الموسوعة الحديثية


- عن حُذيفةَ، قال: لقد رأَيْتُنا ليلةَ الأحزابِ ونحن صافُّونَ قُعودًا، وأبو سُفيانَ ومَن معه مِن الأحزابِ فوقنا، وقُريظةُ اليهودِ أسفَلَ مِنَّا، نخافُهم على ذَرارِينا، وما أَتَتْ علينا ليلةٌ قطُّ أشدُّ ظُلمةً، ولا أشدُّ رِيحًا، في أصواتِ رِيحِها أمثالُ الصَّواعِقِ، وهي ظُلمةٌ ما يرى أحدٌ مِنَّا أصبعَه، فجعَلَ المُنافِقونَ يستأْذِنونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويقولونَ: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب: 13]، فما يستأْذِنُ أحدٌ منهم إلَّا أذِنَ له، فينْسَلُّونَ، ونحن ثلاثُ مئةٍ أو نحوُ ذلك، إذِ استقبَلَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجُلًا رجُلًا، حتَّى مَرَّ عليَّ وما عليَّ جُنَّةٌ مِن العدُوِّ ولا مِن البَرْدِ إلَّا مِرْطٌ لامْرَأَتي ما يُجاوِزُ رُكْبَتي، فأَتاني وأنا جاثٍ على رُكْبَتي، فقال: مَن هذا؟ فقلْتُ: حُذيفةُ. قال: حُذيفةُ؟ فتقاصَرْتُ إلى الأرضِ، فقلْتُ: بلى يا رسولَ اللهِ؛ كراهيةَ أنْ أقومَ. قال: قُمْ. فقُمْتُ، فقال: إنَّه كان في القومِ خبَرٌ، فأْتِني بخبَرِ القومِ. قال: وأنا مِن أشدِّ القومِ فزَعًا وأشدِّهم قُرًّا، فخرَجْتُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ احفَظْه مِن بين يدَيْه ومِن خلْفِه، وعن يمينِه وعن شمالِه، ومِن فوقِه ومِن تحتِه. قال: فواللهِ ما خلَقَ اللهُ فزَعًا ولا قُرًّا في جَوفِي إلَّا خرَجَ مِن جَوفِي، فما أجِدُ منه شيئًا. فلمَّا وَلَّيْتُ قال: يا حُذيفةُ، لا تُحْدِثَنَّ في القومِ شيئًا حتَّى تأْتِيَني. فخرَجْتُ حتَّى إذا دَنَوتُ مِن عسكَرِ القومِ نظَرْتُ في ضوءِ نارٍ لهم تُوقَدُ، وإذا رجُلٌ أدهَمُ ضخْمٌ، يقولُ بيدِه على النَّارِ ويمسَحُ خاصِرَتَه، ويقول: الرَّحيلَ الرَّحيلَ. ثمَّ دخَلْتُ العسكَرَ فإذا أَدْنى النَّاسِ مِنِّي بنو عامرٍ يقولون: يا آلَ عامِرٍ، الرَّحيلَ الرَّحيلَ، لا مُقامَ لكم، وإذا الرِّيحُ في عسكَرِهم ما تجاوِزُ شِبرًا، فواللهِ إنِّي لأسمَعُ صوتَ الحِجارةِ في رِحالِهم وفُرُشِهم، الرِّيحُ تضرِبُهم. ثمَّ خرَجْتُ نحوَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا انتصَفَتْ بِيَ الطَّريقُ أو نحو ذلك، إذا أنا بنحْوٍ مِن عشرينَ فارسًا مُعْتَمِّينَ، فقالوا: أخبِرْ صاحِبَك أنَّ اللهَ كَفاهُ القومَ. فرجَعْتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرْتُه وهو مُشْتَمِلٌ في شَمْلَةٍ يُصَلِّي، وكان إذا حزَبَه أمْرٌ صلَّى، فأخبَرْتُه خبَرَ القومِ؛ أنِّي ترَكْتُهم يترَحَّلونَ، وأنزلَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} [الأحزاب: 9] الآيةَ.
الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : الشوكاني | المصدر : فتح القدير
الصفحة أو الرقم : 4/376 | خلاصة حكم المحدث : [له] طرق | شرح حديث مشابه