الموسوعة الحديثية


- عن جابر بن عبد الله يقول: أخبَرَنا مَن شَهِدَ مُعاذًا حين حَضَرَتْه الوَفاةُ، يقولُ: اكشِفوا عنِّي سَجْفَ القُبَّةِ أُحدِّثْكم حديثًا سَمِعتُه مِن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -وقال مَرَّةً: أُخبِرْكم بشيءٍ سَمِعتُه مِن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يَمنَعْني أنْ أُحدِّثَكُموه إلَّا أنْ تَتَّكِلوا، سَمِعتُه يقولُ: مَن شَهِدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مُخلِصًا مِن قَلبِه -أو يَقينًا مِن قَلبِه- لم يَدخُلِ النَّارَ -أو دَخَلَ الجنَّةَ- وقال مَرَّةً: دَخَلَ الجنَّةَ، ولم تَمَسَّه النَّارُ.
الراوي : معاذ بن جبل | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 22060 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (10975)، وابن ماجه (3796) بمعناه، وأحمد (22060) واللفظ له
الشَّهادةُ للهِ تَعالى بالتَّوحيدِ، ولِنَبيِّه محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّسالةِ، هي أعظَمُ كَلِمةٍ، ولها فَضلٌ عَظيمٌ؛ فبها يَنجو قائِلُها مِنَ النارِ والعَذابِ، وبها يَغفِرُ اللهُ له ذَنبَه ويُدخِلُه الجَنَّةَ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: "أخبَرَنا مَن شَهِدَ مُعاذًا حين حَضَرتْه الوفاةُ" وهو في مَرَضِ المَوتِ، "يَقولُ: اكشِفوا عَنِّي سَجْفَ القُبَّةِ" وهو السَّاتِرُ الذي يُغطِّي أعلى الخَيمةِ، أوِ البَيتِ "أُحَدِّثْكم حَديثًا سَمِعتُه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -وقالَ مَرَّةً: أُخبِرْكم بشَيءٍ سَمِعتُه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يَمنَعْني أنْ أُحَدِّثَكموه إلَّا أنْ تَتَّكِلوا" فقد كُنتُ أخشى أنْ تَتَّكِلوا على مَعنى الحَديثِ وتَترُكوا العَمَلَ، وتَقِلَّ معه العِبادةُ، فلم يُحدِّثْ به مُعاذٌ أحَدًا إلَّا قَبلَ مَوتِه، مَخافةَ الوُقوعِ في إثْمِ كِتمانِ العِلْمِ. "سَمِعتُه يَقولُ: مَن شَهِدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مُخلِصًا مِن قَلبِه -أو يَقينًا مِن قَلبِه- لم يَدخُلِ النارَ -أو دَخَلَ الجَنَّةَ-، وقالَ مَرَّةً: دَخَلَ الجَنَّةَ، ولم تَمَسَّه النارُ"، والمَعنى: أنَّ مَن شَهِدَ للهِ بالتَّوحيدِ ولِمُحمَّدٍ بالرِّسالةِ، وماتَ على ذلك وهو مُتَيقِّنٌ مِنْ مَعنَيَيْهما وعَمِلَ بمُقتَضى ذلك، وَقاه اللهُ النارَ، وأدخَلَه الجَنَّةَ بفَضلِه ابتِداءً، أو بَعدَ عِقابٍ على ما كانَ مِنَ العَمَلِ؛ فأهلُ التَّوحيدِ سَيدخُلونَ الجَنَّةَ وإنْ عُذِّبوا بالنارِ بذُنوبِهم؛ فإنَّهم لا يُخَلَّدونَ في النارِ؛ فكَلِمةُ التَّوحيدِ هي كَلِمةُ التَّقوى، وهي كَلِمةُ الإخلاصِ، وشَهادةُ الحَقِّ، ودَعوةُ الحَقِّ، وبَراءةٌ مِنَ الشِّركِ، ولِأجْلِها خُلِقَ الخَلقُ، كما قالَ تَعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ولِأجْلِها أُرسِلَتِ الرُّسُلُ وأُنزِلَتِ الكُتُبُ، قالَ تَعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقالَ تَعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2]. وفي الحَديثِ: أنَّ لِلعالِمِ أنْ يَخُصَّ بالعِلْمِ قَومًا دونَ قَومٍ؛ لِمَا يَعلَمُه مِن ضَبطِ مَن خَصَّهم وصِحَّةِ فَهْمِهم، وألَّا يَبذُلَ المَعنى اللَّطيفَ لِمَن لا يَستأْهِلُه مِنَ الطَّلَبةِ ومَن يَخافُ عليه التَّرخُّصَ والاتِّكالَ؛ لِضَعفِ فَهْمِه.