الموسوعة الحديثية


-  حَدَّثَنَا الأزْرَقُ بنُ قَيْسٍ، قالَ: كُنَّا بالأهْوَازِ نُقَاتِلُ الحَرُورِيَّةَ، فَبيْنَا أنَا علَى جُرُفِ نَهَرٍ إذا رَجُلٌ يُصَلِّي، وإذا لِجَامُ دابَّتِهِ بيَدِهِ، فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تُنازِعُهُ وجَعَلَ يَتْبَعُهَا - قالَ شُعْبَةُ: هو أبو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ - فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ يقولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بهذا الشَّيْخِ، فلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ، قالَ: إنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ، وإنِّي غَزَوْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِتَّ غَزَوَاتٍ - أوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ - وثَمَانِيَ وشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ، وإنِّي إنْ كُنْتُ أنْ أُرَاجِعَ مع دَابَّتي أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ أدَعَهَا تَرْجِعُ إلى مَأْلَفِهَا فَيَشُقُّ عَلَيَّ.
الراوي : أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1211 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنهَى عن التَّعسيرِ، ويَأمُرُ بالتَّيسيرِ في الأمورِ كلِّها ما لم يكُنْ إثمًا؛ فالشَّريعةُ أساسُها التَّخفيفُ ورفْعُ الحَرَجِ، وقدْ نقَلَ الصَّحابةُ رِضوانُ الله عليهم إلينا تَيسيرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِه في الصَّلاةِ وغيرِها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابعيُّ الأزْرَقُ بنُ قَيْسٍ أنَّهم كانوا بالأهوازِ يُقاتِلون الحَرُورِيَّةَ، والأهوازُ: مَوضعٌ بخُوزستانَ بيْن العِراقِ وفارسَ (إيرانُ الآنَ)، والحَرُوريَّةُ: هم الخوارجُ، وكان مَبدأُ خُروجِهم مِن بَلدةِ حَرُوراءَ بقُربِ الكوفةِ بالعراقِ، فنُسِبوا إليها، وهم مَن أنْكَروا على علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه التَّحكيمَ في قِتالِه مع مُعاويةَ رَضيَ اللهُ عنه، ثمَّ قاتَلوه، وكفَّروا المسلمينَ، واستحَلُّوا دِماءَهم.
 وحدَّثَ الأزرقُ أنَّ أبا بَرْزةَ الأسْلَميَّ رَضيَ اللهُ عنه كان يُصلِّي بالأهوازِ وهو مُمسِكٌ بزِمامِ دابَّتِه، وهي تَتقدَّمُ به وتُنازِعُه تُريدُ أنْ تَسيرَ إلى مَنزلِها، وانفلتَتْ دابَّتُه فتَقدَّمَ إليها وهو في الصَّلاةِ، فأخَذَها ورَجَعَ للوَراءِ إلى مَوضعِه، وكانتْ تُنازِعُه وهو يَتْبَعُها، فرآهُ رجُلٌ مِن الخوارجِ فقال: «اللَّهمَّ افعَلْ بهذا الشَّيخِ»، أي: دَعا عليه وسَبَّه، وفي رِوايةٍ للبُخاريِّ أنَّه قال: «انْظُروا إلى هذا الشَّيخِ؛ تَرَكَ صَلاتَه مِن أجْلِ فَرَسٍ!» فلمَّا قَضى أبو بَرْزةَ رَضيَ اللهُ عنه صَلاتَه وانصَرَف منها، قال: إنِّي سَمِعتُ قَولَكم الذي قُلتُموهُ آنِفًا، وإنِّي غَزوتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِتَّ غزَواتٍ، أو سَبعَ غزَواتٍ، أو ثَمانيَ، وشَهِدتُ تَيسيرَه وتَسهيلَه على أمَّتِه في الصَّلاةِ وغيرِها، يَرُدُّ بذلك على الرَّجلِ الذي شدَّدَ عليه في أنْ يَترُكَ دابَّتَه تَذهَبُ، ولا يَقطَعَ صَلاتَه، ويَقصِدُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه صَحِب النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَرَأى مِن تَيسيرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كثيرًا، ممَّا حَمَله على فِعلِه ذلك؛ إذ لا يَجوزُ له أنْ يَفعَلَه مِن تِلْقاءِ نفْسِه دونَ أنْ يُشاهِدَ مِثلَه منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. ثمَّ بيَّن سَببَ فِعلِ ذلك؛ فما فَعَلَه مع دابَّتِه أثناءَ صَلاتِه أحَبُّ إليه وأيسَرُ مِن أنْ يَترُكَ دابَّتَه تَرجِعُ لمَنزلِه الذي ألِفَتْهُ واعتادَتْه، ولأنَّ مَنزلَه كان بَعيدًا، فلو تَرَكَها وصلَّى لم يَأتِ أهلَه إلَّا باللَّيلِ؛ لبُعدِ المسافةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الحَرَكةَ القليلةَ أثْناءَ الصَّلاةِ لعارضٍ لا تُبطِلُها.
وفيه: رِفقُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأصحابِه.
وفيه: الاقتِداءُ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: حِكايةُ الرَّجلِ مَناقبَه إذا احتاجَ إلى ذلك ولم يكُنْ في سِياقِ الفَخرِ.