الموسوعة الحديثية


- كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في بعضِ أسفارِهِ، فقالَ إنَّ جبريلَ عليْهِ السَّلامُ أتاني وإنَّ ربِّي خيَّرني بينَ خَصلتينِ بينَ أن يدخلَ نِصفُ أمَّتيَ الجنَّةَ وبينَ الشَّفاعةِ فاخترتُ الشَّفاعةَ وفيهِ عن مِعقلِ بنِ يسارٍ عنِ النَّبيِّ اثنانِ لا تنالُهما شفاعَتي ومَن ماتَ في المدينةِ كنتُ لَهُ شفيعًا
الراوي : عوف بن مالك الأشجعي | المحدث : الألباني | المصدر : تخريج كتاب السنة | الصفحة أو الرقم : 829 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
أعطى اللهُ سُبحانَه نَبيَّه مُحمَّدًا فَضلًا عَظيمًا، وكَرَّمَه وفَضَّلَه على سائِرِ الأنبياءِ في الدُّنيا والآخِرةِ، وقد نالَتْ أُمَّتُه مِن ذلك الفَضلِ الشَّفاعةَ في الآخِرةِ. وفي هذا الحَديثِ يقولُ عَوفُ بنُ مالِكٍ الأشجَعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه: "كُنَّا مع رَسولِ اللهِ في بَعضِ أسفارِه" في طَريقِ سَفَرِهم، "فقالَ: إنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ أتاني" بوَحيٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، "وإنَّ رَبِّي خَيَّرَني" جَعَلَ الخِيَرةَ والاختيارَ إليَّ، "بَينَ خَصلَتَيْنِ: بَينَ أنْ يُدخِلَ نِصفَ أُمَّتي الجَنَّةَ" والمُرادُ: مِنَ الذين يَستَحِقُّونَ العَذابَ؛ إذِ الذين لا يَستَحِقُّونَه داخِلونَ الجَنَّةَ، إلَّا أنَّ النِّصفَ الثانيَ لم يُعرَفْ مَصيرُهم، فقيلَ: إنَّهم يُعَذَّبونَ ولا شَفاعةَ لهم، ويَحتَمِلُ أنَّهم مَوكولونَ إلى رَحمةِ اللهِ وعَفوِه، "وبَينَ الشَّفاعةِ"، وشَفاعَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَكونُ لِلمُذنبينَ مِنَ المُوَحِّدينَ، أو في إدخالِ الجَنَّةِ مِن غَيرِ حِسابٍ، أو في رَفعِ الدَّرجاتِ يَومَ القيامةِ، كُلٌّ بحَسَبِ حالِه، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فاختَرتُ الشَّفاعةَ" وهذا دَليلٌ على أنَّها أوسَعُ في شُمولِها مِنَ النِّصفِ، وأنَّها تَشمَلُ أُمَّةَ الإجابةِ أجمَعينَ. "وفيه" أيْ: في مَعنى الشَّفاعةِ، حَديثٌ آخَرُ: "عن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اثنانِ لا تَنالُهما شَفاعَتي" وفي رِوايةِ ابنِ أبي عاصِمٍ في السُّنَّةِ: "إمامٌ ظَلومٌ غَشومٌ، وآخَرُ غالٍ في الدِّينِ مارِقٌ منه"، فالصِّنفُ الأوَّلُ: كُلُّ سُلطانٍ ووَليِّ أمْرٍ كَثيرِ الظُّلمِ لِرَعيَّتِه، ومَن هم في مَسؤوليَّتِه، والغَشومُ: جافٌّ غَليظٌ قاسي القَلبِ ذو عُنفٍ وشِدَّةٍ، وأمَّا الصِنفُ الثاني: المُتَشدِّدُ في الدِّينِ، والمُرادُ بالمارِقِ منه: أنه خارِجٌ مِنَ الدِّينِ بغُلُوِّه هذا، والمَقصودُ بهذا الصِّنفِ الخَوارِجُ ومَن كانَ على شاكِلَتِهم، ثم قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ومَن ماتَ في المَدينةِ كُنتُ له شَفيعًا" والمُرادُ بها: مَدينةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا تَخصيصٌ وتَفضيلٌ لِكُلِّ مَن ماتَ في المَدينةِ إلى يَومِنا هذا، حيث إنَّه يَشمَلُه شَفاعةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفي الحَديثِ: إثباتُ الشَّفاعةِ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفيه: تَحذيرُ أولياءِ الأمْرِ مِنَ الظُّلمِ وقَسوةِ القَلبِ مع الرَّعيَّةِ. وفيه: التَّحذيرُ مِنَ التَّشَدُّدِ في الدِّينِ والمُغالاةِ فيه. وفيه: فَضلُ مَن ماتَ في المَدينةِ.