اللهُ عزَّ وجلَّ هو أرحَمُ الرَّاحِمينَ، يَغفِرُ الذُّنوبَ للعاصِي والمُذنِبِ من عِبادِه مَهما بلَغَتْ، لكنْ بشَرطِ أنْ يكونَ هذا العبْدُ مُوحِّدًا لربِّه لا يُشرِكُ به شيئًا؛ فكلُّ ذنْبٍ تحتَ مَشيئةِ اللهِ تعالى، فيَغفِرُ لمَن يَشاءُ، إلَّا الشِّركَ؛ فإنَّ اللهَ تعالى لا يَغفِرُه إذا ماتَ الإنسانُ عليه ولَقِيَه به.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو ذرٍّ الغِفاريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "حدَّثَنا الصادِقُ المَصْدوقُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيما يَرْوي عن ربِّه عزَّ وجلَّ" وهذا الحديثُ يُسمَّى بالحَديثِ القُدسيِّ أو الحديثِ الإلهيِّ، "أنَّه قال: الحَسَنةُ بعَشْرِ أمثالِها أو أزيدُ" بأضْعافِها، وقد تتَضاعَفُ المَثوبةُ إلى سَبعِ مِئةِ ضِعفٍ، "والسيِّئةُ بواحدةٍ أو أغفِرُ"، أي: وأمَّا السَّيِّئةُ فلا يُجازي اللهُ سُبحانَه إلَّا بمِثلِها، وقد يَعْفو اللهُ عنها بفَضلِه وكرَمِه، ومَنِّه وإحْسانِه؛ فلا يُعاقِبُ عليها فاعلَها، "ولو لَقيتَني بقُرابِ الأرضِ خَطايا" فمَلأتِ ذنوبُك الأرضَ كلَّها "ما لم تُشرِكْ بي"، وذلك بأنْ مُتَّ على التوْحيدِ الخالِصِ للهِ عزَّ وجلَّ دونَ أنْ تُشرِكَ معَ اللهِ إلهًا، أو تَكفُرَ به سُبحانَه عن ذلك، "لَقيتُكَ بقُرابِها مَغفرةً"، أي: قابَلْتُ هذه الذُّنوبَ والمَعاصِيَ -وإنْ كثُرَت من صاحبِها- بمِثلِها مَغفِرةً؛ لأنَّني واسِعُ المَغفرةِ، وأغفِرُ كلَّ شيءٍ دونَ الشِّركِ؛ كما قال سُبحانَه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
[النساء: 48، 116] ، وقيل: المُرادُ بقُرابِ الأرضِ: مِلءُ الأرضِ.
هذا، وقدْ قال العُلماءُ: إنَّ غُفرانَ الكبائرِ التي دون الشِّركِ يَحتاجُ إلى تَوبةٍ، أو إنَّ أمْرَها بيَدِ اللهِ سُبحانَه، إنْ شاء عَفا عَنها، وإنْ شاء عاقَبَ عليها، وكذلك حُقوقُ الخَلقِ؛ فإنَّه لا بدَّ مِن رَدِّها، أو يُجازي اللهُ بفَضلِه صاحبَ الحقِّ ويَعْفو بكَرَمِه عنِ المُذنِبِ فيها.
وفي الحديثِ: بيانُ الفَضلِ العظيمِ للتَّوْحيدِ، وأنَّ اللهَ يَغفِرُ للمُوحِّدينَ الذُّنوبَ والمعاصيَ.
وفيه: سَعةُ رَحمةِ اللهِ تَعالَى ومَغفرتِه وفَضلِه.
وفيه: خُطورةُ الشِّركِ والتَّحذيرُ منه .