الموسوعة الحديثية


- عجِب ربُّنا مِن رجُلينِ: رجلٍ ثار عن وِطائِه ولحافِه مِن بينِ حِبِّه وأهلِه إلى صلاتِه فيقولُ اللهُ جلَّ وعلا لملائكتِه: انظُروا إلى عبدي ثار عن فراشِه ووِطائِه مِن بينِ حِبِّه وأهلِه إلى صلاتِه رغبةً فيما عندي وشفقةً ممَّا عندي، ورجلٍ غزا في سبيلِ اللهِ فانهزَم أصحابُه وعلِم ما عليه في الانهزامِ وما له في الرُّجوعِ فرجَع حتَّى هُريقَ دمُه فيقولُ اللهُ لملائكتِه: انظُروا إلى عبدي رجَع رجاءً فيما عندي وشفقًا ممَّا عندي حتَّى هُريقَ دمُه
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 2558 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (2536) مختصراً، وأحمد (3949) باختلاف يسير
الخَوفُ مِنَ اللهِ تَعالى مِن أعمالِ القُلوبِ العَظيمةِ التي يَنبَغي على المُسلِمِ أنْ يَمتَلِئَ قَلبُه بها، فيَخافَ مِنَ اللهِ في كُلِّ وَقتٍ، فإذا تَمَكَّنَ ذلك مِن قَلبِه لم يُقَصِّرْ في طاعةٍ، ولم يَفعَلْ مَعصيةً. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "عَجِبَ رَبُّنا مِن رَجُلَيْنِ"، أي: لِنَوعَيْنِ مِنَ الرِّجالِ، أو لِصِفةٍ في كُلِّ واحِدٍ منهما، وصِفةُ العَجبِ صِفةٌ مِن صِفاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ الفِعليَّةِ الخَبَريَّةِ الثابِتةِ له بالكِتابِ والسُّنَّةِ، ويُوصَفُ اللهُ تَعالى بها على ما يَليقُ بكَمالِه وجَلالِه، دونَ تَعطيلٍ أو تَحريفٍ، ودونَ تَمثيلٍ أو تَكييفٍ، وتَعَجُّبُه سُبحانَه هنا يَدُلُّ على الرِّضا عنِ العَمَلِ مع إعطاءِ الثَّوابِ عليه، فالنَّوعُ الأوَّلُ: "رَجُلٌ ثارَ عن وِطائِه"، أي: خَرَجَ مِن فِراشِه ومَكانِه الذي يَنامُ فيه، "ولِحافِه" وهو الثَّوبُ الذي يُغَطَّى به النائِمُ "مِن بَينِ حِبِّه وأهلِه" وهذا أدْعى أنْ يَبقى العَبدُ في مَكانِ نَومِه يَستَمتِعُ بزَوجَتِه وما يُحِبُّه، ولكِنَّه تَرَكَ ذلك ثم قامَ "إلى صَلاتِه"؛ لِيُصلِّيَ تَقرُّبًا للهِ، والمُرادُ بالصَّلاةِ: قيامُ اللَّيلِ، "فيَقولُ اللهُ جَلَّ وعَلا لِمَلائِكَتِه"؛ مُفاخِرًا ومُباهيًا بعَبدِه: "انظُروا إلى عَبدي، ثارَ عن فِراشِه ووِطائِه مِن بَينِ حِبِّه وأهلِه إلى صَلاتِه؛ رَغبةً فيما عِندي" مِنَ الثَّوابِ والأجْرِ والفَضلِ والجَنَّةِ والنَّعيمِ لِلطَّائِعينَ، "وشَفَقةً مِمَّا عِندي" وخَوفًا مِمَّا عِندَ اللهِ مِنَ العِقابِ والعَذابِ لِغَيرِ الطَّائِعينَ والغافِلينَ. والنَّوعُ الثَّاني: "ورَجُلٌ غَزا في سَبيلِ اللهِ، فانهَزَمَ أصحابُه"، أي: انكَشَفوا لِلعَدوِّ حتى بَدَتِ الهَزيمةُ مُوشِكةً، "وعَلِمَ" هذا العَبدُ "ما عليه في الانهِزامِ" مِن حُرمةِ الفِرارِ ومِن عِقابِ اللهِ والذُّلِّ والعارِ "وما له في الرُّجوعِ" إلى المَعرَكةِ مع الكَرِّ والثَّباتِ في القِتالِ وعِظَمِ الثَّوابِ في ذلك، انتَصَرَ أو قُتِلَ، "فرَجَعَ حتى أُهريقَ دَمُه" والمُرادُ أنَّه كَرَّ وقاتَلَ بشَجاعةٍ، غَيرَ مُدبِرٍ، حتى قُتِلَ؛ لِيَفوزَ بالشَّهادةِ، "فيَقولُ اللهُ لِمَلائِكَتِه"؛ مُباهيًا به: "انظُروا إلى عَبدي، رَجَعَ رَجاءً فيما عِندي" مِنَ الأجْرِ والثَّوابِ "وشَفَقًا مِمَّا عِندي"، أيْ: خَوفًا مِنَ العَذابِ والعِقابِ "حتى أُهريقَ دَمُه" أُريقَ دَمُه وسالَ حتى قُتِلَ. وقدِ اجتَمَعَ لِهذَيْنِ الصِّنفَيْنِ مُعامَلةُ اللهِ سِرًّا فيما بَينَهما وبَينَه، مع الإخلاصِ والصِّدقِ، والمُحِبُّونَ للهِ يُحِبُّونَ ذلك أيضًا؛ عِلْمًا منهم باطِّلاعِه عليهم ومُشاهَدَتِه لهم، فهم يَكتَفونَ بذلك؛ لِأنَّهم عَرَفوه، فاكتَفَوْا به مِن بَينِ خَلقِه، وعامَلوه فيما بَينَه وبَينَهم مُعامَلةَ الشَّاهِدِ غَيرِ الغائِبِ، وهذا مَقامُ الإحسانِ. وفي الحَديثِ: فَضلُ مَن باعَ نَفْسَه للهِ تَعالى. وفيه: فَضلُ قيامِ اللَّيلِ والتَّرغيبُ فيه. وفيه: فَضلُ الغَزوِ في سَبيلِ اللهِ، والكَرِّ على الأعداءِ.