الموسوعة الحديثية


- إنَّ عمرَ خرج في ركبٍ فيهم عمرو بنُ العاصِ ، حتى وَرَدُوا حَوْضًا ، فقال عمرو : يا صاحبَ الحَوْضِ ! هل تَرِدُ حوضَك السِّباعُ ؟ ! فقال عمرُ بنُ الخطابِ : يا صاحبَ الحوضِ ! لا تُخبِرْنا ، فإنا نَرِدُ على السِّباعِ وتَرِدُ علينا
الراوي : يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب | المحدث : الألباني | المصدر : هداية الرواة | الصفحة أو الرقم : 465 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
بُنيتْ أحْكامُ الشَّرعِ المطهَّرِ على التَّيسيرِ على الناسِ، ورَفعِ المَشقَّةِ عن حَياتِهم، وخُصوصًا فيما لا غِنى لهم عنه، مِثلَ الماءِ، الذي هو أصلُ الحَياةِ؛ فبَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ الماءِ وطَهارَتِه. وفي هذا الأثَرِ يَروي التابِعيُّ يَحيى بنُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ حاطِبٍ "أنَّ عُمَرَ خَرَجَ في رَكبٍ فيهم عَمرُو بنُ العاصِ، حتى وَرَدوا حَوضًا" بمَعنى: حَضَروا عِندَه، والحَوضُ مُجتَمَعُ الماءِ، فنادَى على مالِكِ الحَوضِ والماءِ عَمرٌو، فقال: "يا صاحِبَ الحَوضِ، هل تَرِدُ حَوضَكَ السِّباعُ؟!"، أي: هل تأتيه السِّباعُ وتَشرَبُ مِن مائِه؟ والسِّباعُ اسمٌ جامِعٌ لِكُلِّ حَيَوانٍ يَأكُلُ اللَّحمَ، وذِكرُه لِلسِّباعِ إشارةٌ لِمَا يَحمِلُه بَعضُها مِن نَجاسَةٍ، ولَا يَخلُو الماءُ مِن رَوثِ الحَيَواناتِ التي تَرِدُه وبَولِها؛ ولعَلَّ عَمرَو بنَ العاصِ سألَ لِأنَّه لم يَكُنْ يَعرِفُ حُكمَ سُؤرِ السِّباعِ، فسألَ لَمَّا أرادَ أنْ يأخُذَ مِنَ الحَوضِ لِشُربٍ ونَحوِه، "فقال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: يا صاحِبَ الحَوضِ، لا تُخبِرْنا" لا تُعلِمْنا إذا كانتِ السِّباعُ تَشرَبُ مِن حَوضِكَ أو لا، وهو إنكارٌ لِقَولِ عَمرِو بنِ العاصِ، وإخبارٌ بأنَّ وُرودَ السِّباعِ على المياهِ لا يُغيِّرُ حُكمَها، ثم قالَ: "فإنَّا نَرِدُ على السِّباعِ" فنَشرَبُ بَعدَها مِن ماءِ الآبارِ وشِبهِها، "وتَرِدُ علينا" فتَشرَبُ بَعدَنا مِنَ الماءِ. . وهكذا؛ وذلك لِأنَّ الماءَ المُتجَدِّدَ الكَثيرَ لا يَحمِلُ الخَبَثَ ولا النَّجاسةَ، بل يَدفَعُها عن نَفْسِه، ولا يُعدُّ نَجَسًا، بل هُوَ طاهِرٌ، وسُؤرُ السِّباعِ لا يُؤثِّرُ فيها. وفي سُنَنِ أبي داودَ: سُئِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "عنِ الماءِ وَمَا يَنوبُه مِنَ الدَّوابِّ والسِّباعِ، فَقَالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذَا كانَ الماءُ قُلَّتيْنِ لم يَحمِلِ الخَبَثَ"، وهذا كُلُّه مِنَ التَّيسيرِ على الناسِ في أمْرِ الماءِ؛ لِأنَّهم كانوا يَعتَمِدونَ في شُربِهم وحَياتِهم على ماءِ الآبارِ وما يُستَخرَجُ منها في الأحواضِ. وفي الحَديثِ: أنَّ الماءَ إذا لم تَظهَرْ فيه نَجاسةٌ فهو طاهِرٌ. وفيه: أنَّ السُّؤالَ فيما لا يُحتاجُ إليه يَجِبُ إنكارُه والاحتِجاجُ عليه.