الموسوعة الحديثية


- أتينا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ نعودُه في نسائه فإذا سقاءٌ مُعلَّقٌ نحوَه يقطرُ ماؤُه عليه من شدَّةِ ما يجدُ من حرِّ الحُمَّى قلنا يا رسولَ اللهِ لو دعوتَ اللهَ فشفاك فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ من أشدِّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الذين يلونَهم ثم الذين يلونَهم ثم الذين يلونَهم
الراوي : فاطمة بنت اليمان | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 1/275 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الأنبياءُ أشَدُّ النَّاسِ بَلاءً؛ لِقوَّةِ دِينِهم ويَقينِهم، ولِعِظَمِ أجْرِهم كذلك؛ لذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُبتَلى كَثيرًا بما يَفوقُ أصحابَه. وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ فاطِمةُ بِنتُ اليَمانِ، وهي أُختُ الصَّحابيِّ حُذيفةَ بنِ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنهما: "أتَيْنا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَعودُه في نِسائِه" نَزورُه عِندَ نِسائِه، ومع زَوجاتِه، وقد كان مَريضًا "فإذا سِقاءٌ مُعلَّقٌ نَحوَه"، أي: وِعاءٌ أو قِربةٌ مِنَ الماءِ مُعلَّقةٌ فَوقَه "يَقطُرُ ماؤُه عليه" على رأسِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "مِن شِدَّةِ ما يَجِدُ مِن حَرِّ الحُمَّى" والحُمَّى حَرارةٌ شَديدةٌ تُصيبُ الجَسَدَ، كَأنَّها تُذيبُ اللَّحمَ، "قُلنا: يا رَسولَ اللهِ، لو دَعَوتَ اللهَ فشَفاكَ"؛ وقالوا ذلك لِأنَّهم يَعلَمونَ أنَّه مُستَجابُ الدَّعوةِ، فلو دَعا اللهَ لَرَفعَ عنه المَرَضَ، ولكِنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ الناسَ الصَّبرَ، ويُبيِّنُ فَضيلةَ القَبولِ بقَضاءِ اللهِ بالبَلاءِ والشِّدَّةِ مع الرِّضا، "فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ مِن أشَدِّ الناسِ بَلاءً"، أي: مِن أكثَرِهم إصابةً بأقوى البَلاءِ "الأنبياءَ، ثم الذين يَلونَهم، ثم الذين يَلونَهم، ثم الذين يَلونَهم" فيَكونُ بَعدَ الأنبياءِ في الإصابةِ بالبَلاءِ الذين يأتونَ بَعدَهم في الرُّتبةِ والمَنزِلةِ مِن حيثُ قُوَّةُ الإيمانِ؛ وذلك لِأنَّ المَرءَ يُبتَلى على قَدرِ دِينِه، فإنْ كانَ في دِينِه صَلابةٌ اشتَدَّ بَلاؤُه، وإنْ كانَ في دِينِه رِقَّةٌ ابتُليَ على حَسَبِ ذلك، ولا شَكَّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكمَلُ النَّاسِ دِينًا، وأتْقى الخَلقِ وأقرَبُهم إلى اللهِ سُبحانَه وتَعالى؛ ولذلك ابتُليَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بجَميعِ أصنافِ الابتِلاءِ، ومِن جُملةِ ذلك أنَّ الوَجَعَ -وهو المَرَضُ- كان يأتيه أشَدَّ مِن غَيرِه. ففي حَديثِ البُخاريِّ أنَّ وَجَعَه كوَجَعِ رَجُلَيْنِ؛ لِيَعظُمَ أجْرُه بذلك، وسيَكونُ لِلمؤمِنينَ المُبتَلَيْنَ على ذلك الجَزاءُ الحَسَنُ يَومَ القِيامةِ، قال تَعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، ومع ذلك فإنَّ مَنزِلةَ الصَّبرِ على البَلاءِ ومَنزِلةَ الشُّكرِ على العافيةِ، صاحِبُ كُلٍّ منهما رَفيعُ الدَّرجةِ، شَريفُ المَنزِلةِ، وله أجرُه عِندَ اللهِ. وفي الحَديثِ: عِظَمُ بَلاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعِظَمُ صَبرِه وتَحمُّلِه. وفيه: أنَّ البَلاءَ مع الصَّبرِ عليه عاقِبَتُه مَحمودةٌ عِندَ اللهِ، وأجْرُه عَظيمٌ.