الموسوعة الحديثية


- أيُّ القراءتينِ كانت أخيرًا: قراءةُ عبدِ اللهِ، أو قراءةُ زيدٍ؟ قال: قُلْنا: قراءةُ زيدٍ، قال: لا، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يعرِضُ القرآنَ على جِبْريلَ كلَّ عامٍ مرةً، فلمَّا كان في العامِ الذي قُبِضَ فيه عرَضَه عليه مرَّتينِ، وكانتُ آخرُ القراءةِ قراءةَ عبدِ اللهِ.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 2494 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (7994)، وأحمد (2494) واللفظ له
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُدارِسُ أصحابَه القُرآنَ الكريمَ، ويُعلِّمُهم آياتِه وأحكامَه، كما كان جِبريلُ عليه السَّلامُ يُراجِعُ القرآنَ معه مرَّةً كلَّ عامٍ.
وفي هذا الحديثِ يسأَل عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما بعض التابعين سؤالًا تَقريريّا لِيُعلِّمَهم فَقالَ: "أيُّ القِراءتينِ كانتْ أخيرًا"، بمعنى: أيٌّ مِن الصَّحابيَّينِ كانتْ قِراءتُه عَلى الْقِراءَةِ الأَخِيرَةِ لِلقرآنِ؟ "قِراءةُ عَبدِ اللهِ، أو قِراءةُ زَيدٍ؟" ويَقصِدُ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ وزَيدَ بنَ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنهما، وتَوجيهُ السُّؤالِ كان للتَّابعينَ الذي يَأخُذون العِلمَ عن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما خصَّ ابنُ عبَّاسٍ هذينِ الصَّحابيَّينِ؛ لأنَّهما كانَا ممَّن جمَعَ القُرآنَ على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكلٍّ منهما مَناقِبُ وفَضْلٌ في هذا المقامِ، وَقِيلَ: لَعَلَّ سَببَ تَوجِيهِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنُه هذا السُّؤالَ لأتباعه؛ لأنَّ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ رضي الله عنه كانَ قَدْ ذَهَبَ إلى الكُوفَةِ بَأمْرِ عُمَرَ بْنِ الخَطابِ رضي الله عنه فَأقْرأَ النَّاَس القُرآنَ قَبْلِ كِتابةِ عُثمَانَ رضي الله عنه المَصَاحِفَ ثُمَّ جَمْعِه النَّاسَ عَلى ما اسْتَقَرَّ فِي هذه المَصاحِفِ، التي تولى كِتابَتَها جَماعَةٌ يَرْأَسُها زَيدُ بْنُ ثَابتٍ، فَكانَ النَّاسُ يُسمُّونَ قِراءَةِ ابْنِ مَسعودٍ الْقراءَةَ الأُولَى وَمَا في الَمصَاحِفِ الْقِراءَةَ الأخيرةَ، فلهذا صحَّحَ لَهُم ابنُ عَبَّاسِ هَذِه المَفَاهِيم، فَلمَّا أجابَ التَّابعيُّ مُجاهِدُ بنُ جَبرٍ -راوي الحديثِ عن ابنِ عبَّاسٍ-: "قُلْنا: قِراءةُ زَيدٍ" فأجابوا بأنَّ قِراءةَ زَيدٍ هي الأخيرة وليست قِراءةِ عبدِ اللهِ، فقال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما مُعَلِّمًا ومُوَضِّحًا: "لا؛ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَعرِضُ القُرآنَ على جِبريلَ كلَّ عامٍ مرَّةً"، أي: كان يُراجِعُ كلَّ ما نزَلَ مِن القُرآنِ مع جِبريلَ مرَّةً في كلِّ عامٍ، "فلمَّا كان في العامِ الذي قُبِضَ فيه عَرَضَه عليه مرَّتينِ"؛ تأْكيدًا وتَعليمًا بما نُسِخَ وما أُثبِتَ، "وكانتْ آخِرُ القِراءةِ قِراءةَ عبدِ اللهِ"؛ فقد شَهِدَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ العرْضةَ الأخيرةَ، وأخَذَها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكان أعلَمَ مِن غَيرِه بالقُرآنِ، وفي الصَّحيحينِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "خُذوا القُرآنَ مِن أربعةٍ: مِن عبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ -فبَدَأَ به- وسالمِ مَولى أبي حُذَيفةَ، ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ، وأُبيِّ بنِ كَعبٍ"، وفي الصَّحيحينِ مِن حَديثِ أنَسٍ رضِيَ اللهُ عنه: "جمَعَ القُرآنَ على عَهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربعةٌ، كلُّهم مِن الأنصارِ: مُعاذُ بنُ جَبلٍ، وأُبَيُّ بنُ كَعبٍ، وزَيدُ بنُ ثابتٍ، وأبو زَيدٍ"