الموسوعة الحديثية


- ولقد سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: يَخرُجُ مِن أُمَّتي قَومٌ يُسِيؤُونَ الأعمالَ، يَقرؤُونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُم. قال يَزيدُ: لا أَعْلَمُ إلَّا قال: يَحْقِرُ أحَدُكُم عمَلَه مِن عمَلِهِم، يَقتُلونَ أهْلَ الإسلامِ، فإذا خَرَجوا فاقْتُلُوهُم، ثمَّ إذا خَرَجوا فاقْتُلُوهُم، ثمَّ إذا خَرَجوا فاقْتُلُوهُم، فطُوبَى لِمَن قَتَلَهُم، وطُوبَى لِمَن قَتَلوهُ، كلَّما طَلَع مِنهُم قَرْنٌ قَطَعَه اللهُ عزَّ وجلَّ، فرَدَّدَ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِشْرينَ مرَّةً أو أَكثَرَ، وأنا أَسمَعُ.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم :   9/ 397   | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه ابن ماجه (174)، وأحمد (5562) واللفظ له
الخَوارِجُ الَّذين يُكفِّرونَ المُسلِمينَ بالذُّنوبِ والمعاصي، ويَستحِلُّون دِماءَهم وأمْوالَهم بذلِكَ هُم شَرُّ الخَلقِ والخَليقةِ، وقد أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بقِتالِهم، وحذَّرَ مِنهم، وبيَّنَ لنا صِفاتِهم، كما يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما في هذا الحَديثِ: "ولقد سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يَخرُجُ من أُمَّتي قَومٌ يُسيئونَ الأعْمالَ" يَعمَلونَ على غَيرِ مُرادِ اللهِ؛ لأنَّهم يُسيئونَ الفَهْمَ، "يَقْرؤونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم"، ومَعْناهُ أنَّ قومًا ليس حَظُّهم مِن القُرآنِ إلَّا مُرورَهُ على اللِّسانِ، فلا يُجاوِزُ تَراقِيَهم لِيَصِلَ قُلوبَهم، وليس ذلِكَ هو المَطْلوبَ، بل المَطْلوبُ تَعقُّلُه وتَدبُّرُه بوُقوعِه في القَلْبِ، والمُرادُ أنَّ الإيمانَ لم يَرسَخْ في قُلوبِهم، "قال يَزيدُ" وهو ابنُ هارونَ أحَدُ رُواةِ الحَديثِ: "لا أعلَمُ إلَّا قالَ: يَحقِرُ أحَدُكُم عَمَلَهُ من عَمَلِهِم" فإنَّهم يَتَشدَّدونَ في العِبادةِ، ويَجتَهِدونَ فيها أشَدَّ الاجتِهادِ، لدَرَجةِ أنَّ واحِدًا من الصَّحابةِ يَستَقِلُّ صَلاتَهُ مع صَلاتِهم، وصيامَه مع صيامِهِم، ويَستَقِلُّ عَمَلَهُ مع عَمَلِهِم، ولكِنَّ عَمَلَهم هذا مع جَهلٍ وقِلَّةِ فِقهٍ، يُكفِّرونَ كُلَّ مَنِ ارتَكَبَ كَبيرةً من المُسلِمينَ، "يَقتُلونَ أهْلَ الإسلامِ" فيَقتُلونَ المُسلِمينَ من أهْلِ الإيمانِ، ويَدَعونَ أهْلَ الأوْثانِ، ويَطعَنونَ على أُمَرائِهِم، ويَشهَدونَ عليهم بالضَّلالِ، يَدْعونَ إلى كِتابِ اللهِ، وليسوا منه في شَيءٍ، ولا يَرَونَ لأهْلِ العِلمِ والفَضلِ مَكانةً، ويَظنُّونَ أنَّهم أعلَمُ منهم باللهِ ورَسولِهِ وكِتابِهِ، "فإذا خَرَجوا فاقْتُلوهُم، ثُمَّ إذا خَرَجوا فاقْتُلوهُم، ثُمَّ إذا خَرَجوا فاقْتُلوهُم"، وهذا التَّكْرارُ لِتَأكيدِ الأمْرِ بقَتْلِهم لِشَناعةِ فِعلِهِم؛ "فطُوبى لِمَن قَتَلَهم، وطُوبى لِمَن قَتَلوهُ"، والمَعْنى أنَّ الجَنَّةَ لِمَنْ حارَبَهم فقَتَلَهم، أو قَتَلوهُ، "كُلَّما طَلَعَ منهم قَرْنٌ قَطَعَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ" فتَكفَّلَ اللهُ سُبحانَهُ بقَتْلِهم والقَضاءِ عليهم قَرنًا بعدَ قَرنٍ، وجيلًا بعدَ جيلٍ، "فردَّدَ ذلِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِشْرينَ مرَّةً أو أكثَرَ، وأنا أسمَعُ" تَأْكيدًا أنَّ اللهَ سُبحانَهُ سيَتَولَّى أمْرَهم بما يُسبِّبُهُ من أسْبابِهِ لِمُحارَبَتِهِم وهَزيمَتِهِم.
وفي هذا الحَديثِ: بَيانُ أنَّ الأعْمالَ بالنِّيَّاتِ، وأنَّ كَثْرةَ الأعْمالِ والعِبادةِ ليست دَليلًا على الإيمانِ.
وفيه: أنَّ الإعْجابَ بالنَّفسِ وبالعَمَلِ رُبَّما أدَّى إلى الإسْراعِ في الخُروجِ من الدِّينِ.
وفيه: وفيه إرْشادٌ إلى أنَّ العَمَلَ القَليلَ الدَّائِمَ خَيرٌ من الكَثيرِ المُؤدِّي إلى الغُرورِ والإعْجابِ بالنَّفسِ .