الموسوعة الحديثية


- قَدِمتُ على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وَفدِ كِندةَ، فقال لي: هل لك مِن وَلدٍ؟ قُلتُ: غُلامٌ وُلِدَ لي في مَخرَجي إليك مِن ابنةِ جَمْدٍ، ولوَدِدتُ أنَّ مَكانَه شِبَعُ القَومِ، قال: لا تَقولَنَّ ذلك؛ فإنَّ فيهم قُرَّةَ عَينٍ، وأجرًا إذا قُبِضوا، ثُمَّ لئنْ قُلتَ ذاك، إنَّهم لَمَجبَنةٌ مَحزَنةٌ، إنَّهم لمَجبَنةٌ مَحزَنةٌ.
الراوي : الأشعث بن قيس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 21840 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (21840) واللفظ له، والطبراني (1/236) (650)، والحاكم (7596) باختلاف يسير
الأولادُ والذُّريَّةُ مِن أجَلِّ نِعَمِ اللهِ على عِبادِه، ولكنَّ بَعضَ النَّاسِ لا يُحسِنُ التَّعامُلَ مع النِّعَمِ، فتُحوَّلُ إلى نِقْمةٍ وفِتنةٍ، وقد حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ الأشعثُ بنُ قَيسٍ الكِنْديُّ رضِيَ اللهُ عنه: "قدِمْتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وَفدِ كِنْدةَ"، أي: في جَماعةٍ منهم، وكِنْدةُ اسمٌ لِأبي قَبيلةٍ مِن اليمَنِ، وكان قُدومُهم في السَّنةِ التَّاسعةِ مِن الهِجرةِ، "فقال لي: هلْ لك مِن وَلَدٍ؟" يَسأَلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أَولادِه وعَدَدِهم، فقال الأشعثُ رضِيَ اللهُ عنه: "قلْتُ: غُلامٌ وُلِدَ لي في مَخْرِجي إليك مِن ابنةِ جَمْدٍ" وهذا نَسَبُ زَوجتِه التي وَلَدَت له الولَدَ، وجَمْدٌ كان أحَدَ مُلوكِ بني كِنْدةَ، والمعنى: أنَّه لم يكُنْ له أولادٌ إلَّا هذا الغُلامُ الذي صادَفَ وِلادتُه وَقتَ خُروجِه في وَفْدِه هذا، "ولَوَدِدتُ أنَّ مَكانَه شَبِعَ القومُ"، بمعنى: أنَّه كان يَتمنَّى أنْ يَرزُقَ اللهُ قَومَه الشِّبَعَ والرَّخاءَ، بَدلًا مِن أنْ يَرزُقَه بهذا الولَدِ، والظَّاهرُ أنَّ قَومَه كانوا مُجْدَبِينَ فتمنَّى ذلك، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا تَقولَنَّ ذلك" فنَهاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن هذا القولِ؛ "فإنَّ فِيهم قُرَّةَ عَينٍ"، والمعنى: أنَّ مِن الولَدِ مَن يُدخِلُ السُّرورَ والفرَحَ على والِدَيْه؛ لِمُجرَّدِ وُجودِه في حَياتِهم، فضْلًا أنْ يكونَ بارًّا ومُعينًا لهم، "وأجْرًا إذا قُبِضوا"، أي: إذا مات أحدُهم كان لِوالِدَيْه الأجْرُ بالصَّبرِ على فَقْدِهما إيَّاه، "ثمَّ لِئنْ قُلتَ ذاك، إنَّهم لَمَجْبَنةٌ"، أي: سَببٌ لِجُبْنِ الأبِ؛ فإنَّه يَتَقاعَدُ عن الغزَواتِ بسَبَبِ حُبِّ الأولادِ والخوفِ عليهم بعْدَ مَوتِه، "مَحْزَنةٌ"، أي: يَتسبَّبون في حُزْنِ آبائِهم إذا أصابَهُم ضَررٌ، أو وَقَعوا في خَطرٍ ونحْوِ ذلك، "إنَّهم لَمَجْبَنةٌ مَحْزَنةٌ" تأْكيدٌ وتَكرارٌ لِلْمعنى المُتقدِّمِ؛ للتَّنبيهِ عليه. وفي رِوايةٍ عِندَ الطَّبرانيِّ قال: "مَجْهَلةٌ"؛ لِكَونِ الولدِ يَحمِلُ على تَرْكِ الرِّحْلةِ في طلَبِ العِلمِ والجِدِّ في تَحصيلِه؛ لاهتِمامِ أبيه بتَحْصيلِ المالِ له.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن فِتْنةِ الأولادِ، وأَنْ يَكونوا سَببًا في البُعْدِ عَن الطَّاعاتِ والواجباتِ .