الموسوعة الحديثية


- عن أُمِّ سَلَمةَ -في شَأْنِ هِجرَتِهم إلى بِلادِ النَّجاشيِّ، وقد مَرَّ بَعضُ ذلك- قالتْ: فلمَّا رأتْ قُرَيشٌ ذلك اجتَمَعوا على أنْ يُرسِلوا إليه، فبعَثوا عَمرَو بنَ العاصِ، وعَبدَ اللهِ بنَ أبي رَبيعةَ، فجمَعوا هَدايا له، ولبَطارِقَتِه، فقدِموا على الملِكِ، وقالوا: إنَّ فِتْيةً منَّا سُفَهاءَ فارَقوا دِينَنا، ولم يَدخُلوا في دِينِكَ، وجاؤوا بدِينٍ مُبتدَعٍ لا نَعرِفُه، ولجَؤوا إلى بِلادِكَ، فبعَثْنا إليك لتَرُدَّهم. فقالتْ بَطارِقَتُه: صدَقوا أيُّها الملِكُ. فغضِبَ، ثُمَّ قال: لا لعَمرُ اللهِ ، لا أرُدُّهم إليهم حتى أُكلِّمَهم؛ قَومٌ لجَؤوا إلى بِلادي، واختاروا جِواري. فلمْ يَكُنْ شيءٌ أبغَضَ إلى عَمرٍو وابنِ أبي رَبيعةَ مِن أنْ يَسمَعَ الملِكُ كَلامَهم، فلمَّا جاءهم رسولُ النَّجاشيِّ، اجتمَعَ القَومُ، وكان الذي يُكلِّمُه جَعفَرُ بنُ أبي طالبٍ، فقال النَّجاشيُّ: ما هذا الدِّينُ؟ قالوا: أيُّها الملِكُ، كنَّا قَومًا على الشِّركِ؛ نَعبُدُ الأوْثانَ ، ونَأكُلُ المَيْتةَ، ونُسيءُ الجِوارَ، ونَستحِلُّ المَحارمَ والدِّماءَ، فبعَثَ اللهُ إلينا نَبيًّا مِن أنفُسِنا، نَعرِفُ وَفاءَه وصِدقَه وأمانَتَه، فدَعانا إلى أنْ نَعبُدَ اللهَ وَحدَه، ونَصِلَ الرَّحِمَ، ونُحسِنَ الجِوارَ، ونُصلِّيَ، ونَصومَ. قال: فهل معكم شيءٌ ممَّا جاء به؟ -وقد دَعا أساقِفَتَه، فأمَرَهم، فنشَروا المَصاحفَ حَولَه- فقال لهم جَعفَرٌ: نعمْ، فقرَأ عليهم صَدرًا مِن سورةِ {كهيعص}. فبَكى -واللهِ- النَّجاشيُّ، حتى أخضَلَ لِحيَتَه، وبكَتْ أساقِفَتُه حتى أخضَلوا مَصاحفَهم، ثُمَّ قال: إنَّ هذا الكَلامَ ليَخرُجُ مِن المِشكاةِ التي جاء بها موسى، انطَلِقوا راشدينَ، لا واللهِ، لا أرُدُّهم عليكم، ولا أنعَمُكم عَينًا. فخرَجا مِن عندِه، فقال عَمرٌو: لآتيَنَّه غَدًا بما أستأصِلُ به خَضراءَهم، فذكَرَ له ما يقولونَ في عيسى.
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : أبو بكر بن عبدالرحمن | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سير أعلام النبلاء الصفحة أو الرقم : 1/216
التخريج : أخرجه أحمد (1740)، وإسحاق بن راهويه في ((مسنده)) (1835)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/ 115)، والبيهقي (18471)، جميعا مطولا ، وابن خزيمة (2260) مختصرا.
التصنيف الموضوعي: أنبياء - عيسى بر وصلة - صلة الرحم وتحريم قطعها إيمان - توحيد الألوهية فضائل النبي وصفته ودلائل النبوة - حسن شمائله ووفاء عهده صلى الله عليه وسلم مناقب وفضائل - النجاشي وأصحابه
| أحاديث مشابهة |أصول الحديث | شرح الحديث

أصول الحديث:


مسند أحمد (3/ 263 ط الرسالة)
: 1740 - حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار، النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى، ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار، وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا، ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم. فقالوا لهما: نعم. ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك، إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن، ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم، وعشائرهم، لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى بلادهم وقومهم. قالت: فغضب النجاشي، ثم قال: لا هيم الله إذا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد قوما جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان، أسلمتهم اليهما ورددتهم الى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك، منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني. قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله، اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، كائن في ذلك ما هو كائن. فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم، فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قالت: فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به. فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم. فقال له النجاشي: فاقرأه علي. فقرأ عليه صدرا من {كهيعص} قالت: فبكى، والله، النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم اليكم ابدا، ولا أكاد. قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لأنبئنه غدا عيبهم عنده، ثم أستأصل به خضراءهم. قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد. قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك: إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا، كائنا في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ منها عودا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود. فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم: الآمنون – من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبرا ذهبا وإني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسان الحبشة: الجبل - ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. قالت: فوالله إنا على ذلك إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه، قالت: فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه، قالت: وسار النجاشي، وبينهما عرض النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم، ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا. قالت: وكان من أحدث القوم سنا، قالت: فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم سبح عليها، حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، واستوسق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة

[مسند إسحاق بن راهويه] (4/ 71)
: 1835 - أخبرنا وهب بن جرير بن حازم، حدثني أبي، نا محمد بن إسحاق، حدثني الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعن عروة بن الزبير، وصلب الحديث، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما فتن أصحابه بمكة أشار عليهم أن يلحقوا بأرض الحبشة فخرجنا أرسالا، فلما قدمنا أصبنا خير دار، وأصبنا قرارا، وجاورنا رجلا حسن الجوار ، وائتمرت قريش أن يبعثوا إليه فينا رجلين جلدين من قريش، وأن يهدوا إليه من طرائف بلادهم من الأدم وغيره، وكان الأدم يعجب ‌النجاشي أن يهدى إليه، وأن يهدوا لبطارقته ففعلوا أو بعثوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، قالت أم سلمة: كان عبد الله بن أبي ربيعة أتقى الرجلين حتى قدموا علينا، فلما قدما قدما للبطارقة الهدايا ووصفا حاجتهم عندهم، ثم دخلا على ‌النجاشي، فقالا: أيها الملك إن شبانا فينا خرجوا، وقد ابتدعوا دينا سوى دينك ودين من مضى من آبائنا ودين لا نعرفه من الأديان فارقوا به أشرافهم وخيارهم وأهل الرأي منهم فانقطعوا بأمرهم منهم، ثم خرجوا إليك لتمنعهم من عشائرهم وآبائهم، وكانوا هم بهم أعلى عينا فارددهم إلينا لنردهم على آبائهم وعشائرهم، فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك فارددهم فهم أعلم بقومهم فغضب ‌النجاشي، ثم قال: والله ما أفعل، قوم نزلوا بلادي، ولجئوا إلي قالت أم سلمة: فأرسل إلينا فاجتمع المسلمون، فقالوا: ما تكلمون به الرجل، فقالوا: نكلمه بالذي نحن عليه، فأرسل ‌النجاشي فجمع بطارقته وأساقفته، وأمرهم فنشروا المصاحف حوله فتكلم جعفر بن أبي طالب، وقال لهم ‌النجاشي: إن هؤلاء يزعمون أنكم فارقتم دينهم، ولم تتبعوا ديني ولا دين اليهود فأخبراني بدينكم الذي فارقتم به قومكم، فقال جعفر: كنا على دينهم وأمرهم فبعث الله إلينا رسولا صلى الله عليه وسلم نعرف نسبه وصدقه وعفافه، وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر، وأمرنا بإقام الصلاة، والصيام، والصدقة، وصلة الرحم، وكل ما تعرف من الأخلاق الحسنة، وتلا علينا تنزيلا لا يشبهه شيء غيره فصدقناه، وآمنا به، وعرفنا أن ما جاء به هو الحق من عند الله ففارقنا عند ذلك قومنا فآذونا وقسونا، فلما بلغ منا ما نكره ولم نقدر على الامتناع أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نخرج إلى بلادك اختيارا لك على من سواك لتمنعهم من الظلم، فقال ‌النجاشي: فهل معكم مما نزل عليه من شيء تقرءونه علي فقال جعفر: نعم، فقرأ جعفر كهيعص، فلما قرأها عليه بكى ‌النجاشي ‌حتى ‌أخضل ‌لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، قال: وأراه قال: ولحاهم، ثم قال ‌النجاشي: والله إن هذا الكلام والكلام الذي جاء موسى ليخرجان من مشكاة واحدة، ثم قال: والله لا أسلمهم إليكما ولا أخلي بينكم وبينهما فالحقا بشأنكما قالت أم سلمة: فخرجا مقبوحين مردود أمرهما، فقال: عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا بقول أبتر به خضراءهم فقال عبد الله بن أبي ربيعة لا تفعل فإن للقوم رحما، وإن كانوا قد خالفونا فما نحب أن يبلغ منهم، فلما كان من الغد دخلا عليه، فقالا: أيها الملك، إنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم ويزعمون أنه عبد ، فسلهم عن ذلك قالت أم سلمة، فما نزل بنا قط مثلها، قالوا: قد عرفتم أن عيسى إلهه الذي يعبد، وقد عرفتم أن نبيكم جاءكم بأنه عبد، وأن ما يقولون هو الباطل، فماذا تقولون؟ فقالوا: نقول بما جاء من الله ورسوله، فأرسل إليهم فدخلوا عليه، فقال: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال جعفر: نقول إنه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول فأخذ ‌النجاشي عودا، وقال: ما عدا عيسى ما تقولون مثل هذا العود قال فنخرت أساقفته، فقال: وإن نخرتم اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي يقولون: أنتم آمنون من سبكم غرم ما أحب أني آذيت رجلا منكم وأن لي دبرا من ذهب، والدبر بلسانهم الجبل، والله ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي، وما أطاع الله في الناس فأطيعهم فيه قالت أم سلمة: فجعلنا نتعرض لعمرو بن العاص وصاحبه أن يسبانا فيغرمهما، فخرجا خائبين، وأقمنا في خير دار وفي خير جوار، فبينا نحن عنده قد آمنا، واطمئننا إذ شعب عليه رجل من قومه فنازعه في الملك، فما علمنا أصابنا خوف أشد مما أصابنا عند ذلك فرقا من أن يظهر ذلك الرجل فيتبوأ منا منزلنا ويأتينا رجل لا يعرف منا مثل ما كان يعرف ‌النجاشي، وكنا ندعو ليلا ونهارا أن يعزه الله ويظهره فخرج ‌النجاشي سائرا إلى ذلك الرجل، فقلنا: من ينظر لنا ما يفعل القوم؟ فقال الزبير بن العوام: أنا، وكان أحدثهم سنا فأخذ قربة، ففتحها، ثم ربطها في صدره، ثم وقع في النيل وهو بينه وبينهم، ثم التقى القوم ناحية القصوى فهزم جند ذلك الرجل وأقبل الزبير حتى إذا كان عند شط النيل ألاح بثوبه وصرخ أبشروا فقد أعز الله ‌النجاشي وأظهره، وكانت أم سلمة تقول: فما أذكرني فرحت فرحا قط مثله حين بدا أن يقوم قوم يأتوا مكة من غير كره "

[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - ط السعادة] (1/ 115)
: حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، آمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه. فلما بعثت قريش عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهداياهم إلى النجاشى وإلى بطارقته، أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم؛ فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه وقد دعا النجاشى أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله. ثم سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم؟ ولم تدخلوا به في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم. قال: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. وكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده. ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قال: - فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله عز وجل فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا. فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك فاخترناك على من من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر: نعم! فقال له: اقرأ على، فقرأ عليه صدرا من {كهيعص}، فبكى النجاشي والله حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا هو والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا. فو الله لا أسلمهم إليكما ولا أكاد، ثم قال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من مسكم غرم من مسكم غرم، من مسكم غرم ما أحب أن لي دبر ذهب وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسان الحبشة الجبل - ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به. وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.

السنن الكبير للبيهقي (18/ 472 ت التركي)
: 18471 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما ضاقت علينا مكة. فذكرت الحديث في هجرتهم إلى أرض الحبشة، وما كان من بعثة قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى ‌النجاشي ليخرجهم من بلاده، ويردهم عليهم، وما كان من دخول جعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم على ‌النجاشي، قال: فقال ‌النجاشي: هل معكم شئ مما جاء به؟ فقال له جعفر: نعم. فقرأ عليه صدرا من (كهيعص) فبكى والله ‌النجاشي ‌حتى ‌أخضل ‌لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين. ثم ذكر الحديث في تصويرهما له أنهم يقولون في عيسى ابن مريم عليه السلام أنه عبد، فدخلوا عليه وعنده بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى ابن مريم عليه السلام؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فدلى ‌النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عويدا بين إصبعيه، فقال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العويد. ثم ذكر الحديث، قالت: فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمتنا حزنا حزنا قط كان أشد منه؛ فرقا من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرف، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائرا، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم لبعض: من رجل يخرج فيحضر الوقعة حتى ينظر على من تكون؟ فقال الزبير وكان من أحدثهم سنا: أنا. فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم خرج يسبح عليها في النيل حتى خرج من الشقة الأخرى إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة فهزم الله ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه، فجاءنا الزبير فجعل يليح إلينا بردائه، ويقول: ألا أبشروا، فقد أظهر الله النجاشي. فوالله ما فرحنا بشئ فرحنا بظهور النجاشي.

[صحيح ابن خزيمة ط ٣] (2/ 1079)
: 2260 - حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا سلمة -يعني ابن الفضل- قال محمد بن إسحاق -وهو ابن يسار مولى مخرمة-: وحدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها حين جاء النجاشي، فذكر الحديث بطوله. وقال في الحديث، قالت: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، قال له: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، قالت: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من عند الله، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا. ثم ذكر باقي الحديث.