الموسوعة الحديثية


- بَيْنا أنا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذِ استَأذَنَ رَجلٌ منَ اليَهودِ، فأَذِنَ له، فقال: السامُ عليكَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وعليكَ، قالت: فهمَمْتُ أنْ أتكَلَّمَ، قالت: ثُم دخَلَ الثانيةَ، فقال مثلَ ذلك، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وعليكَ، قالت: ثُم دخَلَ الثالثةَ، فقال: السامُ عليكَ، قالت: فقُلْتُ: بلِ السامُ عليكم، وغَضبُ اللهِ، إخوانَ القِرَدةِ والخَنازيرِ، أتُحَيُّونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما لم يُحَيِّهِ به اللهُ؟ قالت: فنظَرَ إليَّ، فقال: مَهْ، إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحشَ ولا التفَحُّشَ، قالوا قَولًا، فردَدْناهُ عليهم، فلم يَضُرَّنا شيءٌ، ولزِمَهم إلى يومِ القيامةِ، إنَّهم لا يَحسُدونا على شيءٍ كما يَحسُدونا على يومِ الجمُعةِ التي هَدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها، وعلى القِبلةِ التي هَدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها، وعلى قولِنا خلفَ الإمامِ: آمينَ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 25029 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (6395)، ومسلم (2165) مختصراً باختلاف يسير
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ النَّاسَ مَكارمَ الأخْلاقِ، ويُعلِّمُهم أنْ يَدْفُعوا السِّيئةَ بالحَسَنةِ، ومن ذلك التعامُلُ معَ اللِّئامِ من أهْلِ الكتابِ الذين يُحرِّفونَ الكلِمَ الصَّحيحَ إلى الخطأِ.
وفي هذا الحَديثِ تقولُ أُمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "بَيْنا أنا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذِ استَأذَنَ رَجلٌ منَ اليَهودِ" ليدخُلَ، "فأذِنَ له، فقال: السامُ عليكَ" بمعنى الدُّعاءِ عليه بالموتِ بدَلًا منَ "السَّلامُ عليكَ"، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وعليكَ"، فردَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمِثلِ قولِه بعدَ أنْ فطِنَ للَفظِه ومَقصِدِه، قالتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "فهمَمْتُ أنْ أتكلَّمَ" لتَرُدَّ على اليَهوديِّ كلامَه، ولكنَّها سكَتَت لسُكوتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتقديرًا له، قالت: "ثم دخَلَ الثانيةَ، فقال مثلَ ذلك، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وعليكَ، قالت: ثم دخَلَ الثالثةَ، فقال: السامُ عليكَ، قالتْ: فقُلْتُ: بلِ السامُ عليكم، وغضَبُ اللهِ، إخْوانَ القِرَدةِ والخَنازيرِ"! فأغلَظَت لليَهوديِّ القَولَ، وزادَت بالدُّعاءِ عليه بأنْ يَغضَبَ اللهُ عليه، وتَعْييرِهم بما حدَثَ لسابِقيهم منَ المَسخِ إلى القِرَدةِ والخَنازيرِ، ثم قالت: "أتُحَيُّونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما لم يُحَيِّه به اللهُ؟!" فإنَّ اللهَ جعَلَ تَحيَّتَه السلامَ والرحمةَ والبَرَكةَ، قالت: "فنظَرَ" النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "إليَّ، فقال: مَهْ"! أي: كُفِّي عنِ الكَلامِ واسْكُتي؛ "إنَّ اللهَ لا يحِبُّ الفُحشَ ولا التفَحُّشَ"، فأمَرَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِالرِّفقِ، ونَهاها عَنِ العُنْفِ والسِّبابِ في القَولِ، والفُحْشُ يُقصَدُ به التَّعدِّي في القَولِ والجَوابِ، لا الفُحشُ الَّذي هو مِن رَديءِ الكلامِ؛ لأنَّ الأصْلَ في ذلك النهْيُ، "قالوا قولًا، فردَدْناه عليهم" بمِثلِه دونَ التعَدِّي في اللَّفظِ، "فلم يضُرَّنا شيءٌ، ولزِمَهم إلى يومِ القِيامةِ"؛ لأنَّ اللهَ سُبحانَه يَستَجيبُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في اليَهودِ؛ لأنَّ دُعاءَه دُعاءٌ بحقٍّ، ولا يُستجابُ لهم في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه دُعاءٌ بالباطلِ والظُّلمِ؛ فإنَّ الدَّاعيَ إذا دَعا بشيءٍ ظُلمًا فإنَّ اللهَ لا يَستَجيبُ له، ولا يجِدُ دُعاؤُه مَحلًّا في المَدْعوِّ عليه.
وهذا تَعليمٌ وتَربيةٌ نَبويَّةٌ بأنْ يَتحَلَّى المُسلمُ بالصبرِ معَ الرحمةِ؛ فالرِّفقُ واللِّينُ بالنَّاسِ والتَّيسيرُ عليهم مِن جَواهرِ عُقودِ الأخْلاقِ الإسْلاميَّةِ، وهي مِن صفاتِ الكَمالِ، واللهُ سُبحانَه وتَعالى رفيقٌ، يُحبُّ مِن عبادِه الرِّفقَ.
ثم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّهم لا يَحسُدونا على شيءٍ كما يَحسُدونا على يومِ الجُمُعةِ التي هَدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها"؛ لأنَّهم عَدَلوا عنه، واخْتاروا يومَ السَّبتِ، "وعلى القِبلةِ التي هَدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها"، يَعني الكعبةَ؛ لأنَّهم جَعَلوا بيتَ المَقدِسِ قِبلةً لهم، والكعبةُ أفضَلُ. "وعلى قولِنا خَلفَ الإمامِ: آمينَ"؛ لِمَا فيه منَ الفَضلِ العَظيمِ، والثوابِ الجَزيلِ، وغُفْرانِ الذُّنوبِ، والتأمينِ على ما قرَأَه الإمامُ من سورةِ الفاتحةِ.