الموسوعة الحديثية


- بينما نحنُ نسيرُ بأرضِ الرُّومِ في طائفةٍ عليها مالكُ بنُ عبدِ اللهِ الخَثعميُّ إذ مرَّ مالكٌ بجابرِ بنِ عبدِ اللهِ وهو يمشي يقودُ بغلًا له فقال له مالكٌ: أيْ أبا عبدِ اللهِ اركَبْ فقد حمَلك اللهُ، فقال جابرٌ: أُصلِحُ دابَّتي وأستغني عن قومي وسمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ( مَن اغبَرَّت قدماه في سبيلِ اللهِ حرَّمه اللهُ على النَّارِ ) فأعجَب مالكًا قولُه فسار حتَّى إذا كان حيثُ يُسمِعُه الصَّوتُ ناداه بأعلى صوتِه يا أبا عبدِ اللهِ اركَبْ فقد حمَلك اللهُ فعرَف جابرٌ الَّذي أراد برفعِ صوتِه وقال: أُصلِحُ دابَّتي وأستغني عن قومي وسمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ( مَن اغبَرَّت قدماه في سبيلِ اللهِ حرَّمه اللهُ على النَّارِ ) فوثَب النَّاسُ عن دوابِّهم فما رأَيْنا يومًا أكثرَ ماشيًا منه
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 4604 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
وَعَدَ اللهُ سُبحانَه وتَعالى المُجاهِدينَ في سَبيلِه الأجْرَ الجَزيلَ، والثَّوابَ العَظيمَ؛ فحَرَّمَ على النَّارِ أعْيُنَهم التي تَبِيتُ وهي تَحرُسُ في سَبيلِه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو المُصَبِّحِ المَقْرائيُّ: "بَيْنَما نحنُ نَسيرُ بأرضِ الرُّومِ في طائِفةٍ" والمرادُ بهم جَماعةٌ مِنَ الجَيشِ، "عليها مالِكُ بنُ عَبدِ اللهِ الخَثعَميُّ" قائِدًا وأميرًا، "إذْ مَرَّ مالِكٌ بجابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ وهو يَمشي" على رِجلَيْه ولا يَركَبُ، "يَقودُ بَغلًا له"، أي: يَسحَبُه خَلْفَه ولا يَركَبُه، "فقالَ له مالِكٌ: أيْ أبا عَبدِ اللهِ، اركَبْ؛ فقد حَمَلَكَ اللهُ" بأنْ رَزَقَكَ دابَّةً تَركَبُها، "فقالَ جابِرٌ: أُصلِحُ دابَّتي"، أي: أُريحُها بعَدَمِ الرُّكوبِ، "وأستَغني عن قَوْمي"؛ فلا أطلُبُ منهم دابَّةً صَحيحةً لِأركَبَها، "وسَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: مَنِ اغبَرَّتْ قَدَماهُ في سَبيلِ اللهِ"، أي: أصابَها الغُبارُ والتُّرابُ، وهو كِنايةٌ عنِ الجِهادِ والغَزوِ في سَبيلِ اللهِ، "حَرَّمَه اللهُ على النَّارِ"، أي: نَجَّاه منها، وإنَّما ذَكَرَ القَدَمَيْنِ في هذا الحَديثِ، وإنْ كانَ الغُبارُ يَعُمُّ البَدَنَ كُلَّه؛ لِأنَّ أكثَرَ المُجاهِدينَ في ذلك الزَّمانِ كانوا مُشاةً، والأقدامُ تَتغَبَّرُ على كُلِّ حالٍ، سَواءٌ كانَ الغُبارُ قَويًّا أو ضَعيفًا، ولِأنَّ أساسَ ابنِ آدَمَ على القَدمَينِ، فإذا سَلِمتِ القَدَمانِ مِنَ النَّارِ سَلِمَ سائِرُ أعضائِه منها، وهذا وَعدٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ووَعدُه حَقٌّ، وسَبيلُ اللهِ -وإنْ كانَ الأصلُ في إطلاقِه على الجِهادِ- فإنَّه يُطلَقُ أيضًا على كُلِّ طاعةٍ؛ فعَلى ذلك مَن أصابَ قَدَمَه الغُبارُ وهو يَسيرُ إلى أيِّ طاعةٍ كانتْ، فإنَّ قَدَمَه تُحَرَّمُ على النَّارِ، "فأعجَبَ مالِكًا قَولُه"؛ لِمَا فيه مِن بَيانِ الأجْرِ والثَّوابِ، "فسارَ حتى إذا كان حيثُ يُسمِعُه الصَّوتَ" مِن بَعيدٍ، وفي أبعَدُ نُقطةٍ مُمكِنةٍ، "ناداهُ بأعْلى صَوتِه: يا أبا عَبدِ اللهِ، اركَبْ؛ فقد حَمَلكَ اللهُ. فعَرَفَ جابِرٌ الذي أرادَ برَفْعِ صَوتِه"، أي: عَرَفَ مَقصِدَه، وأنَّه أرادَ أنْ يُعَلِّمَ الناسَ فَضلَ المَشْيِ في سَبيلِ اللهِ، وقد كانَ بإمكانِ مالِكٍ أنْ يَأمُرَ الجَيشَ بما في الحَديثِ، أو يُوَجِّهَهم إليه؛ إلَّا أنَّ الحَديثَ مِن صاحِبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ أَقيَمَ في النُّفوسِ وأسرَعَ في الاتِّباعِ، وهذا مِن حُسنِ فِطنةِ القائِدِ، "وقالَ: أُصلِحُ دابَّتي وأستَغني عن قَوْمي، وسَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: مَنِ اغبَرَّتْ قَدَماهُ في سَبيلِ اللهِ، حَرَّمَه اللهُ على النَّارِ. فوَثَبَ النَّاسُ عن دَوابِّهم"، أي: قَفَزوا مِن على ظُهورِ دَوابِّهم، ومَشَوُا؛ استِجابةً لِمَا في الحَديثِ، وطَلَبًا لِلأجْرِ، "فما رَأيْنا يَومًا أكثَرَ ماشِيًا منه"؛ لِكَثرةِ الماشينَ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ فَضْلِ المَشيِ في سَبيلِ اللهِ تعالى وفي الطَّاعاتِ .