الموسوعة الحديثية


- أنّه رأَى في سماءِ الدُّنيا آدمَ عليه السَّلامُ عن يمينِه أسوَدةٌ وعن يسارِه أسوَدةٌ وأنَّه إذا نظر عن يمينِه ضحِك وإذا نظر عن يسارِه بكَى فسأل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن تلك الأسودةِ فأُخبر أنَّهم نسمُ بنيه وأنَّ الَّذي عن يمينِه منها نسمُ أهلِ الجنَّةِ فإذا نظر إليها ضحِك وأنَّ الَّذي عن شمالِه نسمُ أهلِ النَّارِ فإذا نظر إليها بكَى إشفاقًا
الراوي : - | المحدث : ابن حزم | المصدر : الأصول والفروع | الصفحة أو الرقم : 195 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كانتْ رِحْلةُ الإسْراءِ والمِعْراجِ مُعجِزةً إلهيَّةً؛ لِتَأييدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَثْبيتِ فُؤادِهِ، وقد رَأى فيها من آياتِ اللهِ الكَثيرَ، وقابَلَ من الأنبياءِ جَمعًا كَبيرًا، ومنهم آدَمُ عليه السَّلامُ، وفي هذا الحديثِ جانِبٌ من ذلك، حيثُ يَروي أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذكَرَ عن رِحْلةِ المِعْراجِ "أنَّه رَأى في سَماءِ الدُّنيا" وهي السَّماءُ الأُولى التي فَوقَ الأرضِ، "آدَمَ عليه السَّلامُ عن يَمينِهِ أسْوِدةٌ، وعن يَسارِهِ أسْوِدةٌ"، أي: أشْخاصٌ، وهو من السَّوادِ، "وأنَّه إذا نظَرَ عن يَمينِهِ ضَحِكَ، وإذا نظَرَ عن يَسارِهِ بَكَى، فسَأَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن تلك الأسْوِدةِ، فأُخبِرَ أنَّهم نَسَمُ بَنيهِ"، والنَّسَمُ جَمعُ نَسَمةٍ: وهي النَّفْسُ، "وأنَّ الَّذي عن يَمينِهِ منها نَسَمُ أهْلِ الجَنَّةِ، فإذا نظَرَ إليها ضَحِكَ، وأنَّ الَّذي عن شِمالِهِ نَسَمُ أهْلِ النَّارِ، فإذا نظَرَ إليها بَكَى إشْفاقًا"، أي: بَكَى رَحْمةً بهم ممَّا هُم فيه من العَذابِ، وهذا من شَفَقةِ الوالِدِ على وَلَدِهِ، وسُرورِهِ بحُسنِ حالِهِ، وحُزنِهِ وبُكائِهِ لِسُوءِ حالِهِ.
قيلَ: إنَّ هذا لا يُناقِضُ أنَّ أرواحَ المُؤمِنينَ في الجَنَّةِ أو في الصُّورِ الذي يُنفَخُ فيه أو في القُبورِ، وأرْواحَ الكافِرينَ في سِجِّينٍ؛ لأنَّ هذا في أحْوالٍ مختلفةٍ، وأوْقاتٍ مُتَغايرةٍ. وقيلَ: يَحتمِلُ أنَّ الأرْواحَ تُعرَضُ على آدَمَ أوْقاتًا فوافَقَ وَقتُ عَرضِها مُرورَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وقيلَ: يَحتمِلُ أنَّ كَونَهُم في النَّارِ والجَنَّةِ، إنَّما هو في أوْقاتٍ دُونَ أوْقاتٍ بدَليلِ قَولِهِ تَعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46]. وقيلَ: يَحتمِلُ أنَّ الجَنَّةَ كانت في جِهةِ يَميِن آدَمَ عليه السَّلامُ، والنَّارَ في جِهةِ شِمالِهِ، وكِلاهُما حيثُ شاءَ اللهُ، واللهُ أعلَمُ .