الموسوعة الحديثية


- شَهِدتُ خُطبَةَ ابنِ الزُّبَيرِ بالمَوسِمِ، قال: ما شَعَرْنا حتى خرَجَ علينا قَبلَ يَومِ التَّرويةِ بيَومٍ، وهو مُحرِمٌ رَجُلٌ كهَيئَةِ كَهلٍ جَميلٍ، فأقبَلَ فقالوا: هذا يا أميرَ المُؤمِنينَ، فرَقَى المِنبَرَ، وعليه ثَوبانِ أبيضانِ ثم سلَّم عليهم، فرَدُّوا عليه السَّلامَ، ثم لبَّى بأحسَنِ تَلبيةٍ سَمِعتُها قَطُّ، ثم حمِدَ اللهَ وأثْنى عليه، ثم قال: أمَّا بعدُ، فإنَّكم جِئتُم من آفاقٍ شتَّى وُفودًا على اللهِ تَعالى، فحَقٌّ على اللهِ أنْ يُكرِمَ وَفدَه، فمَن جاءَ يَطلُبُ ما عندَ اللهِ؛ فإنَّ طالِبَ اللهِ لا يَخيبُ، فصدِّقوا قَولَكم بفِعلٍ؛ فإنَّ مِلاكَ القَولِ الفِعلُ، والنِّيَّةَ النِّيَّةَ، القُلوبَ القُلوبَ، اللهَ اللهَ في أيَّامِكم هذه؛ فإنَّها أيَّامٌ تُغفَرُ فيها الذُّنوبُ، جِئتُم من آفاقٍ شتَّى في غيِر تِجارةٍ، ولا طَلَبِ مالٍ، ولا دُنيا، تَرْجون ما هنا، ثم لبَّى ولبَّى النَّاسُ وتكلَّم بكَلامٍ كَثيرٍ، ثم قال: أمَّا بعدُ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال في كتابِه {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، قال: وهي ثَلاثَةُ أشهُرٍ: شوَّالٌ، وذو القَعدَةِ، وعَشْرٌ من ذي الحِجَّةِ، {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197] لا جِماعَ {وَلَا فُسُوقَ} لا سُبابَ، {وَلَا جِدَالَ} لا مِراءَ، {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]، وقال عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، فأحَلَّ لهم التِّجارَةَ، ثم قال: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198]، وهو المَوقِفُ الذي يَقفِون عندَه حتى تَغيبَ الشَّمسُ ثم يُفيضون منه: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، قال: وهي الجِبالُ التي يَقِفون المُزدَلِفَةَ: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198]، قال: ليس هذا بعامٍّ، هذا لأهلِ البَلَدِ كانوا يُفيضون من جَمْعٍ ويُفيضُ النَّاسُ من عَرَفاتٍ، فأبَى اللهُ لهم ذلك، فأنزَلَ {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} إلى {مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 199]، قالوا: وكانوا إذا فَرَغوا من حَجَّتِهم تفاخَروا بالآباءِ، فأنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ بعامٍّ، {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 200، 201]، قال يَعمَلون في دُنياهم لآخِرَتِهم ودُنياهم، قال: ثم قرَأَ حتى بلَغَ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، قال: وهي أيَّامُ التَّشريقِ، فذِكرُ اللهِ فيهِنَّ بتَسبيحٍ، وتَحميدٍ، وتَهليلٍ، وتَكبيرٍ، وتَمجيدٍ، قال: ثم ذَكَرَ مُهَلَّ النَّاسِ، قال: مُهَلُّ أهلِ المدينةِ من ذي الحُلَيفةِ، ومُهَلُّ أهلِ العِراقِ من العَقيقِ، ومُهَلُّ أهلِ نَجدٍ وأهلِ الطائِفِ من قَرْنٍ، وأهلِ اليَمَنِ من يَلَملَمَ، قال: ثم دَعا على كَفَرةِ أهلِ الكتابِ، فقال: اللَّهُمَّ عذِّبْ كَفَرةَ أهلِ الكتابِ الذين يَجحَدون بآياتِك، ويُكذِّبون رُسُلَك، ويَصُدُّون عن سَبيلِكَ، اللَّهُمَّ عذِّبْهم، واجعَلْ قُلوبَهم قُلوبَ نِساءٍ فَواجِرَ في دُعاءٍ كَثيرٍ، ثم قال: إنَّ هاهنا رِجالًا قد أعْمى اللهُ قُلوبَهم كما أعْمى أبصارَهم، يُفْتون بالمُتعَةِ بأنْ يَقدَمَ الرَّجُلُ من خُراسانَ مُهِلًّا بالحَجِّ حتى إذا قَدِمَ، قالوا: أَحِلَّ من حَجِّك بعُمرَةٍ، ثم أَهِلَّ بحَجٍّ من هاهنا، واللهِ ما كانتِ المُتعَةُ إلَّا لمُحصَرٍ ثم لبَّى ولبَّى النَّاسُ، فما رَأيتُ يومًا قَطُّ كان أكثَرَ باكيًا من يَومِئذٍ.
الراوي : محمد بن عبيدالله الثقفي | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد
الصفحة أو الرقم : 3/252 | خلاصة حكم المحدث : فيه سعيد بن المرزبان وقد وثق وفيه كلام كثير وفيه غيره ممن لم أعرفه‏‏