شَهِدْتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنان، فسِرْنَا في يومٍ قائظٍ شديدِ الحَرِّ ، فنَزَلْنَا تحتَ ظلِّ الشجرةِ ، فلما زالتِ الشمسُ لَبِسْتُ لُأْمَتِي ، وركِبْتُ فرسي ، فأَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو في فِسْطاطِه ، فقُلْتُ : السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ، ورحمةُ اللهِ وبركاتُه ، قد حان الرَّواحُ ؟ قال : أجلْ . ثم قال : يا بلالُ قُمْ . فثار مِن تحتِ سُمُرَةٍ ، كأن ظلَّه ظلُّ طائرٍ فقال : لبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ ، وأنا فداؤُك . فقال : أَسْرِجْ ليَ الفرَسَ . فأَخْرَجَ سِرْجًا دَفَّتَاه مِن ليفٍ ، ليس فيه أشرُّ ولا بَطَرٌ ، فرَكِبَ ورَكَبْنَا.
الراوي :
أبو عبدالرحمن الفهري | المحدث :
الألباني
|
المصدر :
صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 5233 | خلاصة حكم المحدث : حسن
التخريج :
أخرجه أبو داود (5233) واللفظ له، وأحمد (22467)
"حُنَينٌ" وادٍ بينَ مكَّةَ والطائفِ وقَعتْ فيهِ الغَزوةُ التي في الخامسِ مِن شوَّالٍ سنةَ ثمانٍ مِن الهِجرةِ عامَ فَتحِ مَكَّةَ، وكانتْ معَ هَوَزِانَ وثَقيفٍ، وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو عبدِ الرَّحمنِ الفِهْريُّ: "شهِدتُ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حُنَينًا"، أي: غَزوةَ حُنَينٍ، "فسِرْنا في يومٍ قائِظٍ شديدِ الحَرِّ؛ فنزلْنا تحتَ ظلِّ الشَّجرةِ، فلمَّا زالتِ الشَّمسُ لبِستُ لَأْمَتي" واللَّأْمةُ هي الدِّرعُ الذي يُلبَس في الحربِ، "وركِبتُ فرَسي، فأتيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وهو في فُسطاطِه"، أي: في خَيْمتِه، فقلتُ: "السَّلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، ورحمةُ اللهِ وبرَكاتُه، قد حانَ الرَّواحُ؟"، أي: جاءَ وقتُ الذَّهابِ والرَّحيلِ.
فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أَجَلْ"، ثم قالَ: "يا بِلالُ، قُمْ"، قالَ أبو عبدِ الرحمنِ: "فثَارَ مِن تحتِ سمُرةَ"، أي: قامَ مُسرِعًا مِن تحتِ شَجرةٍ كانَ يَستظِلُّ بها، استِجابةً لنِداءِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، "كأنَّ ظِلَّه ظِلُّ طائرٍ"، أي: كانَ ظِلُّ الشَّجرةِ قليلًا كأنَّه ظِلُّ طائرٍ، أو أنَّه يَكفي طائرًا، فقالَ بِلالٌ مُلَبِّيًا نداءَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "لبَّيكَ وسَعدَيكَ، وأنا فِداؤكَ"، أي: إجابةً بعدَ إجابةٍ، وإسعادًا بعدَ إسعادٍ، فقالَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أسرِجْ لي الفَرسَ"، أي: اجْعلِ السَّرجَ عليه، والسَّرجُ هو الغِطاءُ الذي يكونُ على ظَهرِ الفَرسِ يجلِسُ علَيه الراكبُ.
"فأخرَجَ"، أي: بلالٌ رضِيَ اللهُ عنه "سَرْجًا دفَّتاهُ مِن لِيفٍ"، أي: جانِباهُ مِن لِيفِ النَّخلِ، "ليسَ فيهِ أشَرٌ ولا بَطَرٌ"، أي: لا يدلُّ شَكلُ السَّرجِ على التكبُّرِ أو الترفُّعِ على الناسِ بل كانَ متواضِعًا، "فركبَ"، أي: النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فرسَه،"ورَكِبْنا"، أي: وركِبَ مَن مَعه مِن الصَّحابةِ رضيَ اللهُ عَنهم رَواحِلَهم استِعدادًا للرَّحيلِ.
وفي الحديثِ: بيانُ تواضُعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وزُهْدِه في أمِرِ الدُّنيا مع ما أسداه اللهُ إليه مِن الخَيرِ وأسبابِ الثَّراء؛ تَعفُّفًا منه وإقبالًا على اللهِ تعالى، وإعراضًا عن الشَّهوات.
وفيه: تنبيهُ الأميرِ أو القائدِ إلى ما فيه المَصلحةُ.