الموسوعة الحديثية

نتائج البحث

241 -  لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، قالَ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بالحَصَى، ويقولونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، وَذلكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بالحِجَابِ، فَقالَ عُمَرُ، فَقُلتُ: لأَعْلَمَنَّ ذلكَ اليَومَ، قالَ: فَدَخَلْتُ علَى عَائِشَةَ، فَقُلتُ: يا بنْتَ أَبِي بَكْرٍ، أَقَدْ بَلَغَ مِن شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؟! فَقالَتْ: ما لي وَما لكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ! عَلَيْكَ بعَيْبَتِكَ، قالَ: فَدَخَلْتُ علَى حَفْصَةَ بنْتِ عُمَرَ، فَقُلتُ لَهَا: يا حَفْصَةُ، أَقَدْ بَلَغَ مِن شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؟! وَاللَّهِ لقَدْ عَلِمْتِ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لا يُحِبُّكِ، وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَبَكَتْ أَشَدَّ البُكَاءِ، فَقُلتُ لَهَا: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؟ قالَتْ: هو في خِزَانَتِهِ في المَشْرُبَةِ، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا أَنَا برَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَاعِدًا علَى أُسْكُفَّةِ المَشْرُبَةِ، مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ علَى نَقِيرٍ مِن خَشَبٍ ، وَهو جِذْعٌ يَرْقَى عليه رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِرُ، فَنَادَيْتُ: يا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لي عِنْدَكَ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ رَبَاحٌ إلى الغُرْفَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، فَلَمْ يَقُلْ شيئًا، ثُمَّ قُلتُ: يا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لي عِنْدَكَ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ رَبَاحٌ إلى الغُرْفَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، فَلَمْ يَقُلْ شيئًا، ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِي، فَقُلتُ: يا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لي عِنْدَكَ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؛ فإنِّي أَظُنُّ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنِّي جِئْتُ مِن أَجْلِ حَفْصَةَ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بضَرْبِ عُنُقِهَا، لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا، وَرَفَعْتُ صَوْتِي، فأوْمَأَ إِلَيَّ أَنِ ارْقَهْ، فَدَخَلْتُ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو مُضْطَجِعٌ علَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ، فأدْنَى عليه إِزَارَهُ وَليسَ عليه غَيْرُهُ، وإذَا الحَصِيرُ قدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ ببَصَرِي في خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَنَا بقَبْضَةٍ مِن شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا في نَاحِيَةِ الغُرْفَةِ، وإذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ ، قالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، قالَ: ما يُبْكِيكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ قُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، وَما لي لا أَبْكِي وَهذا الحَصِيرُ قدْ أَثَّرَ في جَنْبِكَ، وَهذِه خِزَانَتُكَ لا أَرَى فِيهَا إِلَّا ما أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى في الثِّمَارِ وَالأنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَصَفْوَتُهُ، وَهذِه خِزَانَتُكَ! فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟ قُلتُ: بَلَى. قالَ: وَدَخَلْتُ عليه حِينَ دَخَلْتُ وَأَنَا أَرَى في وَجْهِهِ الغَضَبَ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، ما يَشُقُّ عَلَيْكَ مِن شَأْنِ النِّسَاءِ؟ فإنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ، فإنَّ اللَّهَ معكَ، وَمَلَائِكَتَهُ، وَجِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَأَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْمُؤْمِنُونَ معكَ، وَقَلَّما تَكَلَّمْتُ -وَأَحْمَدُ اللَّهَ- بكَلَامٍ إِلَّا رَجَوْتُ أَنْ يَكونَ اللَّهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي الذي أَقُولُ، وَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ آيَةُ التَّخْيِيرِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]، {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وَكَانَتْ عَائِشَةُ بنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ علَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قالَ: لَا، قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي دَخَلْتُ المَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بالحَصَى، يقولونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قالَ: نَعَمْ، إنْ شِئْتَ، فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حتَّى تَحَسَّرَ الغَضَبُ عن وَجْهِهِ، وَحتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ، وَكانَ مِن أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا، ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَنَزَلْتُ، فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بالجِذْعِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَأنَّما يَمْشِي علَى الأرْضِ ما يَمَسُّهُ بيَدِهِ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّما كُنْتَ في الغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، قالَ: إنَّ الشَّهْرَ يَكونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، فَقُمْتُ علَى بَابِ المَسْجِدِ، فَنَادَيْتُ بأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذلكَ الأمْرَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ.

242 - ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فيه وَرَفَّعَ، حتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذلكَ فِينَا، فَقالَ: ما شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فيه وَرَفَّعْتَ، حتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَقالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي علَيْكُم، إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فأنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتي علَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إنَّه شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أَدْرَكَهُ مِنكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عليه فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا. قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما لَبْثُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، فَذلكَ اليَوْمُ الذي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فيه صَلَاةُ يَومٍ؟ قالَ: لَا، اقْدُرُوا له قَدْرَهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما إِسْرَاعُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتي علَى القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فيُؤْمِنُونَ به وَيَسْتَجِيبُونَ له، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عليهم سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ ما كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتي القَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عليه قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عنْهمْ، فيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ ليسَ بأَيْدِيهِمْ شَيءٌ مِن أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بالخَرِبَةِ ، فيَقولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ. فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ علَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدْرِكَهُ ببَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ منه، فَيَمْسَحُ عن وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بدَرَجَاتِهِمْ في الجَنَّةِ. فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَهُمْ مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ علَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ ما فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فيَقولونَ: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حتَّى يَكونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِن مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ اليَومَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فيُرْسِلُ اللَّهُ عليهمُ النَّغَفَ في رِقَابِهِمْ، فيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى الأرْضِ، فلا يَجِدُونَ في الأرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى اللهِ، فيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ البُخْتِ ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لا يَكُنُّ منه بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأرْضَ حتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَومَئذٍ تَأْكُلُ العِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بقِحْفِهَا ، وَيُبَارَكُ في الرِّسْلِ، حتَّى أنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبيْنَما هُمْ كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ، فَعليهم تَقُومُ السَّاعَةُ. [وفي رواية]: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ يَسِيرُونَ حتَّى يَنْتَهُوا إلى جَبَلِ الخَمَرِ -وَهو جَبَلُ بَيْتِ المَقْدِسِ- فيَقولونَ: لقَدْ قَتَلْنَا مَن في الأرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَن في السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بنُشَّابِهِمْ إلى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عليهم نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا. وفي رِوَايَة: فإنِّي قدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَيْ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ.

243 - ذَكَرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ الدَّجَّالَ ذاتَ غداةٍ، فخفَّضَ فيهِ ورفَّعَ حتَّى ظننَّاهُ في طائفةِ النَّخلِ ، فلمَّا رُحنا قال فانصَرفنا مِن عندِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ثمَّ رجَعنا إليه فعرفَ ذلك في وجوهِنا، فقالَ : ما شأنُكُم ؟ قال : قُلنا : يا رسولَ اللَّهِ ذَكَرتَ الدَّجَّالَ الغداةَ فخفَّضتَ، ورفَّعتَ حتَّى ظننَّاهُ في طائفةِ النَّخلِ ، قال : غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُ لي عليكُم إن يخرُجْ وأَنا فيكُم، فأَنا حَجيجُهُ دونَكُم، وإن يخرُج ولستُ فيكُم فامرؤٌ حجيجُ نفسِهِ، واللَّهُ خَليفتي على كلِّ مسلمٍ إنَّهُ شابٌّ قططٌ، عَينُهُ قائمةٌ شبيه بعبدِ العزَّى بنِ قطنٍ، فَمن رآهُ منكُم فليَقرأْ فواتحَ سورةِ أصحاب الكَهْفِ قال : يخرُجُ ما بينَ الشَّامِ والعِراقِ، فعاثَ يمينًا وَ شمالًا، يا عبادَ اللَّهِ فاثبُتوا قُلنا : يا رسولَ اللَّهِ وما لُبثُهُ في الأرضِ ؟ قال : أربَعين يومًا، يومٌ كَسنةٍ، ويومٌ كشَهْرٍ، ويومٌ كجُمعةٍ، وسائرُ أيَّامِهِ كأيَّامِكُم قال : قُلنا : : يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ اليومَ الَّذي كالسَّنةِ أتكفينا في صلاةُ يومٍ ؟ قال : لا، ولكن اقدُروا لهُ. قُلنا : يا رسولَ اللَّهِ فما سرعتُهُ في الأرضِ ؟ قالَ : كالغيثِ استدبرتهُ الرِّيحُ فيأتي القومَ فيدعوهُم فيكذِّبونَهُ ويردُّونَ عليه قولَهُ فينصَرِفُ عنهُم فتتبعُهُ أموالُهم فيصبِحونَ ليسَ بأيديهِم شيءٌ. ثم يأتي القومَ فيدعوهُم فيستجيبونَ له ويصدِّقونَهُ، فيأمرُ السَّماءَ أن تُمْطِرَ، فتُنبتُ، فتروحُ عليهم سارحتُهُم كأطوَلَ ما كانَت ذرًى، وأمدَّهُ خواصرَ، وأدرَّهُ ضروعًا، ثم يأتي الخَربةِ فيقولُ لَها : أخرِجي كنوزَكِ فينصرِفُ منها فتتبعُهُ كنوزُها كيعاسيب النَّحلِ، ثم يدعو رجلًا شابا ممتلئًا شبابًا فيضربُهُ بالسَّيفِ فيقطعُهُ جزلتينِ ، ثمَّ يدعوهُ فيقبلُ يتَهَلَّلُ وجهُهُ يضحَكُ، فبينما هوَ كذلِكَ إذ هبطَ عيسى بنَ مريمَ بشرقيِّ دمشقَ عندَ المَنارةِ البيضاءِ بينَ مَهْرودتينِ، قال : ويمرُّ واضعًا يدَه على أجنحةِ ملَكَينِ، إذ طَأطأَ رأسَهُ قطر، وإذا رفَعهُ تحدَّرَ منه جُمانٌ كاللُّؤلؤِ ، قال : ولا يحلُّ لِكافرٍ يجدُ ريحَ نَفسِهِ – يعني أحدًا – إلَّا ماتَ، وريحُ نَفسِهِ مُنتهى بصرِهِ، قال : فيطلُبُهُ حتَّى يدرِكَهُ بباب لدٍّ، فَيقتلُهُ. قال : فيَلبَثُ كذلِكَ ما شاء اللَّهُ ؟ قال : ثُمَّ يوحي اللَّهُ إليهِ أن جوِّزْ عِبادي إلى الطُّورِ فإنِّي قد أنزَلتُ عبادًا لي لا يَدَ لأحدٍ بقتالِهِم، قالَ : ويبعَثُ اللَّهُ يأجوجَ ومأجوجَ وَهُم كما قال اللَّه : وهم من كلِّ حدَب ينسِلونَ ، أولهم ببُحَيرَةٍ الطَّبريَّة فيشرب ما فيها،، ثم يمر بِها آخرُهُم فيقولونَ : لقد كان بهذه مرَّةً ماءٌ،، ثم يسيرونَ حتى ينتَهوا إلى جبلِ بيتِ المقدِسِ فيقولونَ : لقد قتَلنا مَن في الأرضِ فهلمَّ فلنقتُلْ مَن في السَّماءِ، فيرمون بنِشابِهم إلى السَّماءِ فيَردُّ اللَّهُ عليهم نِشابَهم مُحمرًّا دمًا، ويحاصَرُ عيسى بنُ مريَمَ وأصحابُهُ حتَّى يَكونَ رأسُ الثورِ يومئذٍ خيرًا لهم مِن مائةِ دينارٍ لأحدِكُمُ اليومَ قال :، فيرغبُ عيسى بنُ مريمَ إلى اللَّهِ وأصحابُهُ قال : فيرسلُ اللَّهُ عليهمُ النَّغفَ في رقابِهِم فيُصبحونَ فَرسى مَوتى كمَوتِ نفسٍ واحدةٍ، قال : ويهبِطُ عيسَى وأصحابُهُ، فلا يجدُ موضعَ شبرٍ إلا وقد ملأته زَهمتُهم ونتَنُهم ودماؤهم. قال : ونتنُهُم فيرغبُ عيسى إلى اللَّهِ وأصحابُهُ قال، فيرسلُ اللَّهُ، عليهم طيرًا كأعناقِ البُختِ ، فتحملُهُم فتطرحُهُم بالمهبَلِ ويستوقِدُ المسلِمونَ من قِسيِّهم ونشابِهم وجِعابِهم سبعَ سنينَ، ويرسِلُ اللَّه علَيهِم مطرًا لا يَكُنُّ منهُ بيتُ وبَرٍ ولا مدَرٍ، قال فيغسلُ الأرضَ فيترُكَها كالزَّلِفةِ، قال ثمَّ يقالُ للأرضِ : أخرِجي ثَمرَتكِ وردِّي برَكَتَكِ، فيومَئذٍ تأكُلُ العِصابةُ منَ الرُّمَّانةِ ويستظِلُّونَ بقَحفِها ، ويبارِكُ في الرِّسلِ حتَّى أنَّ الفئامَ مِن النَّاسِ ليكتفونَ باللِّقحَةِ منَ الإبلِ، وأنَّ القَبيلةَ ليكتفونَ باللَّقحَةِ من البَقَرِ، وإن الفخِذَ ليكتفونَ باللَّقحَةِ من الغنَمِ، فبينما هم كذلِكَ إذ بعثَ اللَّهُ ريحًا فقبضَت روحَ كلِّ مؤمنٍ، ويَبقى سائرُ النَّاسِ يتَهارجونَ كما يتَهارجَ الحُمُرِ ، فعلَيهِم تقومُ السَّاعةُ

244 - لما خرجتِ الحروريةُ اعتزلوا في دارٍ وكانوا ستةَ آلافٍ فقلتُ لعليٍّ : يا أميرَ المؤمنين أبردْ بالصلاةِ لعلي أكلِّمُ هؤلاء القومَ. قال : إني أخافهم عليك، قلتُ : كلا، فلبستُ وترجلتُ ودخلتُ عليهم في دارٍ نصفَ النهارِ وهم يأكلون فقالوا : مرحبًا بك يا ابنَ عبَّاسٍ فما جاء بك ؟ قلتُ لهم : أتيتكم من عند أصحابِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - المهاجرين والأنصارِ ومن عندِ ابنِ عمِّ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - وصهرِه، وعليهم نزل القرآنُ. فهم أعلمُ بتأويلِه منكم وليس فيكم منهم أحدٌ لأبلِّغَكُم ما يقولون وأبلغَهُم ما تقولون. فانتحى لي نفرٌ منهم، قلتُ : هاتوا ما نقمتم على أصحابِ رسولِ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - وابنِ عمِّه ؟ قالوا : ثلاثٌ، قلتُ : ما هنَّ ؟ قال : أما إحداهنَّ فإنه حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ وقال اللهُ : { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } [ الأنعام : 57، يوسف : 40، 67 ] ما شأنُ الرِّجالِ والحكم ؟ قلتُ : هذه واحدةٌ. قالوا : وأمَّا الثانيةُ فإنه قاتَل ولم يَسبِ ولم يَغنمْ إن كانوا كفَّارًا لقد حل سبيُهم ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ سبيُهُم ولا قتالُهم. قلتُ : هذه ثنتان فما الثالثةُ ؟ وذكر كلمةً معناها. قالوا : محى نفسَه من أميرِ المؤمنين فإن لم يكن أميرَ المؤمنين فهو أميرُ الكافرين. قلتُ : هل عندكم شيءٌ غيرُ هذا ؟ قالوا : حسبُنا هذا، قلتُ لهم : أرأيتُكم إنْ قرأتُ عليكم من كتابِ اللهِ جل ثناؤُه وسنةِ نبيِّه - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - ما يردُّ قولَكم أترجعون ؟ قالوا : نعم قلتُ : أما قولُكم : حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ فإني أقرأ عليكم في كتابِ اللهِ أنْ قد صيَّرَ اللهُ حكمَه إلى الرجالِ في ثمنِ ربعِ درهمٍ فأمر اللهُ تبارك وتعالى أن يحكُمُوا فيه. أرأيتَ قولَ اللهِ تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } [ المائدة : 95 ] وكان من حُكم اللهِ أنْ صيرَه إلى الرجالِ يحكمون فيه، ولو شاء يحكمُ فيه فجاز من حكمِ الرجالِ، أنشدُكم باللهِ أحكمُ الرجالِ في صلاحِ ذات البينِ وحقنِ دمائِهم أفضلُ أو في أرنبٍ ؟ قالوا : بلى، بل هذا أفضلُ. وفي المرأةِ وزوجِها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [ النساء : 35 ] فنشدتُكم اللهَ، حكمُ الرجالِ في صلاحِ ذات بينهم وحقنِ دمائِهم أفضلُ من حكمِهم في بُضعِ امرأةٍ ؟ خرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم. قلتُ : وأما قولُكم : قاتلَ ولم يسبِ ولم يغنمْ أفتسبون أمَّكم عائشةَ، تستحلُّون ما تستحلُّون من غيرها وهي أمُّكم ؟ فإن قلتم : إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها فقد كفرتم، وإن قلتم : ليست بأمِّنا فقدْ كفرتم : { االنَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرجٍ أفخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم. وأما محيُ نفسِه من أميرِ المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون. أنَّ نبيَّ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - يومَ الحديبيةِ صالحَ المشركين فقال لعليٍّ : ( اكتبْ يا عليُّ : هذا ما صالح عليه محمدٌ رسولُ اللهِ ) قالوا : لو نعلمُ أنك رسولُ اللهِ ما قاتلناك. فقال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( امحْ يا عليُّ : اللهمَّ إنك تعلمُ أني رسولُ اللهِ امحْ يا عليُّ واكتبْ : هذا ما صالح عليه محمدُ بنُ عبدِ اللهِ ) واللهِ لَرسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - خيرٌ من عليٍّ، وقد محى نفسَه، ولم يكن محوُهُ نفسَه ذلك محاه مِن النبوةِ أخرجتُ من هذه ؟ قالوا : نعم, فرجع منهم ألفان, وخرج سائرُهم فقُتلوا على ضلالتِهم, قتلهم المهاجرون والأنصارُ.

245 - عن عبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي ثورٍ قال : سمعت ابنَ عباسٍ يقول : لم أزلْ حريصًا أن أسألَ عمرَ عن المرأتينِ من أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ اللتينِ قال اللهُ { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } حتى حجَّ عمرُ وحججْت معَه فصببت عليه من الإداوةِ فتوضأ فقلت يا أميرَ المؤمنينَ مَن المرأتانِ من أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ اللتانِ قال اللهُ { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ } فقال لي واعجبًا لك يا ابنَ عباسٍ قال الزهريُّ وكرِهَ واللهِ ما سأله عنه ولم يكتمْه فقال لي هي عائشةُ وحفصةُ قال ثم أنشأ يحدثُني الحديثَ فقال كنا معشرَ قريشٍ نغلبُ النساءَ فلما قدمنا المدينةَ وجدنا قومًا تغلبُهم نساؤُهم فطفق نساؤُنا يتعلمْن من نسائِهم فتغضَّبت يومًا على امرأتي فإذا هي تُراجعُني فأنكرت أن تراجعَني فقالت ما تنكرُ من ذلك فواللهِ إن أزواجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ليُراجعْنه وتهجُرُه إحداهُنَّ اليومَ إلى الليلِ قال فقلت في نفسي قد خابت مَن فعلت ذلك منهنَّ وخسرت قال وكان منزلي بالعوالي في بني أميةَ وكان لي جارٌ من الأنصارِ كنا نتناوبُ النزولَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قال فينزلُ يومًا ويأتيني بخبرِ الوحي وغيرِه وأنزل يومًا فآتيه بمثلِ ذلك قال فكنا نحدثُ أن غسانَ تنعلُ الخيلَ لتغزوَنا قال فجاءني يومًا عشاءً فضرب علي البابِ فخرجت إليه فقال حدث أمرٌ عظيمٌ قلت أجاءت غسانُ قال أعظمُ من ذلك طلق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ نساءَه قال فقلت في نفسي قد خابت حفصةُ وخسرت قد كنتُ أظنُّ هذا كائنًا قال فلما صليتُ الصبحَ شددت علي ثيابي ثم انطلقت حتى دخلت على حفصةَ فإذا هي تبكي فقلت أطلَّقكنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قالت لا أدري هو ذا معتزلٌ في هذهِ المشربةِ قال فانطلقت فأتيت غلامًا أسودَ فقلت استأذن لعمرَ قال فدخل ثم خرج إليَّ قال قد ذكرتُك له فلم يقلْ شيئًا قال فانطلقت إلى المسجدِ فإذا حولَ المنبرِ نفرٌ يبكون فجلست إليهم ثم غلبني ما أجدُ فأتيت الغلامَ فقلت استأذنْ لعمرَ فدخل ثم خرج إلي وقال قد ذكرتك له فلم يقلْ شيئًا قال فانطلقت إلى المسجدِ أيضًا فجلست ثم غلبني ما أجدُ فأتيت الغلامَ فقلت استأذنْ لعمرَ فدخل ثم خرج إلي فقال قد ذكرتُك له فلمْ يقلْ شيئًا قال فولَّيت مُنطلقًا فإذا الغلامُ يدعوني فقال ادخلْ فقد أَذِنَ لكَ قال فدخلت فإذا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ متكئٌ على رملِ حصيرٍ فرأيت أثرَه في جنبَيه فقلت يا رسولَ اللهِ أطلَّقت نساءَك قال لا قلت اللهُ أكبرُ لو رأيتُنا يا رسولَ اللهِ وكنا معشرَ قريشٍ نغلبُ النساءَ فلما قدمنا المدينةَ وجدنا قومًا تغلبُهم نساؤُهم فطفق نساؤُنا يتعلمْن من نسائِهم فتغضَّبت يومًا على امرأتي فإذا هي تُراجعُني فأنكرت ذلك فقالت ما تنكرُ فواللهِ إن أزواجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ليراجعْنه وتهجرْه إحداهنَّ اليومَ إلى الليلِ قال فقلت لحفصةَ أتراجعينَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قالت نعم وتهجرُه إحدانا اليومَ إلى الليلِ قال فقلت قد خابت مَن فعلت ذلك منكنَّ وخسرت أتأمنُ إحداكُنَّ أن يغضبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ فإذا هي قد هلكت فتبسَّم النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قال فقلت لحفصةَ لا تراجعي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ولا تسأليه شيئًا وسليني ما بدا لكِ ولا يغرنَّك إن كانت صاحبتُك أوسمَ منك وأحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ قال فتبسم أُخرى فقلت يا رسولَ اللهِ أستأنسُ قال نعم قال فرفعت رأسي فما رأيتُ في البيتِ إلا أَهَبةً ثلاثةً فقلت يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ أن يوسعَ على أمتِك فقد وسع على فارسَ والرومِ وهم لا يعبدونه فاستوى جالسًا فقال أفي شكٍّ أنت يا ابنَ الخطابِ أولئك قومٌ عُجِّلت لهم طيِّباتُهم في الحياةِ الدُّنيا قال وكان أقسم أن لا يدخلَ على نسائِه شهرًا فعاتَبه اللهُ في ذلكَ فجعل له كفارةَ اليمينِ قال الزهريُّ فأخبرني عروةُ عن عائشةَ قالت فلما مضت تسعٌ وعشرونَ دخل عليَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ بدأ بي قال يا عائشةُ إني ذاكرٌ لك شيئًا فلا تعجلي حتى تستأمري أبوَيك قالت ثم قرأ هذهِ الآيةَ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ } الآية قالت علم واللهِ أنَّ أبويَّ لم يكونا يأمُراني بفراقِه قالت فقلت أفي هذا أستأمرُ أبَويَّ فإني أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ قال معمرٌ فأخبرني أيوبُ أن عائشةَ قالت له يا رسولَ اللهِ لا تخبرْ أزواجَك أني اخترتُك فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ إنما بعثَني اللهُ مُبلِّغًا ولم يبعثْني مُعنِّتًا

246 - أنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ -وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ- فَقالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، لا تُسْنِدِيهِ إلى أَحَدٍ غيرِهِ، فَقالَتْ: لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ، فَقالَ لَهَا: أَجَلْ حَدِّثِينِي، فَقالَتْ: نَكَحْتُ ابْنَ المُغِيرَةِ، وَهو مِن خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَومَئذٍ، فَأُصِيبَ في أَوَّلِ الجِهَادِ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ في نَفَرٍ مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَخَطَبَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى مَوْلَاهُ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَكُنْتُ قدْ حُدِّثْتُ، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: مَن أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ، فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: أَمْرِي بيَدِكَ، فأنْكِحْنِي مَن شِئْتَ، فَقالَ: انْتَقِلِي إلى أُمِّ شَرِيكٍ. وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأنْصَارِ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ في سَبيلِ اللهِ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ، فَقُلتُ: سَأَفْعَلُ، فَقالَ: لا تَفْعَلِي، إنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ؛ فإنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عن سَاقَيْكِ، فَيَرَى القَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ ما تَكْرَهِينَ، وَلَكِنِ انْتَقِلِي إلى ابْنِ عَمِّكِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَهو رَجُلٌ مِن بَنِي فِهْرٍ؛ فِهْرِ قُرَيْشٍ، وَهو مِنَ البَطْنِ الَّذي هي منه. فَانْتَقَلْتُ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتي سَمِعْتُ نِدَاءَ المُنَادِي -مُنَادِي رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَخَرَجْتُ إلى المَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَكُنْتُ في صَفِّ النِّسَاءِ الَّتي تَلِي ظُهُورَ القَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ علَى المِنْبَرِ وَهو يَضْحَكُ، فَقالَ: لِيَلْزَمْ كُلُّ إنْسَانٍ مُصَلَّاهُ ، ثُمَّ قالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: إنِّي وَاللَّهِ ما جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحدَّثَني حَدِيثًا وَافَقَ الَّذي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عن مَسِيحِ الدَّجَّالِ. حدَّثَني أنَّهُ رَكِبَ في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مع ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِن لَخْمٍ وَجُذَامَ ، فَلَعِبَ بهِمِ المَوْجُ شَهْرًا في البَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَؤُوا إلى جَزِيرَةٍ في البَحْرِ حتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا في أَقْرُبِ السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يَدْرُونَ ما قُبُلُهُ مِن دُبُرِهِ؛ مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقالوا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟ فَقالَتْ: أَنَا الجَسَّاسَةُ ، قالوا: وَما الجَسَّاسَةُ؟ قالَتْ: أَيُّهَا القَوْمُ، انْطَلِقُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ ؛ فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بالأشْوَاقِ، قالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا منها أَنْ تَكُونَ شيطَانَةً، قالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ ، فَإِذَا فيه أَعْظَمُ إنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلى عُنُقِهِ، ما بيْنَ رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْهِ بالحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ! ما أَنْتَ؟ قالَ: قدْ قَدَرْتُمْ علَى خَبَرِي، فأخْبِرُونِي ما أَنْتُمْ؟ قالوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ العَرَبِ رَكِبْنَا في سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا البَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ، فَلَعِبَ بنَا المَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيرَتِكَ هذِه، فَجَلَسْنَا في أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لا يُدْرَى ما قُبُلُهُ مِن دُبُرِهِ مِن كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ! ما أَنْتِ؟ فَقالَتْ: أَنَا الجَسَّاسَةُ ، قُلْنَا: وَما الجَسَّاسَةُ؟ قالَتْ: اعْمِدُوا إلى هذا الرَّجُلِ في الدَّيْرِ ؛ فإنَّه إلى خَبَرِكُمْ بالأشْوَاقِ، فأقْبَلْنَا إلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا منها، وَلَمْ نَأْمَن أَنْ تَكُونَ شيطَانَةً. فَقالَ: أَخْبِرُونِي عن نَخْلِ بَيْسَانَ، قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: أَسْأَلُكُمْ عن نَخْلِهَا؛ هلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا له: نَعَمْ، قالَ: أَمَا إنَّه يُوشِكُ أَنْ لا تُثْمِرَ، قالَ: أَخْبِرُونِي عن بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، قُلْنَا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قالوا: هي كَثِيرَةُ المَاءِ، قالَ: أَمَا إنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قالَ: أَخْبِرُونِي عن عَيْنِ زُغَرَ، قالوا: عن أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قالَ: هلْ في العَيْنِ مَاءٌ؟ وَهلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بمَاءِ العَيْنِ؟ قُلْنَا له: نَعَمْ، هي كَثِيرَةُ المَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِن مَائِهَا، قالَ: أَخْبِرُونِي عن نَبِيِّ الأُمِّيِّينَ ما فَعَلَ؟ قالوا: قدْ خَرَجَ مِن مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ ، قالَ: أَقَاتَلَهُ العَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: كيفَ صَنَعَ بهِمْ؟ فأخْبَرْنَاهُ أنَّهُ قدْ ظَهَرَ علَى مَن يَلِيهِ مِنَ العَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قالَ لهمْ: قدْ كانَ ذلكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: أَمَا إنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لهمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وإنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي؛ إنِّي أَنَا المَسِيحُ، وإنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لي في الخُرُوجِ، فأخْرُجَ، فأسِيرَ في الأرْضِ فلا أَدَعَ قَرْيَةً إلَّا هَبَطْتُهَا في أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غيرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ ؛ فَهُما مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّما أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً -أَوْ وَاحِدًا- منهما اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وإنَّ علَى كُلِّ نَقْبٍ منها مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا. قالَتْ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَطَعَنَ بمِخْصَرَتِهِ في المِنْبَرِ: هذِه طَيْبَةُ ، هذِه طَيْبَةُ ، هذِه طَيْبَةُ -يَعْنِي المَدِينَةَ- أَلَا هلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذلكَ؟ فَقالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فإنَّه أَعْجَبَنِي حَديثُ تَمِيمٍ؛ أنَّهُ وَافَقَ الَّذي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عنْه، وَعَنِ المَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا إنَّه في بَحْرِ الشَّأْمِ أَوْ بَحْرِ اليَمَنِ، لا، بَلْ مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هُوَ، مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هو، مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هو، وَأَوْمَأَ بيَدِهِ إلى المَشْرِقِ، قالَتْ: فَحَفِظْتُ هذا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ.

247 - قدِمتُ على عائشةَ رضيَ اللُه عنها فبينَا نحن جلوسٌ عندَها مرجِعَها من العراقِ ليالِيَ قُوتِلَ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ، إذ قالت لي : يا عبدَ اللهِ بنَ شدَّادٍ ! هلْ أنتَ صادِقي عما أسألُك عنه ؟ حدِّثني عن هؤلاءِ القومِ الذين قَتلهم عليٌّ، قلت : ومالي لا أصدُقُك ! قالت : فحدِّثني عن قصتِهم، قلت : إنَّ عليًّا لما أنْ كاتبَ معاويةَ وحكَّمَ الحكمينِ خرج عليه ثمانيةُ آلافٍ من قُرَّاءِ الناسِ فنزلوا أرضًا من جانبِ الكوفةِ يُقالُ لها حروراءُ وإنَّهم أنكَروا عليه فقالوا : انسلَخت من قميصٍ ألبسَكه اللهُ وأسماكَ به، ثم انطلقتَ فحكَمتَ في دينِ اللهِ ولا حُكمَ إلا للهِ، فلما أنْ بلغ عليًّا ما عَتَبوا عليه وفارَقوه أمر فأذَّن مؤذِّنٌ لا يدخلَنَّ على أميرِ المؤمنين إلا رجلٌ قد حملَ القرآنَ، فلما أنِ امْتلأ من قرَّاءِ الناسِ الدارُ دعا بمصحفٍ عظيمٍ فوضعه عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ بينَ يدَيه فطفِق يصُكُّه بيدِه ويقولُ : أيُها المصحفُ ! حدِّثِ الناسَ، فناداه الناسُ فقالوا : يا أميرَ المؤمنينَ ! ما تسألُه عنه إنما هوَ ورقٌ ومدادٌ ونحنُ نتكلمُ بما رَوينا منه فماذا تريدُ ؟ قال : أصحابُكم الذينَ خرَجوا بينِي وبينَهم كتابُ اللهِ تعالَى، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ في امرأةٍ ورجلٍ { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ } فأُمَّةُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ أعظمُ حرمةً من امرأةٍ ورجلٍ، ونقَموا علَيَّ أنِّي كاتبتُ معاويةَ وكتبتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ، وقد جاء سُهيلُ بنُ عمرٍو ونحن معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ بالحديبيةِ حينَ صالحَ قومَه قريشًا فكتب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، فقال سُهَيلٌ : لا تكتبْ بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قلتُ : فكيفَ أكتبُ ؟ قال : اكتبْ باسمِك اللهمَّ، فقال : رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ : اكتبْه، ثم قال : اكتبْ من محمدٍ رسولِ اللهِ، فقال : لو نعلمُ أنكَ رسولُ اللهِ لم نخالِفْك، فكتبَ هذا ما صالَح عليه محمدُ بنُ عبدِ اللهِ قريشًا، يقولُ اللهُ في كتابِهِ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } فبعث إليهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ فخرجتُ معَه حتَّى إذا توسَّطنا عسكرَهم قام ابنُ الكوَّاءِ فخطبَ الناسَ، فقال : يا حملةَ القرآنِ ! إن هذا عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ فمَن لم يكنْ يعرفُه فأنا أعرِفُه من كتابِ اللهِ هذا مَن نزل فيه وفي قومِه { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } فرُدُّوه إلى صاحبِه ولا تُواضعُوه كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال : فقام خطباؤُهم، فقالوا : واللهِ لنُواضِعَنَّه كتابَ اللهِ فإذا جاءنا بحقٍّ نعرِفُه اتَّبعناه، ولئنْ جاءَنا بالباطلِ لنُبَكِّتَنَّه بباطلِه ولنرُدَّنَّه إلى صاحبِه، فواضَعوه على كتابِ اللهِ ثلاثةَ أيامٍ فرجَع منهم أربعةُ آلافٍ كلُّهم تائبٌ، فأقبل بهمُ ابنُ الكَوَّاءِ حتى أدخلَهم علَى علِيٍّ رضيَ اللهُ عنهُ فبعث عليٌّ إلَى بقيَّتِهم فقال : قد كان من أمرِنا وأمرِ الناسِ ما قد رأيتم قِفوا حيثُ شئتم حتى تجتمعَ أُمَّةُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ وتَنْزِلوا فيها حيثُ شِئتُم بينَنا وبينَكم أن نقِيَكم رماحَنا ما لم تقطعوا سبيلًا، وتطلبوا دمًا فإنكم إن فعلتم ذلك فقد نبَذنا إليكم الحربَ على سواءٍ إن اللهَ لا يُحبُّ الخائنينَ، فقالت عائشةُ رضيَ اللُه عنها : يا ابنَ شدَّادٍ ! فقد قَتلهم فقال : واللهِ ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيلَ وسفكوا الدماءَ وقتلوا ابنَ خبَّابِ واستحلُّوا أهلَ الذِّمَّةِ، فقالت : آللهِ، قلت : آللهِ الذي لا إلهَ إلا هوَ ، لقد كان، قالت : فما شيءٌ بلَغني عن أهلِ العراقِ يتحدَّثون به يقولون : ذو الثديِ ذو الثديِ، قلت : قد رأيتُه ووقفتُ عليه معَ عليٍّ رضيَ اللهُ عنهُ في القتلى فدعا الناسَ فقال : هل تعرفونَ هذا ؟ فما أكثر من جاء يقولُ : قد رأيته في مسجدِ بني فلانٍ يُصلي، ورأيته في مسجدِ بني فلانٍ يصلي، فلم يأْتوا بثَبْتٍ يُعرَفُ إلا ذلك، قالت : فما قولُ عليٍّ حينَ قام عليه كما يزعمُ أهلُ العراقِ ؟ قلت : سمعتُه يقولُ : صدق اللهُ ورسولُه، قالت : فهل سمعتَ أنتَ منه، قال غيرَ ذلك، قلت : اللهمَّ لا، قالت : أجلْ صدق اللهُ ورسولُه يرحمُ اللهُ عليًّا إنه من كلامِه، كان لا يرى شيئًا يُعجِبُه إلا قال : صدق اللهُ ورسولُه

248 - جاءَ عبدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ فدخَلَ على عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، ونحنُ عندَها جُلوسٌ مرجِعَه مِن العِراقِ لياليَ قُتِلَ عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه، فقالتْ له: يا عبدَ اللهِ بنَ شدَّادٍ، هل أنتَ صادقي عمَّا أسأَلُكَ عنه، تُحدِّثُني عن هؤلاءِ القَومِ الذينَ قتَلَهم عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه؟ قال: وما لي لا أَصدُقُكِ! قالت: فحدِّثْني عن قِصَّتِهم. قال: فإنَّ عليًّا رضِيَ اللهُ عنه لمَّا كاتَبَ معاويةَ، وحكَمَ الحكَمانِ، خرَجَ عليه ثمانيةُ آلافٍ مِن قُرَّاءِ الناسِ، فنزَلوا بأرضٍ يُقالُ لها حَرُوراءُ، مِن جانبِ الكوفةِ، وإنَّهم عتَبوا عليه، فقالوا: انسلَختَ مِن قَميصٍ ألبسَكَه اللهُ تعالى، واسمٍ سمَّاكَ اللهُ تعالى به، ثمَّ انطَلَقتَ فحكَّمتَ في دِينِ اللهِ، فلا حُكمَ إلَّا للهِ تعالى. فلمَّا أنْ بلَغَ عليًّا رضِيَ اللهُ عنه ما عتَبوا عليه، وفارَقوه عليه، فأمَرَ مؤذِّنًا فأذَّنَ: ألَّا يدخُلَ على أميرِ المؤمنينَ إلَّا رجُلٌ قد حمَلَ القَرآنَ، فلمَّا أنِ امتلأتِ الدارُ مِن قُرَّاءِ الناسِ دعا بمصحَفِ إمامٍ عظيمٍ، فوضَعَه بينَ يدَيْه، فجعَلَ يصُكُّه بيَدِه ويقولُ: أيُّها المصحَفُ حدِّثِ الناسَ. فناداه الناسُ فقالوا: يا أميرَ المؤمنينَ، ما تسأَلُ عنه، إنَّما هو مِدادٌ في ورَقٍ، ونحنُ نتكلَّمُ بما رَوَيْنا منه، فماذا تريدُ؟ قال: أصحابُكم هؤلاءِ الذين خرَجوا، بَيْني وبَينَهم كتابُ اللهِ، يقولُ اللهُ تعالى في كتابِه في امرأةٍ ورجُلٍ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]، فأمَّةُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ أعظَمُ دَمًا وحُرمةً مِن امرأةٍ ورجُلٍ، ونقَموا عليَّ أنْ كاتَبتُ معاويةَ. كتَبَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وقد جاءَنا سُهَيلُ بنُ عَمرٍو، ونحنُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ بالحُدَيْبِيةِ حينَ صالَحَ قَومُه قُرَيشًا، فكتَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ: بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. فقال سُهَيلٌ: لا تَكتُبْ بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. فقال: كيفَ نَكتُبُ؟ فقال: اكتُبْ باسمِكَ اللهم. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ: فاكتُبْ: محمَّدٌ رسولُ اللهِ. فقال: لو أعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ لم أُخالِفْكَ. فكتَبَ: هذا ما صالَحَ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ قُرَيشًا. يقولُ اللهُ تعالى في كتابِه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21]، فبعَثَ إليهم عليٌّ عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ رضي الله عنه، فخرَجتُ معه، حتى إذا توَسَّطْنا عَسْكرَهم قام ابنُ الكَوَّاءِ يخطُبُ الناسَ فقال: يا حَمَلةَ القرآنِ، إنَّ هذا عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنه، فمَنْ لم يكُنْ يعرِفُه فأنا أُعرِّفُه مِن كتابِ اللهِ ما يعرِفُه به، هذا ممَّن نزَلَ فيه وفي قَومِه: {قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، فرُدُّوه إلى صاحبِه، ولا تواضِعوه كتابَ اللهِ. فقامَ خُطَباؤُهم فقالوا: واللهِ لنُواضِعَنَّه كتابَ اللهِ، فإنْ جاءَ بحقٍّ نعرِفُه لنتَّبِعُه، وإن جاءَ بِباطلٍ لنُبكِّتَنَّه بباطِلِه. فواضَعوا عبدَ اللهِ الكتابَ ثلاثَ أيَّامٍ، فرجَعَ منهم أربعةُ آلافٍ، كلُّهم تائبٌ، فيهم ابنُ الكَوَّاءِ، حتى أدخَلَهم على عليٍّ الكوفةَ، فبعَثَ عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه إلى بَقيَّتِهم فقال: قد كانَ مِن أَمْرِنا وأَمْرِ الناسِ ما قد رأَيتُم، فقِفوا حيثُ شِئتُم، حتى تجتمِعَ أُمَّةُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ بينَنا وبينَكم، ألَّا تَسفِكوا دَمًا حَرامًا، أو تَقطَعوا سبيلًا، أو تَظلِموا ذِمَّةً، فإنَّكم إنْ فعَلتُم فقد نبَذْنا إليكم الحربَ على سَواءٍ ، إنَّ اللهَ لا يحِبُّ الخائنينَ. فقالتْ له عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: يا ابنَ شدَّادٍ، فقد قتَلَهم. فقال: واللهِ ما بعَثَ إليهم حتى قطَعوا السبيلَ، وسفَكوا الدَّمَ، واستحَلُّوا أهلَ الذِّمَّةِ. فقالتْ: آللهِ. قال: آللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو، لقد كان. قالتْ: فما شيءٌ بلَغَني عن أَهْلِ الذِّمَّةِ يتحَدَّثونَه: ذو الثُّدَيِّ، وذو الثُّدَيِّة؟ قال: قد رأَيتُه، وقمتُ مع عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه عليه في القَتْلى، فدعا الناسَ فقال: أتعرِفونَ هذا؟ فما أكثَرَ مَن جاءَ يقولُ: قد رأَيتُه في مسجِدِ بني فُلانٍ يصلِّي، ورأَيتُه في مسجِدِ بني فُلانٍ يصلِّي، ولم يأتوا فيه بثَبَتٍ يُعرَفُ إلَّا ذلكَ. قالتْ: فما قولُ عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه حينَ قامَ عليه، كما يزعُمُ أهلُ العِراقِ؟ قال: سمعتُه يقولُ: صدَقَ اللهُ ورسولُه. قالتْ: هل سمِعتَ منه أنَّه قال غَيرَ ذلكَ؟ قال: اللهم لا. قالتْ: أجَلْ، صدَقَ اللهُ ورسولُه، يرحَمُ اللهُ عليًّا رضِيَ اللهُ عنه؛ إنَّه كانَ مِن كلامِه لا يَرَى شَيئًا يُعجِبُه إلَّا قال: صدَقَ اللهُ ورسولُه، فيذهَبُ أهلُ العِراقِ يكذِبونَ عليه، ويَزيدونَ عليه في الحديثِ.

249 - زَعَمُوا أنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أقْرَعَ بيْنَ أزْوَاجِهِ، فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بهَا معهُ، فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ معهُ بَعْدَ ما أُنْزِلَ الحِجَابُ، فأنَا أُحْمَلُ في هَوْدَجٍ، وأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا، حتَّى إذَا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وقَفَلَ ودَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ؛ آذَنَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ، فَمَشَيتُ حتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أقْبَلْتُ إلى الرَّحْلِ ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ أظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فأقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ علَى بَعِيرِي الذي كُنْتُ أرْكَبُ وهُمْ يَحْسِبُونَ أنِّي فِيهِ، وكانَ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ ولَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وإنَّما يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الهَوْدَجِ، فَاحْتَمَلُوهُ وكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ ما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وليسَ فيه أحَدٌ، فأمَمْتُ مَنْزِلِي الذي كُنْتُ به، فَظَنَنْتُ أنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي، فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ، فَبيْنَا أنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ، فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِن ورَاءِ الجَيْشِ، فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ، فأتَانِي، وكانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ يَدَهَا، فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بي الرَّاحِلَةَ حتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَ ما نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، فَهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الذي تَوَلَّى الإفْكَ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ بهَا شَهْرًا، والنَّاسُ يُفِيضُونَ مِن قَوْلِ أصْحَابِ الإفْكِ ، ويَرِيبُنِي في وجَعِي أنِّي لا أرَى مِنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اللُّطْفَ الذي كُنْتُ أرَى منه حِينَ أمْرَضُ، إنَّما يَدْخُلُ فيُسَلِّمُ، ثُمَّ يقولُ: كيفَ تِيكُمْ؟ لا أشْعُرُ بشَيءٍ مِن ذلكَ حتَّى نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ ؛ مُتَبَرَّزُنَا، لا نَخْرُجُ إلَّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وذلكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنَا، وأَمْرُنَا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في البَرِّيَّةِ أوْ في التَّنَزُّهِ، فأقْبَلْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ بنْتُ أبِي رُهْمٍ نَمْشِي، فَعَثَرَتْ في مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلتُ لَهَا: بئْسَ ما قُلْتِ! أتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟! فَقَالَتْ: يا هَنْتَاهْ، ألَمْ تَسْمَعِي ما قالوا؟ فأخْبَرَتْنِي بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا علَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتي دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَلَّمَ فَقَالَ: كيفَ تِيكُمْ؟ فَقُلتُ: ائْذَنْ لي إلى أبَوَيَّ، قَالَتْ: وأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِمَا، فأذِنَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتَيْتُ أبَوَيَّ فَقُلتُ لِأُمِّي: ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: يا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي علَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ؛ فَوَاللَّهِ لَقَلَّما كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا ولَهَا ضَرَائِرُ ، إلَّا أكْثَرْنَ عَلَيْهَا، فَقُلتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! ولقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بهذا؟! قَالَتْ: فَبِتُّ تِلكَ اللَّيْلَةَ حتَّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ ، ثُمَّ أصْبَحْتُ، فَدَعَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ وأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ ، يَسْتَشِيرُهُما في فِرَاقِ أهْلِهِ، فأمَّا أُسَامَةُ فأشَارَ عليه بالَّذِي يَعْلَمُ في نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ لهمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أهْلُكَ يا رَسولَ اللَّهِ، ولَا نَعْلَمُ -واللَّهِ- إلَّا خَيْرًا، وأَمَّا عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، والنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، فَدَعَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: يا بَرِيرَةُ، هلْ رَأَيْتِ فِيهَا شيئًا يَرِيبُكِ؟ فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: لا والَّذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، إنْ رَأَيْتُ منها أمْرًا أغْمِصُهُ عَلَيْهَا قَطُّ أكْثَرَ مِن أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنِ العَجِينِ، فَتَأْتي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن يَومِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِن عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ بَلَغَنِي أذَاهُ في أهْلِي؟! فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلَّا خَيْرًا، وقدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلَّا مَعِي، فَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنَا واللَّهِ أعْذِرُكَ منه؛ إنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وإنْ كانَ مِن إخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنَا، فَفَعَلْنَا فيه أمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ -وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وكانَ قَبْلَ ذلكَ رَجُلًا صَالِحًا ولَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ- فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ ، لا تَقْتُلُهُ، ولَا تَقْدِرُ علَى ذلكَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ ، واللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فإنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، فَثَارَ الحَيَّانِ -الأوْسُ والخَزْرَجُ- حتَّى هَمُّوا، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى المِنْبَرِ، فَنَزَلَ، فَخَفَّضَهُمْ حتَّى سَكَتُوا، وسَكَتَ، وبَكَيْتُ يَومِي لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ ، فأصْبَحَ عِندِي أبَوَايَ، وقدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا حتَّى أظُنُّ أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبيْنَا هُما جَالِسَانِ عِندِي وأَنَا أبْكِي، إذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ، فأذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبيْنَا نَحْنُ كَذلكَ إذْ دَخَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَجَلَسَ، ولَمْ يَجْلِسْ عِندِي مِن يَومِ قِيلَ فِيَّ ما قيلَ قَبْلَهَا، وقدْ مَكَثَ شَهْرًا لا يُوحَى إلَيْهِ في شَأْنِي شَيءٌ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: يا عَائِشَةُ، فإنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ؛ فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عليه ، فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حتَّى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً، وقُلتُ لأبِي: أجِبْ عَنِّي رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِيما قَالَ، قَالَتْ: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَتْ: وأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لا أقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ، فَقُلتُ: إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قُلتُ لَكُمْ: إنِّي بَرِيئَةٌ -واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ- لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ -واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ علَى فِرَاشِي وأَنَا أرْجُو أنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ، ولَكِنْ واللَّهِ ما ظَنَنْتُ أنْ يُنْزِلَ في شَأْنِي وحْيًا، ولَأَنَا أحْقَرُ في نَفْسِي مِن أنْ يُتَكَلَّمَ بالقُرْآنِ في أمْرِي، ولَكِنِّي كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ، فَوَاللَّهِ ما رَامَ مَجْلِسَهُ ولَا خَرَجَ أحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ، حتَّى أُنْزِلَ عليه الوَحْيُ، فأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ ، حتَّى إنَّه لَيَتَحَدَّرُ منه مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ في يَومٍ شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَضْحَكُ، فَكانَ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا أنْ قَالَ لِي: يا عَائِشَةُ، احْمَدِي اللَّهَ؛ فقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ، فَقَالَتْ لي أُمِّي: قُومِي إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: لا واللَّهِ، لا أقُومُ إلَيْهِ، ولَا أحْمَدُ إلَّا اللَّهَ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] الآيَاتِ، فَلَمَّا أنْزَلَ اللَّهُ هذا في بَرَاءَتِي، قَالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه -وكانَ يُنْفِقُ علَى مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ منه-: واللَّهِ لا أُنْفِقُ علَى مِسْطَحٍ شيئًا أبَدًا بَعْدَ ما قَالَ لِعَائِشَةَ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا} إلى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: بَلَى واللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ الذي كانَ يُجْرِي عليه، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ عن أمْرِي، فَقَالَ: يا زَيْنَبُ، ما عَلِمْتِ؟ ما رَأَيْتِ؟ فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: وهي الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بالوَرَعِ.

250 - كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا خَرَجَ إلى سَفَرٍ أَقرَعَ بَيْنَ نِسائِه، فأَيَّتُهنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بِها معَه، قالَتْ: فأَقرَعَ بَيْنَنا في غَزْوةٍ غَزاها، فخَرَجَ سَهْمي، فخَرَجْتُ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذلك بَعْدَ ما أُنزِلَ الحِجابُ، فأنا أُحمَلُ في هَوْدَجٍ، وأَنزِلُ فيه، حتَّى إذا قَفَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ودَنا مِن المَدينةِ أَذِنَ بالرَّحيلِ، فقُمْتُ حينَ آذَنَ بالرَّحيلِ فمَشَيتُ حتَّى إذا جاوَزْتُ الجَيْشَ لِقَضاءِ حاجتي، فلَمَسْتُ صَدْري فإذا عِقْدٌ لي مِن أظْفارٍ قد انْقَطَعَ، فرَجَعْتُ أَلتَمِسُه، وحَبَسَني ابْتِغاؤُه، وأَقبَلَ الرَّهْطُ الَّذين كانوا يَحمِلونَ هَوْدَجي فرَحَلوه على بَعيري وهُمْ يَحسَبونَ أنِّي فيه، وكُنَّ النِّساءُ إذ ذاك خِفافًا لم يَهبُلْنَ ، وإنَّما كنَّا نَأكُلُ العُلْقةَ مِن الطَّعامِ، وكُنْتُ جارِيةً حَديثةَ السِّنِّ، فلم يَسْتنكِرِ القَوْمُ ثِقَلَ الهَوْدَجِ حينَ رَحَلوه على بَعيري، فساروا فجِئْتُ المَنزِلَ وليس به مِنهم داعٍ ولا مُجيبٌ، فيَمَّمْتُ مَنزِلي الَّذي كُنْتُ فيه، وظَنَنْتُ أنَّهم سيَرجِعونَ في طَلَبي، قالَتْ: فبَيْنَما أنا قاعِدةٌ إذا غَلَبَتْني عَيْني فنِمْتُ، وكانَ صَفْوانُ بنُ المُعطَّلِ السُّلَميُّ، ثُمَّ الذَّكْوانيُّ -رَضِيَ اللهُ عنه-مِن وَراءِ الجَيْشِ، فأَدلَجَ، فأَصبَحَ في المَنزِلِ، فرأى سَوادَ إنْسانٍ نائِمٍ، فعَرَفَني، وقد كانَ رآني قَبْلَ أن يَنزِلَ الحِجابُ، فاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجاعِه، فخَمَّرْتُ بجِلبابي وَجْهي، واللهِ ما كَلَّمْتُه، ولا سَمِعْتُ مِنه كَلِمةً غَيْرَ اسْتِرْجاعِه، حتَّى أَناخَ بَعيرَه فرَكِبْتُه، فأَتَيْنا النَّاسَ في بَحْرِ الظَّهيرةِ، فهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الَّذي تَوَلَّى كِبْرَه مِنهم عَبْدَ اللهِ بنَ أُبَيِّ [ابنَ]سَلولَ، قالَتْ: فسِرْنا حتَّى قَدِمْنا المَدينةَ، فاشْتَكَيْتُ شَهْرًا لا أَشعُرُ بما قالوا، وهو يَريبُني مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنِّي لا أَعرِفُ مِنه اللُّطْفَ الَّذي كُنْتُ أرى مِنه، إنَّما يَدخُلُ علَيَّ يقولُ: كيفَ تِيكُم؟ ولا يَزيدُ على ذلك، حتَّى خَرَجْتُ قِبَلَ المَناصِعِ وخَرَجَتْ معي أُمُّ مِسْطَحٍ، وكنَّا لا نَخرُجُ إلَّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وكنَّا نَتَأذَّى بالكُنُفِ أن نَتَّخِذَها قَريبًا مِن بُيوتِنا، فأمْرُنا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ، فلمَّا انْصَرَفْنا عَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِها أو بمِرْطِها، فقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ!فقُلْتُ لها: بِئْسَ ما قُلْتِ؛ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ قالَتْ: وما عَلِمْتِ ما قالَ؟ (قُلْتُ: وما قالَ؟)، فأَخبَرَتْني بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ ، فزادَني مَرَضًا على ما كانَ، قالَتْ: وكانَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ صَخْرِ بنِ عامِرٍ خالةَ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهما، وكانَ ابنهُا مِسْطَحَ بنَ أُثاثةَ بنِ عبادِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنافٍ، قالَتْ عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: فبَكَيْتُ لَيْلَتَينِ ويَوْمًا حتَّى ظَنَنْتُ أنَّ البُكاءَ فالِقٌ كَبِدي، قالَ: فلمَّا اسْتَلْبَثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الوَحْيَ دَعا أُسامةَ بنَ زَيدٍ وعلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، يَسْتَشيرُهما في فِراقِ أهْلِه، فقالَ أُسامةُ بنُ زَيدٍ: يا رَسولَ اللهِ، أهْلُك، وما عَلِمْنا إلَّا خَيْرًا، وقالَ علِيٌّ: لم يُضَيِّقِ اللهُ عليك، والنِّساءُ كَثيرٌ [سِواها]، فإن تَسَلِ الجارِيةَ تَصدُقْك، قالَتْ: فدَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَريرةَ، فقالَ: يا بَريرةُ، هل رَأيْتِ عن عائِشةَ شَيئًا تَكْرَهينَه؟ قالَتْ: لا والَّذي بَعَثَك بالحَقِّ، ما رَأيْتُ عليها أمْرًا أَغمِضُه عليها أَكثَرَ مِن أنَّها جارِيةٌ حَديثةُ السِّنِّ تَنامُ عن عَجينِ أهْلِها، فتَدخُلُ الدَّاجِنُ فتَأكُلُه، قالَتْ: وقد كانَتِ امْرَأةُ أبي أَيُّوبَ قالَتْ لأبي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أَمَا سَمِعْتَ ما تَحدَّثَ النَّاسُ، فحَدَّثَتْه بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ ، فقال: سُبْحانَك! ما يكونُ لنا أن نَتَكلَّمَ بِهذا! سُبْحانَك هذا بُهْتانٌ عَظيمٌ!فقامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا مَعشَرَ المُسلِمينَ، مَن يَعذِرُني مِن رَجُلٍ قد بَلَغَ أذاه في أهْلي؟!واللهِ ما عَلِمْتُ على أهْلي إلَّا خَيْرًا، ولقد ذَكَروا رَجُلًا صالِحًا ما كانَ يَدخُلُ على أهْلي إلَّا مَعي، فقامَ سَعْدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فقالَ: أنا أَعذِرُك مِنه يا رَسولَ اللهِ، إن كانَ مِن الأَوْسِ ضَرَبْنا عُنُقَه، وإن كانَ مِن إخْوانِنا مِن الخَزْرَجِ أمَرْتَنا ففَعَلْنا أمْرَك فيه، فقامَ سَعْدُ بنُ عُبادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، وكانَ قَبْلَ ذلك رَجُلًا صالِحًا، ولكِنِ احْتَمَلَتْه الحَمِيَّةُ ، فقالَ لِسَعْدِ بنِ مُعاذٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لا تَقدِرُ على قَتْلِه، فقَدِمَ أُسيدُ بنُ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه -وهو ابنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ مُعاذٍ- فقالَ لِسَعْدِ بنِ عُبادةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّه؛ فإنَّك مُنافِقٌ تُجادِلُ عن المُنافِقينَ، فتَناوَرَ الحَيَّانِ حتَّى هَمُّوا أن يَقْتَتِلوا، فلم يَزَلْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى حَجَزَ بَيْنَهم، قالَتْ: فدَخَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَيَّ وعنْدي أبَواي، وقد كانَتِ امْرَأةٌ مِن الأنْصارِ دَخَلَتْ علَيَّ، فهي تُساعِدُني، قالَتْ: فجَلَسَ ولم يَجلِسْ عنْدي مُنْذُ قيلَ لي ما قيلَ، فقالَ: أمَّا بَعْدُ، يا عائِشةُ، فإنَّه قد بَلَغَني عنكِ كَذا وكَذا، فإن كُنْتِ بَريئةً فسَيُبَرِّئُكِ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ببَراءتِك، وإن كُنْتِ أَلْمَمْتِ بذَنْبٍ فاسْتَغْفِري اللهَ عَزَّ وجَلَّ وتُوبي إليه، قالَتْ: فلمَّا قَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَقالتَه فاضَ دَمْعي حتَّى ما أُحِسُّ مِنه قَطْرةً، فقُلْتُ لأبي: أَجِبْ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما قالَ، فقالَ: واللهِ ما أَدْري ما أَقولُ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ!فقُلْتُ لأُمِّي: أَجيبي رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما قالَ، فقالَتْ أُمِّي: وما أَدْري ما أَقولُ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَتْ: وكُنْتُ جارِيةً حَديثةَ السِّنِّ [لم] أَقرَأْ كَبيرًا مِن القُرْآنِ، فقُلْتُ: واللهِ لئِنِ اعْتَرَفْتُ لكم بأمْرٍ، واللهُ عَزَّ وجَلَّ يَعلَمُ أنِّي بَريئةٌ مِنه لَتُصَدِّقُنَّني، ولئِنْ قُلْتُ: إنِّي بَريئةٌ لا تُصَدِّقوني!واللهِ ما أَجِدُ لي ولكم مَثَلًا إلَّا ما قالَ أبو يوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، قالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ واللهُ-يَعْني- يَعلَمُ أنِّي بَريئةٌ، ولَشَأني كانَ أَصغَرَ في نَفْسي مِن أن يُنزِلَ فيَّ قُرْآنًا، قالَتْ: ولكنِّي كُنْتُ أَرْجو أن يُرِيَ اللهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَنامِه رُؤْيا يُبَرِّئُني فيها، قالَتْ: فوَاللهِ ما رامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَجلِسَه، ولا خَرَجَ أَحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ حتَّى أخَذَتْه البُرَحاءُ ، قالَتْ: وكانَ إذا أُوحِيَ [إليه] أخَذَتْه البُرَحاءُ حتَّى إنَّه لَيَنْحدِرُ مِنه مِثلُ الجُمانِ مِن العَرَقِ في اليَوْمِ الشَّاتي، قالَتْ: فسُرِّيَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَ سُرِّيَ عنه، فكانَ أوَّلُ كَلِمةٍ تَكلَّمَ بِها قالَ: أمَّا اللهُ عَزَّ وجَلَّ فقد بَرَّأَكِ [يا] عائِشةُ، فقالَتْ لي أُمِّي: قومي إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُلْتُ: واللهِ لا أَقومُ إليه، ولا أَحمَدُ على ذلك إلَّا اللهَ، فأَنزَلَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إلى قَوْلَه: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، وكانَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه يُنفِقُ على مِسْطَحٍ لِفاقتِه وقَرابتِه، فلمَّا تَكلَّمَ بما تَكلَّمَ به قالَ: واللهِ لا أُنفِقُ عليه شَيئًا أبَدًا، فأَنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إلى قَوْلِه تَعالى: {[أَلَا تُحِبُّونَ] أنَ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، فقالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: بَلى، أنا أُحِبُّ أن يَغفِرَ اللهُ تَعالى لي، فرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ رَضِيَ اللهُ عنه مِثلَ ما كانَ يُنفِقُ عليه، وسَألَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عنها قالَتْ: وكانَتْ هي الَّتي تُساميني مِن أزْواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِّي، فعَصَمَها اللهُ تَعالى بالوَرَعِ، فقالَتْ: أَحْمي سَمْعي وبَصَرَي، ما رَأيْتُ عليها شَيئًا يَريبُني ، وكانَتْ أخْتُ زَيْنَبَ حَمْنةُ تُحارِبُني، فهَلَكَت فيمَن هَلَكَ.

251 - عن ابنِ شِهابٍ، حَدَّثَني عُرْوةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وسَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وعَلْقَمةُ بنُ وَقَّاصٍ، وعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبةَ بنِ مَسْعودٍ، عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن قَوْلِ أهْلِ الإفْكِ ما قالوا، فبَرَّأَها اللهُ عَزَّ وجَلَّ مِن ذلك، وكلُّهم قد حَدَّثني بطائِفةٍ مِن حَديثِها، وبعضُهم كانَ أَوْعى لحَديثِها مِن بعضٍ، وأَحسَنَ اقْتِصاصًا، وبعضُهم يُصدِّقُ حَديثَ بعضٍ، قالَتْ: كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا أرادَ سَفَرًا أَقرَعَ بَيْنَ نِسائِه، فأَيَّتُهنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بِها معَه، قالَتْ: فأَقرَعَ بَيْنَنا في غَزاةٍ غَزاها، فخَرَجَ سَهْمي، فخَرَجْتُ معَه بَعْدَما أَنزَلَ آيةَ الحِجابِ، فأنا أُحمَلُ في هَوْدَجي، وأَنزِلُ فيه، حتَّى إذا فَرَغَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنْ غَزْوتِه تلك وقَفَلَ ودَنَونا مِن المَدينةِ، أَذِنَ لَيْلَه بالرَّحيلِ، فمَشَيْتُ حتَّى جاوَزْتُ الجَيْشَ، فلمَّا قَضيْتُ شَأني أقْبَلْتُ إلى الرَّحْلِ ، فالتَمَسْتُ صَدْري، فإذا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ أظْفارٍ قد انْقَطَعَ، فرَجَعْتُ فالْتَمَسْتُ عِقْدي، فحَبَسَني ابْتِغاؤُه، فأَقبَلَ الَّذين يَرْحَلونَ بي، فاحْتَمَلوا هَوْدَجي فرَحَلوه على بَعيري الَّذي كُنْتُ أركَبُهُ، وهُمْ يَحسَبونَ أنَّني فيه، وكانَ النِّساءُ إذ ذاك خِفافًا لم يَثقُلْنَ ولم يَهبُلْهُنَّ اللَّحْمُ، إنَّما يَأكُلْنَ العُلْقةَ مِن الطَّعامِ، فلم يَسْتنكِرِ القَوْمُ حينَ رَفَعوه ثِقَلَ الهَوْدَجِ فاحْتَمَلوه، وكُنْتُ جارِيةً حَديثةَ السِّنِّ، فبَعَثوا الجَمَلَ وساروا، فوَجَدْتُ العِقْدَ بَعْدَما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فجِئْتُ مَنزِلَهم وليس فيه داعٍ ولا مُجيبٌ، فتَيَمَّمْتُ مَنزِلي الَّذي كُنْتُ فيه، وظَنَنْتُ أنَّهم سَيَفْقِدونِّي فيَرجِعونَ إليَّ، قالَتْ: فبَيْنَما أنا جالِسةٌ في مَنزِلي غَلَبَتْني عَيْني، وكانَ صَفْوانُ بنُ المُعطَّلِ السُّلَميُّ، ثُمَّ الذَّكْوانيُّ رَضِيَ اللهُ عنه قد عَرَّسَ مِن وَراءِ الجَيْشِ، فأَدلَجَ عنْدَ مَنزِلي، فرأى سَوادَ إنْسانٍ نائِمٍ، فأتاني، وكانَ يَراني قَبْلَ نُزولِ الحِجابِ، فما اسْتَيْقَظْتُ إلَّا باسْتِرْجاعِه حينَ رآني، فواللهِ ما كَلَّمَني، ولا سَمِعْتُ مِنه كَلِمةً غَيْرَ اسْتِرْجاعِه، ثُمَّ أَناخَ راحِلتَه، فوَطِئَ على يَدِها فرَكِبْتُها، فانْطَلَقَ يَقودُ بي الرَّاحِلةَ حتَّى أَتَيْنا الجَيْشَ بَعْدَما نَزَلوا مُعَرِّسينَ نَحْرَ الظَّهيرةِ -كَذا في هذه الرِّوايةِ، وفي غَيْرِها: موغِرينَ- فهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الَّذي تَوَلَّى كِبْرَ الإفْكِ عَبْدَ اللهِ بنَ أُبَيِّ [ابنَ] سَلولَ، فقَدِمْنا المَدينةَ، فاشْتَكَيْتُ بها شَهْرًا، والنَّاسُ يُفيضونَ في قَوْلِ أصْحابِ الإفْكِ ، لا أَشعُرُ بشيءٍ مِن ذلك، ويَريبُني في وَجَعي أنِّي لا أرى مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اللُّطْفَ الَّذي كُنْتُ أراه مِنه حينَ أَمرَضُ، إنَّما يَدخُلُ فيُسلِّمُ، ثُمَّ يقولُ: كيف تِيكُم؟ فذلك يَريبُني ولا أَشعُرُ حتَّى نَقَهْتُ، فخَرَجْتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أبي رُهْمٍ قِبَلَ المَناصِعِ ، وهو مُتَبَرَّزُنا، لا نَخرُجُ إلَّا مِن لَيْلٍ إلى لَيْلٍ، وذلك قَبْلَ أن نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَريبًا مِن بُيوتِنا، وأمْرُنا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في التَّنَزُّهِ، وأَقبَلْتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ نَمْشي فعَثَرَتْ في مِرْطِها فقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ!فقُلْتُ لها: بِئْسَ ما قُلْتِ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ قالَتْ: يا هَنْتَاهْ! أَلَمْ تَسمَعي ما قالَ؟ قُلْتُ: وماذا قالَ؟ فأَخبَرَتْني بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ ، فازْدَدْتُ مَرَضًا إلى مَرضِي، فلمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتي دَخَلَ علَيَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: كيف تيكم؟ فقُلْتُ: ائْذَنْ لي إلى أبَوَيَّ، قالَتْ: وأنا حينَئذٍ أُريدُ أن أَسْتيقِنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهما، قالَت: فأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فقُلْتُ لأُمِّي: ما يُحدِّثُ [به] النَّاسُ؟ قالَتْ: يا بُنَيَّةُ، هَوِّني على نفْسِك، فوَاللهِ لَقَلَّ ما كانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وَظِبَةً عنْدَ رَجُلٍ ولها ضَرائِرُ إلَّا أَكثَرْنَ عليها، فقُلْتُ: وقد تَحدَّثَ النَّاسُ بِهذا؟! قالَتْ: فبِتُّ تلك اللَّيْلةَ حتَّى أَصبَحْتُ ولا يَرْقى لي دَمْعٌ، ولا أَكْتَحِلُ بنَوْمٍ حتَّى أَصبَحْتُ . فدَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ [علِيَّ بنَ أبي طالِبٍ] وأُسامةَ بنَ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما حينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ يَسْتَشيرُهما في فِراقِ أهْلِه، فأمَّا أُسامةُ فأَشارَ عليه بالَّذي يَعرِفُ مِن بَراءةِ أهْلِه، وبالَّذي يَعلَمُ في نفْسِه مِن الوُدِّ لهم، فقالَ أُسامةُ: أهْلُك يا رَسولَ اللهِ، ولا نَعلَمُ إلَّا خَيْرًا، وأمَّا علِيٌّ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، لم يُضَيِّقِ اللهُ تَعالى عليك، والنِّساءُ سِواها كَثيرٌ، وسَلِ الجارِيةَ تَصدُقْك، قالَتْ: فدَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَريرةَ، فقالَ لها: هل عَلِمْتِ مِن عائِشةَ شَيئًا يَريبُكِ؟ فقالَتْ بَريرةُ: لا والَّذي بَعَثَك بالحَقِّ، ما رَأيْتُ مِنها أمْرًا أَغمِضُه عليها أَكثَرَ مِن أنَّها جارِيةٌ حَديثةُ السِّنِّ، تَنامُ عن العَجينِ حتَّى تأتيَ الدَّاجِنُ فتَأكُلُه، قالَتْ: فقامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منِ يومِه فاسْتَعْذَرَ مِن عَبْدِ اللهِ بن أُبَيٍّ[ابنِ] سَلولَ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا مَعشَرَ المُسلِمينَ، مَن يَعذِرُني مِن رَجُلٍ قد بَلَغَ أذاه في أهْلي، فواللهِ ما عَلِمْتُ على أهْلي إلَّا خَيْرًا، ولقد ذَكَروا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما كانَ يَدخُلُ على أهْلي إلَّا مَعي، فقامَ سَعْدُ بنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه، [فقالَ]: أنا أَعذِرُك مِنه يا رَسولَ اللهِ، إن كانَ مِن الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَه، وإن كانَ مِن إخْوانِنا مِن الخَزْرَجِ أمَرْتَنا ففَعَلْنا أمْرَك، فقامَ سَعْدُ بنُ عُبادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وكانَ قَبْلَ ذلك رَجُلًا صالِحًا، ولكنِ احْتَمَلَتْه الحَمِيَّةُ ، فقالَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لا تَقتُلُه، ولا تَقدِرُ على قَتْلِه، فقَامَ أُسيدُ بنُ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه -وهو ابنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ مُعاذٍ- فقالَ لِسَعْدِ بنِ عُبادةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّه؛ فإنَّك مُنافِقٌ تُجادِلُ عن المُنافِقينَ، فثارَ الحَيَّانِ ؛ الأَوْسُ والخَزْرَجُ حتَّى هَمُّوا بالقِتالِ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخَفِّضُهم حتَّى سَكَنوا. وبَكَيْتُ يَوْمي لا يَرْقى لي دَمْعٌ، ولا أَكْتَحِلُ بنَوْمٍ حتَّى ظَنَنْتُ أنَّ البُكاءَ فالِقٌ كَبِدي، فبَيْنا أنا على ذلك إذ اسْتَأذَنَتِ امْرَأةٌ مِن الأنْصارِ، فأَذِنْتُ لها، فجَلَسَتْ تَبْكي معي، فبَيْنا نحن كذلك إذ دَخَلَ [علينا] رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فجَلَسَ -ولم يَجلِسْ عنْدي مُنْذُ قيلَ لي ما قيلَ قَبْلَها، وقد مَكَثَ شَهْرًا لا يُوحى إليه في شَأني- فتَشَهَّدَ ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، يا عائِشةُ، فإنَّه قد بَلَغَني عنكِ كَذا وكَذا، فإن كُنْتِ بَريئةً فسَيُبَرِّئُك اللهُ تَعالى، وإن كُنْتِ أَلْمَمْتِ بذَنْبٍ فاسْتَغْفِري اللهَ وتوبي إليه؛ فإنَّ العَبْدَ إذا اعْتَرَفَ بذَنْبٍ ثُمَّ تابَ تابَ اللهُ عليه ، فلمَّا قَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ [مَقالتَه] قلَصَ دَمْعي حتَّى ما أُحِسُّ مِنه قَطْرةً، فقُلْتُ لأبي: أَجِبْ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما قالَ، قالَ: واللهِ ما أَدْري ما أَقولُ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ!فقُلْتُ لأُمِّي، فقالَتْ مِثلَ ذلك، فقُلْتُ وأنا جارِيةٌ حَديثةُ السِّنِّ لا أَقرَأْ كَثيرًا مِن القُرْآنِ: واللهِ لقد عَلِمْتُ أنَّكم قد سَمِعتُم ما يُحدَّثُ به، وقَرَّ في أنْفُسِكم فصَدَّقْتُم، ولئِنْ قُلْتُ: إنِّي بَريئةٌ، واللهُ تَعالى يَعلَمُ أنِّي بَريئةٌ لا تُصَدِّقوني بِذلك، ولئِنِ اعْتَرَفْتُ لكم بأمْرٍ يَعلَمُ اللهُ أنِّي مِنه بَريئةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللهِ لا أَجِدُ لي ولكم مَثَلًا إلَّا كما قالَ أبو يوسُفَ إذ قالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، قالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ على فِراشي وأنا أَرْجو أن يُبَرِّئَني اللهُ تَعالى ببَراءتي، ولكِنْ ما طَمِعْتُ أن يُنزَلَ في شَأني وَحْيٌ يُتْلى، ولأنا كُنْتُ أَحقَرُ في نفْسي مِن أن يُنزَلَ فيَّ قُرْآنٌ يُتْلى، ولكن كُنْتُ أَرْجو أن يَرى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيا تُبَرِّئُني، قالَتْ: فواللهِ ما رامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مَجلِسِه، ولا خَرَجَ أحَدٌ مِن البَيْتِ حتَّى أَنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عليه، فأخَذَه ما كانَ يَأخُذُه مِن البُرَحاءِ حتَّى إنَّه لَيَنْحدِرُ مِنه مِثلُ الجُمانِ مِن العَرَقِ في يَوْمٍ شاتٍ، قالَتْ: فسُرِّيَ [عن] رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَضحَكُ، فكانَ أوَّلُ كَلِمةٍ تَكلَّمَ بِها قالَ: يا عائِشةُ، احْمَدي اللهَ تعالى فقد بَرَّأَك اللهُ تعالى، فقُلْتُ: بحَمْدِ اللهِ لا بحَمْدِكم، فقالَتْ أُمِّي: قومي إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُلْتُ:  [لا] واللهِ لا أَقومُ إليه، ولا أَحمَد إلَّا اللهَ عَزَّ وجَلَّ، وأَنزَلَ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآياتِ كلَّها، فلمَّا أَنزَلَ اللهُ تَعالى براءتي قالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه -وكانَ يُنفِقُ على مِسْطَحٍ- فقالَ: واللهِ ما أُنفِقُ على مِسْطَحٍ شَيئًا أبَدًا بَعْدَما قالَ لعائِشةَ ما قالَ، فأَنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}إلى آخِرِ الآيِة، فقالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: بَلى [إنِّي] أُحِبُّ أن يَغفِرَ [اللهُ] لي، فرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ الَّذي كانَ يُجْري عليه، قالَتْ: وكانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَألَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عنها عن أمْري، فقالَ: يا زَيْنَبُ، ما عَلِمْتِ وما رَأيُك؟  فقالَتْ: أَحْمي سَمْعي وبَصَري، واللهِ ما عَلِمْتُ عليها إلَّا خَيْرًا، قالَتْ عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: وهي الَّتي كانَت تُساميني مِن أزْواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فعَصَمَها اللهُ عَزَّ وجَلَّ بالوَرَعِ، وطَفِقَتْ أخْتُها حَمْنةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحارِبُ عنها، فهَلَكَتْ فيمَن هَلَكَ. قالَ الزُّهْريُّ رَحِمَه اللهُ: فهذا ما انْتَهى إلينا مِن حَديثِ هؤلاء الرَّهْطِ.

252 - كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ أقْرَعَ بيْنَ أزْوَاجِهِ، فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معهُ، قالَتْ عَائِشَةُ: فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدَما نَزَلَ الحِجَابُ، فأنَا أُحْمَلُ في هَوْدَجِي، وأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حتَّى إذَا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزْوَتِهِ تِلكَ وقَفَلَ، ودَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ فَمَشيتُ حتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أقْبَلْتُ إلى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ علَى بَعِيرِي الذي كُنْتُ رَكِبْتُ، وهُمْ يَحْسِبُونَ أنِّي فِيهِ، وكانَ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا، لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إنَّما تَأْكُلُ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ، وكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الجَمَلَ وسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وليسَ بهَا دَاعٍ، ولَا مُجِيبٌ فأمَمْتُ مَنْزِلِي الذي كُنْتُ به، وظَنَنْتُ أنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ، فَبيْنَا أنَا جَالِسَةٌ في مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِن ورَاءِ الجَيْشِ، فأدْلَجَ فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ، فأتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وكانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وجْهِي بجِلْبَابِي ، ووَاللَّهِ ما كَلَّمَنِي كَلِمَةً ولَا سَمِعْتُ منه كَلِمَةً غيرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حتَّى أنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ علَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بي الرَّاحِلَةَ ، حتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَما نَزَلُوا مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الذي تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، والنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أصْحَابِ الإفْكِ ، لا أشْعُرُ بشيءٍ مِن ذلكَ وهو يَرِيبُنِي في وجَعِي، أنِّي لا أعْرِفُ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اللَّطَفَ الذي كُنْتُ أرَى منه حِينَ أشْتَكِي، إنَّما يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيُسَلِّمُ ثُمَّ يقولُ: كيفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الذي يَرِيبُنِي ولَا أشْعُرُ بالشَّرِّ حتَّى خَرَجْتُ بَعْدَما نَقَهْتُ، فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ وهو مُتَبَرَّزُنَا، وكُنَّا لا نَخْرُجُ إلَّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وذلكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنَا، وأَمْرُنَا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ، فَكُنَّا نَتَأَذَّى بالكُنُفِ أنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ وهي ابْنَةُ أبِي رُهْمِ بنِ عبدِ مَنَافٍ، وأُمُّهَا بنْتُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ خَالَةُ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وابنُهَا مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ، فأقْبَلْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي، وقدْ فَرَغْنَا مِن شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِهَا، فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلتُ لَهَا: بئْسَ ما قُلْتِ، أتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ قالَتْ: أيْ هَنْتَاهْ أوَلَمْ تَسْمَعِي ما قالَ؟ قالَتْ: قُلتُ: وما قالَ؟ فأخْبَرَتْنِي بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا علَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتِي، ودَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَعْنِي سَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: كيفَ تِيكُمْ فَقُلتُ: أتَأْذَنُ لي أنْ آتِيَ أبَوَيَّ، قالَتْ: وأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِمَا، قالَتْ: فأذِنَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجِئْتُ أبَوَيَّ فَقُلتُ لِأُمِّي: يا أُمَّتَاهْ ما يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قالَتْ: يا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّما كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، ولَهَا ضَرَائِرُ إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قالَتْ: فَقُلتُ سُبْحَانَ اللَّهِ، أوَلقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بهذا؟ قالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلكَ اللَّيْلَةَ حتَّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ ، حتَّى أصْبَحْتُ أبْكِي، فَدَعَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ وأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ ، يَسْتَأْمِرُهُما في فِرَاقِ أهْلِهِ، قالَتْ: فأمَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ فأشَارَ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالَّذِي يَعْلَمُ مِن بَرَاءَةِ أهْلِهِ، وبِالَّذِي يَعْلَمُ لهمْ في نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أهْلَكَ ولَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، وأَمَّا عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، والنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وإنْ تَسْأَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قالَتْ: فَدَعَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقالَ: أيْ بَرِيرَةُ، هلْ رَأَيْتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟ قالَتْ بَرِيرَةُ: لا والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، إنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أمْرًا أغْمِصُهُ عَلَيْهَا، أكْثَرَ مِن أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عن عَجِينِ أهْلِهَا، فَتَأْتي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَعْذَرَ يَومَئذٍ مِن عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قالَتْ: فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو علَى المِنْبَرِ: يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قدْ بَلَغَنِي أذَاهُ في أهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلَّا خَيْرًا، ولقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ الأنْصَارِيُّ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ أنَا أعْذِرُكَ منه، إنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وإنْ كانَ مِن إخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أمْرَكَ، قالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وكانَ قَبْلَ ذلكَ رَجُلًا صَالِحًا، ولَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ ، فَقالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لا تَقْتُلُهُ، ولَا تَقْدِرُ علَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وهو ابنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، فَقالَ لِسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فإنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، فَتَثَاوَرَ الحَيَّانِ الأوْسُ والخَزْرَجُ حتَّى هَمُّوا أنْ يَقْتَتِلُوا، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمٌ علَى المِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حتَّى سَكَتُوا، وسَكَتَ، قالَتْ: فَبَكَيْتُ يَومِي ذلكَ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ ، قالَتْ: فأصْبَحَ أبَوَايَ عِندِي وقدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا لا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، ولَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، يَظُنَّانِ أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قالَتْ: فَبيْنَما هُما جَالِسَانِ عِندِي، وأَنَا أبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ، فأذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قالَتْ: فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قالَتْ: ولَمْ يَجْلِسْ عِندِي مُنْذُ قيلَ ما قيلَ قَبْلَهَا، وقدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إلَيْهِ في شَأْنِي، قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ يا عَائِشَةُ، فإنَّه قدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إلى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عليه قالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حتَّى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً، فَقُلتُ لأبِي: أجِبْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِيما قالَ، قالَ: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ لِأُمِّي: أجِيبِي رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَتْ: ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَتْ: فَقُلتُ وأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ: إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ لقَدْ سَمِعْتُمْ هذا الحَدِيثَ، حتَّى اسْتَقَرَّ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به فَلَئِنْ، قُلتُ لَكُمْ: إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي منه بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إلَّا قَوْلَ أبِي يُوسُفَ، قالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ}، قالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي، قالَتْ: وأَنَا حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي ببَرَاءَتِي، ولَكِنْ واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلَى، ولَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بأَمْرٍ يُتْلَى، ولَكِنْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بهَا، قالَتْ: فَوَاللَّهِ ما رَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا خَرَجَ أحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ حتَّى أُنْزِلَ عليه، فأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ ، حتَّى إنَّه لَيَتَحَدَّرُ منه مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ، وهو في يَومٍ شَاتٍ، مِن ثِقَلِ القَوْلِ الذي يُنْزَلُ عليه، قالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُرِّيَ عنْه وهو يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا: يا عَائِشَةُ، أمَّا اللَّهُ عزَّ وجلَّ فقَدْ بَرَّأَكِ فَقالَتْ أُمِّي: قُومِي إلَيْهِ، قالَتْ: فَقُلتُ: لا واللَّهِ لا أقُومُ إلَيْهِ، ولَا أحْمَدُ إلَّا اللَّهَ عزَّ وجلَّ، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُم لا تَحْسِبُوهُ) العَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا، فَلَمَّا أنْزَلَ اللَّهُ هذا في بَرَاءَتِي، قالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه وكانَ يُنْفِقُ علَى مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ منه وفَقْرِهِ: واللَّهِ لا أُنْفِقُ علَى مِسْطَحٍ شيئًا أبَدًا بَعْدَ الذي قالَ لِعَائِشَةَ ما قالَ، فأنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولو الفَضْلِ مِنكُم والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى والمَسَاكِينَ والمُهَاجِرِينَ في سَبيلِ اللَّهِ، ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا، ألَا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قالَ أبو بَكْرٍ: بَلَى واللَّهِ إنِّي أُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتي كانَ يُنْفِقُ عليه، وقالَ: واللَّهِ لا أنْزِعُهَا منه أبَدًا، قالَتْ عَائِشَةُ: وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عن أمْرِي، فَقالَ: يا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أوْ رَأَيْتِ؟ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، ما عَلِمْتُ إلَّا خَيْرًا، قالَتْ: وهي الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي مِن أزْوَاجِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بالوَرَعِ وطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَن هَلَكَ مِن أصْحَابِ الإفْكِ .

253 - كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا، أَقْرَعَ بيْنَ نِسَائِهِ، فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ معهُ. قالَتْ عَائِشَةُ: فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَذلكَ بَعْدَ ما أُنْزِلَ الحِجَابُ، فأنَا أُحْمَلُ في هَوْدَجِي، وَأُنْزَلُ فيه مَسِيرَنَا حتَّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مِن غَزْوِهِ، وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ، فَمَشيتُ حتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ مِن شَأْنِي أَقْبَلْتُ إلى الرَّحْلِ ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدِي مِن جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ علَى بَعِيرِيَ الذي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ. قالَتْ: وَكَانَتِ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا، لَمْ يُهَبَّلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إنَّما يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ ثِقَلَ الهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ ما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَليسَ بهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الذي كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أنَّ القَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ، فَبيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ في مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قدْ عَرَّسَ مِن وَرَاءِ الجَيْشِ فَادَّلَجَ، فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ، فأتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ عَلَيَّ، فَاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بجِلْبَابِي ، وَوَاللَّهِ ما يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ منه كَلِمَةً غيرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ، فَوَطِئَ علَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بيَ الرَّاحِلَةَ ، حتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ، بَعْدَ ما نَزَلُوا مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، فَهَلَكَ مَن هَلَكَ في شَأْنِي، وَكانَ الذي تَوَلَّى كِبْرَهُ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ، حِينَ قَدِمْنَا المَدِينَةَ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أَهْلِ الإفْكِ ، وَلَا أَشْعُرُ بشيءٍ مِن ذلكَ، وَهو يَرِيبُنِي في وَجَعِي أَنِّي لا أَعْرِفُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ اللُّطْفَ، الذي كُنْتُ أَرَى منه حِينَ أَشْتَكِي، إنَّما يَدْخُلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فيُسَلِّمُ، ثُمَّ يقولُ: كيفَ تِيكُمْ؟ فَذَاكَ يَرِيبُنِي ، وَلَا أَشْعُرُ بالشَّرِّ، حتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ ما نَقَهْتُ وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ ، وَهو مُتَبَرَّزُنَا، وَلَا نَخْرُجُ إلَّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ وَذلكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في التَّنَزُّهِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهي بنْتُ أَبِي رُهْمِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عبدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابنُهَا مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ المُطَّلِبِ، فأقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي، حِينَ فَرَغْنَا مِن شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِهَا، فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلتُ لَهَا: بئْسَ ما قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قدْ شَهِدَ بَدْرًا، قالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ، أَوْ لَمْ تَسْمَعِي ما قالَ؟ قُلتُ: وَمَاذَا قالَ؟ قالَتْ: فأخْبَرَتْنِي بقَوْلِ أَهْلِ الإفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا إلى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: كيفَ تِيكُمْ؟ قُلتُ: أَتَأْذَنُ لي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِمَا، فأذِنَ لي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلتُ لِأُمِّي: يا أُمَّتَاهْ ما يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فَقالَتْ: يا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّما كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ ، إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قالَتْ قُلتُ: سُبْحَانَ اللهِ وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بهذا؟ قالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلكَ اللَّيْلَةَ حتَّى أَصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بنَوْمٍ ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ ، يَسْتَشِيرُهُما في فِرَاقِ أَهْلِهِ، قالَتْ فأمَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ فأشَارَ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالَّذِي يَعْلَمُ مِن بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ في نَفْسِهِ لهمْ مِنَ الوُدِّ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، هُمْ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وإنْ تَسْأَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ فَقالَ: أَيْ بَرِيرَةُ هلْ رَأَيْتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ مِن عَائِشَةَ؟ قالَتْ له بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ إنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا، أَكْثَرَ مِن أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عن عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى المِنْبَرِ، فَاسْتَعْذَرَ مِن عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قالَتْ: فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو علَى المِنْبَرِ: يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قدْ بَلَغَ أَذَاهُ في أَهْلِ بَيْتي فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا، وَلقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وَما كانَ يَدْخُلُ علَى أَهْلِي إلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ الأنْصَارِيُّ، فَقالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ منه، يا رَسُولَ اللهِ، إنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وإنْ كانَ مِن إخْوَانِنَا الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وَهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وَكانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ اجْتَهَلَتْهُ الحَمِيَّةُ ، فَقالَ لِسَعْدِ بنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ علَى قَتْلِهِ فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، وَهو ابنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، فَقالَ لِسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فإنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ فَثَارَ الحَيَّانِ الأوْسُ وَالْخَزْرَجُ حتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قَائِمٌ علَى المِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قالَتْ: وَبَكَيْتُ يَومِي ذلكَ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بنَوْمٍ ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتي المُقْبِلَةَ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بنَوْمٍ وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبيْنَما هُما جَالِسَانِ عِندِي وَأَنَا أَبْكِي اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ، فأذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي، قالَتْ: فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، قالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِندِي مُنْذُ قيلَ لي ما قيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إلَيْهِ في شَأْنِي بشيءٍ، قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: أَمَّا بَعْدُ يا عَائِشَةُ، فإنَّه قدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وإنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عليه قالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حتَّى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً، فَقُلتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فِيما قالَ فَقالَ: وَاللَّهِ ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقُلتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَتْ: وَاللَّهِ ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ إنِّي وَاللَّهِ لقَدْ عَرَفْتُ أنَّكُمْ قدْ سَمِعْتُمْ بهذا حتَّى اسْتَقَرَّ في نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ به، فإنْ قُلتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونَنِي وإنِّي، وَاللَّهِ ما أَجِدُ لي وَلَكُمْ مَثَلًا إلَّا كما قالَ أَبُو يُوسُفَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ}. قالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي، قالَتْ: وَأَنَا، وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي ببَرَاءَتِي، وَلَكِنْ، وَاللَّهِ ما كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ في شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كانَ أَحْقَرَ في نَفْسِي مِن أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بهَا، قالَتْ: فَوَاللَّهِ ما رَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ مِن أَهْلِ البَيْتِ أَحَدٌ حتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ علَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ عِنْدَ الوَحْيِ ، حتَّى إنَّه لَيَتَحَدَّرُ منه مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ، في اليَومِ الشَّاتِ، مِن ثِقَلِ القَوْلِ الذي أُنْزِلَ عليه، قالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَهو يَضْحَكُ، فَكانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا أَنْ قالَ: أَبْشِرِي يا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فقَدْ بَرَّأَكِ فَقالَتْ لي أُمِّي: قُومِي إلَيْهِ، فَقُلتُ: وَاللَّهِ لا أَقُومُ إلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إلَّا اللَّهَ، هو الذي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، قالَتْ: فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُم} عَشْرَ آيَاتٍ فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الآيَاتِ بَرَاءَتِي، قالَتْ: فَقالَ أَبُو بَكْرٍ وَكانَ يُنْفِقُ علَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ منه وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عليه شيئًا أَبَدًا بَعْدَ الذي قالَ لِعَائِشَةَ فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولو الفَضْلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى} إلى قَوْلِهِ: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}. قالَ حِبَّانُ بنُ مُوسَى: قالَ عبدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ: هذِه أَرْجَى آيَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ. فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتي كانَ يُنْفِقُ عليه، وَقالَ: لا أَنْزِعُهَا منه أَبَدًا. قالَتْ عَائِشَةُ: وَكانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عن أَمْرِي ما عَلِمْتِ؟ أَوْ ما رَأَيْتِ؟ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ ما عَلِمْتُ إلَّا خَيْرًا. قالَتْ عَائِشَةُ: وَهي الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي مِن أَزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بالوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَن هَلَكَ. قالَ الزُّهْرِيُّ: فَهذا ما انْتَهَى إلَيْنَا مِن أَمْرِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ. وقالَ في حَديثِ يُونُسَ: احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ .

254 - ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ ، وَهو يُرِيدُ الرُّومَ وَنَصَارَى العَرَبِ بالشَّامِ، قالَ ابنُ شِهَابٍ: فأخْبَرَنِي عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ كَعْبٍ كانَ قَائِدَ كَعْبٍ، مِن بَنِيهِ، حِينَ عَمِيَ، قالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ ، قالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ، إلَّا في غَزْوَةِ تَبُوكَ ، غيرَ أَنِّي قدْ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عنْه، إنَّما خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ، حتَّى جَمع اللَّهُ بيْنَهُمْ وبيْنَ عَدُوِّهِمْ، علَى غيرِ مِيعَادٍ، وَلقَدْ شَهِدْتُ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا علَى الإسْلَامِ ، وَما أُحِبُّ أنَّ لي بهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وإنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ منها، وَكانَ مِن خَبَرِي، حِينَ تَخَلَّفْتُ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْه في تِلكَ الغَزْوَةِ، وَاللَّهِ ما جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ، حتَّى جَمَعْتُهُما في تِلكَ الغَزْوَةِ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَا لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ ، فأخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِمِ الذي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ، يُرِيدُ بذلكَ الدِّيوَانَ، قالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ، يَظُنُّ أنَّ ذلكَ سَيَخْفَى له، ما لَمْ يَنْزِلْ فيه وَحْيٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ تِلكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، فأنَا إلَيْهَا أَصْعَرُ، فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ معهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ معهُمْ، فأرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شيئًا، وَأَقُولُ في نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ علَى ذلكَ، إذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ ذلكَ يَتَمَادَى بي حتَّى اسْتَمَرَّ بالنَّاسِ الجِدُّ، فأصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ غَادِيًا وَالْمُسْلِمُونَ معهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِن جَهَازِي شيئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شيئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذلكَ يَتَمَادَى بي حتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذلكَ لِي، فَطَفِقْتُ، إذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ، بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَحْزُنُنِي أَنِّي لا أَرَى لي أُسْوَةً إلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عليه في النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقالَ: وَهو جَالِسٌ في القَوْمِ بتَبُوكَ ما فَعَلَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ؟ قالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سَلِمَةَ يا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ في عِطْفَيْهِ ، فَقالَ له مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ: بئْسَ ما قُلْتَ، وَاللَّهِ يا رَسُولَ اللهِ، ما عَلِمْنَا عليه إلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَبيْنَما هو علَى ذلكَ رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضًا يَزُولُ به السَّرَابُ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَإِذَا هو أَبُو خَيْثَمَةَ الأنْصَارِيُّ، وَهو الذي تَصَدَّقَ بصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ المُنَافِقُونَ. فَقالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِن تَبُوكَ ، حَضَرَنِي بَثِّي ، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الكَذِبَ وَأَقُولُ: بمَ أَخْرُجُ مِن سَخَطِهِ غَدًا؟ وَأَسْتَعِينُ علَى ذلكَ كُلَّ ذِي رَأْيٍ مِن أَهْلِي، فَلَمَّا قيلَ لِي: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ، حتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ منه بشيءٍ أَبَدًا، فأجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَادِمًا، وَكانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بَدَأَ بالمَسْجِدِ فَرَكَعَ فيه رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذلكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ له، وَكَانُوا بضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ منهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لهمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إلى اللهِ، حتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، ثُمَّ قالَ: تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حتَّى جَلَسْتُ بيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ لِي: ما خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي، وَاللَّهِ لو جَلَسْتُ عِنْدَ غيرِكَ مِن أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِن سَخَطِهِ بعُذْرٍ، وَلقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ، لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليومَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى به عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لأَرْجُو فيه عُقْبَى اللهِ، وَاللَّهِ ما كانَ لي عُذْرٌ، وَاللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَمَّا هذا، فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِن بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقالوا لِي: وَاللَّهِ ما عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هذا، لقَدْ عَجَزْتَ في أَنْ لا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، بما اعْتَذَرَ به إلَيْهِ المُخَلَّفُونَ، فقَدْ كانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ، اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لَكَ. قالَ: فَوَاللَّهِ ما زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، قالَ ثُمَّ قُلتُ لهمْ: هلْ لَقِيَ هذا مَعِي مِن أَحَدٍ؟ قالوا: نَعَمْ، لَقِيَهُ معكَ رَجُلَانِ، قالَا مِثْلَ ما قُلْتَ، فقِيلَ لهما مِثْلَ ما قيلَ لَكَ، قالَ قُلتُ: مَن هُمَا؟ قالوا: مُرَارَةُ بنُ الرَّبِيعَةَ العَامِرِيُّ وَهِلَالُ بنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ، قالَ: فَذَكَرُوا لي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِما أُسْوَةٌ، قالَ: فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي. قالَ وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ المُسْلِمِينَ عن كَلَامِنَا، أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ، مِن بَيْنِ مَن تَخَلَّفَ عنْه. قالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَقالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حتَّى تَنَكَّرَتْ لي في نَفْسِيَ الأرْضُ، فَما هي بالأرْضِ الَّتي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا علَى ذلكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فأمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتِهِما يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ القَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فأشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ في الأسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عليه، وَهو في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فأقُولُ في نَفْسِي: هلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ برَدِّ السَّلَامِ، أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا منه وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ علَى صَلَاتي نَظَرَ إلَيَّ وإذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حتَّى إذَا طَالَ ذلكَ عَلَيَّ مِن جَفْوَةِ المُسْلِمِينَ، مَشيتُ حتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهو ابنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عليه، فَوَاللَّهِ ما رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ. فَقُلتُ له: يا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ باللَّهِ هلْ تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قالَ: فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَقالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ، حتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ. فَبيْنَا أَنَا أَمْشِي في سُوقِ المَدِينَةِ، إذَا نَبَطِيٌّ مِن نَبَطِ أَهْلِ الشَّامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بالمَدِينَةِ يقولُ: مَن يَدُلُّ علَى كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ له إلَيَّ، حتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا مِن مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا، فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنَّه قدْ بَلَغَنَا أنَّ صَاحِبَكَ قدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ ، فَالْحَقْ بنَا نُوَاسِكَ ، قالَ: فَقُلتُ: حِينَ قَرَأْتُهَا: وَهذِه أَيْضَا مِنَ البَلَاءِ فَتَيَامَمْتُ بهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهَا بهَا، حتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الخَمْسِينَ، وَاسْتَلْبَثَ الوَحْيُ ، إذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَأْتِينِي، فَقالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، قالَ: فَقُلتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا، فلا تَقْرَبَنَّهَا، قالَ: فأرْسَلَ إلى صَاحِبَيَّ بمِثْلِ ذلكَ، قالَ: فَقُلتُ لاِمْرَأَتِي: الحَقِي بأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ في هذا الأمْرِ، قالَ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَتْ له: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ هِلَالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضَائِعٌ ليسَ له خَادِمٌ ، فَهلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قالَ: لَا، وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ فَقالَتْ: إنَّهُ، وَاللَّهِ ما به حَرَكَةٌ إلى شيءٍ، وَوَاللَّهِ ما زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كانَ مِن أَمْرِهِ ما كَانَ، إلى يَومِهِ هذا، قالَ: فَقالَ لي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في امْرَأَتِكَ؟ فقَدْ أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلَالِ بنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، قالَ: فَقُلتُ: لا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَما يُدْرِينِي مَاذَا يقولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، إذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، قالَ: فَلَبِثْتُ بذلكَ عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِن حِينَ نُهي عن كَلَامِنَا، قالَ ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، علَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِن بُيُوتِنَا فَبيْنَا أَنَا جَالِسٌ علَى الحَالِ الَّتي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا، قدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بما رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى علَى سَلْعٍ يقولُ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يا كَعْبَ بنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ ، قالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قدْ جَاءَ فَرَجٌ. قالَ: فَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ النَّاسَ بتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا، حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إلَيَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِن أَسْلَمَ قِبَلِي، وَأَوْفَى الجَبَلَ، فَكانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الذي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، فَنَزَعْتُ له ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُما إيَّاهُ ببِشَارَتِهِ، وَاللَّهِ ما أَمْلِكُ غَيْرَهُما يَومَئذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنِّئُونِي بالتَّوْبَةِ ويقولونَ: لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ حتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ جَالِسٌ في المَسْجِدِ وَحَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَاللَّهِ ما قَامَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ. قالَ فَكانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ: وَهو يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ ويقولُ: أَبْشِرْ بخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ قالَ: فَقُلتُ: أَمِنْ عِندِكَ؟ يا رَسُولَ اللهِ، أَمْ مِن عِندِ اللهِ فَقالَ: لَا، بَلْ مِن عِندِ اللهِ وَكانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، إذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، كَأنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، قالَ: وَكُنَّا نَعْرِفُ ذلكَ، قالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بيْنَ يَدَيْهِ قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ مِن تَوْبَتي أَنْ أَنْخَلِعَ مِن مَالِي صَدَقَةً إلى اللهِ وإلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ، فَهو خَيْرٌ لكَ قالَ: فَقُلتُ: فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الذي بخَيْبَرَ، قالَ: وَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ اللَّهَ إنَّما أَنْجَانِي بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبَتي أَنْ لا أُحَدِّثَ إلَّا صِدْقًا ما بَقِيتُ، قالَ: فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ أنَّ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ في صِدْقِ الحَديثِ، مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى يَومِي هذا، أَحْسَنَ ممَّا أَبْلَانِي اللَّهُ به، وَاللَّهِ ما تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً مُنْذُ قُلتُ ذلكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، إلى يَومِي هذا، وإنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيما بَقِيَ. قالَ: فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لقَدْ تَابَ اللَّهُ علَى النبيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ ما كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ منهمْ ثُمَّ تَابَ عليهم، إنَّه بهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وعلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حتَّى إذَا ضَاقَتْ عليهمِ الأرْضُ بما رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عليهم أَنْفُسُهُمْ} حتَّى بَلَغَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مع الصَّادِقِينَ}. قالَ كَعْبٌ: وَاللَّهِ ما أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِن نِعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ إذْ هَدَانِي اللَّهُ لِلإِسْلَامِ، أَعْظَمَ في نَفْسِي، مِن صِدْقِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَنْ لا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فأهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، إنَّ اللَّهَ قالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا، حِينَ أَنْزَلَ الوَحْيَ ، شَرَّ ما قالَ لأَحَدٍ. وَقالَ اللَّهُ: {سَيَحْلِفُونَ باللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إليهِم لِتُعْرِضُوا عنْهمْ، فأعْرِضُوا عنْهمْ، إنَّهُمْ رِجْسٌ ، وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بما كَانُوا يَكْسِبُونَ، يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عنْهمْ، فإنْ تَرْضَوْا عنْهمْ، فإنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقِينَ}. قالَ كَعْبٌ: كُنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عن أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ منهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا له، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لهمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذلكَ قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وعلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وَليسَ الذي ذَكَرَ اللَّهُ ممَّا خُلِّفْنَا، تَخَلُّفَنَا عَنِ الغَزْوِ، وإنَّما هو تَخْلِيفُهُ إيَّانَا، وإرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا، عَمَّنْ حَلَفَ له وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَبِلَ منه. وفي رواية : أن عُبَيْدَ اللهِ بنَ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، وَكانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِيَ، قالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ، حِينَ تَخَلَّفَ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَزَادَ فِيهِ، علَى يُونُسَ: فَكانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَلَّما يُرِيدُ غَزْوَةً إلَّا وَرَّى بغَيْرِهَا، حتَّى كَانَتْ تِلكَ الغَزْوَةُ.

255 - أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا، فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ، فأطْعَمْتُهُ منه، فَعَلِمَ بذلكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذلكَ له، فَدَعَاهُ فَقالَ: لِمَ ضَرَبْتَهُ؟ فَقالَ: يُعْطِي طَعَامِي بغيرِ أَنْ آمُرَهُ، فَقالَ: الأجْرُ بيْنَكُمَا.

256 - لا يَقُلْ أحَدُكُمْ: أطْعِمْ رَبَّكَ، وضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، ولْيَقُلْ: سَيِّدِي، مَوْلايَ، ولا يَقُلْ أحَدُكُمْ: عَبْدِي، أَمَتِي، ولْيَقُلْ: فَتايَ، وفَتاتي، وغُلامِي.

257 - فألهمَها فُجورَها وتقواها قال : اللهمَّ إيتِ نفسي تقواها، زكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها قال أبو بكرٍ : وهو في الصلاةِ كأنه القُنوتُ

258 - لا يَقُلْ أحَدُكُمُ اسْقِ رَبَّكَ، أطْعِمْ رَبَّكَ، وضِّئْ رَبَّكَ، ولا يَقُلْ أحَدُكُمْ رَبِّي، ولْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلايَ، ولا يَقُلْ أحَدُكُمْ عَبْدِي أمَتِي، ولْيَقُلْ فَتايَ فَتاتي غُلامِي.

259 - اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ، والجبنِ والبخلِ، والهرمِ، وعذابِ القبرِ، وفتنةِ الدجَّالِ، اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من علْمٍ لا ينفعُ، ومن قلْبٍ لا يخشعُ، ومن نفسٍ لا تشبعُ، ومن دعوةٍ لا يُستجابُ لها

260 - لا أُعلِّمُكم إلا ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يُعلِّمُنا يقول اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ، والبخلِ والجبنِ، والهَرَمِ وعذابِ القبرِ اللَّهمَّ آتِ نفسي تقْوَاها وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها أنت ولِيُّها ومولاها اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من قلبٍ لا يخشعُ ومن نفسٍ لا تشبعُ وعلمٍ لا ينفعُ ودعوةٌ لا يُستجابُ لها
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : زيد بن أرقم | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم : 5473
التصنيف الموضوعي: استعاذة - التعوذ استعاذة - ما يؤمر به من التعوذ
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

261 - لا أُحدِّثُكم إلا ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ حدَّثنا به ويأمُرنا أن نقولَ اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ والجبنِ والبخلِ والهَرَمِ وعذابِ القبرِ اللَّهمَّ آتِ نفسي تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها أنت وَلِيُّها ومولاها، اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من نفسٍ لا تشبعُ، ومن قلبٍ لا يخشعُ، ومن علمٍ لا ينفعُ، ودعوةٍ لا تُستجابُ
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : زيد بن أرقم | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم : 5553
التصنيف الموضوعي: استعاذة - التعوذ استعاذة - ما يؤمر به من التعوذ
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

262 - لَا أَقُولُ لَكُمْ إلَّا كما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ؛ كانَ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا.

263 -  خَرَجْتُ مع عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ، قَالَ لي عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عَدِيٍّ: هلْ لكَ في وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عن قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلتُ: نَعَمْ، وكانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، فَسَأَلْنَا عنْه، فقِيلَ لَنَا: هو ذَاكَ في ظِلِّ قَصْرِهِ كَأنَّهُ حَمِيتٌ، قَالَ: فَجِئْنَا حتَّى وقَفْنَا عليه بيَسِيرٍ ، فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ السَّلَامَ، قَالَ: وعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ بعِمَامَتِهِ، ما يَرَى وَحْشِيٌّ إلَّا عَيْنَيْهِ ورِجْلَيْهِ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: يا وَحْشِيُّ، أتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: فَنَظَرَ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لا واللَّهِ، إلَّا أنِّي أعْلَمُ أنَّ عَدِيَّ بنَ الخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قِتَالٍ بنْتُ أبِي العِيصِ، فَوَلَدَتْ له غُلَامًا بمَكَّةَ، فَكُنْتُ أسْتَرْضِعُ له ، فَحَمَلْتُ ذلكَ الغُلَامَ مع أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إيَّاهُ، فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إلى قَدَمَيْكَ، قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عن وجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: ألَا تُخْبِرُنَا بقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ إنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بنَ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ ببَدْرٍ، فَقَالَ لي مَوْلَايَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ: إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بعَمِّي فأنْتَ حُرٌّ، قَالَ: فَلَمَّا أنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ -وعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بحِيَالِ أُحُدٍ، بيْنَهُ وبيْنَهُ وادٍ- خَرَجْتُ مع النَّاسِ إلى القِتَالِ، فَلَمَّا أنِ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ: هلْ مِن مُبَارِزٍ؟ قَالَ: فَخَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: يا سِبَاعُ، يا ابْنَ أُمِّ أنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ البُظُورِ ، أتُحَادُّ اللَّهَ ورَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟! قَالَ: ثُمَّ شَدَّ عليه، فَكانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ، قَالَ: وكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بحَرْبَتِي، فأضَعُهَا في ثُنَّتِهِ حتَّى خَرَجَتْ مِن بَيْنِ ورِكَيْهِ، قَالَ: فَكانَ ذَاكَ العَهْدَ به، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ معهُمْ، فأقَمْتُ بمَكَّةَ حتَّى فَشَا فِيهَا الإسْلَامُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إلى الطَّائِفِ، فأرْسَلُوا إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَسولًا، فقِيلَ لِي: إنَّه لا يَهِيجُ الرُّسُلَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ معهُمْ حتَّى قَدِمْتُ علَى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: آنْتَ وَحْشِيٌّ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قَالَ: أنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ قُلتُ: قدْ كانَ مِنَ الأمْرِ ما بَلَغَكَ، قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُغَيِّبَ وجْهَكَ عَنِّي؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ، قُلتُ: لَأَخْرُجَنَّ إلى مُسَيْلِمَةَ؛ لَعَلِّي أقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ به حَمْزَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مع النَّاسِ، فَكانَ مِن أمْرِهِ ما كَانَ، قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ في ثَلْمَةِ جِدَارٍ كَأنَّهُ جَمَلٌ أوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ ، قَالَ: فَرَمَيْتُهُ بحَرْبَتِي، فأضَعُهَا بيْنَ ثَدْيَيْهِ حتَّى خَرَجَتْ مِن بَيْنِ كَتِفَيْهِ، قَالَ: ووَثَبَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ فَضَرَبَهُ بالسَّيْفِ علَى هَامَتِهِ . قَالَ: قَالَ عبدُ اللَّهِ بنُ الفَضْلِ: فأخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، أنَّه سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ علَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ العَبْدُ الأسْوَدُ.

264 - لَمَّا وقَفَ الزُّبَيْرُ يَومَ الجَمَلِ دَعَانِي، فَقُمْتُ إلى جَنْبِهِ فَقالَ: يا بُنَيِّ، إنَّه لا يُقْتَلُ اليومَ إلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وإنِّي لا أُرَانِي إلَّا سَأُقْتَلُ اليومَ مَظْلُومًا، وإنَّ مِن أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِن مَالِنَا شيئًا؟ فَقالَ: يا بُنَيِّ بعْ مَالَنَا، فَاقْضِ دَيْنِي. وأَوْصَى بالثُّلُثِ، وثُلُثِهِ لِبَنِيهِ -يَعْنِي بَنِي عبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ- يقولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ، فإنْ فَضَلَ مِن مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيءٌ، فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ -قالَ هِشَامٌ: وكانَ بَعْضُ ولَدِ عبدِ اللَّهِ قدْ وازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ؛ خُبَيْبٌ وعَبَّادٌ، وله يَومَئذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ، وتِسْعُ بَنَاتٍ- قالَ عبدُ اللَّهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بدَيْنِهِ، ويقولُ: يا بُنَيِّ إنْ عَجَزْتَ عنْه في شَيءٍ، فَاسْتَعِنْ عليه مَوْلَايَ، قالَ: فَوَاللَّهِ ما دَرَيْتُ ما أَرَادَ حتَّى قُلتُ: يا أَبَةِ مَن مَوْلَاكَ؟ قالَ: اللَّهُ، قالَ: فَوَاللَّهِ ما وقَعْتُ في كُرْبَةٍ مِن دَيْنِهِ، إلَّا قُلتُ: يا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عنْه دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ، فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، ولَمْ يَدَعْ دِينَارًا ولَا دِرْهَمًا إلَّا أَرَضِينَ، منها الغَابَةُ، وإحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بالمَدِينَةِ، ودَارَيْنِ بالبَصْرَةِ، ودَارًا بالكُوفَةِ، ودَارًا بمِصْرَ، قالَ: وإنَّما كانَ دَيْنُهُ الذي عليه أنَّ الرَّجُلَ كانَ يَأْتِيهِ بالمَالِ، فَيَسْتَوْدِعُهُ إيَّاهُ، فيَقولُ الزُّبَيْرُ: لا، ولَكِنَّهُ سَلَفٌ؛ فإنِّي أَخْشَى عليه الضَّيْعَةَ، وما ولِيَ إمَارَةً قَطُّ ولَا جِبَايَةَ خَرَاجٍ، ولَا شيئًا إلَّا أَنْ يَكونَ في غَزْوَةٍ مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أَوْ مع أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ، قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ: فَحَسَبْتُ ما عليه مِنَ الدَّيْنِ، فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ ومِئَتَيْ أَلْفٍ، قالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللَّهِ بنَ الزُّبَيْرِ، فَقالَ: يا ابْنَ أَخِي، كَمْ علَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمَهُ، فَقالَ: مِئَةُ أَلْفٍ، فَقالَ حَكِيمٌ: واللَّهِ ما أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهذِه، فَقالَ له عبدُ اللَّهِ: أَفَرَأَيْتَكَ إنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ ومِئَتَيْ أَلْفٍ؟ قالَ: ما أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هذا، فإنْ عَجَزْتُمْ عن شَيءٍ منه فَاسْتَعِينُوا بي، قالَ: وكانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الغَابَةَ بسَبْعِينَ ومِئَةِ أَلْفٍ، فَبَاعَهَا عبدُ اللَّهِ بأَلْفِ أَلْفٍ وسِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَامَ فَقالَ: مَن كانَ له علَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ، فَلْيُوَافِنَا بالغَابَةِ، فأتَاهُ عبدُ اللَّهِ بنُ جَعْفَرٍ، وكانَ له علَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِئَةِ أَلْفٍ، فَقالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: إنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ، قالَ عبدُ اللَّهِ: لَا، قالَ: فإنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيما تُؤَخِّرُونَ إنْ أَخَّرْتُمْ، فَقالَ عبدُ اللَّهِ: لَا، قالَ: قالَ: فَاقْطَعُوا لي قِطْعَةً، فَقالَ عبدُ اللَّهِ: لكَ مِن هَاهُنَا إلى هَاهُنَا، قالَ: فَبَاعَ منها، فَقَضَى دَيْنَهُ فأوْفَاهُ، وبَقِيَ منها أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ونِصْفٌ، فَقَدِمَ علَى مُعَاوِيَةَ، وعِنْدَهُ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، والمُنْذِرُ بنُ الزُّبَيْرِ، وابنُ زَمْعَةَ، فَقالَ له مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتِ الغَابَةُ؟ قالَ: كُلُّ سَهْمٍ مِئَةَ أَلْفٍ، قالَ: كَمْ بَقِيَ؟ قالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ونِصْفٌ، قالَ المُنْذِرُ بنُ الزُّبَيْرِ: قدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بمِئَةِ أَلْفٍ، قالَ عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ: قدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بمِئَةِ أَلْفٍ، وقالَ ابنُ زَمْعَةَ: قدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بمِئَةِ أَلْفٍ، فَقالَ مُعَاوِيَةُ: كَمْ بَقِيَ؟ فَقالَ: سَهْمٌ ونِصْفٌ، قالَ: قدْ أَخَذْتُهُ بخَمْسِينَ ومِئَةِ أَلْفٍ، قالَ: وبَاعَ عبدُ اللَّهِ بنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِن مُعَاوِيَةَ بسِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا فَرَغَ ابنُ الزُّبَيْرِ مِن قَضَاءِ دَيْنِهِ، قالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بيْنَنَا مِيرَاثَنَا، قالَ: لَا، واللَّهِ لا أَقْسِمُ بيْنَكُمْ حتَّى أُنَادِيَ بالمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلَا مَن كانَ له علَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ، فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ، قالَ: فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بالمَوْسِمِ، فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بيْنَهُمْ، قالَ: فَكانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، ورَفَعَ الثُّلُثَ، فأصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ ومِئَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ، ومِئَتَا أَلْفٍ.
 

1 - وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إنْ علَى الأرْضِ مِن مُؤْمِنٍ إِلَّا أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، فأيُّكُمْ ما تَرَكَ دَيْنًا، أَوْ ضَيَاعًا فأنَا مَوْلَاهُ، وَأَيُّكُمْ تَرَكَ مَالًا، فَإِلَى العَصَبَةِ مَن كَانَ.

2 - والذي نفْسٌ محمدٍ بيدِهِ إِنْ على الأرْضِ مِنْ مؤمِنٍ إلَّا وأنا أَوْلَى الناسِ بِهِ، فأَيُّكُم ما تَرَكَ دَيْنًا أوْ ضَيَاعًا فأنا مولاه، وأيُّكم مَّا ترَكَ مالًا فإلى العصبَةِ مَنْ كانَ
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم : 7056 التخريج : أخرجه البخاري (2399)، ومسلم (1619) واللفظ له
التصنيف الموضوعي: فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - رحمته فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - شفقته على أمته
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

3 - ما مِن مُؤْمِنٍ إلَّا وأنا أوْلَى النَّاسِ به في الدُّنْيا والآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {النبيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ}[الأحزاب: 6]، فأيُّما مُؤْمِنٍ تَرَكَ مالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَن كانُوا، فإنْ تَرَكَ دَيْنًا، أوْ ضَياعًا فَلْيَأْتِنِي فأنا مَوْلاهُ.

4 - ما مِن مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى به في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، فأيُّما مُؤمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَن كَانُوا، وَمَن تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا ، فَلْيَأْتِنِي؛ فأنَا مَوْلَاهُ.

5 - ما من مؤمنٍ إلا أنا أولى به في الدُّنيا و الآخرةِ، اقرؤوا إن شئتُم : النَّبيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فأيما مؤمنٍ مات و ترك مالًا، فلْيَرِثْه عصبتُه مَن كانوا، و من ترك دَيْنًا أو ضَياعًا فليأتِني، فأنا مولاه

6 - حديثُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَل المالَ للعَصَبةِ. [يعني حديث: ما مِن مُؤْمِنٍ إلَّا وأنا أوْلَى النَّاسِ به في الدُّنْيا والآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {النبيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ}[الأحزاب: 6]، فأيُّما مُؤْمِنٍ تَرَكَ مالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَن كانُوا، فإنْ تَرَكَ دَيْنًا، أوْ ضَياعًا فَلْيَأْتِنِي فأنا مَوْلاهُ.]

7 - عن عَطيَّةَ العَوفيِّ قال: سَأَلتُ زَيدَ بنَ أرقَمَ فقُلتُ له: إنَّ خَتَنًا لي حَدَّثَني عنك بحديثٍ في شَأنِ علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه يومَ غديرِ خُمٍّ، فأنا أُحِبُّ أنْ أسمَعَه منك، فقال: إنَّكم مَعشرَ أهلِ العِراقِ، فيكم ما فيكم، فقُلتُ له: ليس عليك منِّي بَأسٌ، فقال: نَعَمْ، كنَّا بالجُحْفةِ فخَرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلينا ظُهرًا وهو آخِذٌ بعَضُدِ علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه، فقال: يا أيُّها النَّاسُ، ألسْتُم تَعلَمونَ أنِّي أَوْلى بالمؤمنينَ مِن أنفُسِهم؟ قالوا: بلى، قال: فمَن كنتُ مَولاه، فعلِيٌّ مَولاه، قال: فقُلتُ له: هل قال: اللَّهُمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه؟ قال: إنَّما أُخبِرُكَ كما سَمِعتُ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح بطرقه وشواهده
الراوي : زيد بن أرقم | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم : 19279 التخريج : أخرجه من طرق النسائي في ((السنن الكبرى)) (8478)، وأحمد (19279) واللفظ له
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - زيد بن أرقم مناقب وفضائل - علي بن أبي طالب مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - فضائل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم علم - التثبت في الحديث
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

8 - مَن كنْتُ مَوْلاهُ فعلِيٌّ مَوْلاهُ.
خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح
الراوي : زيد بن أرقم أو حذيفة بن اسيد | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي
الصفحة أو الرقم : 3713 التخريج : أخرجه أحمد (19279) باختلاف يسير، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8478)، وابن حبان (6931) مطولاً
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - علي بن أبي طالب مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - فضائل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - أهل البيت صلوات الله عليهم مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه
  
11 - من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : زيد بن أرقم | المحدث : الذهبي | المصدر : تاريخ الإسلام
الصفحة أو الرقم : 3/629 التخريج : أخرجه الترمذي (3713) واللفظ له على الشك في راويه أبو سريحة أو زيد بن أرقم، وأحمد (19279) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - علي بن أبي طالب مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - فضائل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم الولاء والبراء - موالاة المسلمين مناقب وفضائل - أهل البيت صلوات الله عليهم
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

12 - من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ
خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة]
الراوي : زيد بن أرقم | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : هداية الرواة
الصفحة أو الرقم : 5/423 التخريج : أخرجه الترمذي (3713) واللفظ له على الشك في راويه أبو سريحة أو زيد بن أرقم، وأحمد (19279) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - علي بن أبي طالب مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - فضائل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - أهل البيت صلوات الله عليهم
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه
    
17 - من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه.
خلاصة حكم المحدث : متواتر أو مشهور
الراوي : [بريدة بن الحصيب] | المحدث : العجلوني | المصدر : كشف الخفاء
الصفحة أو الرقم : 2/361 التخريج : أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (346) بلفظه، وأحمد (22945)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8412) كلاهما مطولا.
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - علي بن أبي طالب مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - فضائل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - أهل البيت صلوات الله عليهم مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه

18 - من كنتُ مولاه فعَليٌّ مولاه
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : البراء بن عازب | المحدث : محمد جار الله الصعدي | المصدر : النوافح العطرة
الصفحة أو الرقم : 403 التخريج : أخرجه مطولاً النسائي في ((السنن الكبرى)) (8473)، وأحمد (18479) واللفظ لهما، وابن ماجه (116) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - علي بن أبي طالب مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - فضائل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - أهل البيت صلوات الله عليهم مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه

19 - من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه.
خلاصة حكم المحدث : قيل فيه بالتواتر
الراوي : [بريدة بن الحصيب] | المحدث : الزبيدي | المصدر : لقط اللآلئ المتناثرة
الصفحة أو الرقم : 205 التخريج : أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (346) بلفظه، وأحمد (22945)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8412) كلاهما مطولا.
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - علي بن أبي طالب مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - فضائل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - أهل البيت صلوات الله عليهم مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين
|أصول الحديث | شرح حديث مشابه
  
22 - من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : أبو سريحة أو زيد بن أرقم | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم : 3713 التخريج : أخرجه الترمذي (3713) واللفظ له على الشك في راويه أبو سريحة أو زيد بن أرقم، وأحمد (19279) باختلاف يسير
التصنيف الموضوعي: مناقب وفضائل - علي بن أبي طالب مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - فضائل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - أهل البيت صلوات الله عليهم مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح حديث مشابه