الموسوعة الحديثية


- كنتُ جالِسًا عندَ أبي هُرَيرةَ، فأتاه رَجُلٌ فسأَلَه، فقال: يا أبا هُرَيرةَ، أنتَ نهَيتَ النَّاسَ أنْ يَصوموا يَومَ الجُمُعةِ؟ قال: لا، لَعَمْرُ اللهِ، غَيرَ أنَّ وَرَبِّ هذه الحُرمَةِ ورَبِّ هذه الحُرمَةِ، لقد سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: لا يَصومَنَّ أحدُكم يَومَ الجُمُعةِ إلَّا في أيَّامٍ يَصومُه فيها. قال: فجاءَ آخَرُ، فقال: يا أبا هُرَيرةَ، أنتَ نهَيتَ النَّاسَ أنْ يُصَلُّوا في نِعالِهم؟ قال: لا، لَعَمْرُ اللهِ، غَيرَ أنَّ وَرَبِّ هذه الحُرمةِ، ورَبِّ هذه الحُرمةِ لقد رأَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي إلى هذا المَقامِ، وإنَّ عليه نَعلَيْه، ثم انصرَفَ وهما عليه.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 9467 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره | التخريج : أخرجه أحمد (9467) واللفظ له، وعبدالرزاق (1504)، والحارث في ((المسند)) (140)
كانَ الصَّحابةُ الكِرامُ يُعلِّمونَ الناسَ أُمورَ دِينِهم كما تَعَلَّموها مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويُصحِّحونَ لهمُ الخَطَأ، ويُبيِّنونَ ما غَمُضَ عليهم. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ التابِعيُّ أبو الأوْبَرِ: "كُنتُ جالِسًا عِندَ أبي هُرَيرةَ، فأتاه رَجُلٌ فسألَه، فقال: يا أبا هُرَيرةَ، أنتَ نَهَيتَ الناسَ أنْ يَصوموا يَومَ الجُمُعةِ؟" والمُرادُ: هل نَهَيتَ عن صيامِه مُطلَقًا؟ "قال أبو هُرَيرةَ: لا، لَعَمرُ اللهِ" وهذا قَسَمٌ جَرى على كَلامِ العَرَبِ، وعادَتُهم تَوكيدُ الكَلامِ، "غَيرَ أنَّ ورَبِّ هذه الحُرمةِ ورَبِّ هذه الحُرمةِ" يَقصِدُ الكَعبةَ، ويُقسِمُ باللهِ الذي هو رَبُّها "لقد سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: لا يَصومَنَّ أحَدُكم يَومَ الجُمُعةِ إلَّا في أيَّامٍ يَصومُه فيها" بمَعنى: نَهى أنْ يُفرَدَ يَومُ الجُمُعةِ بصِيامِ تَطوُّعٍ ونافِلةٍ، أمَّا صيامُ يَومٍ قَبلَه أو بَعدَه فجائِزٌ، كأنْ يَكونَ صَومُه مُرتَبِطًا بكَفَّارةٍ مِنَ الكَفَّاراتِ، أو نَذرٍ وَقَعَ ميقاتُه يَومَ الجُمُعةِ، أو يَسبِقُه أو يَليه بصيامٍ. وقد ثَبَتَ في الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "لا يَصومَنَّ أحَدُكم يَومَ الجُمُعةِ، إلَّا يَومًا قَبلَه أو بَعدَه"، ولَعَلَّ السَّبَبَ في النَّهيِ عن إفرادِ يَومِ الجُمُعةِ بالصِّيامِ أنَّ يَومَ الجُمُعةِ فيه وَظائِفُ مِنَ العِباداتِ؛ فيُفطَرُ فيه لِيكَونَ أعوَنَ لِلعَبدِ على أدائِها، أو تَشبيهًا بيَومِ العيدِ؛ لِأنَّ الجُمُعةَ عيدُ المُؤمِنينَ في الأُسبوعِ. قال أبو الأوْبَرِ: "فجاء آخَرُ" يَسألُ "فقالَ: يا أبا هُرَيرةَ، أنتَ نَهَيتَ الناسَ أنْ يُصلُّوا في نِعالِهم؟" وذلك أنَّ الأصلَ فيما كان مَعروفًا أنَّ الصَّلاةَ في النِّعالِ جائِزةٌ إنْ طَهَرتْ، والنَّعلُ: حِذاءٌ يُلبَسُ في القَدَمِ لِيَقيَها عِندَ المَشيِ، والغالِبُ فيه أنَّه لا يَستُرُ القَدَمَ، فقال أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: "لا، لَعَمرُ اللهِ، غَيرَ أنَّ ورَبِّ هذه الحُرمةِ، ورَبِّ هذه الحُرمةِ" يُقسِمُ برَبِّ الكَعبةِ "لقد رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي إلى هذا المَقامِ، وإنَّ عليه نَعلَيْه" يُصلِّي إلى الكَعبةِ وهو لابِسٌ نَعلَيْه "ثم انصرَفَ وهما عليه"، وانتَهى وسَلَّمَ مِن صَلاتِه وهو لابِسٌ إيَّاهما. وفي الحَديثِ: مَشروعيةُ الصَّلاةِ في النِّعالِ.