ثُمَّ قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "ولا تُصلُّوا بَعدَ الفَجرِ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ" قَدْرَ رُمحٍ أو رُمحَيْنِ، فيُصَلَّى بَعدَ ذلك "ولا تُصلُّوا بَعدَ العَصرِ حتى تَغرُبَ الشَّمسُ". وفي رِوايةٍ: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي الظُّهرَ بالهاجِرةِ، والعَصرَ والشَّمسُ نَقيَّةٌ)، فدَلَّ على أنَّ المُرادَ بالبَعديَّةِ ليس على عُمومِه، وإنَّما المُرادُ وَقتُ الطُّلوعِ ووَقتُ الغُروبِ وما قارَبَهما. وفي الحَديثِ: بَيانُ حُرمةِ مَكةَ وحُرمةِ ارتِكابِ المَعصيةِ فيها. وفيه: أنَّ الزِّنا لا يَثبُتُ به نَسَبٌ. وفيه: التَّحذيرُ مِنَ الزِّنا، وبَيانُ آثارِه السَّيِّئةِ. وفيه: عَدَمُ التَّوارُثِ بَينَ أهلِ المِلَلِ المُختَلِفةِ. وفيه: أهمِّيَّةُ الميراثِ والحُقوقِ المُتعلِّقةِ به في المُجتَمَعِ.