الموسوعة الحديثية


- قاتَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم مُحارِبَ خَصَفَةَ بِنَخلٍ، فرَأَوْا مِن المُسلِمينَ غِرَّةً، فجاءَ رَجُلٌ منهم يُقالُ له: غَوْرَثُ بنُ الحارِثِ، حتى قامَ على رَأسِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بالسَّيفِ، فقال: مَن يَمنَعُكَ منِّي؟ قال: اللهُ، فسَقَطَ السَّيفُ مِن يَدِه، فأَخَذَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فقال: مَن يَمنَعُكَ منِّي؟ قال: كُنْ كخَيرِ آخِذٍ، قال: أتَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، قال: لا، ولكنِّي أُعاهِدُكَ ألَّا أُقاتِلَكَ، ولا أكونَ مع قومٍ يُقاتِلونَكَ، فخَلَّى سَبيلَه، قال: فذَهَبَ إلى أصْحابِه، قال: قد جِئتُكُم مِن عِندِ خَيرِ النَّاسِ، فلمَّا كان الظُّهرُ أو العَصرُ صلَّى بهم صلاةَ الخَوفِ، فكان النَّاسُ طائِفَتَينِ؛ طائِفةً بإزاءِ عَدُوِّهم، وطائِفةً صَلَّوْا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، فصلَّى بالطائِفةِ الذين كانوا معه رَكعَتَينِ، ثُمَّ انصَرَفوا، فكانوا مكانَ أولئكَ الذين كانوا بإزاءِ عَدُوِّهم، وجاء أولئك، فصلَّى بهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم رَكعَتَينِ، فكان للقومِ رَكعَتانِ رَكعَتانِ، ولرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أربعُ رَكَعاتٍ.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 14929 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (14929) واللفظ له، وعبد بن حميد (1094)، وأبو يعلى (1778)
الصَّلاةُ أعظَمُ أركانِ الإسلامِ العَمليَّةِ، وفي حالِ القِتالِ مع الكُفَّارِ يَصعُبُ على المُسلِمِ أنْ يُصلِّيَ الصَّلاةَ التَّامَّةَ؛ ولذلك شَرَعَ اللهُ تَعالى في حالةِ الحَربِ صَلاةَ الخَوفِ؛ تَخفيفًا وتَيسيرًا على المُسلِمينَ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: "قاتَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحارِبَ خَصَفةَ" قيلَ: هو مُحارِبُ بنُ خَصَفةَ بنِ قَيسٍ، وقيلَ: أُضيفَتْ (مُحارِبٌ) إلى (خَصَفةَ)؛ لِقَصدِ التَّمييزِ عن غَيرِهم مِنَ المُحارِبينَ، كَأنَّه قالَ: مُحارِبٌ الذين يُنسَبونَ إلى خَصَفةَ، لا الذين يُنسَبونَ إلى فِهرٍ، ولا غَيرِهم، وقيلَ: كانَ ذلك في غَزوةِ ذاتِ الرِّقاعِ في السَّنةِ الرَّابِعةِ مِنَ الهِجرةِ، "بنَخْلٍ" مَوضِعٌ قَريبٌ مِن ذاتِ الرِّقاعِ، فيه نَخْلٌ "فرَأوْا مِنَ المُسلِمينَ غِرَّةً"، أي: غَفلةً "فجاءَ رَجُلٌ منهم يُقالُ له: غَوْرَثُ بنُ الحارِثِ، حتى قامَ على رَأْسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالسَّيفِ" وَقَفَ على رَأْسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالسَّيفِ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نائِمًا وَحدَه تَحتَ شَجَرةٍ في ظِلِّها، "فقالَ: مَن يَمنَعُكَ مِنِّي؟" مَن يَدفَعُ عنكَ ويَحميكَ مِنِّي الآنَ؟ فقالَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اللهُ"، هو الذي يَحميني منكَ ومِن سَيفِكَ، فخافَ الرَّجُلُ، "فسَقَطَ السَّيفُ مِن يَدِه، فأخَذَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: مَن يَمنَعُكَ مِنِّي؟"، فبادَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَهديدَه، وهو تَحتَ سَيفِه، فقالَ غَوْرَثٌ: "كُنْ كخَيرِ آخِذٍ" يَطلُبُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّفحَ والعَفوَ، فيَعفو عنِ السَّيِّئةِ ويُقابِلُها بالمَعروفِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أتَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ؟" بمَعنى: هل تَشهَدُ بالتَّوحيدِ للهِ وتَدخُلُ الإسلامَ؟ "قالَ: لا"، فرَفَضَ الرَّجُلُ أنْ يَدخُلَ الإسلامَ وهو على تلك الحالِ، وقالَ: "ولكِنِّي أُعاهِدُكَ"، أي: أُعطيكَ العَهدَ والميثاقَ، "ألَّا أُقاتِلَكَ"؛ فلا أُحارِبَكَ بنَفْسي "ولا أكونَ مع قَومٍ يُقاتِلونَكَ"، فلا أُعينَهم على قِتالِكَ، "فخَلَّى سَبيلَه" وتَرَكَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قالَ جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه: "فذَهَبَ إلى أصحابِه، قالَ: قد جِئتُكم مِن عِندِ خَيرِ الناسِ"، فرَجَعَ الرَّجُلُ إلى قَومِه مادِحًا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِعَفْوِه عنه ولِمَا رآه مِن حُسنِ خُلُقِه وجميلِ مُعاملتِه، "فلَمَّا كانَ الظُّهرُ أوِ العَصرُ صَلَّى" النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "بهم صَلاةَ الخَوفِ" وهي الصَّلاةُ التي تَحضُرُ المُسلِمينَ في حَضرةِ العَدوِّ، "فكانَ الناسُ طائِفَتَيْنِ؛ طائِفةً بإزاءِ عَدُوِّهم" تَقِفُ أمامَ العَدوِّ وفي مُواجَهَتِه، "وطائِفةً صَلَّوْا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" أحرَموا معه في أوَّلِ الصَّلاةِ "فصَلَّى بالطائِفةِ الذين كانوا معه رَكعتَيْنِ، ثم انصَرَفوا"، أي: سَلَّموا مِن صَلاتِهم وتَرَكوا مَكانَ صَلاتِهم، "فكانوا مَكانَ أولئك الذين كانوا بإزاءِ عَدُوِّهم، وجاءَ أولئك"، أي: فجاءَ الذين كانوا في مُواجَهةِ العَدوِّ، "فصَلَّى بهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَكعتَيْنِ" وهما الرَّكعَتانِ الأخيرَتانِ مِن صَلاةٍ رُباعيَّةٍ "فكانَ لِلقَومِ رَكعَتانِ رَكعَتانِ، ولِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربَعُ رَكَعاتٍ" فكانَتِ الصَّلاةُ تَخفيفًا على المُحارِبينَ؛ فصَلَّوْها رَكعَتَيْنِ، وصَلَّاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربَعًا؛ صَلَّى مع كُلِّ فَريقٍ رَكعَتَيْنِ. وقد وَرَدَ في كَيفيَّةِ صَلاةِ الخَوفِ صِفاتٌ كَثيرةٌ، وهذه إحدى الرِّواياتِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيها، وقد صَلَّاها في أيَّامٍ مُختَلِفةٍ بأشكالٍ مُتَباينةٍ، يَتحَرَّى فيها ما هو الأحوَطُ لِلصَّلاةِ والأبلَغُ لِلحِراسةِ، فهي على اختِلافِ صُوَرِها مُتَّفِقةُ المَعنى. وفي الحَديثِ: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفيه: العَفوُ عِندَ المَقدِرةِ خَيرٌ مِنَ البَطشِ. وفيه: أهَميَّةُ الصَّلاةِ، وأنَّها لا تَسقُطُ حتى في حالِ الحَربِ. وفيه: صِفةُ صَلاةِ الخَوفِ.