الموسوعة الحديثية


- جاء رجُلٌ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ! رجُلٌ لَقِيَ امرأةً، فصنَعَ بها ما يَصنَعُ الرجُلُ بامرأتِه؛ إلا أنَّه لم يُجامِعْها. قال: فأنزَلَ اللهُ تعالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ..} [هود: 114] الآيةَ. فقال له: تَوضَّأْ، وصَلِّ. قلتُ: يا رسولَ اللهِ! هذا له خاصَّةً، أو للناسِ عامَّةً؟ قال: للناسِ -أو للمُسلِمينَ- عامَّةً.
الراوي : معاذ بن جبل | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سير أعلام النبلاء | الصفحة أو الرقم : 7/378 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجتُ امرأةً في أقصى المدينةِ وإني أصبتُ منها ما دون أن أَمسَّها، وها أنا فاقضِ فيَّ بما قضيتَ. فقال له عمرُ: لقد ستركَ اللهُ لو سترتَ على نفسِك. فلم [يرد] عليه شيئًا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فانطلق الرجلُ فأُنزِلتْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأقم الصلاة الآية فأتبعَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلًا فدعاه فتلا عليه: وأقم الصلاة الآية، فقال رجلُ من القومِ: هذا له خاصَّةً.فقال: بل للناسِ كلُّهم عامةً.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : ابن العربي | المصدر : أحكام القرآن لابن العربي
الصفحة أو الرقم: 3/27 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه مسلم (2763) باختلاف يسير.


مِنَ الوَسائلِ الَّتي تُساعِدُ الإنسانَ على التَّوبةِ -مع النَّدَمِ على الفِعْلِ، والإقلاعِ التَّامِّ عَنِ المعاصي-: الحِرصُ على مُضاعفَةِ الأعمالِ الصَّالحَةِ وتَكثيرِها حتَّى تَغلِبَ على حَياتِه وقَلبِه، ومِن أعظمِ هذه الوَسائلِ الَّتي تُكفِّرُ السَّيِّئاتِ: الصَّلاةُ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه: "جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: إنِّي عالَجتُ امرَأةً"، معنى عالَجَها أي: داعَبَها واستَمتَعَ بها كما يَفعَلُ الرَّجُلُ مع امرَأتِه، "في أقصَى المدينَةِ" في أطرافِها، "وإنِّي أصَبتُ منها ما دونَ أنْ أمَسَّها"، المُرادُ بالمَسِّ الجِماعُ، ومَعناه استَمتَعتُ بها بالقُبلَةِ والمُعانَقَةِ وغَيرِهما من جَميعِ أنواعِ الاستِمتاعِ إلَّا الجِماعَ، "وها أنا، فاقْضِ فيَّ بما قَضَيتَ" يعني: أنا حاضِرٌ بين يَدَيكَ، ومُنقادٌ لحُكمِكَ، فاحْكُمْ بما تَرى، قال ابنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "فقال له عُمَرُ: لقدْ سَتَرَك اللهُ"، أي: أخْفى فِعلَك عن النَّاسِ، ولم يُظهِرْه لهم مع عِلمِه سُبحانَه به؛ "لو سَتَرتَ على نَفْسِكَ"، أي: لكان حَسَنًا لو كُنتَ سَتَرتَ نَفْسَكَ ولم تُظهِرْ فِعلَكَ، وكُنتَ تُبتَ بينَك وبينَ اللهِ، "فلم يَرُدَّ عليه شيئًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، يعني لم يتكلَّمِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، انتظارًا لقَضاءِ اللهِ فيه، "فانطَلَقَ الرَّجُلُ"، أي: فذَهَبَ ظَنًّا منه لسُكوتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّ اللهَ سيُنزِلُ فيه شَيئًا، وأنَّه لا بدَّ أنْ يُبلِّغَه، فإنْ كان عَفوًا شَكَرَ، وإلَّا عادَ لِيَستَوفيَ منه، "فأُنزِلَتْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ}... الآيةَ، وهي قولُه تعالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]؛ فأتبَعَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا فدَعاه"، يعني: لَمَّا نَزَلتِ الآيةُ التي فيها حُكمُه أرسَلَ خَلفَه رَجُلًا ليَعودَ، "فتَلَا عليه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ}... الآيةَ"، أي: قرَأَ عليه قَولَه تَعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، ومَعناها: صَلِّ الصَّلواتِ التي تَكونُ في طَرَفيِ النَّهارِ، وهُما الصُّبحُ والظُّهرُ وصَلِّ الصَّلاتَينِ اللَّتَينِ تَكونانِ في أوَّل اللَّيلِ وهُما المَغرِبُ والعِشاءُ؛ فإنَّ الحَسَناتِ من الصَّلَواتِ وسائِرِ الطَّاعاتِ يُكفِّرنَ السَّيِّئاتِ، وهيَ صَغائِرُ الذُّنوبِ، بخِلافِ الكَبائِرِ فإنَّها تحتاجُ إلى تَوبةٍ خاصَّةٍ منها، "فقال رَجُلٌ من القَومِ: هذا له خاصَّةً" يعني: هل هذا الحُكمُ بإذهابِ الحَسناتِ للسيِّئاتِ خاصٌّ به وَحدَه، أمْ عامٌّ له ولغيرِه؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "بل للنَّاسِ كُلِّهم عامَّةً"، أي: يَعُمُّهم جَميعًا، وهو منهم.
وفي الحديثِ: إرشادٌ إلى التَّستُّرِ بسِترِ اللهِ وعَدَمِ إظهارِ المعاصي.
وفيه: بيانُ سَعَةِ فَضلِ اللهِ على عِبادِه، حيثُ جَعَلَ لهم الطَّاعاتِ تكفيرًا للذُّنوبِ والمعاصي( ).