الموسوعة الحديثية


- حدَّثَني عَبدُ اللهِ بنُ مُحمَّدِ بنِ عَقيلِ بنِ أبي طالِبٍ، قال: دَخلْتُ على جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ الأنصاريِّ أخي بَني سَلِمةَ، ومعي مُحمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَسَنِ بنِ عليٍّ وأبو الأسْباطِ، مَولًى لعَبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ كان يَتبَعُ العِلمَ، قال: فسَألْناه عن الوُضوءِ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ مِن الطعامِ، فقال: خَرَجتُ أُريدُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في مسجِدِه، فلم أجِدْه، فسَألْتُ عنه فقيل لي: هو بالأسْوافِ عِندَ بَناتِ سَعدِ بنِ الرَّبيعِ، أخي بَلْحارِثِ بنِ الحارِثِ بنِ الخَزْرجِ يَقْسِمُ بَينَهُنَّ ميراثَهُن مِن أبيهنَّ، قال: وكُنَّ أوَّلَ نِسوةٍ وَرِثْنَ مِن أبيهنَّ في الإسلامِ، قال: فخَرَجتُ حتى جِئتُ الأسْوافَ، وهو مالُ سَعدِ بنِ الرَّبيعِ، فوَجَدتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في صَوْرٍ مِن نَخلٍ، قد رُشَّ له فهو فيه، قال: فأُتِيَ بغَداءٍ مِن خُبزٍ ولَحمٍ قد صُنِعَ له، فأكَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، وأكَلَ القَومُ معه، قال: ثُمَّ بالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم للظُّهرِ، وتَوَضَّأَ القَومُ معه، قال: ثُمَّ صلَّى بهم الظُّهرَ، قال: ثُمَّ قَعَدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في بَعضِ ما بَقِيَ مِن قِسمَتِه لهنَّ حتى حَضَرَتِ الصلاةُ، وفَرَغَ مِن أمْرِه منهُنَّ، قال: فرَدُّوا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فَضلَ غَدائِه مِن الخُبزِ واللَّحْمِ فأكَلَ، وأكَلَ القَومُ معه، ثُمَّ نَهَضَ، فصلَّى بنا العَصرَ، وما مَسَّ ماءً ولا أحَدٌ مِن القَومِ.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 15020 | خلاصة حكم المحدث : إسناده محتمل للتحسين | التخريج : أخرجه البخاري (5457)، وأبو داود (192)، والترمذي (80)، والنسائي (185)، وابن ماجه (3282) مختصرا بمعناه، وأحمد (15020) واللفظ له
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم يَتحرَّوْنَ أفعالَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَضبِطونَها كما كانوا يَحفَظونَ أقوالَه، فبَيَّنوا ما نسَخَه مِن بعضِ الأحْكامِ مِن تَحليلٍ إلى تَحريمٍ، أو العَكسِ، وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عَقيلِ بنِ أبي طالبٍ أنَّهم دَخَلوا على جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ صاحِبِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومعَه جَماعةٌ من التابِعينَ: محمَّدُ بنُ عَمرِو بنِ حسَنِ بنِ عليٍّ، وأبو الأسباطِ مَولًى لعبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ، وكان مِن طَلَبةِ العِلمِ؛ فيَتحَرَّى مَظانَّه من العُلماءِ ليَتعلَّمَه ويَجمَعَه، قال عبدُ اللهِ: "فسأَلْناه عن الوُضوءِ ممَّا مسَّتِ النارُ من الطعامِ"، أي: عن حُكمِ مَن أكَلَ طعامًا أُنضِجَ بالنارِ؛ هل يَتوضَّأُ بعْدَ الأكلِ أمْ لا؟ فقال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه -مُوضِّحًا لهم الحُكمَ ممَّا رآه مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "خرَجْتُ أُريدُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَسجِدِه، فلم أجِدْه، فسألْتُ عنه، فقيلَ لي: هو بالأسوافِ"، وهو مَوضِعٌ بالمَدينةِ ناحيةَ البَقيعِ، وهو اسمُ مَوضِعِ صَدَقةِ زَيدِ بنِ ثابتٍ، وهو مِن حرَمِ المَدينةِ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "عندَ بَناتِ سَعدِ بنِ الرَّبيعِ، أخي بَلحارِثِ بنِ الحارِثِ بنِ الخَزرَجِ، يَقسِمُ بينَهنَّ ميراثَهُنَّ مِن أبيهِنَّ"؛ لأنَّه توُفِّيَ وكان عمُّهنَّ يُريدُ أخْذَ مالِ أخيه لنَفْسِه دونَ البناتِ، ولكنْ نزَلَ تَشريعُ الميراثِ، قال: "وكُنَّ أوَّلَ نِسوةٍ وَرِثْنَ مِن أبيهِنَّ في الإسلامِ"، وذلك لنُزولِ آياتِ المَواريثِ لكلِّ الأولاد ذُكورًا وإناثًا، وقد كُنَّ في الجاهليةِ لا يورَّثْنَ، "فخَرجْتُ حتى جِئْتُ الأسوافَ، وهو مالُ سعدِ بنِ الرَّبيعِ، فوجَدْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَوْرٍ مِن نَخلٍ"، وهو المَجموعةُ مِن النخلِ، "قد رُشَّ له فهو فيه"، أُعِدَّ له مكانٌ ليَجلِسَ فيه، ورَشُّوه بالماءِ، "فأُتيَ بغَداءٍ مِن خُبزٍ ولَحمٍ قد صُنِعَ له"، وهذا طعامٌ قد أُنضِجَ على النارِ، "فأكَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأكَلَ القومُ معَه، قال: ثمَّ بال" بعْدَ الطعامِ، "ثمَّ توضَّأَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للظُّهرِ"؛ لأنَّ وُضوءَه قد انتَقَضَ بالبَولِ، "وتوضَّأَ القومُ معَه، قال: ثُم صلَّى بهم الظُّهرَ، قال: ثم قعَدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بعضِ ما بَقيَ من قِسمَتِه لهُنَّ حتى حضَرَت الصلاةُ" الَّتي بعْدَ ذلك، وهي صلاةُ العَصرِ، "وفرَغَ مِن أمرِه منهُنَّ، قال: فرَدُّوا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَضْلَ غَدائِه" الَّذي بَقيَ مِن طعامِ الظهيرةِ، "مِن الخُبزِ واللحمِ، فأكَلَ، وأكَلَ القومُ معَه، ثمَّ نهَضَ" دونَ أنْ يُجدِّدَ الوُضوءَ، "فصَلَّى بنا العَصرَ، وما مسَّ ماءً ولا أحَدٌ مِن القومِ"، وكان هذا آخِرَ الأمْرَينِ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّه ترَكَ الوُضوءَ ممَّا مسَّتِ النَّارُ، وذلك أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان قد أمَرَ بالوُضوءِ منه قبْلَ ذلك، ثمَّ نُسِخَ هذا الحُكمُ، ولم يُعتَبَرْ ناقِضًا للوُضوءِ. وفي الحَديثِ: بيانُ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على تطبيقِ أوامِرِ اللهِ سبحانه، وتعليمِه ذلك للناسِ. وفيه: بيانُ تَكريمِ الإسلامِ للمَرأةِ؛ حيث شرَعَ أحكامَ المَواريثِ، وجعَلَ لها نَصيبًا مَعلومًا بعْدَ أنْ كانت تورَّثُ كمَتاعٍ ولا تَرِثُ.