الموسوعة الحديثية


- عن مُحمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظيِّ قال: قال فَتًى مِنَّا مِن أهْلِ الكُوفةِ لحُذَيفةَ بنِ اليَمانِ: يا أبا عبدِ اللهِ، رَأيتُم رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصَحِبتُموهُ؟ قال: نَعَمْ يا ابنَ أخي، قال: فكيف كُنتُم تَصنَعونَ؟ قال: واللهِ لقد كُنَّا نَجهَدُ، قال: واللهِ لو أدْرَكْناهُ ما تَرَكْناهُ يَمْشي على الأرضِ، ولَجَعَلْناهُ على أعْناقِنا، قال: فقال حُذَيفةُ: يا ابنَ أخي، واللهِ لقد رَأيتُنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالخَنْدَقِ، وصلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن اللَّيلِ هَوِيًّا، ثم التَفَتَ إلينا فقال: مَن رَجُلٌ يَقومُ فيَنظُرَ لنا ما فَعَلَ القَومُ -يَشرُطُ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه يَرجِعُ- أدخَلَه اللهُ الجَنَّةَ، فما قام رَجُلٌ، ثم صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هَوِيًّا مِن اللَّيلِ، ثم التَفَتَ إلينا، فقال: مَن رَجُلٌ يقوم فيَنظُرَ لنا ما فَعَلَ القَومُ، ثم يَرجِعَ -يَشرُطُ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجْعةَ- أسأَلُ اللهَ أنْ يكونَ رَفيقي في الجَنَّةِ، فما قامَ رَجُلٌ مِن القَومِ مع شِدَّةِ الخَوفِ، وشِدَّةِ الجُوعِ، وشِدَّةِ البَرْدِ، فلمَّا لم يَقُمْ أحَدٌ دَعاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلم يكُنْ لي بُدٌّ مِن القيامِ حين دَعاني، فقال: يا حُذَيفةُ، فاذْهَبْ فادْخُلْ في القَومِ فانْظُرْ ما يَفعَلونَ، ولا تُحدِثَنَّ شَيئًا حتى تَأتِيَنا، قال: فذَهَبتُ فدَخَلتُ في القَومِ، والرِّيحُ وجُنودُ اللهِ تَفعَلُ ما تَفعَلُ لا تُقِرُّ لهم قِدْرًا، ولا نارًا، ولا بِناءً، فقامَ أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ، فقال: يا مَعشَرَ قُرَيشٍ، لِيَنظُرَ امرُؤٌ مَن جَليسُه، فقال حُذَيفةُ: فأخَذتُ بيَدِ الرَّجُلِ الذي إلى جَنْبي، فقُلتُ: مَن أنتَ؟ قال: أنا فُلانُ بنُ فُلانٍ، ثم قال أبو سُفْيانَ: يا مَعشَرَ قُرَيشٍ، إنَّكم واللهِ ما أصبَحْتُم بدَارِ مُقامٍ؛ لقد هَلَكَ الكُراعُ، وأخْلَفَتْنا بَنو قُرَيظةَ، وبَلَغَنا عنهم الذي نَكرَهُ، ولَقِينا مِن هذه الرِّيحِ ما تَرَونَ، واللهِ ما تَطمَئِنُّ لنا قِدْرٌ، ولا تقومُ لنا نارٌ، ولا يَستَمسِكُ لنا بِناءٌ، فارْتَحِلوا فإنِّي مُرتَحِلٌ، ثم قامَ إلى جَمَلِه وهو مَعْقولٌ فجَلَسَ عليه، ثم ضَرَبَه فوَثَبَ على ثلاثٍ، فما أطلَقَ عِقالَه إلَّا وهو قائِمٌ، ولولا عهدُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُحدِثْ شَيئًا حتى تَأتِيَني، ثم شِئتُ؛ لَقَتَلتُه بسَهْمٍ. قال حُذَيفةُ: ثم رَجَعتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو قائِمٌ يُصلِّي في مِرْطٍ لبَعضِ نِسائِه مُرَحَّلٍ، فلمَّا رَآني أدْخَلَني إلى رَحْلِه، وطَرَحَ علَيَّ طَرَفَ المِرْطِ، ثم رَكَعَ وسَجَدَ وإنَّه لَفيهِ، فلمَّا سَلَّمَ أخبَرتُه الخَبَرَ. وسَمِعَتْ غَطَفانُ بما فَعَلَتْ قُرَيشٌ، فانْشَمَروا إلى بِلادِهم.
الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 23334 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه من طرق مسلم (1788) بنحوه مختصراً، وأحمد (23334) واللفظ له
حارَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُريشًا في غَزَواتٍ مُتعدِّدةٍ، وفي السَّنةِ الرابعةِ بعدَ الهِجْرةِ أخذَتْ قُرَيشٌ تُعبِّئُ قَبائلَ العربِ واليَهودَ لحَرْبِه وتَجمَعُ الكفَّارَ وتُحزِّبُهم عليه، وتَناسَى الكلُّ ما بينَه وبينَ بعضِه، حتى اشتَدَّ الأمرُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معَه في المَدينةِ!
وفي هذا الحديثِ بيانٌ لذلك، حيث يقولُ محمَّدُ بنُ كَعبٍ القُرَظيُّ: "قال فَتًى منَّا من أهلِ الكوفةِ لحُذَيفةَ بنِ اليَمانِ: يا أبا عبدِ اللهِ، رأيتُم رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصَحِبْتُموه؟"، أي: شَرُفْتم برُؤيتِه وصُحبتِه وعاصَرْتم نُزولَ الوَحيِ عليه، "قال: نَعمْ يا ابنَ أخي، قال: فكيف كنتُم تَصنَعونَ؟" يُريدُ كيف كان عَملُكم معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفي عهدِه، قال حُذَيفةُ: "واللهِ لقد كُنَّا نَجهَدُ" نَجتَهِدُ في العملِ قَدرَ الاستطاعةِ على طاعةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واتِّباعِ أوامِرِه وأحْكامِه، قال الفَتى: "واللهِ لو أدْرَكْناه ما تَرَكْناه يَمْشي على الأرضِ، ولَجَعَلْناه على أعْناقِنا" تَبْجيلًا له، وتَوْقيرًا ونَصرًا لدِينِه، وهذا الكلامُ مُبالَغةٌ منَ السائلِ في اعْتِقادِه وتَصوُّرِه لِمَا كان سيَفعَلُه لو أدرَكَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكأنَّه استقَلَّ ما كان يَفعَلُه الصحابةُ الكِرامُ، وأنَّه كان سيَفعَلُ أكثرَ ممَّا كان الصحابةُ يَفعَلونَه، فقال حُذَيفةُ رضِيَ اللهُ عنه -مُوضِّحًا ومُعلِّمًا له أنْ يَحمَدَ اللهَ على ما هو فيه، وأنَّه رُبَّما لو كان حاضِرًا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقتَ الشِّدَّةِ ما استطاعَ الصَّبرَ-: "يا ابنَ أخي، واللهِ لقدْ رأيْتُنا معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالخَندَقِ" في غَزْوةِ الأحْزابِ التي وقَعَتْ في السَّنةِ الرابعةِ منَ الهِجرةِ؛ فقدِ اجتمَعَتْ فيها قُرَيشٌ وغيرُها مِن قَبائلِ الكُفرِ على المُسلِمينَ، ونقَضَتْ فيها بَنو قُرَيظةَ مِن يَهودِ المَدينةِ عهدَهم معَ المُسلِمينَ، وتَحالَفوا معَ الأحْزابِ مِنَ المُشرِكينَ، وسُمِّيَت أيضًا بالخَندَقِ: لأنَّ الصحابةَ رِضوانُ اللهِ عليهم كانوا يَحفِرونَ الخَنْدَقَ استِعدادًا لهجومِ المُشرِكينَ، "وصلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ الليلِ هَوِيًّا" وَقتًا طويلًا في عَتَمةِ اللَّيلِ، "ثم التَفَتَ إلينا" تَوجَّهَ إلينا "فقال: مَن رَجلٌ يَقومُ فيَنظُرَ لنا ما فعَلَ القومُ"، يَأْتي بأخْبارِ المُشرِكينَ من مَعَسكَرِهم، "يَشرُطُ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه يَرجِعُ- أدخَلَه اللهُ الجَنةَ" بمَعنى أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ أنَّ مَن يَأْتيه بخَبَرِهم مَضْمونٌ له منَ اللهِ أنْ يَرجِعَ سالِمًا، ثم يُدخِلَه اللهُ الجَنةَ أجْرًا ومَثوبةً على فِعلِه، "فما قام رَجلٌ"، أي: لم يُلَبِّ رَجلٌ واحدٌ مَطلَبَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وذلك للخَوفِ الشديدِ الذي وُجِدَ بالقُلوبِ حينَئذٍ، "ثم صلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هَوِيًّا منَ اللَّيلِ، ثم التَفَتَ إلينا، فقال: مَن رَجُلٌ يقومُ فيَنظُرَ لنا ما فعَلَ القومُ، ثم يَرجِعُ -يَشرُطُ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرجْعةَ" أعادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَطلَبَه في أصحابِه، وأضافَ للأجْرِ السابِقِ: "أسألُ اللهَ أنْ يكونَ رَفيقي في الجَنةِ"، بشَّرَ مَن يَخرُجُ بمُرافقتِه في الجَنةِ، وذلك وَعدٌ مَضْمونٌ بإذنِ اللهِ، ومعَ كلِّ هذه المُبشِّراتِ وكلِّ هذا الفَضلِ والأجْرِ، "فما قام رَجلٌ منَ القَومِ"؛ ليُؤدِّيَ هذه المُهمةَ طَواعيةً "معَ شِدةِ الخَوفِ، وشِدَّةِ الجوعِ، وشِدةِ البَردِ، فلمَّا لم يَقُمْ أحدٌ دَعاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: حَدَّدَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باسمِه ليَقومَ بالمُهمَّةِ، "فلم يكُنْ لي بُدٌّ منَ القِيامِ حينَ دَعاني"؛ فلم يكُنْ لي مَفَرٌّ من تَنْفيذِ أمرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا اسْتَدْعاني بشَخْصي لهذه المُهمةِ.
ثم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا حُذَيفةُ، فاذهَبْ فادخُلْ في القومِ" واختَلِطْ بهم، "فانظُرْ ما يَفعَلونَ" من أُمورِ الحَربِ وغَيرِها، "ولا تُحدِثَنَّ شيئًا حتى تَأْتيَنا"؛ فلا تُصِبْ أحدًا منهم، ولا تَفعَلْ ما يَكشِفُكَ حتى تَرجِعَ، قال حُذَيفةُ رضِيَ اللهُ عنه: "فذهَبْتُ فدخَلْتُ في القومِ، والرِّيحُ وجُنودُ اللهِ تَفعَلُ ما تَفعَلُ لا تَقِرُّ لهم قِدرًا"، أي: لا تُثبِتُ الرِّيحُ آنيتَهم، بل تَقلِبُها وتَكفَؤُها، "ولا نارًا" إلَّا وتُطفِئُها "ولا بناءً" إلَّا هدَمَتْه، "فقام أبو سُفيانُ بنُ حَربٍ، فقال: يا مَعشَرَ قُريشٍ، لِيَنظُرِ امرؤٌ مَن جَليسُه" يعني: ليَتَعَرَّف بعضُكم على بعضٍ خَشْيةَ دُخولِ غَريبٍ يَتجسَّسُ عليهم، "فقال حُذَيْفةُ: فأخذْتُ بيَدِ الرجُلِ الذي إلى جَنْبي" فاستبَقتُ السؤالَ عن شَخْصيتِه، "فقُلْتُ: مَن أنتَ؟ قال: أنا فُلانُ بنُ فُلانٍ"، وهذا من فِطنتِه وذَكائِه، هكذا أنْقَذَه اللهُ مِن أنْ تَكشِفَه قُريشٌ، "ثم قال أبو سُفيانَ: يا مَعشَرَ قُرَيشٍ، إنَّكم واللهِ ما أصبَحْتم بدارِ مُقامٍ" تَصلُحُ فيها الإقامةُ، ويَقصِدُ بها مُعسكرَهمُ الذي سيَنطَلِقونَ منه لغَزوِ المَدينةِ؛ "لقد هلَكَ الكُراعُ" وهي أرجُلُ الدوابِّ التي نَحُلَت وضَعُفَتْ، "وأخْلَفَتْنا بَنو قُرَيظةَ" فنَقَضوا العهدَ معَ قُرَيشٍ، وبَنو قُرَيظةَ من يَهودِ المَدينةِ، وكانوا في عَهدٍ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنَقَضوه وتَحالَفوا معَ قُريشٍ، "وبلَغَنا عنهمُ الذي نَكْرَهُ" من نَقضِ العَهدِ والتخَلُّفِ عنِ القِتالِ معَ قُريشٍ، "ولَقينا من هذه الرِّيحِ ما تَرَوْنَ" منَ الشِّدَّةِ وقَلبِ القُدورِ وإطفاءِ النارِ وهدْمِ الأبنيةِ، "واللهِ ما تَطمئنُّ لنا قِدرٌ، ولا تقومُ لنا نارٌ، ولا يَستَمسِكُ لنا بناءٌ؛ فارْتَحِلوا؛ فإنِّي مُرتَحِلٌ"! فاتْرُكوا مكانَ القِتالِ ومُعَسكَرَه، وارْجِعوا إلى مكَّةَ، "ثم قام إلى جمَلِه وهو مَعْقولٌ"، أي: مَرْبوطٌ بحَبلٍ صَغيرٍ يُقالُ له العِقالُ، "فجلَسَ عليه"، فرَكِبَه، "ثم ضرَبَه فوثَبَ على ثلاثٍ" أرجُلٍ مِن أرْجلُهِ والرابعةُ مَرْبوطةٌ، "فما أطلَقَ عِقالَه إلَّا وهو قائِمٌ"، فلمَّا وقَفَ الجمَلُ قطَعَ حَبلَ عِقالِه. قال حُذيفةُ رضِيَ اللهُ عنه: "ولولا عهدُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُحدِثْ شَيئًا حتى تَأْتيَني، ثم شِئْتُ؛ لقَتَلْتُه بسَهمٍ"؛ فقد كان يسهُلُ عليَّ قتلُ أبي سُفيانَ زَعيمِ المُشركينَ آنَذاكَ.
"قال حُذَيفةُ: ثم رَجَعْتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو قائمٌ يُصلِّي في مِرْطٍ لبعضِ نِسائِه مُرَحَّلٍ" ثَوبٌ يلبَسُه الرِّجالُ والنِّساءُ مثلُ الإزارِ ويَكونُ رِداءً يُصنَعُ مِنَ الصُّوفِ أو مِنَ الحَريرِ المَخلُوطِ بوَبَرٍ، قيلَ: يُشبِهُ المِلْحَفةَ، وسُمِّيَ مُرَحَّلًا لِمَا عليه مِن تَصاويرِ الرَّحْلِ، "فلمَّا رَآني أدْخَلَني إلى رَحْلِه" في خَيْمَتِه، "وطرَحَ عليَّ طَرفَ المِرْطِ" ليُدَفِّئَه منَ البُرودةِ الشديدةِ، "ثم ركَعَ وسجَدَ، وإنَّه لفيه" بمعنى أنَّه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى فركَعَ وسجَدَ وهو لابسٌ جُزءًا منَ المِرْطِ وجُزءٌ من هذا الثَّوبِ على حُذَيفةَ، "فلمَّا سلَّمَ أخبَرْتُه الخبَرَ"، وأعلمتُه بما حدَثَ في مُعسكَرِ المشركينَ وما مَنَّ اللهُ به على المُسلمينَ مِن إرسالِ الرِّيحِ على المشركين حتى أفزعتْهم واضطرتْهم إلى الرُّجوعِ إلى مَكَّةَ مخذولينَ، وكذلك فعَلَ حُلفاؤُهم، "وسمِعَتْ غَطَفانُ بما فعَلَتْ قُريشٌ"، وكانوا في تَحالُفٍ معَ قُريشٍ ويَنْضَمُّوا لهم، فانْشَمَروا إلى بلادِهم" راجِعينَ إليها دونَ قِتالٍ.
وكلُّ هذا تَربيةٌ وتَعليمٌ لمَن تَوهَّمَ أنَّه لو كان معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصاحَبَه في حياتِه لكانَ أتْقَى وأهْدى وأكثَرَ عَملًا منَ الصحابةِ الكِرامِ؛ لأنَّ الصُّحْبةَ لا تَعني العِصمةَ منَ الوُقوعِ في الخَوفِ والتردُّدِ، ولا تُغْني منَ الوُقوعِ في الخطأِ، معَ أنَّ الإنسانَ إذا لم يقَعْ في المَوقِفِ بشَخصِه وكان بَعيدًا عنه فإنَّه يَتصوَّرُ قُدرَتَه على أمورٍ يَستَطيعُ فِعلَها ولم يَفعَلْها مَن وقَعَ في المَوقِفِ؛ فإنَّ الصحابةَ معَ فَضلِهم لشِدَّةِ المَوقِفِ وشِدَّةِ الخَوفِ لم يُجِبْ أحدٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للخُروجِ إلى مُعَسكَرِ قُريشٍ، وتَواكَلَ الناسُ بعضُهم على بعضٍ، فلمَّا عيَّنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُذَيفةَ بالدعوةِ وجَبَتْ عليه الإجابةُ، فلم يتأخَّرْ.
وفي الحديثِ: فَضلٌ ومَنقَبةٌ لحُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: تَواضُعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحُسْنُ نَظرِه وفِراسَتِه.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إرسالَ الْعُيونِ؛ لِمعرفَةِ أخْبارِ العَدوِّ.
وفيه: بيانُ كَرامةِ اللهِ لنبيِّه وأُمَّتِه، حيثُ كفاهم قِتالَ تِلك الأحزابِ المُجتمِعةِ مِن قَبائِلَ شتَّى، بأنْ أرْسَلَ عليهم رِيحًا وجنودًا لم تَرْوَها، فهزَمَهم .