الموسوعة الحديثية


- كان اسمُ جُوَيريةَ بنتِ الحارِثِ بَرَّةَ، فحوَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسمَها، فسمَّاها جُوَيريةَ، فمرَّ بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا هي في مُصلَّاها تُسَبِّحُ اللهَ وتَدعوه، فانطلَقَ لِحاجَتِه، ثم رجَعَ إليها بَعدَما ارتفَعَ النَّهارُ، فقال: يا جُوَيريةُ ما زلتِ في مَكانِك؟ قالت: ما زلتُ في مَكاني هذا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقد تكلَّمتُ بأَربعِ كَلِماتٍ، أَعُدُّهنَّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، هن أَفضَلُ ممَّا قلتِ: سبحانَ اللهِ عَددَ خَلْقِه، وسبحانَ اللهِ رِضاءَ نَفْسِه، وسبحانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِه، وسبحانَ اللهِ مِدادَ كَلِماتِه، والحَمدُ للهِ مِثلَ ذلك.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 3308 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (1503) باختلاف يسير، وقوله: "كان اسمُ جُوَيريةَ بنتِ الحارِثِ بَرَّةَ" أخرجه مسلم (2140) باختلاف يسير
ذِكرُ اللهِ تَعالى مِن أفضَلِ الأعْمالِ وأجَلِّها، وهو يَرفَعُ الإنسانَ دَرجاتٍ، وبه يَنالُ الخيرَ والبَرَكاتِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "كان اسمُ جُوَيْريةَ بنتِ الحارِثِ بَرَّةَ، فحوَّلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسمَها، فسَمَّاها جُوَيْريةَ"، وهي زَوْجةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد غيَّرَ اسمَها لِمَا فيه منَ التأَلِّي على اللهِ أنَّها ستَكونُ مُتَّصِفةً بالبِرِّ، وقد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كما في روايةِ مُسلمٍ: "لا تُزَكُّوا أنْفُسَكم، اللهُ أعلَمُ بأهلِ البِرِّ منكم". فنَهى عنِ الأسماءِ التي تَشمَلُ على مَدحٍ وتَزْكِيةٍ، كما نَهى عنِ الأسماءِ القَبيحةِ أيضًا، قال ابنُ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "فمرَّ بها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا هي في مُصَلَّاها"، وهو مكانُ صَلاتِها، "تُسبِّحُ اللهَ وتَدْعوه" جالسةً لذِكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "فانطَلَقَ" النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "لحاجَتِه، ثم رجَعَ إليها بعدَما ارتفَعَ النهارُ" يَعنى قد مرَّ وقتٌ طويلٌ وهي في مَكانِها، وهي على تِلك الحالةِ منَ الذِّكْرِ، "فقال: يا جُوَيْريةُ، ما زِلْتِ في مكانِكِ؟" على صَلاتِكِ وذِكرِكِ في مكانِكِ؟ "قالتْ: ما زِلْتُ في مَكاني هذا، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقد تَكلَّمْتُ بأربعِ كَلماتٍ، أعُدُّهُنَّ ثلاثَ مرَّاتٍ، هنَّ أفضَلُ ممَّا قُلْتِ: "سُبحانَ اللهِ عدَدَ خَلقِه"، وتَسبيحُ اللهِ تعالى هو تَنْزيهُه عن كلِّ نَقصٍ وعَيبٍ، "وسُبحانَ اللهِ رِضاءَ نَفْسِه، وسُبحانَ اللهِ زِنةَ عَرشِه، وسُبحانَ اللهِ مِدادَ كَلماتِه، والحَمدُ للهِ مِثلُ ذلك" ومَعناهُ: تَسبيحُ اللهِ عزَّ وجَلَّ وتَحْميدُه بعَددِ جميعِ مَخْلوقاتِه، ومَخلُوقاتُ اللهِ عزَّ وجَلَّ لا يُحْصيها إلَّا اللهُ، وبمِقْدارِ رِضا ذاتِه الشَّريفةِ، وبمِقْدارِ زِنةِ عَرْشِه الذي لا يَعلَمُ ثِقَلَه إلَّا اللهُ سُبحانَه وتَعالى، والمِدادُ ما يُكتَبُ به الشَّيءُ، وكَلماتُ اللهِ تعالى لا يُقارَنُ بها شَيءٌ، ولا يَنفَدُ مِدادُها، وكونُ الثَّوابِ بعَدَدِ ذلك ممَّا لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ، ولا يَنفَدُ يدُلُّ على عَظمَتِه. كما علَّمَها أنْ تقولَ: الحَمدُ للهِ بمِثلِ ذلك العدَدِ، ومِثلِ هذه الكَيفيَّةِ؛ فيَكونُ الدُّعاءُ شاملًا للتَّسبيحِ والتَّحميدِ.
والمُرادُ من هذا المُبالَغةُ في الكثرةِ، وبذلك كان هذا الذِّكْرُ أفضَلَ؛ لأنَّه اعترافٌ بالقُصورِ، وأنَّه لا يَقدِرُ أنْ يُحْصيَ ثَناءَه. وهذا كلُّه مِنَ التَّعليمِ النَّبويِّ وإرشادِه إلى جَوامعِ الكلِمِ الَّتي تَحمِلُ القليلَ مِنَ الألفاظِ، ويُعطِي اللهُ عليها عظيمَ الفَضلِ والثَّوابِ .