الموسوعة الحديثية


- أنَّ رجُلًا مِن بَني كِنانةَ يُدْعى المُخْدِجِيَّ، سَمِع رجُلًا بالشامِ يُدْعى أبا محمَّدٍ يقولُ: إنَّ الوِترَ واجبٌ، قال المُخْدِجيُّ: فرُحتُ إلى عُبادةَ بنِ الصامتِ فأخبَرتُه، فقال عُبادةُ: كذَب أبو محمَّدٍ؛ سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: خَمسُ صلواتٍ كتَبهُنَّ اللهُ على العِبادِ، فمَن جاء بهنَّ لم يُضيِّعْ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ، كان له عندَ اللهِ عهدٌ أنْ يُدخِلَه الجنَّةَ، ومَن لم يأتِ بهنَّ، فليس له عندَ اللهِ عهدٌ؛ إنْ شاء عذَّبه، وإنْ شاء أدخَلَه الجنَّةَ.
الراوي : عبادة بن الصامت | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 1420 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الصَّلاةُ أعظَمُ رُكنٍ مِن أركانِ الإسلامِ بَعدَ الشَّهادَتَيْنِ، ولها أهميَّةٌ كَبيرةٌ في الشَّرعِ، وقد بَيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَضْلَها وثَوابَ المُحافَظةِ عليها، كما بَيَّنَ خَطَرَ التَّهاوُنِ في شَأْنِها. وفي هذا الحَديثِ يَحكي التَّابِعيُّ عَبدُ اللهِ بنُ مُحَيْريزٍ "أنَّ رَجُلًا مِن بَني كِنانةَ"، وهم قَبائِلُ، أبوهم كِنانةُ بنُ خُزيمةَ "يُدْعى"، أي: يُشتَهَرُ أو يُسَمَّى "المُخْدَجيَّ، سَمِعَ رَجُلًا بالشَّامِ يُدْعى أبا محمدٍ، يَقولُ: إنَّ الوِتْرَ واجِبٌ"، فيزعُمُ أنَّ صَلاةَ الوِتْرِ فَرضٌ واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ، والوِتْرُ هو آخِرُ صَلاةٍ تُصَلَّى بَعدَ التَّنَفُّلِ في صَلاةِ اللَّيلِ، ويَكونُ برَكَعاتٍ فَرديَّةِ العَدَدِ، ويَصِحُّ برَكعةٍ، أو ثَلاثٍ، وهكذا، "قالَ المُخْدَجيُّ: فَرُحتُ إلى عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ فأخبَرتُه"، فذَهَبَ إلى أحَدِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم لِمَعرِفةِ صِحَّةِ هذا الحُكمِ، "فقالَ عُبادةُ: كَذَبَ أبو محمدٍ"! بمعنى: أخطَأَ ذلك الرَّجُلُ المَدعُوُّ بأبي محمدٍ، والكَذِبُ يُطلَقُ عِندَهم على الخَطَأِ؛ ثُمَّ وضَّحَ وجْهَ خطئِه في ذلك، وأنَّ الوِترَ ليس بواجبٍ فقال: "سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: خَمْسُ صَلَواتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ على العِبادِ"، وهي خَمْسُ صَلَواتٍ في خَمْسةِ أوقاتٍ مِنَ اليَومِ واللَّيلةِ، جَعَلَهُنَّ اللهُ فَرضًا على عِبادِه، ولم يَفتَرِضْ غَيرَهُنَّ، كالوِتْرِ وغَيرِه مِمَّا يَتطَوَّعُ به المُسلِمُ، ولكِنْ مَن تَطوَّعَ فهو خَيرٌ له؛ "فمَن جاءَ بهِنَّ"، أدَّى هذه الصَّلَواتِ الخَمْسَ كامِلاتِ الأركانِ والشُّروطِ والهَيئاتِ، وقد جاءَ في رِوايةِ أبي داودَ: "مَن أحسَنَ وُضوءَهُنَّ"، أي: بإسباغِ الوُضوءِ، وإعطاءِ كُلِّ عُضوٍ حَقَّهُ مِنَ الغَسْلِ والماءِ، "وصَلَّاهُنَّ لِوَقتِهِنَّ" في أوَّلِ وَقتِهِنَّ، "وأتَمَّ رُكوعَهُنَّ وخُشوعَهُنَّ"، أي: أتَمَّ أركانَها كامِلةً، مع الخُضوعِ للهِ فيها بالقَلبِ أوَّلًا، ثم يَسرِي إلى الجوارِحِ، و"لم يُضَيِّعْ منهُنَّ شيئًا استِخفافًا بحَقِّهِنَّ"، فلم يَنتَقِصْ مِن ذلك كُلِّه شَيئًا، ولم تَفُتْه صَلاةٌ منهُنَّ، وهو غَيرُ مُبالٍ بهذا النَّقصِ، وهذا احتِرازٌ عمَّا إذا انتَقَصَ مِن هذه الأُمورِ شَيئًا سَهوًا أو نِسيانًا، "كان له عِندَ اللهِ عَهدٌ أنْ يُدخِلَه الجَنَّةَ"، أي: كان له ميثاقٌ وأمانٌ مِنَ اللهِ بإدخالِه الجَنَّةَ؛ جَزاءً على تلك الصَّلاةِ؛ فوَعدُه تَعالى بإثابةِ عَبدِه على طاعاتِه عَهدٌ مَوثوقٌ، لا يُخلَفُ: أنْ يَدخُلَ الجَنَّةَ. "ومَن لم يَأتِ بهِنَّ، فليس له عِندَ اللهِ عَهدٌ؛ إنْ شاءَ عَذَّبَه، وإنْ شاءَ أدخَلَه الجَنَّةَ"، فمَن لم يَفعَلْ ما ذُكِرَ مِن المُحافَظةِ عليها، بل نَقَصَها، ولم يُبَالِ بها عَمدًا، فليس له على اللهِ عَهدٌ بأنْ يَغفِرَ له، بل إنْ شاءَ غَفَرَ له، وإنْ شاءَ عَذَّبَه، فوَكَلَ أمْرَ التَّارِكِ لهذه الأُمورِ إلى مَشِيئَتِه تَعالى؛ وهذا يَقتَضي أنَّ المُحافِظَ على الصَّلَواتِ يُوَفَّقُ لِلصَّالِحاتِ، بحيثُ يَدخُلُ الجَنَّةَ ابتِداءً، كما قالَ اللهُ تَعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على سُؤالِ أهلِ العِلْمِ، والرُّجوعِ إليهم فيما أُشكِلَ في مَعرِفَتِه أو فَهمِه.