الموسوعة الحديثية


- أنَّ نفَرًا كانوا جُلوسًا ببابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال بعضُهم: ألم يقُلِ اللهُ كذا وكذا؟ وقال بعضُهم: ألم يقُلِ اللهُ كذا وكذا؟ فسمِعَ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فخرَجَ كأنَّما فقِئَ في وَجهِه حَبُّ الرُّمَّانِ! فقال: بهذا أُمِرْتُم؟ أو بهذا بُعِثْتُم؟ أنْ تضرِبوا كتابَ اللهِ بعضَه ببعضٍ؟ إنَّما ضلَّتِ الأُممُ قبلَكم في مِثلِ هذا، إنَّكم لستُم ممَّا هاهنا في شيءٍ، انظُروا الذي أُمِرْتُم به، فاعمَلوا به، والذي نُهيتُم عنه، فانتَهوا.
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 6845 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه ابن ماجه (85)، وأحمد (6845) واللفظ له
حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أُمَّتَه من سُلوكِ سُبُلِ الأُممِ الهالِكةِ، الَّذِينَ استَحقُّوا عذابَ اللهِ عزَّ وجلَّ بمُخالفَتِهم أنْبياءَهم، واخْتِلافِهم عليهم، والتَّنازُعِ في أمْرِ القَدَرِ والاختِلافِ فيه. وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ نَفَرًا كانوا جُلوسًا ببابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، والمُرادُ بهم صَحابةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والنفَرُ: منَ الثلاثةِ إلى تِسعةٍ، ولعَلَّهم كانوا ببابِ إحْدى حُجُراتِ نِسائِه، "فقال بعضُهم: ألم يقُلِ اللهُ كذا وكذا؟ وقال بعضُهم: ألمْ يقُلِ اللهُ كذا وكذا؟" وفي روايةِ ابنِ ماجَهْ: "وهُم يَختَصِمونَ في القَدَرِ"، فكانوا يَتَجادَلونَ ويَتَمارَوْنَ في أمرِ القَضاءِ والقَدَرِ في إثباتِه ونَفْيِه، وكأنَّ كُلًّا منهم كان يَستدِلُّ بما يُناسِبُ مَطْلوبَه منَ الآياتِ، وكلٌّ يَرُدُّ فَهْمَ صاحِبِه في آياتِ القُرآنِ، "فسَمِعَ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فخرَجَ كأنَّما فُقِئَ في وَجهِه حَبُّ الرُّمَّانِ" كِنايةً عن شِدةِ غَضَبِه واحْمِرارِ وَجهِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "بهذا أُمِرْتم؟ أو بهذا بُعِثْتم؟" هل أمَرَكمُ اللهُ بالانْشِغالِ والتَّنازُعِ في هذا الأمْرِ؟! وهذا إنْكارٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لفِعْلِهم، "أنْ تَضْرِبوا كتابَ اللهِ بَعضَه ببَعضٍ؟" والمُرادُ به هنا: مُعارَضةُ الآياتِ ببَعضِها، ومنها: الخَوْضُ، والجِدالُ فيه إثْباتًا ونَفْيًا بالأَقْيِسةِ العَقْليةِ، وادِّعاءِ التناقُضِ بينَها، "إنَّما ضلَّتِ الأُمَمُ قَبلَكم في مِثلِ هذا"، أنَّ هذا كان سببًا في تَمْزيقِ الأُممِ وتَفْريقِها، وذلك أنَّهم تَرَكوا ما أُمِروا به، وانْشَغَلوا بما يوقِعُهم في غضَبِ اللهِ، "إنَّكم لسْتُم ممَّا ههنا في شيءٍ"، ولعلَّ المُرادَ أنَّكم غيرُ مَأْمورينَ بالجِدالِ فيما تَجادَلْتم فيه، وأنَّ الجِدالَ فيه ليس شيئًا، ولا أمْرًا ممَّا تَتعبَّدونَ به، "انْظُروا الذي أُمِرْتم به"، بمَعنى: احْفَظوا واجْمَعوا ما أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ به، وما أمَرَ به نَبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فاعْمَلوا به"، أي: فافْعَلوه على القَدْرِ الذي تَستَطيعونَ، "والذي نُهيتُم عنه"، والذي حرَّمَه اللهُ عزَّ وجلَّ، وحرَّمَه نَبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فانْتَهوا"، فيَنْتَهي الإنسانُ منه، ولا يَأْتيه. وفي الحديثِ: بيانُ خُطورةِ الجِدالِ في القُرآنِ، والتحْذيرُ منَ التنازُعِ في أُمورِ الدِّينِ. وفيه: الأمرُ بالاتِّباعِ، وعدَمِ الخَوْضِ فيما فيه الهَلاكُ.