الموسوعة الحديثية


- إنَّ اللهَ يُمْهِلُ، حتَّى إذا ذهَبَ مِنَ اللَّيلِ نِصْفُهُ أوْ ثُلُثاهُ، قال: لا يسألَنَّ عِبادي غَيْري، مَن يسأَلْني أستجِبْ له، مَن يسأَلْني أُعطِهِ، مَن يَستَغفِرْني أَغفِرْ له، حتَّى يَطْلُعَ الفَجرُ.
الراوي : رفاعة بن عرابة الجهني | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 1917 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحَديثِ أنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى يَتفضَّلُ ويَتَجلَّى كُلَّ لَيْلةٍ على عِبادِهِ حينَ يَبْقى الثُّلُثُ الأخيرُ مِن اللَّيلِ، فيَفيضُ عليهم بالرَّحَماتِ والمَغفِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ اللهَ يُمهِلُ" يَتأخَّرُ "حتَّى إذا ذهَبَ من اللَّيلِ نِصفُهُ أو ثُلُثاهُ" فيكونُ آخِرُ اللَّيلِ "قالَ: لا يَسأَلَنَّ عِبادي غَيْري"، فهو سُبْحانَهُ الرَّبُّ الواحِدُ، والإلهُ المَعْبودُ، وهو المُجيبُ لِمَن سأَلَهُ، فيقولُ الحقُّ سُبْحانَهُ: "مَن يَسْأَلْني أسْتَجِبْ له، مَن يَسْأَلْني أُعْطِهِ، مَن يَستَغفِرْني أغْفِرْ له"، وهذا تَرْغيبٌ وحَضٌّ على القيامِ للصَّلاةِ والدُّعاءِ في النِّصفِ الأخيرِ من اللَّيلِ، والتَّوجُّهُ إلى اللهِ بطَلَبِ كُلِّ ما يَرْجوهُ الإنسانُ من ربِّهِ من حاجاتِ الدُّنيا والآخِرةِ "حتَّى يَطلُعَ الفَجْرُ"، فتَنتَهي تلك المَيْزةُ والأفْضليَّةُ لهذا الوَقتِ مع أذانِ الفَجْرِ.
ولعلَّ تَخْصيصَ وَقتِ آخِرِ اللَّيلِ، والثُّلُثِ الأخيرِ بهذا الفَضْلِ لأنَّه وَقتٌ شريفٌ مُرغَّبٌ فيه، وهو وَقتُ خَلْوةٍ وغَفْلةٍ واستِغْراقٍ في النَّومِ، واستِلْذاذٍ به، ومُفارقةُ اللَّذَّةِ والرَّاحةِ صَعْبةٌ على العبادِ؛ فمَن آثَرَ القيامَ لِمُناجاةِ ربِّهِ، والتَّضرُّعِ إليه في غُفْرانِ ذُنوبِهِ، وفِكاكِ رَقَبتِهِ مِن النَّارِ، وسأَلَهُ التَّوبةَ في هذا الوَقْتِ الشَّاقِّ، على خَلْوةِ نَفسِهِ بلَذَّتِها، ومُفارَقةِ راحَتِها وسَكَنِها- فذلِكَ دَليلٌ على خُلوصِ نيَّتِهِ، وصِحَّةِ رَغبَتِهِ فيما عِندَ ربِّهِ، فضُمِنَتْ له الإجابةُ الَّتي هي مَقْرونةٌ بالإخْلاصِ وصِدْقِ النِّيَّةِ في الدُّعاءِ؛ إذ لا يقبَلُ اللهُ دُعاءً مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ؛ فلذلِكَ نبَّهَ اللهُ عبادَهُ إلى الدُّعاءِ في هذا الوَقْتِ، الَّذي تَخْلو فيه النَّفسُ مِن خَواطِرِ الدُّنيا؛ لِيَستَشعِرَ العَبدُ الإخْلاصَ لربِّهِ، فتقَعَ الإجابةُ منه تَعالى؛ رِفقًا مِن اللهِ بخَلقِهِ، ورَحْمةً لهم .