الموسوعة الحديثية

نتائج البحث

1 - أنَّها قالتْ: مات رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بيتي وَيَوْمِي، وبينَ سَحْرِي ونَحْرِي، ودخَلَ عليه عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بَكْرٍ ومعَهَ سِواكٌ رَطْبٌ، فنظَرَ إليه، حتَّى ظنَنْتُ أنَّ له فيه حاجةً، فأخذتُهُ، فمضَغْتُهُ، ونَفَضْتُهُ، وطَيَّبْتُهُ، ثمَّ دفَعْتُهُ إليهِ، فاسَتَنَّ كأحْسَنِ ما رأيتُهُ مُسْتَنًّا قَطُّ، ثُمَّ ذهَبَ يرْفَعُهُ إلَيَّ، فسَقَطَتْ يَدُهُ، فأخَذْتُ أدعُو له بدُعاءٍ كان يَدْعو له به جِبريلُ عليه السَّلامُ، وكانَ هو يَدْعو به إذا مَرِضَ، فلَمْ يَدْعُ بهِ في مَرَضِهِ ذاكَ، فرَفَعَ بَصَرَهُ إلى السَّماءِ، وقالَ: الرَّفيقَ الأعْلَى ، وفاضَتْ نَفْسُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فالحَمْدُ للهِ الَّذي جمَعَ بينَ رِيقِي ورِيقِهِ في آخِرِ يومٍ مِن الدُّنْيا.

2 - أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رَضيَ اللهُ عنه دَخَلَ المسجدَ وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يُحدِّثُ النَّاسَ، فأَتى البيتَ الَّذي تُوفِّيَ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكَشَفَ عنْ وجهِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ ، وكان مُسَجًّى به، فنَظَرَ إليه فأكَبَّ عليه ليُقَبِّلَ وجهَهُ، وقالَ: واللهِ لا يجْمَعُ اللهُ عليكَ مَوْتَتينِ بعدَ موتتِكَ الَّتي لا تموتُ بعدَها. ثُمَّ خَرَجَ إلى المسجدِ وعُمَرُ يُكلِّمُ النَّاسَ، فقالَ أبو بكرٍ: اجلِسْ يا عُمَرُ، فأَبى، فكَلَّمَهُ مرَّتينِ أوْ ثلاثًا، فأَبى، فقامَ، فتشَهَّدَ، فلمَّا قَضى تشهُّدَهُ قالَ: أمَّا بعدُ، فمَنْ كان يَعبُدُ مُحمَّدًا فإنَّ مُحمَّدًا قد ماتَ، ومَنْ كان يَعبُدُ اللهَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ، ثُمَّ تلا: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34] {وَمَا مُحمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]، تلا إلى {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، فما هو إلَّا أنْ تلاها فأيْقنَ النَّاسُ بموتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى قالَ قائلٌ: لمْ يَعْلَمِ النَّاسُ أنَّ هذه الآيةَ أُنزِلتْ حتَّى تلاها أبو بكرٍ. قالَ الزُّهريُّ: فأخْبرَني سعيدُ بنُ المُسيَّبِ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قالَ: لمَّا تلاها أبو بكرٍ عُقِرْتُ حتَّى خَرَرتُ إلى الأرضِ، وأيقنتُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد ماتَ.

3 - ما يَمنَعُكَ أنْ تَسُبَّ ابنَ أبي طالِبٍ؟ قالَ: فقالَ: لا أسُبُّه ما ذكَرْتُ ثَلاثًا قالَهنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لأنْ تَكونَ لي واحِدةٌ منهنَّ أحَبُّ إليَّ من حُمرِ النَّعَمِ ، قالَ له مُعاويةُ: ما هنَّ يا أبا إسْحاقَ؟ قالَ: لا أسُبُّه ما ذكَرْتُ حينَ نزَلَ عليه الوَحيُ فأخَذَ عليًّا وابْنَيْه وفاطِمةَ فأدْخَلَهم تحتَ ثَوْبِه، ثمَّ قالَ: «ربِّ، هؤلاء أهْلُ بَيْتي»، ولا أسُبُّه حينَ خلَّفَه في غَزْوةِ تَبوكَ غَزاها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ له عليٌّ: خلَّفْتَني معَ الصِّبْيانِ والنِّساءِ، قالَ: «ألَا تَرْضى أنْ تَكونَ منِّي بمَنزِلةِ هارونَ من موسَى، إلَّا أنَّه لا نُبوَّةَ بَعْدي»، ولا أسُبُّه ما ذكَرْتُ يومَ خَيْبرَ، قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لأُعْطيَنَّ هذه الرَّايةَ رَجلًا يحِبُّ اللهَ ورَسولُه، ويَفتَحُ اللهُ على يدَيْه»، فتَطاوَلْنا لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: «أين عَليٌّ؟» قالوا: هو أرمَدُ، فقالَ: «ادْعُوهُ»، فدعَوْهُ فبصَقَ في وَجهِه، ثمَّ أعْطاهُ الرَّايةَ، ففتَحَ اللهُ عليه، قالَ: فلا واللهِ ما ذكَرَه مُعاويةُ بحَرفٍ حتَّى خرَجَ منَ المَدينةِ.
 

1 - عَنْ سَعدٍ يَقولُ: «لأنْ أُصلِّيَ في مَسجِدِ قُباءَ أحَبُّ إليَّ من أنْ أُصلِّيَ في مَسجِدِ بَيتِ المَقدِسِ».
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين
الراوي : عامر بن سعد، وعائشة بنت سعد | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 4332
التصنيف الموضوعي: مساجد ومواضع الصلاة - فضل الصلاة في مسجد قباء

2 - عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في قَولِه تَبارَكَ وتَعالَى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] قالَ: قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، ما السَّبيلُ؟ قالَ: الزَّادُ والرَّاحِلةُ.

3 - كانتْ لَيلتي الَّتي يَصيرُ إلَيَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فدَخَل عَلَيَّ وَهبُ بنُ زَمْعةَ ومعه رَجُلٌ من آلِ أبي أُمَيَّةَ مُتَقَمِّصَينِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لوَهبٍ: هل أفضْتَ أبا عَبدِ اللهِ؟ قالَ: لا واللهِ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: انزِعْ عنكَ القَميصَ. قالَ: فنَزَعه من رَأسِه، ونَزَع صاحِبُه قَميصَه من رَأسِه، قالوا: ولِمَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إنَّ هذا قد رَخَّصَ لكم إذا رَمَيتُمُ الجَمْرةَ أن تَحِلُّوا من كلِّ ما حُرِمْتُم منه إلَّا النِّساءَ، فإذا أمسَيتُم قَبْلَ أن تَطوفوا بهذا البَيتِ صِرتُم حُرُمًا كهَيئَتِكُم قَبْلَ أن تَرمُوا الجَمْرةَ حتَّى تَطوفُوا. قالَ أبو عُبيدةَ: وحَدَّثَتْني أُمُّ قَيسٍ بِنتُ مِحصَنٍ -وكانتْ جارةً لهم- قالتْ: خَرَج من عِندي عُكَّاشةُ بنُ مِحصَنٍ في نَفَرٍ من بَني أسَدٍ مُتَقَمِّصِين عَشِيَّةَ يَومِ النَّحرِ, ثمَّ رَجَعوا إلَيَّ عِشاءً أو قُمُصُهم على أيديهِم يَحمِلُونها, قالتْ: فقُلتُ: أيْ عُكَّاشةُ, ما لكم خَرَجتُم مُتَقَمِّصِين ثمَّ رَجَعتُم وقُمُصُكُم على أيديكُم تَحمِلونها؟ فقالَ: خَيرٌ يا أُمَّ قَيسٍ, كان هذا يَومًا رَخَّصَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا فيه إذا نحن رَمَينا الجَمْرةَ حَلَلْنا من كلِّ ما حُرِمْنا منه إلَّا ما كان منَ النِّساءِ حتَّى نَطوفَ بالبَيتِ، وإذا أمسَينا ولم نَطُفْ جَعَلْنا قُمُصنا على أَيدِينا.
خلاصة حكم المحدث : [سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما]
الراوي : أم سلمة | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 1823
التصنيف الموضوعي: حج - الإفاضة حج - التحلل حج - رمي الجمار وكيفيته حج - محظورات الإحرام نكاح - العدل والقسمة بين النساء

4 - لمَّا نَزَلَتْ هذه الآيةُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسولَ اللهِ، أفي كُلِّ عامٍ؟ فسَكَتَ، ثُمَّ قالوا: أفي كُلِّ عامٍ؟ فسَكَتَ، ثُمَّ قالوا: أفي كُلِّ عامٍ؟ قالَ: «لا، ولوْ قلتُ: نَعَمْ لوَجَبَتْ». فأَنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].
خلاصة حكم المحدث : [سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما]
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 3198
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة آل عمران تفسير آيات - سورة المائدة قرآن - أسباب النزول حج - فرض الحج الواجب في العمر مرة حج - فضل الحج ووجوبه

5 - عنِ الحسَنِ قالَ: جاءَ أَعْرابيٌّ إلى عُمَرَ فَسألَهُ عنِ الدِّينِ، فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، عَلِّمْني الدِّينَ، فقالَ: تَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، وتُقيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكاةَ، وتَصومُ رمضانَ، وتَحُجُّ البَيْتَ، وعليكَ بالعَلانيةِ، وإيَّاكَ والسِّرَّ، وإيَّاكَ وكُلَّ شيءٍ يُسْتَحْيا مِنهُ. قالَ: فإذا لَقيتُ اللهَ قُلتُ: أَمَرَني بهذا عُمرُ بنُ الخطَّابِ. فقالَ: يا عبدَ اللهِ، خُذْ بهذا، فإذا لَقِيتَ اللهَ فَقُلْ ما بَدا لَكَ.
خلاصة حكم المحدث : [سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما]
الراوي : الحسن | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 167
التصنيف الموضوعي: إسلام - فضل الشهادتين زكاة - فرض الزكاة صلاة - فرض الصلاة صيام - وجوب صوم رمضان حج - فرض الحج الواجب في العمر مرة

6 - قدِمَ بالأُسارى حينَ قدِمَ بهمُ المَدينةَ، وسَوْدةُ بِنتُ زَمْعةَ زَوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ آلِ عَفْراءَ في صياحِهم على عَوفٍ ومُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْراءَ -وذلك قبلَ أنْ يُضرَبَ عليهنَّ الحِجابُ- قالَتْ سَوْدةُ: فواللهِ إنِّي لَعندَهم؛ إذ أُتينا، فقيلَ: هؤلاء الأُسارى قد أُتيَ بهم، فرجَعْتُ إلى بَيْتي، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيه، فإذا أبو يَزيدَ سُهَيلُ بنُ عَمرٍو في ناحيةِ الحُجْرةِ مَجْموعَتانِ إلى عنُقِه بحَبلٍ، فواللهِ ما ملَكْتُ حينَ رأيْتُ أبا يَزيدَ كذلك أنْ قلْتُ: إِي أبا يَزيدَ، أعْطَيْتُم بأَيْديكم ألَا مُتُّم كِرامًا؟ فما انتهَيْتُ إلَّا بقَولِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ البَيتِ: «يا سَوْدةُ، على اللهِ وعلى رَسولِه»، فقلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، والَّذي بعثَكَ بالحقِّ، ما ملَكْتُ حينَ رأيْتُ أبا يَزيدَ مَجْموعةً يَداه إلى عنُقِه بالحَبلِ أنْ قلْتُ ما قلْتُ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط مسلم
الراوي : [عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة] | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 4357 التخريج : أخرجه الواقدي في ((المغازي)) (1/ 118)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (4675) كلاهما بلفظه.
التصنيف الموضوعي: جنائز وموت - التعزية جنائز وموت - البكاء على الميت آداب عامة - الخطأ والنسيان جهاد - الأسرى مغازي - أسرى غزوة بدر
|أصول الحديث

7 - أنَّها قالتْ: مات رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بيتي وَيَوْمِي، وبينَ سَحْرِي ونَحْرِي، ودخَلَ عليه عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بَكْرٍ ومعَهَ سِواكٌ رَطْبٌ، فنظَرَ إليه، حتَّى ظنَنْتُ أنَّ له فيه حاجةً، فأخذتُهُ، فمضَغْتُهُ، ونَفَضْتُهُ، وطَيَّبْتُهُ، ثمَّ دفَعْتُهُ إليهِ، فاسَتَنَّ كأحْسَنِ ما رأيتُهُ مُسْتَنًّا قَطُّ، ثُمَّ ذهَبَ يرْفَعُهُ إلَيَّ، فسَقَطَتْ يَدُهُ، فأخَذْتُ أدعُو له بدُعاءٍ كان يَدْعو له به جِبريلُ عليه السَّلامُ، وكانَ هو يَدْعو به إذا مَرِضَ، فلَمْ يَدْعُ بهِ في مَرَضِهِ ذاكَ، فرَفَعَ بَصَرَهُ إلى السَّماءِ، وقالَ: الرَّفيقَ الأعْلَى ، وفاضَتْ نَفْسُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فالحَمْدُ للهِ الَّذي جمَعَ بينَ رِيقِي ورِيقِهِ في آخِرِ يومٍ مِن الدُّنْيا.

8 - لمَّا خرَجَتِ المَلائكةُ من عندِ إبْراهيمَ نحوَ قَريةِ لوطٍ، وأتَوْها نِصفَ النَّهارِ، فلمَّا بَلَغوا نَهرَ سَدومَ لقُوا ابْنةَ لوطٍ تَستَقي منَ الماءِ لأهْلِها، وكان له ابْنَتانِ، فقالوا لها: يا جاريةُ، هل من مَنزِلٍ؟ قالَتْ: نعمْ، مَكانَكم لا تَدْخُلوا حتَّى آتيَكم، فأتَتْ أباها، فقالَتْ: يا أبَتاهُ، أرادَكَ فِتْيانٌ على بابِ المَدينةِ ما رأيْتُ وُجوهَ قَومٍ هي أحسَنُ منهم، لا يأخُذُهُم قَومُكَ فيَفْضَحوهم، وقد كان قَومُه نهَوْهُ أنْ يُضِيفَ رجُلًا، حتَّى قالوا: حَلَّ عنَّا، فلْيُضِفِ الرِّجالَ، فجاءَهُم ولم يُعلِمْ أحَدًا إلَّا أهْلَ بَيتِ لوطٍ، فخرَجَتِ امْرأتُه فأخبَرَتْ قَومَه، قالَتْ: إنَّ في بيتِ لوطٍ رِجالًا ما رأيْتُ مِثلَ وُجوهِهم قطُّ، فجاءَه قَومٌ يُهْرَعونَ إليه، فلمَّا أتَوْه، قالَ لهُم لوطٌ: «يا قَومِ، اتَّقوا اللهَ ولا تُخْزونِ في ضَيْفي أليسَ مِنكم رَجلٌ رَشيدٌ ، هؤلاء بَناتي هُنَّ أطهَرُ لكم ممَّا تُريدونَ»، قالوا له: أوَ لم نَنهَكَ أنْ تَضيَّفَ الرِّجالَ، قد عَلِمْتَ أنَّ ما لنا في بَناتِكَ من حقٍّ، وإنَّكَ لَتعَلَمُ ما نُريدُ، فلمَّا لم يَقْبَلوا منه شَيئًا عرَضَه عليهم، قالَ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]، يَقولُ صَلَواتُ اللهِ عليه: «لو أنَّ لي أنْصارًا يَنصُروني عليكم، أو عَشيرةً تَمنَعُني منكم؛ لحُلْتُ بيْنَكم وبيْنَ ما جِئتُم تُريدونَه من أضْيافي»، ولمَّا قالَ لوطٌ: "لو أنَّ لي بكم قُوَّةً أو آوِي إلى رُكنٍ شَديدٍ ، بسَطَ حينَئذٍ جِبْريلُ جَناحَيْه، ففَقأَ أعيُنَهم، وخَرَجوا يَدوسُ بَعضُهم في آثارِ بَعضٍ عُمْيانًا، يَقولونَ: النَّجَا النَّجَا، فإنَّ في بَيتِ لوطٍ أسْحَرَ قَومٍ في الأرْضِ؛ فذلك قَولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر: 37]، وقالوا: يا لوطُ، إنَّا رسُلُ ربِّكَ لن يَصِلوا إليكَ، فأسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ منَ اللَّيلِ ولا يَلتفِتْ منكم أحَدٌ إلَّا امْرأتُكَ فاتَّبِعْ آثارَ أهلِكَ، يَقولُ: «سِرْ بهِم وامْضوا حيثُ تؤْمَرونَ، فأخْرَجَهمُ اللهُ إلى الشَّامِ»، وقالَ لوطٌ: أهْلِكوهمُ السَّاعةَ، فقالوا: إنَّا لم نؤْمَرْ إلَّا بالصُّبحِ أليسَ الصُّبحُ بقَريبٍ، فلمَّا أنْ كانَ السَّحَرُ خرَجَ لوطٌ وأهْلُه معَه امْرأتُه؛ فذلك قَولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: {إِلَّا آلَ لَوُطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34].
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط مسلم
الراوي : [ابن عباس، وابن مسعود، وأناس من الصحابة] | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 4109 التخريج : لم نقف عليه إلا عند الحاكم (4059).
التصنيف الموضوعي: أنبياء - إبراهيم أنبياء - لوط تفسير آيات - سورة القمر تفسير آيات - سورة هود إيمان - الملائكة
|أصول الحديث

9 - أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رَضيَ اللهُ عنه دَخَلَ المسجدَ وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يُحدِّثُ النَّاسَ، فأَتى البيتَ الَّذي تُوفِّيَ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكَشَفَ عنْ وجهِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ ، وكان مُسَجًّى به، فنَظَرَ إليه فأكَبَّ عليه ليُقَبِّلَ وجهَهُ، وقالَ: واللهِ لا يجْمَعُ اللهُ عليكَ مَوْتَتينِ بعدَ موتتِكَ الَّتي لا تموتُ بعدَها. ثُمَّ خَرَجَ إلى المسجدِ وعُمَرُ يُكلِّمُ النَّاسَ، فقالَ أبو بكرٍ: اجلِسْ يا عُمَرُ، فأَبى، فكَلَّمَهُ مرَّتينِ أوْ ثلاثًا، فأَبى، فقامَ، فتشَهَّدَ، فلمَّا قَضى تشهُّدَهُ قالَ: أمَّا بعدُ، فمَنْ كان يَعبُدُ مُحمَّدًا فإنَّ مُحمَّدًا قد ماتَ، ومَنْ كان يَعبُدُ اللهَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ، ثُمَّ تلا: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34] {وَمَا مُحمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]، تلا إلى {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، فما هو إلَّا أنْ تلاها فأيْقنَ النَّاسُ بموتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى قالَ قائلٌ: لمْ يَعْلَمِ النَّاسُ أنَّ هذه الآيةَ أُنزِلتْ حتَّى تلاها أبو بكرٍ. قالَ الزُّهريُّ: فأخْبرَني سعيدُ بنُ المُسيَّبِ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قالَ: لمَّا تلاها أبو بكرٍ عُقِرْتُ حتَّى خَرَرتُ إلى الأرضِ، وأيقنتُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد ماتَ.

10 - أنَّه لَمَّا كان عامُ الرَّمادةِ، وأجدَبَتِ الأرضُ كَتَب عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إلى عَمرِو بنِ العاصي: من عَبدِ اللهِ عُمَرَ أميرِ المُؤمِنين إلى العاصي ابنِ العاصي، لَعَمْري ما تُبالي إذا سَمِنْتَ ومَن قِبَلَكَ أنْ أعجَفَ ومَن قِبَلي، ويا غَوثاهُ! فكَتَب عَمرٌو: السَّلامُ، أمَّا بَعدُ: لَبَّيكَ لَبَّيكَ ، أتَتْكَ عِيرٌ أوَّلُها عِندَكَ، وآخِرُها عِندِي، مع أني أرجو أن أجِدَ سَبيلًا أحمِل في البَحرِ، فلمَّا قَدِم أوَّلُ عِيرٍ دعا الزُّبَيرَ، فقالَ: اخرُجْ في أوَّلِ هذه العِيرِ، فاستَقبِلْ بها غدًا، فاحمِلْ إلى كلِّ أهلِ بَيتٍ ما قَدَرْتَ أن تَحمِلَهم إليَّ، ومَن لم تَستَطِعْ حَمْلَه فمُرْ لكلِّ أهلِ بَيتٍ ببَعيرٍ بما عليه، ومُرْهُم فليُلْبِسوا النَّاسَ كِياسَ، وليَنحَروا البَعيَر، فيَحمِلوا شَحمَه، وليُقَدِّدوا لَحمَه، وليَحتَذوا جِلدَه، ثمَّ ليَأخذُوا كُبَّةً من قَديدٍ، وكُبَّةً من شَحمٍ، وحَفنةً من دَقيقٍ، فيَطبُخوا، وليَأكُلوا حتَّى يَأتِيَهُمُ اللهُ برِزقٍ، فأبى الزُّبَيرُ أن يَخرُجَ، فقالَ: أمَا واللهِ لا تَجِدُ مِثلَها حتَّى تَخرُجَ منَ الدُّنيا، ثمَّ دعا آخَرَ -أظُنُّه طَلحةَ- فأبى، ثمَّ دعا أبا عُبَيدةَ بنَ الجَرَّاحِ؛ فخَرَج في ذلكَ، فلمَّا رَجَع بَعَث إليه بألفِ دينارٍ، فقالَ أبو عُبَيدةَ: إنِّي لم أعمَلْ لكَ -يا ابْنَ خَطَّابٍ- إنَّما عَمِلتُ للهِ، ولَستُ آخُذُ في ذلكَ شَيئًا، فقالَ عُمَرُ: قد أعطانا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أشياءَ بَعَثَنا فيها فكَرِهنا، فأبَى ذلكَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاقبَلْها أيُّها الرَّجُلُ، فاستَعِنْ بها على دُنْياكَ؛ فقَبِلها أبو عُبيدةَ بنُ الجَرَّاحِ.

11 - عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كان بَنو أُبيَرِقٍ رهطًا مِن بَني ظَفَرٍ، وكانوا ثَلاثةً: بَشيرٌ وبِشرٌ ومُبشِّرٌ، وكان بَشِيرٌ يُكْنى أبا طُعْمةَ، وكان شاعرًا، وكان مُنافِقًا، وكان يَقولُ الشِّعرَ يَهْجو به أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ يَقولُ: قالَه فلانٌ، فإذا بَلَغَهم ذلك، قالوا: كذَبَ عدُوُّ اللهِ؛ ما قاله إلَّا هو، فقال: أَوَكُلَّمَا قالَ الرِّجَالُ قَصِيدَةً... ضَمُّوا إلَيَّ بأَنْ أُبَيْرِقَ قالَها مُتَخَطِّمِينَ كأَنَّنِي أخْشاهُمُ... جَدَعَ الإِلَهُ أُنُوفَهُمْ فأَبَانَها وكانوا أهْلَ فَقرٍ وحاجةٍ في الجاهليَّةِ والإسلامِ، وكان عمِّي رِفاعةُ بنُ زَيدٍ رجُلًا مُوسِرًا أدْرَكَه الإسلامُ، فواللهِ إنْ كنتُ لَأَرى أنَّ في إسلامِه شَيئًا، وكان إذا كان له يَسارٌ ، فقَدِمَت عليه هذه الطَّائفةُ مِنَ السَّدَمِ تَحْمِلُ الدَّرْمكَ ابْتاعَ لنفْسِه ما يَحِلُّ به، فأمَّا العِيالُ فكان يُقِيتُهم الشَّعيرَ، فقَدِمَت ضافِطةٌ -وهُم الأنباطُ- تَحمِلُ دَرْمَكًا، فابتاعَ رِفاعةُ حِملَينِ مِن شَعيرٍ، فجَعَلَهما في عُلِّيَّةٍ له، وكان في عُلِّيَّتِه دِرعانِ له وما يُصلِحُهما مِن آلَتِهما، فطَرَقه بَشيرٌ مِنَ اللَّيلِ، فيَخرِقُ العُلِّيَّةَ مِن ظَهرِها، فأخَذَ الطَّعامَ، ثمَّ أخَذَ السِّلاحَ، فلمَّا أصبَحَ عمِّي بَعَث إلَيَّ فأتَيْتُه، فقال: أُغِيرَ علينا هذه اللَّيلةَ، فذُهِبَ بطَعامِنا وسِلاحِنا، فقال بَشِيرٌ وإخوتُه: واللهِ ما صاحبُ مَتاعِكم إلَّا لَبيدُ بنُ سَهلٍ -لرجُلٍ منَّا كان ذا حسَبٍ وصَلاحٍ- فلمَّا بَلَغَه، قال: أُصْلِتُ واللهِ بالسَّيفِ، ثمَّ قال: أيْ بَني الأُبَيرِقِ، أنا أسْرِقُ؟! فواللهِ لَيُخالِطَنَّكم هذا السَّيفُ أو لَيَتبيَّنْ مَن صاحبُ هذه السَّرقةِ، فقالوا: انصَرِفْ عنَّا؛ فواللهِ إنَّك لَبِريءٌ مِن هذه السَّرقةِ، فقال: كلَّا وقدْ زعَمْتُم. ثمَّ سَألْنا في الدَّارِ وتَجسَّسْنا، حتَّى قِيل لنا: واللهِ لَقدِ استَوقَدَت بَنو أُبَيرِقٍ اللَّيلةَ، وما نَراهُ إلَّا على طَعامِكم، فما زِلْنا حتَّى كِدْنا نَستيقنُ أنَّهم أصحابُه، فجِئتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فكَلَّمتُه فيهم، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أهلَ بَيتٍ منَّا أهلُ جَفاءٍ وسَفهٍ، غَدَوا على عمِّي، فخَرَقوا عُلِّيَّةً له مِن ظَهرِها، فغَدَوا على طَعامٍ وسِلاحٍ؛ فأمَّا الطَّعامُ فلا حاجةَ لنا فيه، وأمَّا السِّلاحُ فلْيَرُدَّه علينا، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سَأنظُرُ في ذلكَ. وكان لهُم ابنُ عمٍّ يُقالُ له: أُسَيرُ بنُ عُروةَ، فجمَعَ رِجالَ قَومِه، ثمَّ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: إنَّ رِفاعةَ بنَ زَيدٍ وابنَ أخيهِ قَتادةَ بنَ النُّعمانِ قدْ عَمِدَا إلى أهلِ بَيتٍ منَّا أهلِ حَسبٍ وشرَفٍ وصَلاحٍ، يَأْبِنُونَهم بالقبيحِ، ويَأْبِنُونَهم بالسَّرقةِ بغَيرِ بيِّنةٍ ولا شَهادةٍ، فوضَعَ عندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلسانِه ما شاء ثمَّ انصَرَفَ، وجِئتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكلَّمْتُه، فجَبَهَني جَبَهًا شَديدًا، وقال: بِئسَ ما صنَعْتَ! وبِئسَ ما مَشِيتَ فيه! عَمِدتَ إلى أهلِ بَيتٍ منكم أهلِ حَسبٍ وصَلاحٍ تَرمِيهم بالسَّرقةِ وتَأْبِنُهم فيها بغَيرِ بيِّنةٍ ولا تَثبُّتٍ. فسَمِعتُ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما أكرَهُ، فانصَرَفْتُ عنه ولَوَدِدتُ أنِّي خرَجْتُ مِن مالي ولم أُكَلِّمْه، فلمَّا أنْ رجَعْتُ إلى الدَّارِ أرسَلَ إلَيَّ عمِّي: يا ابنَ أخي، ما صنَعْتَ؟ فقُلتُ: واللهِ لَوَدِدتُ أنِّي خرَجْتُ مِن مالي ولم أُكَلِّمْ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيه، وايمُ اللهِ لا أعودُ إليه أبدًا، فقال: اللهُ المستعانُ! فنزَلَ القرآنُ {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] أبو طُعْمةَ بنُ أُبَيرِقٍ، فقَرَأ حتَّى بلَغَ {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} [النساء: 106-112] لَبيدُ بنُ سَهلٍ، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} [النساء: 113]، يَعني أُسَيرَ بنَ عُروةَ وأصحابَه، ثمَّ قال: يَعني بذلك أُسيرَ بنَ عُروةَ وأصحابَه {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} إلى قولِه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 114-116]، أي: كان ذنْبُه دونَ الشِّركِ، فلمَّا نزَلَ القرآنُ هَرَب فلَحِق بمكَّةَ. وبَعَث رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَيَّ الدِّرعينِ وأداتَهُما، فرَدَّهما على رِفاعةَ. قال قَتادةُ: فلمَّا جِئتُه بهما وما مَعهما، قال: يا ابنَ أخي، هما في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فرجَوتُ أنَّ عمِّي حَسُنَ إسلامُه، وكان ظنِّي به غيرَ ذلك، وخرَجَ ابنُ أُبَيرِقٍ حتَّى نزَلَ على سُلامةَ بنتِ سَعدِ بنِ سُهَيلٍ أختِ بَني عَمرِو بنِ عَوفٍ، وكانت عندَ طَلْحةَ بنِ أبي طَلْحةَ بمكَّةَ، فوقَعَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه يَشتُمُهم، فرَماهُ حسَّانُ بنُ ثابتٍ بأبياتٍ، فقال: أَيَا سَارِقَ الدَّرْعَيْنِ إِنْ كُنْتَ ذَاكِرًا... بِذِي كَرَمٍ بَيْنَ الرِّجَالِ أُوَادِعُهْ وَقَدْ أَنْزَلْتَهُ بِنْتُ سَعْدٍ فَأَصْبَحَتْ... يُنَازِعُهَا جَلْدَ اسْتِهِ وَتُنَازِعُهْ فَهَلَّا أَسِيرًا جِئْتَ جَارَكَ رَاغِبًا... إِلَيْهِ وَلَمْ تَعْمَدْ لَهُ فَتُدَافِعُهْ ظَنَنْتُمْ بِأَنْ يَخْفَى الَّذِي قَدْ فَعَلْتُمُ... وَفِيكُمْ نَبِيٌّ عِنْدَهُ الْوَحْيُ وَاضِعُهْ فَلَوْلَا رِجَالٌ مِنْكُمُ تَشْتُمُونَهُمْ... بِذَاكَ لَقَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِ طَوَالِعُهْ فَإِنْ تَذْكُرُوا كَعْبًا إِلَى مَا نَسَبْتُمُ... فَهَلْ مِنْ أَدِيمٍ لَيْسَ فِيهِ أَكَارِعُهْ وَجَدْتَهُمُ يَرْجُونَكُمْ قَدْ عَلِمْتُمُ... كَمَا الْغَيْثُ يُرْجِيهِ السَّمِينُ وَتَابِعُهْ فلمَّا بلَغَها شِعرُ حسَّانَ أخَذَت رَحْلَ أُبَيرِقٍ، فوَضَعَتْه على رأْسِها حتَّى قَذَفَته بالأبطَحِ، ثمَّ حلَقَت وسَلَقت وخَرَقَت وحَلَفت: إنْ بِتَّ في بَيتي لَيلةً سَوداءَ؛ أهْدَيْتَ لي شِعرَ حسَّانَ بنَ ثابتٍ، ما كُنتَ لِتَنزِلَ علَيَّ بخَيرٍ، فلمَّا أخرَجَتْه لَحِقَ بالطَّائفِ، فدخَلَ بيتًا ليْس فيه أحدٌ، فوَقَع عليه فقَتَله، فجَعَلَت قُرَيشٌ تقولُ: واللهِ لا يُفارِقُ محمَّدًا أحدٌ مِن أصحابِه فيه خَيرٌ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
الراوي : عمر بن قتادة | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 8376
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة النساء قرآن - أسباب النزول مناقب وفضائل - حسان بن ثابت إيمان - العفو عما دون الشرك شعر - الرخصة في الشعر ما لم يكن شركا أو هجاء مسلم

12 - ما يَمنَعُكَ أنْ تَسُبَّ ابنَ أبي طالِبٍ؟ قالَ: فقالَ: لا أسُبُّه ما ذكَرْتُ ثَلاثًا قالَهنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لأنْ تَكونَ لي واحِدةٌ منهنَّ أحَبُّ إليَّ من حُمرِ النَّعَمِ ، قالَ له مُعاويةُ: ما هنَّ يا أبا إسْحاقَ؟ قالَ: لا أسُبُّه ما ذكَرْتُ حينَ نزَلَ عليه الوَحيُ فأخَذَ عليًّا وابْنَيْه وفاطِمةَ فأدْخَلَهم تحتَ ثَوْبِه، ثمَّ قالَ: «ربِّ، هؤلاء أهْلُ بَيْتي»، ولا أسُبُّه حينَ خلَّفَه في غَزْوةِ تَبوكَ غَزاها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ له عليٌّ: خلَّفْتَني معَ الصِّبْيانِ والنِّساءِ، قالَ: «ألَا تَرْضى أنْ تَكونَ منِّي بمَنزِلةِ هارونَ من موسَى، إلَّا أنَّه لا نُبوَّةَ بَعْدي»، ولا أسُبُّه ما ذكَرْتُ يومَ خَيْبرَ، قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لأُعْطيَنَّ هذه الرَّايةَ رَجلًا يحِبُّ اللهَ ورَسولُه، ويَفتَحُ اللهُ على يدَيْه»، فتَطاوَلْنا لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: «أين عَليٌّ؟» قالوا: هو أرمَدُ، فقالَ: «ادْعُوهُ»، فدعَوْهُ فبصَقَ في وَجهِه، ثمَّ أعْطاهُ الرَّايةَ، ففتَحَ اللهُ عليه، قالَ: فلا واللهِ ما ذكَرَه مُعاويةُ بحَرفٍ حتَّى خرَجَ منَ المَدينةِ.

13 - عنْ سَلَمةَ بنِ سَلَامةَ بنِ وَقْشٍ، قالَ: كانَ لنا جارٌ مِن يَهودَ في بَني عَبدِ الأشْهَلِ قالَ: فخرَجَ علينا يومًا مِن بَيتِه حتَّى وقَفَ على بَني عَبدِ الأشْهَلِ، قالَ سَلَمةُ: وأنا يومَئذٍ حدَثٌ عَلَيَّ بُرْدةٌ لي مُضطَجِعٌ فيها بفِناءِ أهْلي، فذكَرَ القيامةَ، والبَعثَ، والحِسابَ، والمِيزانَ، والجنَّةَ، والنَّارَ. قالَ: فقالَ ذلك في أهْلِ يَثرِبَ ، والقَومُ أصْحابُ أوْثانٍ لا يرَوْنَ بَعثًا كائنًا عندَ المَوتِ، فقالوا له: وَيحَكَ ، أتَرى هذا كائنًا يا فُلانُ؟ إنَّ النَّاسَ يُبعَثونَ بعدَ مَوتِهم إلى جنَّةٍ ونارٍ، ويُجزَوْنَ فيها بأعْمالِهم، قالَ: نعمْ، والَّذي يُحلَفُ به. قالوا: يا فُلانُ، وَيحَكَ وما آيةُ ذلك؟ قالَ: نَبيٌّ مَبْعوثٌ مِن نَحوِ هذه البِلادِ، وأشارَ بيَدِه إلى مكَّةَ، قالوا: ومتى تُراهُ؟ قالَ: فنظَرَ إليَّ وأنا أصغَرُهم سنًّا فقالَ: إنْ يَستَنفِدْ هذا الغُلامُ عُمرَه يُدْرِكْه، قالَ سَلَمةُ: فواللهِ ما ذهَبَ اللَّيلُ والنَّهارُ حتَّى بعَثَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو حَيٌّ بيْنَ أظْهُرِنا، فآمَنَّا به، وكفَرَ بَغيًا وحسَدًا، فقُلْنا له: وَيحَكَ يا فُلانُ، ألسْتَ الَّذي قُلْتَ لنا فيه ما قُلْتَ؟ قالَ: بَلى، ولكنَّه ليس به.

14 - كُنْتُ أُسْتَحاضُ حَيْضَةً كَثيرةً شَديدَةً، فَأَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَسْتَفْتيهِ، وأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ في بَيْتِ أُخْتي زَيْنَبَ بِنتِ جَحْشٍ، فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحاضُ حَيْضَةً كَثيرَةً شَديدَةً، فما تَرَى فيها، قد مَنَعَتْني الصَّلاةَ والصَّوْمَ؟ قالَ: «أَنْعَتُ لكِ الكُرْسُفَ؛ فإنَّه يُذْهِبُ الدَّمَ». قالتْ: هو أَكْثَرُ مِنْ ذلك، إنَّما أَثُجُّ ثَجًّا . قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ، أَيَّهُما فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ، وإنْ قَوِيتِ عليهما فأنتِ أَعْلَمُ». قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّما هذه ركْضَةٌ مِنْ ركَضاتِ الشَّيْطانِ، فتَحِيضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ في عِلْمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ اغْتَسِلي حتَّى إذا رَأَيْتِ أَنَّكِ قد طَهُرْتِ واستَنْقَأْتِ فَصَلِّي ثلاثًا وعِشْرينَ لَيْلَةً، أَوْ أَرْبَعًا وعِشْرينَ لَيْلَةً، وأَيَّامَها وصومي، فإنَّ ذلك يُجْزِئُكِ، وكذلك فافْعَلي كُلَّ شَهْرٍ كما تَحيضُ النِّساءُ، وكما يَطْهُرْنَ ميقاتَ حَيْضِهِنَّ وطُهْرِهِنَّ، وإنْ قَويتِ على أنْ تُؤَخِّري الظُّهْرَ، وتُعَجِّلي العَصْرَ، فَتَغْتَسِلينَ وتَجْمَعينَ بينَ الصَّلاتَيْنِ الظُّهْرَ والعَصْرَ، وتُؤَخِّرينَ المَغْرِبَ، وتُعَجِّلينَ العِشاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلينَ وتَجْمَعينَ بينَ الصَّلاتَيْنِ فافْعَلي وصومي، إن قَدَرْتِ على ذلك». قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وَهذا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إليَّ».
خلاصة حكم المحدث : [سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما]
الراوي : حمنة بنت جحش | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 625
التصنيف الموضوعي: حيض - اتخاذ ثوب للحيض غسل - غسل المستحاضة إحسان - الأخذ بالرخصة حيض - المستحاضة غسل - الأغسال الواجبة والمسنونة

15 - جاءَتْنا رسُلُ كفَّارِ قُرَيشٍ، يَجعَلونَ في رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبي بَكرٍ دِيَةَ كلِّ واحِدٍ منهما لمَن قتَلَهما أو أسَرَهما، فبَيْنا أنا جالِسٌ في مجلِسٍ من مجالِسِ قَوْمي من بَني مُدلِجٍ، أقبَلَ منهم رَجلٌ حتَّى قامَ علينا، فقالَ: يا سُراقةُ، إنِّي رأيْتُ آنِفًا أسْوِدةً بالساحل، أُراهُما محمَّدًا وأصْحابَه، قالَ سُراقةُ: فعرَفْتُ أنَّهم هُم، فقلْتُ لهُم: إنَّهم ليْسوا بهِم، ولكِنِّي رأيْتُ فُلانًا وفُلانًا انْطَلَقوا بُغاةً، قالَ: ثمَّ ما لبِثْتُ في المجلِسِ إلَّا ساعةً حتَّى قمْتُ فدخَلْتُ بَيْتي، فأمَرْتُ جاريةً أنْ تُخرِجَ إليَّ فَرَسي وهي وَراءَ أَكَمةٍ فحَبَسَتْها عليَّ، وأخذْتُ رُمْحي فخرَجْتُ من ظَهرِ البَيتِ، فخطَطْتُ بزُجِّه إلى الأرْضِ، وخفَضْتُ عاليةَ الرُّمحِ حتَّى أتيْتُ فَرَسي، فركِبْتُها فدفَعْتُها تُقرِّبُ بي حتَّى رأيْتُ أسْوِدَتَهما، فلمَّا دنَوْتُ منهم حيث أسْمَعَهمُ الصَّوتُ عثَرَ فَرَسي، فخرَرْتُ عنها، فقُمْتُ فأهوَيْتُ بيَدي إلى كِنانَتي ، فاستَخرَجْتُ الأزْلامَ ، فاستَقْسَمْتُ بها، فخرَجَ الَّذي أكْرَهُ ألَّا أضُرَّهم، فعصَيْتُ الأزْلامَ ، فركِبْتُ فَرَسي فدفَعْتُها تُقرِّبُ بي، حتَّى إذا دنَوْتُ منهم «سمِعْتُ قِراءةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو لا يَلتفِتُ»، وأبو بَكرٍ يُكثِرُ الالْتِفاتَ، فساخَتْ يَدا فَرَسي في الأرْضِ حتَّى بلَغَتا الرُّكبَتَينِ، [فَخَرَرْتُ] عنها، ثمَّ زجَرْتُها، فنهَضَتْ فلم تَكَدْ تُخرِجُ يَدَيْها، فلمَّا استَوَتْ قائمةً إذا ليَدَيْها عُثانٌ ساطعٌ في السَّماءِ، -قالَ عبدُ اللهِ: يَعْني الدُّخانَ الَّذي يَكونُ من غَيرِ نارٍ- ثمَّ أخرَجْتُ الأزْلامَ ، فاستَقْسَمْتُ بها، فخرَجَ الَّذي أكْرَهُ ألَّا أضُرَّهما، فنادَيْتُهما بالأمانِ فوَقَفا، فركِبْتُ فَرَسي حتَّى جِئتُهما فوقَعَ في نَفْسي حينَ لَقيتُ ما لَقيتُ منَ الحَبسِ عليهم أنْ سيَظهَرُ أمْرُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقلْتُ: إنَّ قَومَكَ قد جَعَلوا فيكَ الدِّيَةَ، وأخبَرْتُهم من أخْبارِ سفَرِهم، وما يُريدُ النَّاسُ بهِم، وعرَضْتُ عليهمُ الزَّادَ والمتاعَ فلم يَرزَؤُوني شَيئًا، ولم يَسْأَلوني إلَّا أنْ قالوا: أخْفِ عنَّا، فسألْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يكتُبَ لي كِتابَ موادَعةٍ آمَنُ به، «فأمَرَ عامرَ بنَ فُهَيرةَ مَوْلى أبي بَكرٍ» فكتَبَ لي في رُقعةٍ من أَدَمٍ، ثمَّ مضَيَا.

16 - أُسَيرُ بنُ جابِرٍ، قالَ: كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه إذا أتَتْ عليه أمْدادُ اليَمنِ سأَلَهم، أفيكم أُوَيْسُ بنُ عامِرٍ؟ حتَّى أتَى عليه أُوَيْسٌ، فقالَ: أنتَ أُوَيْسُ بنُ عامِرٍ، قالَ: نعمْ، قالَ: مِن مُرادٍ ثمَّ مِن قَرَنٍ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: كانَ بكَ برَصٌ ، فبَرَأْتَ منه إلَّا موضِعَ دِرهَمٍ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: ألكَ والِدةٌ؟ قالَ: نعمْ، فقالَ عُمَرُ: سمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: يَأْتي عليكم أُوَيْسُ بنُ عامِرٍ معَ أمْدادِ اليَمنِ مِن مُرادٍ، ثمَّ مِن قَرَنٍ كانَ به برَصٌ فبَرَأَ منه، إلَّا موضِعَ دِرهَمٍ، له والِدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أقسَمَ على اللهِ لأبَرَّه ، فإنِ استَطَعْتَ أنْ يَستَغفِرَ لكَ فافعَلْ. قالَ: فاستَغفِرْ لي، فاستَغفَرَ له، ثمَّ قالَ عُمَرُ: أين تُريدُ؟ قالَ: الكوفةَ، قالَ: ألَا أكتُبُ لكَ إلى عُمَّالِها فيَستَوْصوا بكَ خَيرًا؟ فقالَ: لأنْ أكونَ في غَبْراءِ النَّاسِ أحَبُّ إليَّ، فلمَّا كانَ في العامِ المُقبِلِ حجَّ رَجُلٌ مِن أشْرافِهم، فسأَلَ عُمَرُ عنْ أُوَيْسٍ كيف تَرَكْتَه؟ فقالَ: تَرَكْتُه رثَّ البَيتِ، قَليلَ المَتاعِ، قالَ: سمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: يأْتي عليكم أُوَيْسُ بنُ عامِرٍ معَ أمْدادِ أهْلِ اليَمنِ مِن مُرادٍ، ثمَّ مِن قَرَنٍ كانَ به برَصٌ فبَرَأَ منه إلَّا موضِعَ دِرهَمٍ، له والِدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أقسَمَ على اللهِ لأبَرَّه ، فإنِ استَطَعْتَ أنْ يَستَغفِرَ لكَ فافعَلْ، فلمَّا قدِمَ الرَّجلُ أتى أُوَيْسًا، فقالَ: استَغفِرْ لي، فقالَ: أنتَ أحدَثُ النَّاسِ بسَفرٍ صالِحٍ، فاستَغفِرْ لي، فقالَ: لَقيتَ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ؟ فقالَ: نعمْ، قالَ: فاستَغفَرَ له، قالَ: ففَطِنَ له النَّاسُ، فانطلَقَ على وَجهِه، قالَ أُسَيرٌ: فكَسَوْتُه بُرْدًا ، فكانَ إذا رَآه عليه إنْسانٌ قالَ: مِن أينَ لأُوَيْسٍ؟
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين
الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 5836
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - أويس القرني مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين

17 - عنْ ثَعْلَبةَ بنِ عَبَّادٍ العَبْديِّ -مِن أهْلِ البَصرةِ-، أنَّه شَهِدَ خُطبةً يَومًا لسَمُرةَ بنِ جُندُبٍ، فذَكَر في خُطبَتِه، قالَ سَمُرةُ: بيْنَما أنا يَومًا وغُلامٌ منَ الأنصارِ نَرمي غَرَضًا لنا على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى إذا كانتِ الشَّمسُ على قِيدِ رُمحَينِ ، أو ثَلاثةٍ في عَينِ النَّاظِرِ منَ الأُفُقِ اسوَدَّتْ حتَّى آضَتْ كأنَّها تَنُّومةٌ ، فقالَ أحَدُنا لصاحِبِه: انطَلِقْ بنا إلى المَسجِدِ؛ فواللهِ لتُحدِثَنَّ شَأنُ هذه الشَّمسِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أُمَّتِه حَدَثًا، فدَفَعْنا إلى المَسجِدِ، فإذا هو بارِزٌ، فوافَقْنا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حين خَرَج إلى النَّاسِ. قالَ: فتَقَدَّم فصَلَّى بِنا كأطوَلِ ما قام بنا في صَلاةٍ قَطُّ، لا نَسمَعُ له صَوتَه، ثمَّ رَكَع بِنا كأطوَلِ ما رَكَع بِنا في صَلاةٍ قَطُّ، لا نَسمَعُ له صَوتَه، ثمَّ سَجَد بنا كأطوَلِ ما سَجَد بِنا في صَلاةٍ قَطُّ، لا نَسمَعُ له صَوتَه، قالَ: ثمَّ فَعَل في الرَّكعةِ الثَّانِيةِ مِثلَ ذلكَ، قالَ: فوافَقَ تَجِلِّي الشَّمسِ جُلوسَه في الرَّكعةِ الثَّانِيةِ، قالَ: ثمَّ سَلَّم، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، وشَهِدَ أن لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وشَهِدَ أنَّه عَبدُه ورَسولُه، ثمَّ قالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما أنا بَشَرٌ ورَسولُ اللهِ، فأُذَكِّركُمُ اللهَ، إنْ كُنتُم تَعلَمون أنِّي قَصَّرتُ عنْ شَيءٍ من تَبليغِ رِسالاتِ رَبِّي لَمَا أخبَرتُموني حتَّى أُبَلِّغَ رِسالاتِ رَبِّي كما يَنبَغي لها أن تُبَلَّغَ، وإنْ كُنتُم تَعلَمون أنِّي قد بَلَّغتُ رِسالاتِ رَبِّي لَمَا أخبَرتُموني. قالَ: فقام النَّاسُ، فقالوا: نَشهَدُ أنَّكَ قد بَلَّغتَ رِسالاتِ رَبِّكَ، ونَصَحتَ لأُمَّتِكَ، وقَضَيتَ الَّذي عليكَ، قالَ: ثمَّ سَكَتوا، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا بَعدُ: فإنَّ رِجالًا يَزعُمون أنَّ كُسوفَ هذه الشَّمسِ، وكُسوفَ هذا القَمَرِ، وزَوالَ هذه النُّجومِ عنْ مَطالِعِها؛ لمَوتِ رِجالٍ عُظَماءَ من أهلِ الأرضِ، وإنَّهُم كَذَبوا، ولكِنْ آياتٌ من آياتِ اللهِ، يَفتِنُ بها عِبادَه؛ ليَنظُرَ مَن يُحدِثُ منهم تَوبةً، واللهِ لقد رَأيتُ مُنذُ قُمتُ أُصَلِّي ما أنتم لَاقُون في دُنياكُم وآخِرَتِكُم، وإنَّه -واللهِ- لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى يَخرُجَ ثَلاثون كَذَّابًا، آخِرُهُمُ الأعورُ الدَّجَّالُ: مَمسوحُ العَينِ اليُسرى كأنَّها عَينُ أبي تِحْيَى -لشَيخٍ منَ الأنصارِ-، وإنَّه متى خَرَج فإنَّه يَزعُمُ أنَّه اللهُ؛ فمَن آمَنَ به وصَدَّقَه واتَّبَعَه فليس يَنفَعُه صالِحٌ من عَمَلٍ سَلَف، ومَن كَفَر به وكَذَّبه فليس يُعاقَبُ بشَيءٍ من عَمَلِه سَلَف، وإنَّه سيَظهَرُ على الأرضِ كُلِّها إلَّا الحَرمَ، وبَيتَ المَقدِسِ، وإنَّه يَحصُرُ المُؤمِنين في بَيتِ المَقدِسِ فيُزَلزَلون زِلزالًا شَديدًا، فيَهزِمُه اللهُ وجُنودَه، حتَّى إنَّ جِذْمَ الحائطِ، أو أصلَ الشَّجَرةِ لَيُنادي: يا مُؤمِنُ: هذا كافِرٌ يَستَتِرُ بي تَعالَ اقتُلْهُ. قالَ: فلَن يَكونَ ذلكَ حتَّى تَرَون أمورًا يَتفاقَمُ شَأنُها في أنفُسِكُم تَسألون بيْنَكُم: هل كان نَبِيُّكُم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَر لَكُم منها ذِكرًا، وحَتَّى تَزولَ جِبالٌ عنْ مَراسِيها، ثمَّ على أثَرِ ذلكَ القَيضُ، وأشارَ بيَدِه، قالَ: ثمَّ شَهِدتُ خُطبةً أُخرى قالَ: فذَكَر هذا الحَديثَ، ما قَدَّمَها ولا أَخَّرَها.

18 - كنَّا عِندَ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، فذُكِر عِنده الدَّجَّالُ، فقال عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ: تَفترِقون أيُّها النَّاسُ لخُروجِه على ثَلاثِ فِرَقٍ: فِرقةٍ تَتْبَعُه، وفِرقةٍ تَلْحَقُ بأرضِ آبائِها بمَنابتِ الشِّيحِ، وفِرقةٍ تَأخُذُ شطَّ الفُراتِ يُقاتِلُهم ويُقاتِلونه، حتَّى يَجتمِعَ المؤمنونَ بقُرى الشَّامِ، فيَبْعَثون إليهم طَليعةً فيهم فارسٌ على فرَسٍ أشقَرَ وأبْلَقَ، قال: فيَقتَتِلون، فلا يَرجِعُ منهم بشَرٌ -قال سَلَمةُ: فحَدَّثَني أبو صادقٍ، عن رَبيعةَ بنِ ناجذٍ، أنَّ عبدَ اللهِ بن مَسعودٍ- قال: فرَسٍ أشقَرَ، قال عبْدُ اللهِ: ويَزعُمُ أهلُ الكتابِ أنَّ المسيحَ يَنزِلُ إليه- قال: سَمِعتُه يَذكُرُ عن أهلِ الكتابِ حَديثًا غيْرَ هذا- ثمَّ يَخرُجُ يَأْجوجُ ومَأْجوجُ ، فيَمْرَحون في الأرضِ، فيُفسِدون فيها، ثمَّ قَرَأ عبدُ اللهِ: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]. قال: ثمَّ يَبعَثُ اللهُ عليهم دابَّةً مِثلَ هذا النَّغَفِ ، فتَلِجُ في أسماعِهم ومَناخِرِهم، فيَموتون منها، فتَنْتُنُ الأرضُ منهم، قال: ثمَّ يَبعَثُ اللهُ رِيحًا فيها زَمْهريرٌ باردةٌ، فلمْ تَدَعْ على وجْهِ الأرضِ مُؤمنًا إلَّا كَفَتْه تلكَ الرِّيحُ، قال: ثمَّ تَقومُ السَّاعةُ على شِرارِ النَّاسِ، ثمَّ يقومُ الملَكُ بالصُّورِ بيْن السَّماءِ والأرضِ، فيَنفُخُ فيه -والصُّورُ قَرْنٌ- فلا يَبْقى خلْقٌ في السَّمواتِ والأرضِ إلَّا مات، إلَّا مَن شاء ربُّكَ، ثمَّ يكونُ بيْن النَّفختينِ ما شاء اللهُ أنْ يكونَ، فليْس مِن بَني آدَمَ خَلْقٌ إلَّا منه شَيءٌ. قال: فيُرسِلُ اللهُ ماءً مِن تحْتِ العرشِ كمَنيِّ الرِّجالِ، فتَنبُتُ لُحمانُهم وجُثمانُهم مِن ذلكَ الماءِ، كما يُنبِتُ الأرضُ مِنَ الثَّرى ، ثمَّ قَرَأ عبدُ اللهِ: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9]، قال: ثمَّ يقومُ ملَكٌ بالصُّورِ بيْن السَّماءِ والأرضِ، فيَنفُخُ فيه، فيَنطلِقُ كلُّ نفْسٍ إلى جسَدِها حتَّى تَدخُلَ فيه، ثمَّ يَقومون، فيَحْيَون حياةَ رجُلٍ واحدٍ قِيامًا لربِّ العالَمِين. قال: ثمَّ يَتمثَّلُ اللهُ تعالَى إلى الخلْقِ فيَلْقاهم، فليْس أحدٌ يَعبُدُ مِن دونِ اللهِ شَيئًا إلَّا وهو مَرفوعٌ له يَتْبَعُه، قال: فيَلْقى، قال: فيَقولُ: مَن تَعبِدون؟ قال: فيَقولُون: نَعبُدُ عُزَيرًا، قال: هلْ يَسُرُّكم الماءُ؟ فيَقولُون: نعمْ، فيُرِيهم جَهنَّمَ كهَيئةِ السَّرابِ، قال: ثمَّ قَرَأ عبدُ اللهِ: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100]. قال: ثمَّ يَلْقى النَّصارى فيَقولُ: مَن تَعبُدون؟ فيَقولُون: المسيحَ، قال: فيَقولُ: هلْ يَسُرُّكم الماءُ؟ قال: فيَقولُون: نعمْ، قال: فيُرِيهم جَهنَّمَ كهَيئةِ السَّرابِ، ثمَّ كذلكَ لمَن كان يَعبُدُ مِن دونِ اللهِ شَيئًا، قال: ثمَّ قَرَأ عبدُ اللهِ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]. قال: ثمَّ يَتمثَّلُ اللهُ تعالَى للخلْقِ حتَّى يَمُرَّ المسْلِمون، قال: فيَقولُ: مَن تَعبُدون؟ فيَقولُون: نَعبُدُ اللهَ ولا نُشرِكُ به شَيئًا، فيَنتَهِرُهم مرَّتينِ أو ثلاثًا، فيَقولُ: مَن تَعبُدون؟ فيَقولُون: نَعبُدُ اللهَ ولا نُشرِكُ به شَيئًا، قال: فيَقولُ: هلْ تَعرِفون ربَّكم؟ قال: فيَقولُون: سُبحانه! إذا اعتَرَفَ لنا عَرَفْناه، قال: فعِندَ ذلكَ يُكشَفُ عن ساقٍ، فلا يَبْقى مُؤمنٌ إلَّا خَرَّ للهِ ساجدًا، ويَبْقى المنافِقون ظُهورُهم طبَقًا واحدًا كأنَّما فيها السَّفافيدُ، قال: فيَقولُون: ربَّنا، فيَقولُ: قدْ كُنتم تُدْعَون إلى السُّجودِ وأنتُم سالِمون. قال: ثمَّ يَأمُرُ بالصِّراطِ فيُضرَبُ على جَهنَّمَ، فيَمُرُّ النَّاسُ كقدْرِ أعمالِهم زُمَرًا؛ كلمْحِ البَرْقِ، ثمَّ كمَرِّ الرِّيحِ، ثمَّ كمَرِّ الطَّيرِ، ثمَّ كأسرَعِ البهائمِ، ثمَّ كذلكَ حتَّى يَمُرَّ الرَّجلُ سَعيًا ثمَّ مَشْيًا، ثمَّ يكونُ آخِرُهم رجُلًا يَتلبَّطُ على بَطنِه، قال: فيَقولُ: أيْ ربِّ، لِماذا أبطَأْتَ بي؟ فيَقولُ: لمْ أُبْطِئْ بكَ، إنَّما أبطَأَ بكَ عَملُكَ. قال: ثمَّ يَأذَنُ اللهُ تعالَى في الشَّفاعةِ، فيكونُ أوَّلُ شافعٍ رُوحَ القُدسِ جِبريلَ عليه السَّلامُ، ثمَّ إبراهيمَ خَليلَ اللهِ، ثمَّ مُوسى، ثمَّ عِيسى عليهما السَّلامُ، قال: ثمَّ يقومُ نبيُّكم رابعًا، لا يَشفَعُ أحدٌ بعْدَه فيما يَشفَعُ فيه، وهو المقامُ المحمودُ الَّذي ذَكَره اللهُ تبارَك وتعالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]. قال: فليْس مِن نفْسٍ إلَّا وهي تَنظُرُ إلى بَيتٍ في الجنَّة أو بَيتٍ في النَّارِ، قال: وهو يوْمُ الحسْرةِ. قال: فيَرى أهلُ النَّارِ البيتَ الَّذي في الجنَّةِ، ثمَّ يُقالُ: لوْ عَمِلْتُم، قال: فتَأخُذُهم الحسرةُ، قال: ويَرى أهلُ الجنَّةِ البيتَ الَّذي في النَّارِ، فيُقالُ: لوْلا أنَّ مَنَّ اللهُ عليكم، قال: ثمَّ يَشفَعُ الملائكةُ والنَّبيُّون والشُّهداءُ والصَّالِحون والمؤمنونَ، فيُشَفِّعُهم اللهُ، قال: ثمَّ يَقولُ اللهُ: أنا أرحَمُ الرَّاحمينَ، فيُخرِجُ مِنَ النَّارِ أكثَرَ ممَّا أخْرَجَ مِن جَميعِ الخلْقِ برَحمتِه، قال: ثمَّ يَقولُ: أنا أرحَمُ الرَّاحمينَ. قال: ثمَّ قَرَأ عبدُ اللهِ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 42-46]، قال: فعقَدَ عبدُ اللهِ بيَدِه أربعًا، ثمَّ قال: هلْ تَرَون في هؤلاء مِن خيرٍ؟ ما يَنزِلُ فيها أحدٌ فيه خَيرٌ، فإذا أراد اللهُ عزَّ وجلَّ ألَّا يَخرُجَ منها أحدٌ غيَّرَ وُجوهَهم وألْوانَهم، قال: فيَجِيءُ الرَّجلُ فيَنظُرُ ولا يَعرِفُ أحدًا، فيُناديه الرَّجلُ فيَقولُ: يا فُلانُ، أنا فلانٌ، فيَقولُ: ما أعْرِفُكَ، فعندَ ذلكَ يَقولُون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107]، فيَقولُ عِندَ ذلك: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]، فإذا قال ذلكَ أُطبِقَت عليهم، فلا يَخرُجُ منهم بشَرٌ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه
الراوي : أبو  الزعراء | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 8743 التخريج : أخرجه ابن أبي شيبة (38792)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/ 428)، والبيهقي في ((البعث والنشور)) (249) باختلاف يسير.
التصنيف الموضوعي: أشراط الساعة - أمارات الساعة وأشراطها أشراط الساعة - خروج الدجال ومكثه بالأرض أشراط الساعة - صفة الدجال فتن - فتنة الدجال أشراط الساعة - علامات الساعة الكبرى
|أصول الحديث

19 - ذُكِر الدَّجَّالُ عندَ عبدِ اللهِ، فقال: تَفترِقون أيُّها النَّاسُ عندَ خُروجِه ثَلاثَ فِرَقٍ: فِرقةٍ تَتبَعُه، وفِرقةٍ تَلحَقُ بآبائِها بمَنابتِ الشِّيحِ، وفِرقةٍ تَأخُذُ شطَّ هذا الفُراتِ، يُقاتِلُهم ويُقاتِلونه، حتَّى يُقتَلون بغَربيِّ الشَّامِ، فيَبعَثون طَليعةً فيهم فَرسٌ أشقَرُ -أو أبْلَقُ- فيَقتَتِلون، فلا يَرجِعُ منهم أحدٌ، قال: وأخبَرَني أبو صادقٍ، عن رَبيعةَ بنِ ناجذٍ: أنَّه فرَسٌ أشقَرُ. ثمَّ قال عبدُ اللهِ: ويَزعُمُ أهلُ الكتابِ أنَّ المسيحَ عليه السَّلامُ يَنزِلُ فيَقتُلُه، ويَخرُجُ يَأجوجُ ومَأجوجُ ، وهمْ مِن كلِّ حَدْبٍ يَنسِلون ، فيَموجُون في الأرضِ فيُفسِدون فيها، ثمَّ قَرَأ عبدُ اللهِ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]، فيَبعَثُ اللهُ عليهم دابَّةً مِثلَ النَّغَفِ ، فتَلِجُ في أسماعِهِم ومَناخِرِهم، فيَموتونَ منها، فتُنتِنُ الأرضُ منهم، فيَجأَرُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، فيُرسِلُ ماءً، فيُطهِّرُ الأرضُ منهم، ويَبعَثُ اللهُ رِيحًا فيها زَمْهريرٌ باردةٌ، فلا تَدَعُ على الأرضِ مُؤمِنًا إلَّا كفَتْه تلك الرِّيحُ، ثمَّ تقومُ السَّاعةُ على شِرارِ النَّاسِ، ثمَّ يقومُ مَلَكٌ بالصُّورِ بيْن السَّماءِ والأرضِ، فيَنفَخُ فيه، فلا يَبْقى مِن خلْقِ اللهِ في السَّمواتِ والأرضِ إلَّا ماتَ، إلَّا مَن شاء ربُّك، ثمَّ يكونُ بيْن النَّفختينِ ما شاء اللهُ، فليْس مِن بَني آدَمَ أحدٌ إلَّا في الأرضِ منه شَيءٌ، ثمَّ يُرسِلُ اللهُ ماءً مِن تحْتِ العرشِ مَنيًّا كمَنيِّ الرِّجالِ، فتَنبُتُ لُحْمانُهم وجِثمانُهم كما تَنبُتُ الأرضُ مِنَ الثَّرى ، ثمَّ قرَأَ عبدُ اللهِ: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} حتَّى بلَغَ {كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9]. ثمَّ يقومُ مَلَكٌ بالصُّورِ بيْن السَّماءِ والأرضِ، فيَنفُخُ فيه، فيَنطلِقُ كلُّ رُوحٍ إلى جَسدِها، فتَدخُلُ فيه، فيَقومون فيَجِيئون مَجيئةَ رجُلٍ واحدٍ قِيامًا لرَبِّ العالَمِينَ، ثمَّ يَتمثَّلُ اللهُ تعالَى للخلْقِ، فيَلْقى اليهودَ، فيَقولُ: مَن تَعبُدون؟ فيَقولُون: نَعبُدُ عُزيرًا، فيَقولُ: هلْ يَسُرُّكم الماءُ؟ قالوا: نعمْ، فيُرِيهم جَهنَّمَ وهي كَهَيئةِ السَّرابِ، ثمَّ قرَأَ عبدُ اللهِ {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100]، ثمَّ يَلْقى النَّصارى فيَقولُ: مَن تَعبُدون؟ فيَقولُون: نَعبُدُ المسيحَ، فيَقولُ: هلْ يَسُرُّكم الماءُ؟ فيَقولُون: نعمْ، فيُرِيهم جَهنَّمَ وهي كَهَيئةِ السَّرابِ، ثمَّ كذلك مَن كان يَعبُدُ مِن دونِ اللهِ شَيئًا، ثمَّ قرَأَ عبدُ اللهِ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]. حتَّى يَبْقى المسْلِمون فيَقولُ: مَن تَعبُدون؟ فيَقولُون: نَعبُدُ اللهَ لا نُشرِكُ به شَيئًا، فيَنتهِرُهم مرَّتينِ أو ثَلاثًا: مَن تَعبُدون؟ فيَقولُون: نَعبُدُ اللهَ لا نُشرِكُ به شَيئًا، فيَقولُ: هلْ تَعرِفون ربَّكم؟ فيَقولُون: سُبحانه! إذا اعتَرَفَ لنا عَرَفْناه، فعندَ ذلكَ يُكشَفُ عن ساقٍ، فلا يَبْقى مُؤمِنٌ إلَّا خرَّ للهِ ساجدًا، ويَبْقى المنافِقون ظُهورُهم طبَقٌ واحدٌ كأنَّما فيها السَّفافيدُ، فيَقولُون: ربَّنا، فيَقولُ: قدْ كُنتُم تُدْعَون إلى السُّجودِ وأنتمْ سالِمون، ثمَّ يَأمُرُ اللهُ بالصِّراطِ، فيُضرَبُ على جَهنَّمَ، فيمُرُّ النَّاسُ بقدْرِ أعمالِهم زُمَرًا؛ أوائلُهم كلَمْحِ البرْقِ، ثمَّ كمَرِّ الرِّيحِ، ثمَّ كمَرِّ الطَّيرِ، ثمَّ كمَرِّ البهائمِ، حتَّى يمُرَّ الرَّجلُ سَعيًا، ثمَّ يَمُرُّ الرَّجلُ مَشْيًا، حتَّى يَجِيءَ آخِرُهم رجُلٌ يَتلبَّطُ على بَطنِه فيَقولُ: يا ربِّ، لِمَ أبْطَأْتَ بي؟ قال: إنِّي لم أُبطِئْ بكَ، إنَّما أبْطَأَ بكَ عمَلُك. ثمَّ يَأذَنُ اللهُ تعالَى في الشَّفاعةِ، فيكونُ أوَّلُ شافعٍ رُوحَ اللهِ القُدسَ جِبريلَ، ثمَّ إبراهيمَ، ثمَّ مُوسى، ثمَّ عِيسى، ثمَّ يقومُ نَبيُّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلا يَشْفَعُ أحدٌ فيما يَشفَعُ فيه، وهو المقامُ المحمودُ الَّذي ذَكَره اللهُ تعالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، فليْس مِن نفْسٍ إلَّا وهي تَنظُرُ إلى بَيتٍ في الجنَّةِ وبَيتٍ في النَّارِ، قال: وهو يومُ الحسْرةِ، فيَرى أهلُ النَّارِ البيتَ الَّذي في الجنَّةِ، قال سُفيانُ: أوَّاهُ، لوْ عَلِمتُم يوْمَ يَرى أهلُ الجنَّةِ الَّذي في النَّارِ! فيَقولُون: لوْلا أنَّ مَنَّ اللهُ علينا! ثمَّ تَشفَعُ الملائكةُ والنَّبيُّون والشُّهداءُ والصَّالِحون والمؤمنونَ، فيُشفِّعُهم اللهُ، ثمَّ يَقولُ: أنا أرحَمُ الرَّاحمينَ، فيُخرِجُ مِنَ النَّارِ أكثَرَ ممَّا أخرَجَ جَميعُ الخلْقِ برَحمتِه، حتَّى لا يَترُكَ أحدًا فيه خَيرٌ، ثمَّ قرَأَ عبدُ اللهِ {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42]، وقال بيَدِه فعَقَدَه: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 43-46]، هلْ تَرَون في هؤلاء مِن خَيرٍ؟! وما يُترَكُ فيها أحدٌ فيه خيرٌ. فإذا أراد اللهُ ألَّا يُخرِجَ أحدًا غيْرَ وُجوهِهم وألوانِهم، فيَجِيءُ الرَّجلُ، فيَشفَعُ فيَقولُ: مَن عرَفَ أحدًا فلْيُخرِجْه، فيَجِيءُ فلا يَعرِفُ أحدًا، فيُنادِيه رجُلٌ فيَقولُ: أنا فلانٌ، فيَقولُ: ما أعْرِفُك، فعندَ ذلكَ قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 107-108]، فإذا قال ذلكَ انطَبَقَت عليهم، فلم يَخرُجْ منهم بشَرٌ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
الراوي : أبو  الزعراء | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 8997 التخريج : أخرجه ابن أبي شيبة (38792)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/ 428)، والبيهقي في ((البعث والنشور)) (249) باختلاف يسير.
التصنيف الموضوعي: أشراط الساعة - خروج الدجال ومكثه بالأرض أشراط الساعة - يأجوج ومأجوج فتن - فتنة الدجال أشراط الساعة - علامات الساعة الكبرى قيامة - أهوال يوم القيامة
|أصول الحديث

20 - عنْ زَيدِ بنِ صُوحانَ، أنَّ رَجُلينِ مِن أهْلِ الكوفةِ كانَا صَديقَينِ لزَيدِ بنِ صُوحانَ أتَياهُ؛ ليُكلِّمَ لهما سَلْمانَ أنْ يُحدِّثَهما حَديثَه، كيف كانَ إسْلامُه فأقْبَلا معَه حتَّى لَقُوا سَلْمانَ، وهو بالمَدائنِ أميرًا عليها، وإذا هو على كُرسيٍّ قاعِدٌ، وإذا خُوصٌ بيْنَ يدَيْه وهو يُسِفُّه، قالَا: فسَلَّمْنا وقعَدْنا، فقالَ له زَيدٌ: يا أبا عَبدِ اللهِ، إنَّ هذين لي صَديقانِ ولهُما إخاءٌ، وقد أحَبَّا أنْ يَسمَعا حَديثَكَ كيف كانَ بَدءُ إسْلامِكَ؟ قالَ: فقالَ سَلْمانُ: كنْتُ يَتيمًا مِن رامَ هُرْمُزَ ، وكانَ أبي دِهْقانَ رامَ هُرْمُزَ يَختلِفُ إلى مُعلِّمٍ يُعلِّمُه، فلَزِمْتُه؛ لأكونَ في كَنَفِه، وكانَ لي أخٌ أكبَرُ منِّي، وكانَ مُستَغْنيًا بنَفْسِه، وكنْتُ غُلامًا قَصيرًا، وكانَ إذا قامَ مِن مَجلِسِه تَفرَّقَ مَن يُحفِّظُهم، فإذا تَفرَّقوا خرَجَ فتَقنَّعَ بثَوبِه، ثمَّ صعِدَ الجبَلَ، وكانَ يفعَلُ ذلك غيرَ مرَّةٍ مُتنكِّرًا، قالَ: فقُلْتُ له: إنَّكَ تَفعَلُ كذا وكذا، فلمَ لا تذهَبُ بي معَكَ؟ قالَ: أنتَ غُلامٌ، وأخافُ أنْ يَظهَرَ منكَ شَيءٌ، قالَ: قُلْتُ: لا تَخَفْ، قالَ: فإنَّ في هذا الجبَلِ قَوما في بِرْطيلٍ لهم عِبادةٌ، ولهُم صَلاحٌ يَذْكُرونَ اللهَ تَعالَى، ويَذْكُرونَ الآخِرةَ، ويَزعُمونَ أنَّا عَبَدةُ النِّيرانِ، وعَبَدةُ الأوْثانِ ، وأنَّا على غَيرِ دينِهم، قالَ: قُلْتُ: فاذهَبْ بي معَكَ إليهم، قالَ: لا أقدِرُ على ذلك حتَّى أسْتَأْمِرَهم، وأنا أخافُ أنْ يَظهَرَ منكَ شَيءٌ، فيَعلَمَ أبي فيَقتُلَ القَومَ، فيَكونُ هَلاكُهم على يَدي، قالَ: قُلْتُ: لن يَظهَرَ منِّي ذلك، فاسْتَأْمِرْهم، فأتاهُم، فقالَ: غُلامٌ عِنْدي يَتيمٌ، فأُحِبُّ أنْ يَأتيَكم ويَسمَعَ كَلامَكم، قالوا: إنْ كنْتَ تثِقُ به، قالَ: أرْجو ألَّا يَجيءَ منه إلَّا ما أُحِبُّ، قالوا: فجِئْ به، فقالَ لي: لقدِ اسْتأذَنْتُ القَومَ في أنْ تَجيءَ مَعي، فإذا كانتِ السَّاعةُ الَّتي رَأيْتَني أخرُجُ فيها فأْتِني، ولا يَعلَمْ بكَ أحَدٌ، فإنَّ أبي إذا علِمَ بهِم قتَلَهم، قالَ: فلمَّا كانَتِ السَّاعةُ الَّتي يخرُجُ تَبِعْتُه فصَعِدْنا الجبَلَ، فانْتَهَيْنا إليهم، فإذا هُم في بِرْطِيلِهم، قالَ عَليٌّ: وأُراهُ قالَ: وهُم ستَّةٌ أو سَبعةٌ، قالَ: وكأنَّ الرُّوحَ قد خرَجَ منهم منَ العِبادةِ يَصومونَ النَّهارَ، ويَقومونَ اللَّيلَ، ويَأْكُلونَ الشَّجَرَ، ما وَجَدوا، فقَعَدْنا إليهم، فأثْنى الدِّهْقانُ على حَبرٍ ، فتَكَلَّموا، فحَمِدوا اللهَ، وأثْنَوْا عليه، وذَكَروا مَن مَضى منَ الرُّسلِ والأنْبياءِ حتَّى خَلُصوا إلى ذِكْرِ عيسَى بنِ مَرْيمَ عليه السَّلامُ، فقالوا: بعَثَ اللهُ عيسَى عليه السَّلامُ رَسولًا، وسخَّرَ له ما كانَ يَفعَلُ مِن إحْياءِ المَوْتى، وخَلْقِ الطَّيرِ، وإبْراءِ الأكْمَهِ ، والأبْرَصِ، والأعْمَى، فكفَرَ به قَومٌ وتَبِعَه قَومٌ، وإنَّما كانَ عَبدَ اللهِ ورَسولَه ابْتَلى به خَلْقَه، قالَ: وقالوا قبلَ ذلك: يا غُلامُ، إنَّ لكَ لَرَبًّا، وإنَّ لكَ مَعادًا، وإنَّ بيْنَ يدَيْكَ جنَّةً ونارًا، إليها تَصيرُ، وإنَّ هؤلاء القَومَ الَّذين يَعبُدونَ النِّيرانَ أهْلُ كُفرٍ وضَلالةٍ، لا يَرْضى اللهُ ما يَصنَعونَ، ولَيْسوا على دِينٍ، فلمَّا حضَرَتِ السَّاعةُ الَّتي يَنصرِفُ فيها الغُلامُ انصرَفَ وانصرَفْتُ معَه، ثمَّ غدَوْنا إليهم، فقالوا مثلَ ذلك وأحسَنَ، ولَزِمْتُهم، فقالوا لي: يا سَلْمانُ، إنَّكَ غُلامٌ، وإنَّكَ لا تَستَطيعُ أنْ تصنَعَ كما نصنَعُ فصَلِّ ونَمْ، وكُلْ واشرَبْ، قالَ: فاطَّلَعُ الملِكُ على صَنيعِ ابنِه، فركِبَ في الخَيلِ حتَّى أتاهُم في بِرْطيلِهم، فقالَ: يا هؤلاء، قد جاوَرْتُموني فأحسَنْتُ جِوارَكُم، ولم تَرَوْا منِّي سوءًا، فعمَدْتُم إلى ابْني فأفْسَدْتُموه عليَّ، قد أجَّلْتُكم ثَلاثًا، فإنْ قدِرْتُ عليكم بعدَ ثلاثٍ أحرَقْتُ عليكم بِرْطيلَكم هذا، فالْحَقوا ببِلادِكم؛ فإنِّي أكْرَهُ أنْ يَكونَ منِّي إليكم سوءٌ، قالوا: نعمْ، ما تَعمَّدْنا مَساءَتَكَ، ولا أرَدْنا إلَّا الخَيرَ، فكَفَّ ابنَه عنْ إتْيانِهم. فقُلْتُ له: اتَّقِ اللهَ؛ فإنَّكَ تَعرِفُ أنَّ هذا الدِّينَ دِينُ اللهِ، وأنَّ أباكَ ونحن على غَيرِ دينٍ، إنَّما هُم عَبَدةُ النِّيرانِ لا يَعبُدونَ اللهَ، فلا تَبِعْ آخِرَتَكَ بدُنْيا غَيرِكَ، قالَ: يا سَلْمانُ، هو كما تقولُ: وإنَّما أتخَلَّفُ عنِ القَومِ بَغيًا عليهم، إنْ تَبِعْتُ القَومَ طَلَبَني أبي في الجبَلِ، وقد خرَجَ في إتْياني إيَّاهُم حتَّى طَرَدَهم، وقد أعرِفُ أنَّ الحَقَّ في أيْديهِم فأتَيْتُهم في اليومِ الَّذي أرادُوا أنْ يَرْتَحِلوا فيه، فقالوا: يا سَلْمانُ: قد كنَّا نَحذَرُ مَكانَ ما رَأيْتَ فاتَّقِ اللهَ، واعلَمْ أنَّ الدِّينَ ما أوْصَيْناكَ به، وأنَّ هؤلاء عَبَدةُ النِّيرانِ لا يَعْرِفونَ اللهَ، ولا يَذْكُرونَه، فلا يَخدَعَنَّكَ أحَدٌ عنْ دينِكَ، قُلْتُ: ما أنا بمُفارِقِكم، قالوا: أنتَ لا تَقدِرُ أنْ تكونَ مَعَنا، نحن نَصومُ النَّهارَ، ونَقومُ اللَّيلَ، ونأكُلُ عندَ السَّحَرِ ، ما أصَبْنا، وأنتَ لا تَستَطيعُ ذلك، قالَ: فقُلْتُ: لا أُفارِقُكم، قالوا: أنتَ أعلَمُ، وقد أعْلَمْناكَ حالَنا، فإذا أتيْتَ خُذْ مِقْدارَ حِملٍ يكونُ معَكَ شَيءٌ تَأْكُلُه؛ فإنَّكَ لا تَستَطيعُ ما نَستَطيعُ بحقٍّ قالَ: ففعَلْتُ ولَقيتُ أخي، فعرَضْتُ عليه، ثمَّ أتَيْتُهم، فأتَيْتُهم يَمْشونَ وأمْشي معَهم، فرزَقَ اللهُ السَّلامةَ إلى أنْ قَدِمْنا المَوصِلَ، فأَتَيْنا بِيعةً بالمَوصِلِ، فلمَّا دَخَلوا احْتَفَوْا بهِم، وقالوا: أين كُنْتم؟ قالوا: كنَّا في بِلادٍ لا يَذْكُرونَ اللهَ، بها عَبَدةُ النِّيرانِ، فطَرَدونا، فقَدِمْنا عليكم، فلمَّا كانَ بعدُ قالوا: يا سَلْمانُ، إنَّ ها هُنا قَومًا في هذه الجِبالِ هُم أهْلُ دِينٍ، وإنَّا نُريدُ لِقاءَهُم، فكُنْ أنتَ ها هنا معَ هؤلاء؛ فإنَّهم أهْلُ دينٍ وسَتَرَى منهم ما تُحِبُّ، قُلْتُ: ما أنا بمُفارِقِكم، قالَ: وأوْصَوْا بي أهْلَ البِيعةَ ، فقالوا: قُمْ معَنا يا غُلامُ؛ فإنَّه لا يُعجِزُكَ شَيءٌ، قُلْتُ لهم: ما أنا بمُفارِقِكم، قالَ: فخَرَجوا وأنا معَهم، فأصْبَحوا بيْنَ جِبالٍ، وإذا صَخْرةٌ وماءٌ كَثيرٌ في جِرارٍ وخَيرٌ كَثيرٌ، فقَعَدْنا عندَ الصَّخْرةِ، فلمَّا طلَعَتِ الشَّمسُ خَرَجوا منَ الجِبالَ، يَخرُجُ رَجُلٌ مِن مَكانِه، كأنَّ الأرْواحَ قدِ انتُزِعَتْ منهم، حتَّى كَثُروا فرَحَّبوا بهم، وحَفُّوا، وقالوا: أين كُنْتم لم نَرَكم، قالوا: كنَّا في بِلادٍ لا يَذْكُرونَ اللهَ، فيها عَبَدةُ نِيرانٍ، وكنَّا نَعبُدُ اللهَ، فطَرَدونا، فقالوا: ما هذا الغُلامُ؟ فطَفِقوا يُثْنونَ عليَّ، وقالوا: صَحِبَنا مِن تلك البِلادِ، فلم نَرَ منه إلَّا خَيرًا، قالَ سَلَمانُ فوَاللهِ: إنَّهم لَكذلكَ إذا طلَعَ عليهم رَجُلٌ مِن كَهفِ جَبلٍ، قالَ: فجاء حتَّى سلَّمَ وجلَسَ فحَفُّوا به، وعَظَّموه أصْحابي الَّذين كنْتُ معَهم وأحْدَقوا به، فقالَ: أين كُنْتم؟ فأخْبَروه، فقالَ: ما هذا الغُلامُ معَكم؟ فأثْنَوْا عليَّ خَيرًا وأخْبَروه باتِّباعي إيَّاهم، ولم أرَ مِثلَ إعْظامِهم إيَّاه، فحمِدَ اللهَ وأثْنى عليه، ثمَّ ذكَرَ مَن أُرسِلَ مِن رُسلِه وأنْبيائِه وما لَقُوا، وما صنَعَ به، وذكَرَ مَولِدَ عيسَى بنِ مَرْيمَ عليه السَّلامُ، وأنَّه وُلِدَ بغَيرِ ذَكَرٍ فبعَثَه اللهُ عزَّ وجلَّ رَسولًا، وعلى يدَيْه إحْياءُ المَوْتى، وأنَّه يَخلُقُ منَ الطِّينِ كهَيئةِ الطَّيرِ، فيَنفُخُ فيه فيَكونُ طَيرًا بإذْنِ اللهِ، وأنزَلَ عليه الإنْجيلَ وعلَّمَه التَّوْراةَ، وبعَثَه رَسولًا إلى بَني إسْرائيلَ، فكفَرَ به قَومٌ وآمَنَ به قَومٌ، وذكَرَ بعض ما لَقِيَ عيسَى ابنُ مَرْيمَ عليه السَّلامُ، وأنَّه كانَ عَبدَ اللهِ أنعَمَ اللهُ عليه، فشكَرَ ذلك له، ورَضيَ اللهُ عنه حتَّى قبَضَه اللهُ عزَّ وجلَّ وهو يَعِظُهم ويَقولُ: اتَّقوا اللهَ، والْزَموا ما جاءَ به عيسَى عليه السَّلامُ، ولا تُخالِفوا فيُخالَفَ بكم، ثمَّ قالَ: مَن أرادَ أنْ يأخُذَ مِن هذا شَيئًا، فلْيأخُذْ، فجعَلَ الرَّجلُ يَقومُ فيأخُذُ الجَرَّةَ منَ الماءِ والطَّعامِ والشَّيءِ، فقامَ أصْحابي الَّذين جِئْتُ معَهم، فسَلَّموا عليه، وعَظَّموه، وقالَ لهمُ: الْزَموا هذا الدِّينَ، وإيَّاكم أنْ تَفَرَّقوا واسْتَوْصوا بهذا الغُلامِ خَيرًا، وقالَ لي: يا غُلامُ، هذا دِينُ اللهِ الَّذي تَسمَعُني أقولُه، وما سِواهُ الكُفرُ، قالَ: قُلْتُ: ما أنا بمُفارِقِكَ، قالَ: إنَّكَ لا تَستَطيعُ أنْ تكونَ مَعي؛ إنِّي لا أخرُجُ مِن كَهْفي هذا إلَّا كلَّ يومِ أحَدٍ، ولا تَقدِرُ على الكَيْنونةِ مَعي، قالَ: وأقبَلَ على أصْحابِه، وقالوا: يا غُلامُ، إنَّكَ لا تَستَطيعُ أنْ تَكونَ معَه، قُلْتُ: ما أنا بمُفارِقِكَ، قالَ له أصْحابُه: يا فلانُ، إنَّ هذا غُلامٌ ويُخافُ عليه، فقالَ لي: أنتَ أعلَمُ، قُلْتُ: فإنِّي لا أُفارِقُكَ، فبَكى أصْحابي الأوَّلونَ الَّذين كنْتُ معَهم عندَ فِراقِهم إيَّايَ، فقالوا: يا غُلامُ، خُذْ مِن هذا الطَّعامِ ما تَرى أنَّه يَكْفيكَ إلى الأحَدِ الآخَرِ، وخُذْ منَ الماءِ ما تَكْتَفي له، ففعَلْتُ، فما رَأيْتُه نائمًا ولا طاعِمًا إلَّا راكِعًا وساجِدًا إلى الأحَدِ الآخَرِ، فلمَّا أصْبَحْنا، قالَ لي: خُذْ جرَّتَكَ هذه، وانطَلِقْ، فخرَجْتُ معَه أتْبَعُه، حتَّى انْتَهَيْنا إلى الصَّخْرةِ، وإذا هُم قد خَرَجوا مِن تلك الجِبالِ يَنتَظِرونَ خُروجَه، فقَعَدوا، وعادَ في حَديثِه نحوَ المرَّةِ الأُولى، فقالَ: الْزَموا هذا الدِّينَ ولا تَفَرَّقوا، واذْكُروا اللهَ واعْلَموا أنَّ عيسَى ابنَ مَريمَ عليه السَّلامُ كانَ عَبدًا، أنعَمَ اللهُ عليه، ثمَّ ذَكَرَني، فقالوا له: يا فُلانُ، كيف وجَدْتَ هذا الغُلامَ؟ فأثْنى عليَّ، وقالَ خَيرًا، فحَمِدوا اللهَ تَعالى، وإذا خُبزٌ كَثيرٌ، وماءٌ كَثيرٌ، فأخَذوا، وجعَلَ الرَّجلُ يأخُذُ ما يَكْتَفي به، وفعَلْتُ فتَفَرَّقوا في تلك الجِبالِ، ورجَعَ إلى كَهْفِه، ورجَعْتُ معَه، فلَبِثْنا ما شاءَ اللهُ، يخرُجُ في كلِّ يومِ أحَدٍ، ويَخرُجونَ معَه، ويَحُفُّونَ به ويُوصِيهم بما كانَ يُوصِيهم به، فخرَجَ في أحَدٍ، فلمَّا اجْتَمَعوا حمِدَ اللهَ ووعَظَهم وقالَ مِثلَ ما كانَ يَقولُ لهُم، ثمَّ قالَ لهُم آخِرَ ذلك: يا هؤلاء، إنَّه قد كبِرَ سِنِّي، ورَقَّ عَظْمي، واقتَرَبَ أجَلي، وأنَّه لا عَهدَ لي بهذا البيتِ منذُ كذا وكذا، ولا بُدَّ مِن إتْيانِه، فاسْتَوْصوا بهذا الغُلامِ خَيرًا؛ فإنِّي رأيْتُه لا بأْسَ به، قالَ: فجَزِعَ القَومُ، فما رأيْتُ مثلَ جَزَعِهم، وقالوا: يا فلانُ، أنتَ كَبيرٌ، وأنتَ وَحدَكَ، ولا نأمَنُ مِن أنْ يُصيبَكَ الشَّيءُ، يُساعِدُكَ أحوَجُ ما كنَّا إليكَ، قالَ: فلا تُراجِعوني، لا بُدَّ مِن إتْيانِه، ولكنِ اسْتَوْصوا بهذا الغُلامِ خَيرًا، وافْعَلوا وافْعَلوا، قالَ: فقُلْتُ: ما أنا بمُفارِقِكَ، قالَ: يا سَلْمانُ، قد رأيْتَ حَالي، وما كنْتُ عليه، وليس هذا كذلك، أنا أمْشي أصومُ النَّهارَ وأقومُ اللَّيلَ، ولا أستَطيعُ أنْ أحمِلَ مَعي زادًا ولا غيرَه، وأنتَ لا تَقدِرُ على هذا، قُلْتُ: ما أنا بمُفارِقِكَ، قالَ: أنتَ أعلَمُ، قالَ: فقالوا: يا فلانُ، فإنَّا نَخافُ على هذا الغُلامِ، قالَ: فهو أعلَمُ، قد أعلَمْتُه الحالَ، وقد رَأى ما كانَ قبلَ هذا، قُلْتُ: لا أُفارِقُكَ، قالَ: فبَكَوْا، ووَدَّعوهُ، وقالَ لهمُ: اتَّقُوا اللهَ وكونُوا على ما أوْصَيْتُكم به، فإنْ أعِشْ فعَلَيَّ أرجِعُ إليكم، وإنْ مُتُّ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يَموتُ، فسلَّمَ عليهم، وخرَجَ وخرَجْتُ معَه، وقالَ لي: احمِلْ معَكَ مِن هذا الخُبزِ شَيئًا تَأْكُلُه، فخرَجَ وخرَجْتُ معَه يَمْشي، واتَّبَعْتُه يَذكُرُ اللهَ ولا يَلتَفِتُ، ولا يقِفُ على شَيءٍ، حتَّى إذا أمْسَيْنا، قالَ: يا سَلْمانُ، صَلِّ أنتَ ونَمْ، وكُلْ واشرَبْ، ثمَّ قامَ وهو يُصلِّي حتَّى إذا انْتَهى إلى بيتِ المَقدِسِ، وكانَ لا يَرفَعُ طَرْفَه إلى السَّماءِ، حتَّى إذا انْتَهَيْنا إلى بابِ المَسجِدِ، وإذا على البابِ مُقعَدٌ، فقالَ: يا عبدَ اللهِ، قد تَرى حَالي، فتَصدَّقْ عليَّ بشَيءٍ، فلم يَلتفِتْ إليه، ودخَلَ المَسجِدَ، ودخَلْتُ معَه، فجعَلَ يتَّبِعُ أمْكِنةً في المَسجِدِ فصَلَّى فيها، فقالَ: يا سَلْمانُ، إنِّي لم أجِدْ طَعْمَ النَّومِ منذُ كذا وكذا، فإنْ أنتَ جعَلْتَ أنْ توقِظَني إذا بلَغَ الظِّلُّ مَكانَ كذا وكذا نِمْتُ؛ فإنِّي أُحِبُّ أنْ أنامَ في هذا المَسجِدِ، وإلَّا لم أنَمْ، قالَ: قُلْتُ: فإنِّي أفعَلُ، قالَ: فإذا بلَغَ الظِّلُّ مَكانَ كذا وكذا فأيْقِظْني إذا غلَبَتْني عَيْني، فقامَ، فقُلْتُ في نَفْسي: هذا لم ينَمْ منذُ كذا وكذا، وقد رأيْتُ بعضَ ذلك، لأدَعَنَّه يَنامُ حتَّى يَشتَفيَ منَ النَّومِ، قالَ: وكانَ فيما يَمْشي وأنا معَه يُقبِلُ عليَّ فيَعِظُني، ويُخبِرُني أنَّ لي ربًّا، وأنَّ بيْنَ يدَيَّ جنَّةً ونارًا وحسابًا، ويُعلِّمُني ويُذَكِّرُني نحوَ ما يُذكِّرُ القَومَ يومَ الأحَدِ، حتَّى قالَ فيما يَقولُ: يا سَلْمانُ، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ سوف يَبعَثُ رَسولًا اسمُه أحمَدُ، يَخرُجُ بتِهامةَ -وكانَ رَجُلًا أعْجميًّا لا يُحسِنُ أنْ يقولَ: مُحمَّدٌ- علامَتُه أنَّه يأكُلُ الهَديَّةَ، ولا يأكُلُ الصَّدَقةَ، بيْنَ كَتِفَيْه خاتَمٌ، وهذا زَمانُه الَّذي يخرُجُ فيه قد تَقارَبَ، فأمَّا أنا؛ فإنِّي شَيخٌ كَبيرٌ، ولا أحْسَبُني أُدرِكُه، فإنْ أدْرَكْتَه فصَدِّقْه واتَّبِعْه ، قالَ: قُلْتُ: وإنْ أمَرَني بتَرْكِ دينِكَ وما أنتَ عليه، قالَ: فاتْرُكْه؛ فإنَّ الحقَّ فيما يأمُرُ به، ورِضا الرَّحمَنِ فيما قالَ، فلم يَمضِ إلَّا يَسيرًا حتَّى استَيقَظَ فَزِعًا يَذكُرُ اللهَ، فقالَ لي: يا سَلْمانُ، مَضى الفَيْءُ مِن هذا المَكانِ، ولم أذكُرِ اللهَ، أين ما كُنْتَ جعَلْتَ على نفْسِكَ؟ قالَ: أخْبَرْتَني أنَّكَ لم تَنَمْ منذُ كذا وكذا، وقد رَأيْتُ بَعضَ ذلك، فأحبَبْتُ أنْ تَشتَفيَ منَ النَّومِ، فحمِدَ اللهَ، وقامَ، فخرَجَ، وتَبِعْتُه، فمَرَّ بالمُقعَدِ، فقالَ المُقعَدُ: يا عَبدَ اللهِ، دخلْتَ فسألْتُكَ فلم تُعْطِني، وخرَجْتَ فسألْتُكَ فلم تُعْطِني، فقامَ يَنظُرُ، هل يَرى أحَدًا؟ فلم يَرَه، فدَنا منه، فقالَ له: ناوِلْني يدَكَ فناوَلَه، فقالَ: بسمِ اللهِ، فقامَ كأنَّه أُنشِطَ مِن عِقالٍ صَحيحًا لا عَيبَ به، فخَلَّا عنْ يَدِه، فانطلَقَ ذاهِبًا، فكانَ لا يَلْوي على أحَدٍ، ولا يَقومُ عليه، فقالَ لي المُقعَدُ: يا غُلامُ، احمِلْ عليَّ ثِيابي حتَّى أنطَلِقَ أُبشِّرُ أهْلي، فحمَلْتُ عليه ثيابَه، وانطلَقَ لا يَلْوي عليَّ، فخرَجْتُ في إثْرِه أطلُبُه، فكلَّما سألْتُ عنه قالوا: أمامَكَ حتَّى لَقِيَني رَكْبٌ مِن كَلبٍ، فسألْتُهم، فلمَّا سَمِعوا، أناخَ رَجُلٌ مِنهم عليَّ بَعيرَه، فحمَلَني خَلفَه، حتَّى أتَوْا بلادَهُم فباعُوني، فاشْتَرَتْني امْرأةٌ منَ الأنْصارِ، فجعَلَتْني في حائطٍ لها، فقدِمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأُخبِرْتُ به، فأخذْتُ أشْياءَ مِن ثَمرِ حائِطي، فجعَلْتُه على شَيءٍ، ثمَّ أتَيْتُه، فوجَدْتُ عندَه ناسًا، وإذا أبو بَكرٍ أقرَبُ النَّاسِ إليه، فوضَعْتُه بيْنَ يدَيْه، فقالَ: ما هذا؟ قُلْتُ: صَدَقةٌ، قالَ للقَومِ: كُلوا، ولم يأكُلْ، ثمَّ لبِثْتُ ما شاءَ اللهُ، ثمَّ أخذْتُ مثلَ ذلك، فجعَلْتُه على شَيءٍ، ثمَّ أتيْتُه، فوجَدْتُ عندَه ناسًا، وإذا أبو بَكرٍ أقرَبُ القَومِ منه، فوضَعْتُه بيْنَ يدَيْه، فقالَ لي: ما هذا؟ فقُلْتُ: هَديَّةٌ، قالَ: بسمِ اللهِ، وأكَلَ وأكَلَ القَومُ، قُلْتُ في نَفْسي: هذه مِن آياتِه، كانَ صاحِبي رَجُلًا أعْجميًّا لم يُحسِنْ أنْ يَقولَ: تِهامةَ ، فقالَ: تِهْمةَ، وقالَ: أحمَدُ، فدُرْتُ خَلفَه، ففَطِنَ بي، فأرْخى ثوبَه، فإذا الخاتَمُ في ناحيةِ كَتِفِه الأيسَرِ فتَبيَّنْتُه، ثمَّ دُرْتُ حتَّى جلَسْتُ بيْنَ يدَيْه، فقُلْتُ: أشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأنَّكَ رَسولُ اللهِ، قالَ: مَن أنتَ؟ قُلْتُ: مَمْلوكٌ، قالَ: فحَدَّثْتُه حَديثي، وحَديثَ الرَّجلِ الَّذي كنْتُ معَه، وما أمَرَني به، قالَ: لمَن أنتَ؟ قُلْتُ: لامْرأةٍ منَ الأنْصارِ جعَلَتْني في حائطٍ لها، قالَ: يا أبا بَكرٍ، قالَ: لبَّيكَ ، قالَ: اشْتَرِه، فاشْتَراني أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، فأعْتَقَني، فلَبِثْتُ ما شاءَ اللهُ أنْ ألبَثَ، فسلَّمْتُ عليه، وقعَدْتُ بيْنَ يدَيْه، فقُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما تَقولُ في دينِ النَّصارى، قالَ: لا خَيرَ فيهم، ولا في دِينِهم، فدَخَلَني أمرٌ عَظيمٌ، فقُلْتُ في نَفْسي: هذا الَّذي كنْتُ معَه ورأيْتُ ما رَأيْتُه، ثمَّ رأيْتُه أخَذَ بيَدِ المُقعَدِ فأقامَه اللهُ على يدَيْه لا خيرَ في هؤلاء، ولا في دينِهم، فانصرَفْتُ وفي نَفْسي ما شاءَ اللهُ، فأنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82] إلى آخِرِ الآيةِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: عليَّ بسَلْمانَ، فأتَى الرَّسولُ وأنا خائفٌ، فجِئْتُ حتَّى قعَدْتُ بيْنَ يدَيْه فقَرَأَ بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82] إلى آخِرِ الآيةِ، يا سَلْمانُ، إنَّ أولئك الَّذين كنْتَ معَهم وصاحِبَكَ لم يَكونوا نَصارى، إنَّما كانُوا مُسلِمينَ، فقُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، والَّذي بعَثَكَ بالحَقِّ لَهوَ الَّذي أمَرَني باتِّباعِكَ، فقُلْتُ له: وإنْ أمَرَني بتَرْكِ دينِكَ وما أنتَ عليه، قالَ: فاتْرُكْه؛ فإنَّ الحقَّ وما يجِبُ فيما يَأمُرُكَ به.