الموسوعة الحديثية


- كنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفرٍ ، وفي روايةٍ : في غزوةِ الفتحِ فنزل بنا ونحن معه قريبٌ من ألفِ راكبٍ ، فصلى ركعتينِ ، ثم أقبل علينا بوجهِه وعيناه تَذْرِفانِ ، فقام إليه عمرُ بنُ الخطابِ ، ففَدَّاه بالأبِ والأمِّ ، يقولُ : يا رسولَ اللهِ مالَك ؟ . قال : إني سألتُ ربي عَزَّ وجَلَّ في الاستغفارِ لأُمِّي ، فلم يَأْذَنْ لي ، فدَمَعَتْ عينايَ رحمةً لها من النارِ ، واستأذنتُ ربي في زيارتِها فأَذِنَ لي ، وإني كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزوروها ، ولْتَزِدْكم زيارتُها خيرًا .
الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث : الألباني | المصدر : أحكام الجنائز | الصفحة أو الرقم : 238 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح وبعضه على شرط الشيخين | التخريج : أخرجه أحمد (23003) باختلاف يسير، وزيارة القبور أخرجه مسلم (977)

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَزا غَزْوةَ الفَتْحِ، فخَرَجَ يَمْشي إلى القُبورِ حتى إذا أتَى أدْناها جَلَسَ إليه كأنَّه يُكلِّمُ إنسانًا جالسًا يَبْكي، قال: فاستَقبَلَه عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فقال: ما يُبكيكَ -جَعَلَني اللهُ فِداءَك-؟ قال: سَأَلتُ ربِّي أنْ يَأذَنَ لي في زيارةِ قَبرِ أُمِّ مُحمَّدٍ، فأَذِنَ لي، فسَأَلتُه أنْ يَأذَنَ لي، فأستَغفِرَ لها فأبَى، إنِّي كُنتُ نُهيتُكم عن ثلاثةِ أشياءَ: عن لُحومِ الأضاحيِّ أنْ تُمسِكوا بعدَ ثلاثةِ أيَّامٍ، فكُلوا ما بَدا لكم، وعن زِيارةِ القُبورِ فمَن شاءَ فلْيَزُرْ؛ فقد أُذِنَ لي في زيارةِ قَبرِ أُمِّ مُحمَّدٍ، ومَن شاءَ فلْيَدَعْ، وعن الظُّروفِ تَشرَبون فيها الدُّبَّاءَ، والحَنْتَمَ، والمُزَفَّتَ، وأمَرتُكم بظُروفٍ، وإنَّ الوِعاءَ لا يُحِلُّ شَيئًا ولا يُحرِّمُه، فاجْتَنِبوا كُلَّ مُسكِرٍ.
الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 23038 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه مسلم (977) باختلاف يسير


في هذا الحَديثِ يَحكي بُرَيدةُ الأسْلميُّ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَزا غَزْوةَ الفَتحِ"، والمُرادُ: فَتحُ مكَّةَ، وكان في السَّنةِ الثَّامنةِ مِن الهِجْرةِ، "فخرَجَ يَمْشي إلى القُبورِ حتَّى إذا أتَى أدْناها جلَسَ إليه كأنَّه يُكلِّمُ إنسانًا جالِسًا يَبْكي"، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد ذهَبَ لزيارةِ قَبرِ أُمِّهِ، وكان بالأبْواءِ بيْنَ مكَّةَ والمدينةِ، "فاستَقبَلَهُ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ" عِندَ رُجوعِهِ من زيارةِ قَبرِها "فقالَ: ما يُبكيكَ -جَعَلني اللهُ فِداءَك-؟ قال: سَأَلتُ ربِّي أنْ يَأذَنَ لي في زيارةِ قَبرِ أُمِّ مُحمَّدٍ، فأذِنَ لي، فسَأَلتُهُ أنْ يأذَنَ لي، فأستَغفِرَ لها فأبَى"؛ وذلِكَ لأنَّها كافِرةٌ، وَالاستِغْفارُ للكافِرينَ لا يَجوزُ؛ لأنَّ اللهَ لا يَغفِرُ لَهم أَبدًا، "إنِّي كُنتُ نَهيتُكُم عن ثلاثةِ أشْياءَ: عن لُحومِ الأضاحي أنْ تُمسِكوا بعدَ ثَلاثةِ أيَّامٍ" أنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان قد نَهى أن تَخزُنَ وتدَّخِرَ لُحومَ الأضاحي أكثَرَ مِن ثلاثةِ أيَّامٍ، وكان قد نزَلَ بالمدينةِ أُناسٌ كَثيرٌ فُقراءُ مَساكينُ يَحتاجونَ إلى الطَّعامِ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بذلِكَ لِيُخرِجَ لهم النَّاسُ ما عِندَهم من لُحومِ الأضاحي، "فكُلوا ما بَدا لكم"، هذا بَيانٌ لِنَسخِ الحُكمِ المُتقدِّمِ، وأنَّ لهم أنْ يدَّخِروا ويَحفَظوا منها ما شاؤُوا، "وعن زيارةِ القُبورِ"، ونَهيتُكُم عن زيارةِ القُبورِ؛ "فمَن شاءَ فلْيَزُرْ"، وإنَّما كان نَهيُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لهم في أوَّلِ الأمْرِ؛ لِقُربِ عَهدِهِم بالجاهِليَّةِ، وما يَفعَلونَهُ ويتَكلَّمونَ به مِن أُمورٍ تُخالِفُ الإسلامَ؛ مِن تَعظيمِ القُبورِ، وغَيرِ ذلِكَ، فلمَّا استَقرَّ الإسلامُ في نُفوسِهِم، ومَحا آثارَ الجاهِليَّةِ، وعَلِموا أحْكامَ الشَّرعِ؛ أمَرَهم بزِيارتِها؛ "فقد أُذِنَ لي في زيارةِ قَبرِ أُمِّ مُحمَّدٍ، ومَن شاءَ فلْيَدَعْ"، والمَعْنى: أنَّ الإنسانَ مُخيَّرٌ بيْنَ زيارةِ القَبرِ والتَّركِ، "وعن الظُّروفِ تَشرَبونَ فيها"، ونَهيتُكُم عن الشُّربِ في الظُّروفِ، وهي الأوعيةُ الَّتي كانوا يَشرَبونَ فيها، ومنها: "الدُّبَّاءُ"، وهو الوِعاءُ المُتَّخَذُ من نَباتِ اليَقْطينِ اليابِسِ، "والحَنتَمُ"، وهو الجَرَّةُ أو الجِرارُ الخُضْرُ أو الحُمْرُ، وهو ما طُلِي مِن الفخَّارِ، "والمُزفَّتُ" وهو الوِعاءُ المَطْلِيُّ بالزِّفْتِ، وهو نَوعٌ من القارِ، وكان النَّهيُ لتِلك الأوعيةِ لِمَا لها من أثَرٍ في تَخْميرِ ما يُوضَعُ فيها من طَعامٍ أو شَرابٍ؛ فرُبَّما شَرِبَ النَّقيعَ على ظَنِّ أنَّه غيرُ مُسكِرٍ، "وأمرتُكُم بظُروفٍ" وأبحتُ لكم أنْواعًا غَيرَ التي نَهَيتُ عنها، "وإنَّ الوِعاءَ لا يُحِلُّ شَيئًا ولا يُحرِّمُه؛ فاجْتَنِبوا كُلَّ مُسكِرٍ"، فالقاعِدةُ في حِلِّ الأوْعِيةِ وحُرْمتِها هو أثَرُها فيما يُوضَعُ فيها؛ لأنَّها تُسرِعُ في تَخْميرِهِ وإسْكارِهِ وتَغْييبِهِ للعَقلِ، وهذا كِنايةٌ عن إباحتِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لاستِعمالِ ما كان يَنهى عنه من تِلكَ الأواني؛ فإذا ما تحوَّلَ ما بها إلى خَمْرٍ نُهِيَ عن أكْلِهِ أو شُربِهِ.
وفي الحَديثِ: إثْباتُ النَّسخِ في السُّنَّةِ.
وفيه: الحثُّ على زيارةِ القُبورِ.
وفيه: النَّهيُ عن كُلِّ مُسكِرٍ مُغيِّبٍ لِلعَقْلِ( ).