الموسوعة الحديثية


- أنَّ عائشةَ رضي اللهُ عنها دبَّرَتْ أمَةً لها فاشتكت عائشةُ فسأل بنو أخيها طبيبًا من الزُّطِّ فقال إنكم تُخبروني عن امرأةٍ مسحورةٍ سحرتْها أمَةٌ لها فأُخبِرَت عائشةُ قالت سحَرْتيني ؟ فقالت نعم فقالت ولم ؟ لا تُنجِبين أبدًا ثم قالت بِيعوها من شرِّ العربِ مَلَكةً
الراوي : عمرة بنت عبدالرحمن | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الأدب المفرد | الصفحة أو الرقم : 120 | خلاصة حكم المحدث : صحيح الإسناد

أنَّ عائشةَ أصابَها مرضٌ، وأنَّ بعضَ بني أخيها ذَكَروا شَكْواها لرجلٍ مِن الزُّطِّ يتطَبَّبُ، وأنَّه قال لهم: إنَّكم لَتذْكُرونَ امرأةً مَسحورةً، سَحَرتْها جاريةٌ لها، في حِجْرِ الجاريةِ الآن صبيٌّ قد بال في حِجْرِها. فذَكَروا ذلك لعائشةَ، فقالت: ادْعُوا لي فُلانةً الجاريةَ لها، فقالوا: في حِجْرِها فلانٌ صَبيٌّ لهم قد بال في حِجْرِها. فقالت: ائتُونِي بها، فأُتِيَتْ بها، فقالت: سَحَرْتِني؟ قالت: نعمْ. قالت: لِمَهْ؟ قالت: أَرَدْتُ أنْ أُعْتَقَ. وكانت عائشةُ أعتَقَتْها عن دُبُرٍ منها. فقالت: إنَّ للهِ عليَّ ألَّا تُعْتَقي أبدًا، انْظُروا أسوَأَ العرَبِ مَلَكَةً فبِيعُوها منه، واشتَرَت بثمَنِها جاريةً فأعتَقَتْها.
الراوي : عمرة بنت عبدالرحمن | المحدث : الألباني | المصدر : إرواء الغليل
الصفحة أو الرقم: 1757 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

في هذا الحَديثِ تَحْكي التَّابعيَّةُ عَمْرةُ بِنتُ عبدِ الرَّحمنِ: "أنَّ عائِشةَ رضِيَ اللهُ عنها أصابَها مَرَضٌ، وأنَّ بعضَ بَني أخيها ذَكَروا شَكْواها لِرَجُلٍ من الزُّطِّ"، وهُم جماعاتٌ طُوالُ القامةِ، بَشَرتُهُم سَوْداءُ، وقيلَ: إنَّ أصلَهم من الهِندِ أو السِّنْدِ، نَزَحوا في عُصورِ ما قَبلَ الإسلامِ إلى فارِسَ ثُمَّ انتَقَلوا إلى ثُغورِ الخَليجِ العَرَبيِّ، وقد ساعَدوا المُرتدِّينَ أثناءَ حُروبِ الرِّدَّةِ، واستَقَرُّوا في العِراقِ، "يَتطبَّبُ"، أي: يَشتَغِلُ بأُمورِ الطِّبِّ والمُعالَجةِ، "وأنَّه قال لهم: إنَّكم لَتَذكُرونَ امرَأةً مَسْحورةً"، أي: تَذكُرونَ صِفةَ امرَأةٍ تُعاني من السِّحْرِ، "سَحَرَتْها جاريةٌ لها، في حِجْرِ الجاريةِ الآنَ صَبيٌّ قد بالَ في حِجْرِها"، وقد بيَّنَتِ الرِّواياتُ الأُخرى أنَّهم سَأَلوا الجاريةَ فاعْتَرَفَتْ، "فذَكَروا ذَلِكَ لعائِشةَ، فقالتْ: ادْعُوا لي فُلانةَ الجاريةَ لها، فقالوا: في حِجْرِها فُلانٌ -صبيٌّ لهم- قد بالَ في حِجْرِها، فقالتِ: ائْتُوني بها، فأُتِيَتْ بها، فقالتْ: سَحَرْتِني؟" وكأنَّ عائِشةَ سَأَلَتْها هل قَولُ الطَّبيبِ صَحيحٌ؟ "قالتْ: نَعَمْ، قالتْ: لِمَهْ؟ قالتْ: أرَدْتُ أنْ أُعتَقَ"، فاعْتَرَفَتِ الجاريةُ مُوضِّحةً أنَّها أرادَتْ أنْ تموتَ عائِشةُ فتُعتَقَ بعدَها وتُصبِحَ حُرَّةً، "وكانتْ عائشةُ أعْتَقَتْها عن دُبُرٍ منها"، أيْ: لأنَّ عائِشةَ رضِيَ اللهُ عنها دَبَّرَتْ عِتقَها، وقرَّرَتْ أنْ تَجعَلَها حُرَّةً بعدَ مَوتِها، فاسْتَعجَلَتِ الجاريةُ، وأرادْتْ أنْ تَقتُلَها لِتُعتَقَ، فكان الإحْسانُ إليها سببًا في إساءَتِها لِسيِّدَتِها، وهذا لا يَصدُرُ إلَّا من النَّفْسِ الخَبيثةِ وغَيرِ المُؤمِنةِ بقَدَرِ اللهِ، وأنَّه لا يُؤثِرُ فيه سِحْرٌ ولا غَيرُهُ، ولذلك قالتْ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "إنَّ للهِ عليَّ ألَّا تُعتَقي أبَدًا"، وهذا تَوعُّدٌ من عائِشةَ رضِيَ اللهُ عنها للجاريةِ جَزاءً على خِسَّةِ فَعْلَتِها، ثُمَّ قالتْ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "انْظُروا أسوَأَ العَرَبِ مَلَكةً"، أي: أشَدُّ وأقْسَى النَّاسِ مُعامَلةً للعَبيدِ وأسوَأُهُم مُعامَلةً لِمَماليكِهِ وخُدَّامِهِ "فَبيعُوها منه"؛ لِتكونَ تحتَ إمْرةِ مَن لا يُحسِنُ إليها، وقيلَ: باعوها للأعْرابِ الَّذين لا يُحسِنونَ إلى المَماليكِ، "واشْتَرَتْ بثَمَنِها جاريةً فأعْتَقَتْها"؛ فتكونُ بذلك قد عاقَبَتِ الجاريةَ المُسيئةَ على سُوءِ فَعْلَتِها، وسُوءِ اعتِقادِها؛ حيث اعتَقَدَتْ أنَّ السِّحْرَ يُمكِنُهُ أنْ يُغيِّرَ القَدَرَ، وحتى لا تَتجرَّأَ على مِثلِ فَعْلَتِها مرَّةً أُخرى، ثُمَّ أحْسَنَتْ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها إلى جاريةٍ أُخرى فأعْتَقَتْها بدَلًا عن الجاريةِ المُسيئةِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ القَدَرَ لا يُؤثِّرُ فيه سِحْرٌ، ولا شَيءٌ إلَّا بأمْرِ اللهِ.
وفيه: مَشْروعيَّةُ مُعاقبةِ المُسيءِ بقَدْرِ إساءَتِهِ، وعَدمِ الأخذِ بالعَفوِ.
وفيه: أنَّ مَن استعجَلَ شيئًا قبلَ أوانِه عُوقِبَ بحِرمانِه .