الموسوعة الحديثية


- أخبَرتْه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يدْعو في صلاتِه: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن عذابِ القبرِ، وأعوذُ بك مِن فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ، وأعوذُ بك مِن فتنةِ المَحْيا والمماتِ، اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن المَأثَمِ والمَغْرَمِ، فقال له قائلٌ: ما أكثَرَ ما تَستعيذُ مِن المَغرَمِ؟! فقال: إنَّ الرجُلَ إذا غَرِم، حدَّث فكَذَب، ووعَدَ فأَخلَفَ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 880 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
حَرَصَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على تَعليمِ أُمَّتِه، وأنْ يُبيِّنَ لهم كُلَّ شَيءٍ، ومِن ذلك صِفةُ الدُّعاءِ وما يُستَعاذُ منه؛ فيَعظُمَ خَوفُهم مِنَ اللهِ وافتِقارُهم إلِيه. وفي هذا الحَديثِ تَقولُ عائِشةُ زَوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَدعو في صَلاتِه" كانَ هذا الدُّعاءُ مِنَ الأدعيةِ التي يُداوِمُ عليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّلاةِ فَرضًا كانت أو نَفلًا، وكانَ مَوضِعُ هذا الدُّعاءِ بَعدَ التَّشَهُّدِ وقَبلَ التَّسليمِ، كما جاءَ في الرِّواياتِ: "اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ" ألجَأُ إليكَ وأعتَصِمُ بكَ وأستَجِيرُ بكَ لِتُنجِيَنِي، "مِن عَذابِ القَبرِ" وهو عَذابٌ يَقَعُ في البَرزخِ بَعدَ أنْ يُدفَنَ الإنسانُ في قَبرِه، وذلك لِلعُصاةِ والكُفَّارِ على أنواعٍ مُعيَّنةٍ مِنَ الذُّنوبِ قَبلَ الحِسابِ يَومَ القِيامةِ، قيلَ: ويُتَعوَّذُ مِن عَذابِه، مع أنَّ عَذابَ ما بَعدَه لِمَن عُذِّبَ فيه أشَدُّ، فكذلك مَن أمِنَ العَذابَ فيه ورُحِمَ، كانَ مَا بَعدَه آمَنَ وأهنَأَ، "وأعوذُ بكَ مِن فِتنةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ" يَتعَوَّذُ مِن زَمانِه ومِحنَتِه التي يَختبِرُ بها اللهُ عَزَّ وجَلَّ قُلوبَ عِبادِه، وسُمِّيَ مَسِيحًا لِأنَّه مَمْسوحُ العَينِ مَطموسُها؛ فهو أعوَرُ، وسُمِّيَ الدَّجَّالَ تَميِيزًا له عنِ المَسِيحِ عِيسَى ابنِ مَريَمَ عليه السَّلامُ، مِنَ التَّدجِيلِ، بمعنى التَّغطِيةِ؛ لأنَّه كَذَّابٌ يُغَطِّي الحَقَّ ويَستُرُه، ويُظهِرُ الباطِلَ، ويَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، ويَكونُ مِن عَلاماتِ السَّاعةِ الكُبرَى وفِتنَتُه مِن أعظَمِ الفِتَنِ، "وأعوذُ بكَ مِن فِتنةِ المَحيا والمَماتِ" الفِتنةُ: هي الامتِحانُ والاختِبارُ، وما مِن عَبدٍ إلَّا وهو مُعرَّضٌ لِلابتِلاءِ والفِتَنِ في الدُّنيا والآخِرةِ؛ ولذلك فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد عَلَّمَ أُمَّتَه الاستِعاذةَ مِنَ الفِتَنِ، وفِتنةُ المَحيا يَدخُلُ فيها جَميعُ أنواعِ الفِتَنِ التي يَتعَرَّضُ لها الإنسانُ في الدُّنيا، كالكُفرِ والبِدَعِ والشَّهَواتِ والفُسوقِ، وفِتنةُ المَماتِ يَدخُلُ فيها سُوءُ الخاتِمةِ وفِتنةُ القَبرِ وغَيرُ ذلك، "اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنَ المأثَمِ" هو: ما يُسبِّبُ الإثْمَ الذي يَجُرُّ إلى الذَّمِّ والعُقوبةِ، "والمَغرَمِ" وهو الدَّيْنُ الذي لا يَقدِرُ الإنسانُ على وَفائِه وقَضائِه، وقيلَ: بلِ التَّعوُّذُ مِن الدَّيْنِ مُطلقًا، سواءٌ قَدِرَ عليه أو لم يَقدِرْ؛ "فقالَ له قائِلٌ: ما أكثَرَ ما تَستَعيذُ مِنَ المَغرَمِ!" ما سَبَبُ كَثرةِ تَعوُّذِكَ منه؟ فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ الرَّجُلَ إذا غَرِمَ" وَقَعَ به الدَّيْنُ حتَّى لا يَستَطيعَ الوَفاءَ به، "حَدَّثَ فكَذَبَ، ووَعَدَ فأخلَفَ" يَلجَأُ إلى الكَذِبِ ومُخالَفةِ الوُعودِ مُتَعذِّرًا مع مَن يُقاضيه في دَيْنِه. قيلَ: وإنَّما كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْعو ببَعضِ هذه الأدعيَةِ مِن بابِ التَّواضُعِ والشُّكرِ للهِ سُبحانَه وتَعالى، ورُبَّما تَقَعُ منه تَعليمًا لِأُمَّتِه؛ لِأنَّ بَعضَ هذِه الأُمورِ قد عُلِمَ أنَّ اللهَ تَعالى قد عَصَمَ نَبيَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ الوُقوعِ فيها. وفي الحَديثِ: إثباتٌ لِعَذابِ القَبرِ، والرَّدُّ على مَن يُنكِرُه. وفيه: الحَثُّ على التَّعوُّذِ باللهِ مِنَ الدُّيونِ وهُمومِها.