الموسوعة الحديثية


- رَأَيتُ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه يُغيِّرُ بالحِنَّاءِ والكَتَمِ، ورَأَيتُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه لا يُغيِّرُ شَيبَه بشيءٍ، وقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن شاب شَيبةً في الإسلامِ، فهي له نورٌ يومَ القيامةِ، فلا أُحِبُّ أنْ أُغيِّرَ شَيبي.
الراوي : أبو عامر الأنصاري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 3692 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
في هذا الحَديثِ يقولُ التَّابِعيُّ أبو عامِرٍ الأنصاريُّ: "رأيتُ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه يُغيِّرُ" الشَّيبَ، والمُرادُ به الشَّعرُ الأبيضُ في الرَّأْسِ واللِّحيةِ، "بالحِنَّاءِ والكَتَمِ"، والكَتَمُ: نَبتٌ يُصبَغُ به، وصِبغُه أصفرُ، وقيلَ: أسوَدُ يَميلُ إلى الحُمرةِ، وصِبغُ الحِنَّاءِ أحمَرُ، وإذا خُلِطَا معًا يَخرُجُ صِبغُهما أسوَدَ مائِلًا إلى الحُمرةِ. والمَعنى: يَحتمِلُ أنْ يَكونَ التَّغييرُ بالحِنَّاءِ أو الكَتَمِ، كُلٌّ على حِدةٍ، ويَحتَمِلُ الجَمعَ بَينَهما بخَلطِهما، وتَغييرُ أبي بَكرٍ إنَّما لِحَديثٍ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيه أمْرٌ بتَغييرِ الشَّيبِ، قالَ أبو عامِرٍ: "ورَأيتُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه لا يُغيِّرُ شَيبَه بشَيءٍ" لا يُغَيِّرُ لَونَه الأبيَضَ كما يَفعَلُ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وذلك لِحَديثٍ رَواه عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَقولُ فيه: "مَن شابَ شَيبةً" تَظهَرُ عليهِ شَعرَةٌ واحِدةٌ بَيضاءُ، "في الإسلامِ" وهو مِنَ المُسلِمينَ، ومُلتزِمًا بهذا الدِّينِ، وقيلَ: إنَّما أرادَ بالإسلامِ الجِهادَ، كما في رِوايةِ التِّرمِذيِّ مِن حَديثِ عَمرِو بنِ عَبسةَ رَضيَ اللهُ عنه: "مَن شابَ شَيبةً في سَبيلِ اللهِ" فيَكونُ المُرادُ أنَّ مَنِ استَوطَنَ الجِهادَ والغَزوَ حتى يَبدوَ الشَّيبُ في شَعرِ رأْسِه أو لِحيَتِه، وقيلَ: مَن بدَا عليه الشَّيبُ سَواءٌ كانَ في الغَزوِ، أوِ الحَجِّ، أو طَلَبِ العِلْمِ، أو في الإسلامِ على وَجهِ العُمومِ، "فهي له نُورٌ يَومَ القيامةِ" كانَ أجْرُه عِندَ اللهِ أنْ تُضيءَ له في ظُلُماتِ يَومِ القيامةِ، فالشَّيبُ وإنْ كانَ ليس مِن كَسبِ العَبدِ فَإنَّه إذا كانَ بسَبَبٍ مِن نَحوِ جِهادٍ، أو خَوفٍ مِنَ اللهِ، يَنزِلُ مَنزِلةَ سَعيِه فيه؛ ولِأنَّ الشَّيبَ في الأغلَبِ يُلحِقُ الشَّائِبَ انكِسارًا وضَعفًا. ثم قالَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: "فلا أُحِبُّ أنْ أُغيِّرَ شَيْبي"، تَأكيدٌ على أنَّه لا يُغيِّرُ البَياضَ؛ طَمَعًا لهذا الجَزاءِ. وفي الحَديثِ: حِرْصُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم على اتِّباعِ كُلِّ ما أمَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفيه: بَيانُ مَشروعيَّةِ الأمرَيْنِ: تَغييرِ الشَّيبِ، وتَركِ تَغييرِه بما يُوافِقُ سُنَّةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهَدْيِه.