الموسوعة الحديثية


- قَدِمْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاشتَدَّ فَرَحُهم بنا، فلمَّا انْتَهَينا إلى القَومِ، أوْسَعوا لنا، فقَعَدْنا، فرحَّب بنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ودَعا لنا ثم نَظَرَ إلينا، فقال: مَن سيِّدُكم وزعيمُكم؟ فأشَرْنا جميعًا إلى المُنذِرِ بنِ عائِذٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهذا الأشَجُّ؟ فكان أوَّلَ يَومٍ وُضِعَ عليه هذا الاسمُ يَضرِبُه بحافِرِ حمارٍ، قُلنا: نَعَمْ، يا رسولَ اللهِ، فتخلَّف بعض القَومِ، فعَقَلَ رواحِلَهم وضَمَّ متاعَهم، ثم أخرَجَ عَيْبَتَه فأَلْقى عنه ثيابَ السَّفَرِ، ولَبِسَ من صالِحِ ثيابِه، ثم أقبَلَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد بَسَطَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رِجلَه واتَّكَأَ، فلمَّا دَنا منه الأشَجُّ أوسَعَ القومُ له، وقالوا: هاهنا يا أشَجُّ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واسْتَوى قاعِدًا وقَبَضَ رِجْلَه: هاهنا يا أشَجُّ، فقَعَدَ عن يَمينِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرحَّب به وأَلْطَفَه وسألَه عن بلادِه، وسَمَّى لهم قَريةً قَريةً، الصَّفا وَالمُشَقَّرَ وغيرَ ذلك من قُرى هَجَرَ، فقال: بأبي وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، لَأنتَ أعلَمُ بأسماءِ قُرانا مِنَّا، فقال: إنِّي وَطِئتُ بِلادَكم، وفُسِحَ لي فيها، قال: ثم أقبَلَ على الأنصارِ، فقال: يا مَعشَرَ الأنصارِ، أكْرِموا إخوانَكم، فإنَّهم أشباهُكم في الإسلامِ، أشبَهُ شَيءٍ بكم أشعارًا وأبشارًا، أسْلَموا طائِعينَ، غيرَ مُكرَهينَ، ولا مَوْتورينَ، إذْ أبَى قَومٌ أنْ يُسلِموا حتى قُتِلوا، قال: فلمَّا أصبَحوا قال: وكيف رَأيْتُم كَرامَةَ إخوانِكم لكم، وضِيافَتَهم إيَّاكم؟ قالوا: خيرَ إخْوانٍ، ألَانوا فِراشَنا، وأَطابوا مَطعَمَنا، وباتوا وأصبَحوا يُعلِّمونا كتابَ ربِّنا تَبارك وتَعالى، وسُنَّةَ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأعجَبَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفَرِحَ بها، ثم أقبَلَ علينا رَجُلًا رَجُلًا يَعرِضُنا على مَن يُعَلِّمُنا وعَلِمْنا فمِنَّا مَن عَلِمَ التَّحيَّاتِ، وأُمَّ الكتابِ، والسُّورةَ والسُّورتيْنِ، والسُّنَنَ، فأقبَلَ علينا بوَجْهِه، فقال: هل معكم من أزْوادِكم؟ ففَرِحَ القَومُ بذلك، وابْتَدَروا رَواحِلَهم، فأقبَلَ كُلُّ رَجُلٍ منهم معه صُبْرَةٌ من تَمرٍ، فوَضَعَها على نِطْعٍ بين يَدَيهِ، وأوْمَأَ بجَريدَةٍ في يَدِه كان يَتَخصَّرُ بها فوقَ الذِّراعِ، ودُون الذِّراعيْنِ، فقال: تُسمُّون هذا التَّعضوضَ؟ قُلنا: نَعَمْ، ثم أوْمَأَ إلى صُبْرَة أخرى، فقال: تُسمُّون هذا الصَّرَفانَ؟ قُلنا: نَعَمْ، ثم أومأ إلى صُبْرَة، فقال: تُسمُّون هذا البَرْنيَّ؟ قُلنا: نَعَمْ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَا إنَّه من خَيرِ تَمرِكم وأنْفَعِه لكم، قال: فرَجَعْنا من وِفادَتِنا تلك، فأكْثَرْنا الغَرْزَ منه، وعَظُمَتْ رَغْبَتُنا فيه حتى صارَ أعظَمُ نَخْلِنا وتَمرِنا البَرْنيَّ، قال: فقال الأشَجُّ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أرضَنا أرضٌ ثَقيلةٌ وَخِمَةٌ، وإنَّا إذا لم نَشرَبْ هذه الأشْرِبَةَ هِيجَتْ ألوانُنا، وعَظُمَتْ بُطونُنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَشرَبوا في الدُّبَّاءِ، والحَنْتَمِ، والنَّقيرِ، ولْيَشرَبْ أحدُكم على سِقاءٍ يُلاثُ على فيهِ، فقال له الأشَجُّ: بأبي وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، رخِّصْ لنا في مِثلِ هذه -وأوْمَأَ بكَفَّيهِ- فقال: يا أشَجُّ، إنِّي إنْ رخَّصتُ لك في مِثلِ هذه -وقال بكَفَّيهِ هكذا- شَرِبتَه في مِثلِ هذه -وفرَّج بين يَدَيهِ وبَسَطَهما، يعني: أعظَمَ منها- حتى إذا ثَمِلَ أحدُكم من شَرابِه قامَ إلى ابنِ عَمِّه، فهَزَرَ ساقَه بالسَّيفِ، وكان في القَومِ رَجُلٌ من بني عَقيلٍ، يُقالُ له: الحارثُ قد هُزِرَتْ ساقُه في شَرابٍ لهم في بَيتٍ من الشِّعرِ تمثَّلَ به في امرأةٍ منهم، فقام بعضُ أهلِ ذلك البَيتِ، فهَزَرَ ساقَه بالسَّيفِ، فقال الحارثُ: لمَّا سَمِعتُها من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَلتُ أَسدِلُ ثَوبي؛ فأُغَطِّيَ الضَّربَةَ بساقي، وقد أبْداها لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
الراوي : بعض وفد عبدالقيس | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد
الصفحة أو الرقم : 8/180 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات | شرح حديث مشابه