الموسوعة الحديثية


- أنَّ عُمَرَ قامَ خطيبًا، فحَمِد اللهَ وأثنَى عليه، وذكَرَ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأبا بَكْرٍ، ثمَّ قال: إنِّي رأيتُ رؤيا: كأنَّ ديكًا نَقَرَني نَقْرَتَيْنِ، ولا أرى ذلك إلَّا لحضورِ أجَلي، وإنَّ ناسًا يأمُرونَني أنْ أستخلِفَ، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يكنْ لِيُضيعَ خلافتَه ودِينَه، ولا الذي بعَثَ به نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنْ عَجِل بي أمرٌ فالخلافةُ شُورى في هؤلاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ الذين تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو عنهم راضٍ، فأيَّهم بايَعتُم له فاسمَعوا له وأطِيعوا، وقد عرَفتُ أنَّ رجالًا سيطعُنونَ في هذا الأمرِ، وإنِّي قاتَلتُهم بيدِي هذه على الإسلامِ، فإنْ فعَلوا فأولئك أعداءُ اللهِ الكفرةُ الضُّلَّالُ. وإنِّي واللهِ ما أدَعُ بعدي شيئًا هو أهمُّ إليَّ مِن أمرِ الكَلَالَةِ، ولقد سألتُ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنها، فما أغلَظَ لي في شيءٍ قطُّ ما أغلَظَ لي فيها، حتى طعَنَ بيدِه -أو بإصبَعِه- في صدري -أو جَنْبي- وقال: يا عُمَرُ، تَكفِيكَ الآيةُ التي نزَلتْ في الصَّيفِ، التي في آخرِ سورةِ النساءِ، وإنِّي إنْ أعِشْ أقضِ فيها قضيَّةً لا يختلِفُ فيها أحدٌ يَقرأُ القُرآنَ أو لا يَقرأُ القُرآنَ. ثمَّ قال: اللهمَّ إنِّي أُشهِدُك على أُمراءِ الأمصارِ، فإنِّي بعَثتُهم يُعلِّمونَ الناسَ دِينَهم، وسُنَّةَ نبيِّهم، ويَقسِمونَ فيهم فَيْئَهم، ويَعدِلونَ عليهم، وما أشكَلَ عليهم يرفَعونَه إليَّ. ثمَّ قال: يا أيُّها الناسُ، إنَّكم تأكُلونَ مِن شجرتينِ لا أُراهما إلَّا خبيثتينِ: هذا الثُّومُ والبصلُ، لقد كنتُ أرى الرجلَ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُوجَدُ ريحُه منه، فيُؤخَذُ بيدِه حتى يُخرَجَ به إلى البقيعِ، فمَن كان آكِلَهُما لا بدَّ، فلْيُمِتْهُما طبخًا. قال: فخطَبَ بها عُمَرُ يومَ الجمُعةِ، وأُصيبَ يومَ الأربعاءِ، لأربعِ ليالٍ بَقِينَ مِن ذي الحِجَّةِ.
الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 341 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (567)، وأحمد (341) واللفظ له

أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ قامَ يومَ الجمعةِ خطيبًا - أو خطبَ يومَ الجمعةِ - فحمِدَ اللَّهَ وأثنَى علَيهِ ، ثمَّ قالَ يا أيُّها النَّاسُ إنَّكم تأكلونَ شجرتَينِ لا أراهُما إلَّا خَبيثتَينِ هذا الثُّومُ وَهذا البصلُ ولقد كنتُ أرَى الرَّجلَ علَى عهدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ يوجَدُ ريحُهُ منهُ فيؤخَذُ بيدِهِ حتَّى يُخرَجَ إلى البقيعِ فمَن كانَ آكلُها لا بُدَّ فلْيُمتْها طبخًا
الراوي : معدان بن أبي طلحة اليعمري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم: 836 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

حَرصَ الإسلامُ على أنْ يكونَ المسلمُ طَاهِرًا وطيِّبًا حِسِّيًّا ومعنويًّا، كما راعَى العَلاقاتِ بينَ الناسِ، فحَثَّ على ألَّا يُؤْذِيَ المسلمُ إخوانَه بما قَبُحَ من المناظرِ أو الهَيئاتِ أو الرَّوائحِ الكريهةِ، أيَّا كانَ سببُها. ... وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ مَعْدانُ بنُ أبي طَلْحةَ اليَعْمُريُّ: "أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ قام يومَ الجمعةِ خَطيبًا- أو خطَب يومَ الجُمعةِ-، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه"، أي: قال مُقدِّمةَ الخُطبةِ مِن الحمدِ والشُّكرِ للهِ، وذكَره بما هو أهلُه معَ الشَّهادتَين، ثمَّ قال: "يا أيُّها النَّاسُ، تَأكُلون شجَرتَين لا أُراهما إلَّا خَبيثَتَينِ"، أي: كَريهتَينِ، " هذا الثُّومُ وهذا البصَلُ"، وخُبثُهما في رائحتِهما النَّفَّاذةِ وغيرِ المقبولةِ، "لقَد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إذا وجَد ريحَهما مِن الرَّجُلِ في المسجِدِ أمَر به فأُخرِجَ إلى البَقيعِ"، قيل: إنَّ إخراجَه مِن المسجِدِ إنَّما هو على وجهِ التَّأديبِ له، والبَقيعُ: مَقابِرُ أهلِ المدينةِ على الجِهَةِ الشَّرقيَّةِ مِن المسجدِ النَّبويِّ، "فمَن أكَلَهما"، أي: أراد أكْلَ الثُّومِ أو البصَلِ، "فَلْيُمِتْهُما طبخًا"، أي: لِيُزِلْ رائحتَهما الكريهةَ بالطَّبخِ. وفي سُننِ ابنِ ماجَهْ عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ الجُهَنيِّ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال لأصحابِه: "لا تَأكُلوا البصَلَ", ثمَّ قال كلمةً خفيَّةً: "النِّيءَ"، والنَّهيُ عن أكلِ الثُّومِ والبصَلِ ليس نَهيًا عنهما بذاتِهما، ولكنْ مِن أجْلِ تَأذِّي غيرِ الآكِلِ برائحتِها؛ ولهذا إذا طُبِخَت حتَّى ذهَب ريحُها فلا بأسَ، كما في مُسلِمٍ مِن حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِي اللهُ عنه في فتحِ خَيبَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: "مَن أكَل مِن هذه الشَّجرةِ الخبيثةِ شيئًا فلا يَقرَبَنَّا في المسجدِ"، فقال النَّاسُ: حُرِّمَت، حُرِّمَت، فبَلَغ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: "أيُّها النَّاسُ، إنَّه ليس بي تحريمُ ما أحَلَّ اللهُ لي، ولكنَّها شجرةٌ أكرَهُ ريحَها"، فتبَيَّن بهذا أنَّ البصَلَ والثُّومَ حلالٌ، وليسَا مُحرَّمتَينِ ولا مَكروهتَينِ، ولكنَّ الكراهةَ مِن جهةِ رِيحِهما، فإذا أكَل ما يُزيلُ ريحَهما زالَتِ الكَراهةُ، ومِثلُ ذلك كلُّ ما له رَوائِحُ نفَّاذةٌ مِن البُقولِ والخَضْراواتِ، وما يُسبِّبُ التَّجشُّؤَ والانتفاخَ.