الموسوعة الحديثية


- حدَّثني ابنُ مُعَيْزٍ السَّعديُّ قال: خرجْتُ أَسقي فَرسًا لي بالسَّحَرِ، فمرَرْتُ على مَسجِدٍ من مساجدِ بَني حَنيفةَ، فسمِعْتُهم يَشهَدونَ أنَّ مُسَيْلِمةَ رسولُ اللهِ، فرجَعْتُ إلى عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، فذكَرْتُ له أمرَهم، فبعَث الشُّرَطَ، فأخَذوهم، فجِيءَ بهم إليه، فتابوا ورجَعوا عمَّا قالوهُ، وقالوا: لا نَعُودُ، فخلَّى سَبيلَهم وقدَّم رجُلًا منهم يُقالُ له: عبدُ اللهِ بنُ النَّوَّاحةِ فضرَب عُنُقَهُ، فقال النَّاسُ: أخذْتَ أقوامًا في أمرٍ واحدٍ، فخلَّيْتَ سَبيلَ بعضِهم، وقتَلْتَ بعضَهم، فقال: كُنْتُ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالسًا، فجاءهُ ابنُ النَّوَّاحةِ ورجُلٌ معه يُقالُ له: ابنُ وَثَّالِ حُجْرٍ وافِدَيْنِ من عِندِ مُسَيْلِمةَ، فقال لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشهَدانِ أنِّي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فقالَا: أتشهَدُ أنتَ أنْ مُسَيْلِمةَ رسولُ اللهِ؟ فقال: آمنْتُ باللهِ عزَّ وجلَّ وبِرسولِهِ، لوْ كُنْتُ قاتِلًا وفْدًا لقتلْتُكما، فلذلكَ قتلْتُ هذا.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 2861 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (3837)، والدارمي (2503)، وأبو يعلى (5097) باختلاف يسير
كان مُسَيْلِمَةُ الكذَّابُ لَعَنَه اللهُ قدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وأنَّه يُوحَى إليه، وأوَّلَ ما ظهَرَ أمْرُه كان في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم حارَبَه أبو بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه في جُملةِ الحُروبِ التي كانت في عَهدِه، حتى قتَلَه وَحْشيُّ بنُ حَربٍ رضِيَ اللهُ عنه في مَعركةِ اليَمامةِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ ابنُ مُعَيْزٍ السَّعْديُّ: "خرَجْتُ أسْقي فَرَسًا لي بالسَّحَرِ"، أيْ: وقتَ السحَرِ، وهو قُبَيلَ طلوعِ الفَجرِ، "فمرَرْتُ على مَسجدٍ من مساجِدِ بَني حَنيفةَ"، وكان بالكوفةِ وهي بلدةٌ من بلادِ العِراقِ، "فسَمِعْتُهم يَشهَدونَ أنَّ مُسَيْلِمةَ رسولُ اللهِ"، يَدعونَ لمُسَيْلِمةَ بالرسالةِ، "فرجَعْتُ إلى عبدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ، فذكَرْتُ له أمرَهم"، أخبَرَه بفِعلِهم ودَعوتِهم، "فبعَثَ الشُّرَطَ" جَمعُ شُرْطةٍ وشُرَطيٍّ، وهُم أعْوانُ السلطانِ، لتتَبُّعِ أحْوالِ الناسِ وحِفظِهم ولإقامةِ الحُدودِ، "فأخَذوهم، فجَيءَ بهم إليه، فتابوا ورَجَعوا عمَّا قالوه، وقالوا: لا نَعودُ" بمَعنى: أنَّه استَتابَهم وطلَبَ مِنهمُ الرُّجوعَ إلى الإسْلامِ، فتابوا ورَجَعوا إلى الإسْلامِ، "فخَلَّى سَبيلَهم"، أطلَقَ سَراحَهم، "وقدَّمَ رَجُلًا منهم، يُقالُ له: عبدُ اللهِ بنُ النوَّاحةِ فضَرَبَ عُنُقَه"، أقامَ عليه حدَّ القَتلِ، "فقال الناسُ: أخذْتَ أقْوامًا في أمرٍ واحدٍ، فخلَّيْتَ سَبيلَ بَعضِهم، وقتَلْتَ بَعضَهم"، يَستَفسِرونَ من عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه عن سببِ قَتلِه في وقتِ أنَّه أطلَقَ سَراحَ الجَميعِ إلَّا هو، فقال ابنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "كُنتُ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالسًا، فجاءَه ابنُ النوَّاحةِ ورَجلٌ معَه يُقالُ له: أُثالُ بنُ حَجَرٍ، وافِدَيْنِ من عندِ مُسَيْلِمةَ" رُسُلًا لمُسَيْلِمةَ، "فقال لهما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشهَدانِ أنِّي رسولُ اللهِ؟ فقالا: أتَشهَدُ أنتَ أنَّ مُسَيْلِمةَ رسولُ اللهِ؟ فقال: آمنْتُ باللهِ عزَّ وجلَّ وبرسولِه، لو كُنْتُ قاتلًا وَفدًا لقَتَلْتُكما" بمَعنى: لولا أنَّ الرسُلَ لا تُقتَلُ لأمرْتُ بقَتْلِكما، وهو مبدأٌ عامٌّ عندَ الحُكَّامِ والمُلوكِ وأقرَّهُ الإسْلامُ، "فلذلك قتلتُ هذا"، قد زالَتِ العِلَّةُ الَّتي لم يَقتُلْه بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، وأنَّه اليومَ ليس برسولٍ، ثمَّ أمَرَ قَرَظَةَ بنَ كعبٍ أنْ يَقتُلَه، فقتَلَه في السُّوقِ. وفي الحديثِ: بيانُ فِقهِ ابنِ مَسعودٍ، وحُسنِ اتِّباعِه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفيه: سُرعةُ الأخْذِ على يَدِ المُعْتَدي حتى لا يَفحُشَ اعْتِداؤُه. وفيه: أنَّ الإيمانَ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من أركانِ الإسْلامِ، ومُنكِرُ ذلك كافرٌ. وفيه: مَشْروعيةُ استِتابةِ المُرتَدِّ. وفيه: النهْيُ عن قَتلِ الرسُلِ والسُّفراءِ.