الموسوعة الحديثية


- أنَّ اليهودَ كانوا يقولونَ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سامٌ عليك! ثُمَّ يقولونَ في أنفُسِهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة:8]، فنزَلَتْ هذه الآيةُ {وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ} [المجادلة:8] إلى آخِرِ الآيةِ.
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 6589 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (6589) واللفظ له، والبزار (2410)، والطبراني (13/564) (14461)
عَلَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيف نَتَعامَلُ مع اللِّئامِ مِن أهْلِ الكِتابِ الذين يُحرِّفونَ الكَلِمَ الصَّحيحَ إلى الخَطأِ. وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما: "أنَّ اليَهودَ كانوا يَقولونَ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سامُ عليكَ" ومعناه: المَوتُ عليكَ، مُخادِعينَ بذلك رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَأنَّهم يَقولونَ: السَّلامُ عليكم؛ لِلتَّقارُبِ الصَّوتيِّ بَينَ العِبارتَيْنِ ولكِنَّهم في الحَقيقةِ يَدْعونَ عليه بالمَوتِ، وفي الصَّحيحَيْنِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعائِشةَ قد فَطِنا وانتَبَها لِقَولِهم، ثم يَقولونَ في أنْفُسِهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة: 8] يُريدونَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لو كانَ نَبيًّا حَقًّا لَعَذَّبَنا اللهُ بما نَقولُ في باطِنِ قُلُوبِنا؛ لِأنَّ اللهَ يَعلَمُ ما نُسِرُّه، فلو كانَ هذا نَبيًّا حَقًّا لَأوشَكَ أنْ يُعاجِلَنا اللهُ بالعُقوبةِ في الدُّنيا، فنَزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ويَقُولُونَ فِي أنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة: 8]" أيْ: يَلْوُونَ به ألسِنَتَهم، فيَلْبِسونَ في تَحيَّتِهمُ السَّلامَ بالسَّامِ، ويُحرِّفونَ الكَلامَ عنِ اللَّفظِ الَّذي شَرَعَه اللهُ، وكانَ رَدُّ اللهِ عليهم: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8]، أيْ: جَهنَّمُ كِفايَتُهم في الدَّارِ الآخِرةِ وهي جَزاؤُهم، وقدِ اكتَفَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَوجيهِ أصحابِه في مُعامَلةِ أهْلِ الكِتابِ أنْ يَكونَ الرَّدُّ على القَدْرِ الذي جاؤوا به؛ فإنَّ المُؤمنَ ليس بالفاحِشِ ولا بالبَذيءِ حتَّى يَرُدَّ عليهم بلَفْظٍ أفحَشَ منه، كما في الصَّحيحَيْنِ مِن حَديثِ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالَتْ: "استَأذَنَ رَهْطٌ مِنَ اليَهودِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالوا: السَّامُ عليكم. فقالَتْ عائِشةُ: بَلْ عليكمُ السَّامُ واللَّعنةُ. فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عائِشةُ، إنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمْرِ كُلِّه. قالَتْ: ألَمْ تَسمَعْ ما قالوا؟ قال: قد قُلْتُ: وعليكم!"، أيْ: وعليكم مِثْلُ ما قُلتُم مِنَ الدُّعاءِ، تَشتَرِكونَ فيه أنتم ومَن دَعَوتُم عليه، وقد قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لها: «أوَلمْ تَسمَعي ما قُلتُ؟ رَدَدتُ عليهم، فَيُستَجابُ لي فيهم، ولا يُستَجابُ لهم فِيَّ» فيُستجابُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في اليَهودِ؛ لِأنَّه دُعاءٌ بحَقٍّ، ولا يُستَجابُ لهم في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه دُعاءٌ بالباطِلِ والظُّلمِ؛ فإنَّ الدَّاعيَ إذا دَعا بِشيءٍ ظُلمًا فإنَّ اللهَ لا يَستجيبُ له، ولا يَجِدُ دُعاؤُه مَحلًّا في المَدعُوِّ عليه.