الموسوعة الحديثية


- يا رسولَ اللهِ، ذهَبَ أصحابُ الدُّثورِ بالأُجورِ؛ يُصلُّونَ كما نُصلِّي، ويصومونَ كما نصومُ، ولهم فُضولُ أموالٍ يَتصدَّقونَ بها، وليس لنا مالٌ نَتصدَّقُ به، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبا ذَرٍّ، ألا أُعلِّمُك كلِماتٍ تُدرِكُ بهنَّ مَن سبَقَك، ولا يَلحَقُك مَن خلْفَك، إلَّا مَن أخَذَ بمِثلِ عملِك؟، قال: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: تُكبِّرُ اللهَ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ، وتَحمَدُه ثلاثًا وثلاثينَ، وتُسبِّحُه ثلاثًا وثلاثينَ، وتَختِمُها بلا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، غُفِرَتْ له ذُنوبُه ولو كانتْ مِثلَ زَبَدِ البحرِ.
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 1504 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم حَريصِينَ على الأعْمالِ الصَّالحةِ وثَوابِها، وعلَى ما يَرفَعُ دَرجاتِهم ويَنالُون به رِضا اللهِ عَزَّ وجَلَّ. وفي هذا الحديثِ أنَّ أبا ذَرٍّ الغِفَاريَّ رَضِيَ اللهُ عنه قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ: "يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أصْحابُ الدُّثورِ بالأُجورِ"، ومعْناه: أنَّ أصْحابَ الأَمْوالِ الكَثيرةِ فازوا بالثَّوابِ العَظيمِ مِن اللهِ، واسْتَأْثَروا به دُونَ الفُقَراءِ. ثمَّ بَيَّنَ سَببَ قَولِه هذا، فقالَ: "يُصَلُّون كما نُصلِّي، ويَصومون كما نَصومُ"، أي: إنَّ صلاتَهم وصَوْمَهم مِثلُ صَلاتِنا وصومِنا، فصِرْنا نحْن وهم مُتَساوينَ في الأجْرِ، "ولهم فُضولُ أمْوالٍ يَتَصدَّقون بها، وليس لنا مالٌ نَتَصدَّقُ به"، يعْني: أنَّ للأغنياءِ قَدْرًا زائِدًا مِن المالِ يَعْمَلون به الطَّاعاتِ والخَيْراتِ؛ فيَحُجُّون به، ويَعْتمِرون، ويُجاهِدون، ويَتَصدَّقون، والفُقَراءُ لا يَسْتطيعون ذلك، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ: "يا أبا ذرٍّ، أَلَا أُعلِّمُك كَلماتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَن سَبَقَك، ولا يَلْحَقُك مَن خَلْفَك، إلَّا مَن أَخَذَ بمِثلِ عَمَلِك؟"، أي: إنْ أخَذْت بما آمُرُك به أدرَكْتَ مَن سَبَقَك إلى الدَّرَجاتِ العاليةِ، ولم يُدرِكْك أَحَدٌ ممَّن هو بَعْدَك في الفَضْلِ ممَّن لا يَعمَلُ هذا العَمَلَ، وكنتَ خَيرَ مَن أنت بيْن ظَهْرَانَيْهِم، إلَّا مَن عَمِلَ بمِثلِ عَمَلِك. قال أبو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: "بلَى يا رَسولَ اللهِ" أَرْضى بذلك، "قالَ: تُكَبِّرُ اللهَ دُبُرَ كلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثينَ"، فتقولُ: اللهُ أكْبرُ ثَلاثًا وثَلاثينَ مَرَّةً بعْدَ كلِّ صَلاةٍ مَكْتوبةٍ، "وتَحْمَدُه ثَلاثًا وثَلاثينَ"، فتقولُ: الحمْدُ للهِ، "وتُسَبِّحُه ثَلاثًا وثَلاثينَ"، فتقولُ: سُبْحانَ اللهِ؛ ومَجْموعُ الثَّلاثةِ تِسْعٌ وتِسْعونَ، وتقولُ تمامَ المِئةِ "وتَخْتِمُها بـ: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحْدَه لا شَريكَ له"، فَتُقِرُّ للهِ بالتَّوْحيدِ، وأنَّه لا مَعْبودَ بِحقٍّ سِواهُ، ولا يُشارِكُه شَريكٌ في أسْمائِه وصِفاتِه وأفْعالِه، "له المُلْكُ، وله الحمْدُ"، وتَشْهدُ أنَّه اللهُ وحْدَه صاحِبُ المُلْكِ في الأكْوانِ، وأنَّه المُسْتحِقُّ للحمْدِ والثَّناءِ، وله جَميعُ المَحامِدِ، "وهو على كلِّ شَيْءٍ قَديرٌ"، فلا يَغْلِبُه شَيءٌ، ولا يُعْجِزُه أمْرٌ مِن المُمْكِناتِ والمُسْتحيلاتِ، فمَن قالَ ذلك صادِقًا مِن قلْبِه "غُفِرَتْ له ذُنوبُه ولو كانتْ" تلك الذُّنوبُ في الكَثْرةِ والعَظَمةِ "مِثلَ زَبَدِ البحْرِ"، وهو ما يَعْلو البحْرَ مِن الرَّغْوةِ والفَقاقيعِ عندَ تَمَوُّجِه وهَيَجانِه، وهو يُعَبِّرُ عن كَثْرةِ الذُّنوبِ وعدَمِ حَصْرِها، ومعَ كَثْرتِها الهائلَةِ يغْفِرُها اللهُ لمَن أَتى بهذا الذِّكْرِ بعْدَ الصَّلاةِ المَفْروضةِ. وفي الحديثِ: فَضيلةُ التَّسْبيحِ وسائرِ الأذْكارِ. وفيه: حِرْصُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على تِحْصيلِ الأُجورِ، والمُسارَعةِ في الخَيْراتِ. وفيه: فَضيلةُ الصَّدقةِ وعِظَمُ أجرِها.