الموسوعة الحديثية


- عن حَليمةُ بنتُ الحارثِ أنَّها قالتْ: قدِمتُ مكَّةَ في نِسْوةٍ -وذكَرَ الواقديُّ بإسنادِه أنَّهنَّ كنَّ عشْرَ نِسْوةٍ مِن بني سَعدِ بنِ بَكْرٍ، يَلْتمسْنَ بها الرُّضَعاءَ- مِن بني سَعدٍ نَلْتمِسُ بها الرُّضَعاءَ في سنةٍ شَهْباءَ، فقدِمتُ على أتانٍ لي قَمْراءَ، كانتْ أذَمَّتْ بالرَّكْبِ، ومعي صبيٌّ لنا، وشارفٌ لنا، واللهِ ما تبِضُّ بقَطْرةٍ، وما ننامُ ليلَتَنا ذلكَ أجمَعَ مع صَبيِّنا ذاكَ، ما نَجِدُ في ثَدْييَّ ما يُغْنيه، ولا في شارِفِنا ما يُغذِّيه، ولكنَّا كنَّا نَرْجو الغَيثَ والفرَجَ، فخرَجتُ على أتاني تلكَ، فلقد أذَمَّتْ بالرَّكْبِ؛ حتى شَقَّ ذلكَ عليهم؛ ضَعفًا وعَجَفًا، فقدِمْنا مكَّةَ، فواللهِ ما علِمتُ منَّا امرأةً إلَّا وقد عُرِضَ عليها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتَأْباه، إذا قيل: إنَّه يَتيمٌ ترَكْناه. قُلْنا: ماذا عسى أنْ تصنَعَ إلينا أُمُّه، إنَّما نَرْجو المعروفَ مِن أبي الولَدِ، فأمَّا أُمُّه فماذا عسى أنْ تصنَعَ إلينا، فواللهِ ما بقِيَ مِن صَواحِبي امرأةٌ إلَّا أخَذتْ رَضيعًا غَيري، فلمَّا لم نَجِدْ غَيرَه، وأجمَعْنا الانطلاقَ قلتُ لزَوجي الحارثِ بنِ عبدِ العُزَّى: واللهِ إنِّي لأكرَهُ أنْ أرجِعَ مِن بينِ صَواحبي ليسَ معي رَضيعٌ، لأنطَلِقنَّ إلى ذلكَ اليَتيمِ، فلآخُذَنَّه. فقال: لا عليكِ أنْ تَفْعلي، فعسى أنْ يجعَلَ اللهُ لنا فيه بَرَكةً. فذهَبتُ فأخَذتُه، فواللهِ ما أخَذتُه إلَّا أنِّي لم أجِدْ غَيرَه، فما هو إلَّا أنْ أخَذتُه فجِئتُ به رَحْلي، فأقبَلَ عليه ثَدْيايَ بما شاء مِن لَبنٍ، فشرِبَ حتى رَوِيَ، وشرِبَ أخوه حتى رَوِيَ وقام صاحبي إلى شارِفِنا تلكَ، فإذا إنَّها لحافلٌ، فحلَبَ ما شرِبَ وشرِبتُ حتى رَوينا، فبِتْنا بخَيرِ ليلةٍ، فقال صاحبي حينَ أصبَحْنا: يا حَليمةُ، واللهِ إنِّي لأراكِ قد أخَذتِ نَسَمةً مباركةً، ألم ترَيْ ما بِتْنا به الليلةَ مِن الخَيرِ والبَرَكةِ حينَ أخَذْناه؟ فلم يزَلِ اللهُ عزَّ وجلَّ يَزيدُنا خَيرًا، ثمَّ خرَجْنا راجعينَ إلى بلادِنا، فواللهِ لقطَعتْ أتاني بالرَّكْبِ حتى ما يتعلَّقُ بها حِمارٌ، حتى إن صَواحبي ليَقُلنَ: وَيْلَكِ يا بنتَ أبي ذُؤيبٍ، هذه أَتانُكِ التي خرَجتِ عليها معنا؟ فأقولُ: نعَمْ، واللهِ إنَّها لهي. فقُلْنَ: واللهِ إنَّ لها لشأنًا. حتى قدِمْنا أرضَ بني سَعدٍ، وما أعلَمُ أرضًا مِن أرضِ اللهِ أجدَبَ منها، فإنْ كانت غَنَمي لتَسرَحُ، ثمَّ تَروحُ شِباعًا لبنًا، فنحلُبُ ما شِئْنا، وما حَوالَيْنا أو حَوْلَنا أحَدٌ تبِضُّ له شاةٌ بقَطْرةِ لَبنٍ، وإنَّ أَغْنامَهم لتَروحُ جِياعًا؛ حتى إنَّهم ليَقولونَ لرُعاتِهم -أو لرُعْيانِهم-: وَيْحَكم ، انظُروا حيثُ تَسرَحُ غَنَمُ بنتِ أبي ذُؤيبٍ، فاسرَحوا معهم، فيَسرَحونَ مع غَنَمي حيثُ تَسرَحُ، فتروحُ أَغْنامُهم جِياعًا، ما فيها قَطْرةُ لَبنٍ، وتَروحُ أَغْنامي شِباعًا لَبنًا، نحلُبُ ما شِئْنا، فلم يزَلِ اللهُ يُرينا البَرَكةَ نتعرَّفُها؛ حتى بلَغَ سَنَتينِ، فكان يشِبُّ شَبابًا لا تشِبُّه الغِلْمانُ، فواللهِ ما بلَغَ السَّنَتينِ حتى كان غُلامًا جَفْرًا، فقدِمْنا به على أُمِّه ونحنُ أضَنُّ شيءٍ به؛ ممَّا رأَيْنا فيه مِن البَرَكةِ، فلمَّا رأَتْه أُمُّه قلتُ لها: دَعينا نرجِعُ بابنِنا هذه السَّنةَ الأخرى؛ فإنَّا نَخْشى عليه وَباءَ مكَّةَ. فواللهِ ما زِلْنا بها حتى قالتْ: نعَمْ. فسرَّحَتْه معنا، فأَقَمْنا به شَهْرينِ أو ثلاثةً، فبينَما هو خَلْفَ بُيوتِنا مع أخٍ له مِن الرَّضاعةِ في بَهْمٍ لنا جاءَ أخوه ذلكَ يشتَدُّ فقال: ذاكَ أخي القُرَشيُّ جاءَه رجُلانِ عليهما ثيابٌ بِيضٌ، فأَضْجَعاه، فشَقَّا بَطْنَه. فخرَجتُ أنا وأبوه نشتَدُّ نحوَه، فنَجِدُه قائمًا مُنتقِعًا لَونُه، فاعتَنقَه أبوه، وقال: يا بُنيَّ، ما شأنُكَ؟ قال: جاءَني رجُلانِ عليهما ثيابٌ بِيضٌ، أَضْجَعاني وشَقَّا بَطْنِي، ثمَّ استَخْرَجا منه شيئًا، فطرَحاه، ثمَّ رَدَّاه كما كان. فرجَعْنا به معنا فقال أبوه: يا حَليمةُ، لقد خَشيتُ أنْ يكونَ ابني قد أُصيبَ، فانطَلِقي بنا نرُدُّه إلى أَهْلِه قبلَ أنْ يظهَرَ به ما نتخوَّفُ. قالتْ حَليمةُ: فاحتَمَلْناه، فلم تُرَعْ أُمُّه إلَّا به، فقدِمْنا به عليها، فقالتْ: ما رَدَّكما به يا ظِئرُ، فقد كنتُما عليه حَريصَينِ؟ فقالا: لا واللهِ، إلَّا أنَّ اللهَ قد أدَّى عنَّا، وقَضَيْنا الذي علينا، وقُلْنا: نَخْشى الإتلافَ والإحداثَ، نرُدُّه إلى أَهْلِه. فقالتْ: ما ذاكَ بكما فاصْدُقاني شَأْنَكما. فلم تدَعْنا حتى أخبَرْناها خبَرَه، فقالتْ: أَخَشيتُما عليه الشَّيطانَ؟! كلا واللهِ، ما للشَّيطانِ عليه مِن سبيلٍ، واللهِ إنَّه لكائنٌ لابني هذا شأنٌ، ألَا أُخبِرُكما خبَرَه؟! قُلْنا: بلى. قالتْ: حمَلتُ به، فما حمَلتُ حَملًا قَطُّ أخَفَّ منه، فأُريتُ في النَّومِ حينَ حمَلتُ به كأنَّه خرَجَ منِّي نورٌ أضاءَتْ له قُصورُ الشامِ، ثمَّ وقَعَ حينَ ولَدتُه وُقوعًا ما يقَعُه المولودُ مُعتمِدًا على يدَيْه، رافعًا رأسَه إلى السماءِ، فدعاه عنكما.
خلاصة حكم المحدث : روي من طرق أخر وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي
الراوي : حليمة بنت الحارث السعدية | المحدث : ابن كثير | المصدر : البداية والنهاية الصفحة أو الرقم : 2/254
التخريج : أخرجه ابن إسحاق في ((السيرة)) (32)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (1/ 132)، وابن الأثير في ((أسد الغابة)) (6/ 68) جميعهم بلفظه.
التصنيف الموضوعي: فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - أخبار النبي قبل بعثته فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - إرهاصات النبوة فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - بركة النبي فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - معجزات النبي
|أصول الحديث