الموسوعة الحديثية


- أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان في مَحفَلٍ من أصْحابِه، إذ جاءَ أعرابيٌّ من بني سُلَيمٍ قد صادَ ضَبًّا، وجَعَلَه في كُمِّه، فذَهَبَ به إلى رَحْلِه، فرَأى جَماعَةً، فقال: على مَن هذه الجَماعَةُ؟ فقالوا: على هذا الذي يَزعُمُ أنَّه النَّبيُّ، فشَقَّ النَّاسَ، ثم أقبَلَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا مُحمَّدُ، ما اشْتَمَلتِ النِّساءُ على ذي لَهجَةٍ أكْذَبَ منك ولا أبغَضَ، ولولا أنْ تُسمِّيَني العَرَبُ عَجولًا؛ لَعَجِلتُ عليك فقَتَلتُكَ، فسَرَرتُ بقَتْلِكَ الناسَ أجمعينَ، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أقْتُلُه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَا عَلِمتَ أنَّ الحليمَ كادَ يكونُ نَبيًّا، ثم أقبَلَ الأعْرابيُّ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: واللَّاتِ والعُزَّى لا آمَنتُ بِكَ، وقد قال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا أعْرابيُّ ما حَمَلَك على أنْ قُلتَ ما قُلتَ، وقُلتَ غيرَ الحَقِّ، ولم تُكرِمْ مَجلِسي؟ قال: وتُكَلِّمُني أيضًا -استخفافًا برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- واللَّاتِ والعُزَّى لا آمَنتُ بِكَ حتى يُؤمِنَ بك هذا الضَّبُّ، فأخْرَجَ الضَّبَّ من كُمِّه، فطَرَحَه بين يَدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: إنْ آمَنَ بك هذا الضَّبُّ آمَنتُ بِكَ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا ضَبُّ، فكَلَّمَه الضَّبُّ بلِسانٍ عَرَبيٍّ مُبينٍ يَفهَمُه القَومُ جميعًا: لَبَّيكَ وسَعْدَيكَ يا رسولَ ربِّ العالَمين! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن تَعبُدُ؟ قال: الذي في السَّماءِ عَرشُه، وفي الأرضِ سُلطانُه، وفي البَحرِ سَبيلُه، وفي الجَنَّةِ رَحمَتُه، وفي النَّارِ عَذابُه، قال: فمَن أنا يا ضَبُّ؟ قال: أنتَ رسولُ ربِّ العالَمين، وخاتَمُ النَّبيِّينَ، قد أفلَحَ مَن صدَّقك، وقد خابَ مَن كذَّبك، فقال الأعْرابيُّ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّك رسولُ اللهِ حَقًّا، واللهِ لقد أَتَيتُك وما على وَجْهِ الأرْضِ أحَدٌ هو أبغَضُ إليَّ مِنكَ، وواللهِ لأنتَ الساعَةَ أحَبُّ إليَّ من نَفْسي، ومن وَلَدي، فقد آمَنتُ بِكَ، شَعْري، وبَشَري، وداخِلي، وخارِجي، وسِرِّي، وعَلانيتي، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الحَمدُ للهِ الذي هَدى هذا إلى الذي يَعلو ولا يُعلى، لا يَقبَلُه اللهُ تعالى إلَّا بصَلاةٍ، ولا تُقبَلُ الصَّلاةُ إلَّا بقُرْآنٍ، فعلَّمه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {الحَمْدُ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال: يا رسولَ اللهِ، ما سَمِعتُ في البَسيطِ ولا في الرَّجَزِ أحسَنَ من هذا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ هذا كلامُ ربِّ العالَمين، وليس بشِعْرٍ، وإذا قَرَأتَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فكأنَّما قَرَأتَ ثُلُثَ القُرْآنِ، وإذا قَرَأتَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مرَّتينِ، فكأنَّما قَرَأتَ ثُلُثَيِ القُرْآنِ، وإذا قَرَأتَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فكأنَّما قَرَأتَ القُرْآنَ كُلَّه، فقال الأعْرابيُّ: نِعْمَ الإلهُ؛ فإنَّ إلَهَنا يَقبَلُ اليَسيرَ ويُعطي الجَزيلَ، ثم قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أعْطُوا الأعْرابيَّ فأعْطَوْه حتى أبْطَروه، فقام عبدُ الرحمنِ بنُ عَوفٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أُريدُ أنْ أُعطِيَه ناقَةً أتقرَّبُ بها إلى اللهِ عزَّ وجلَّ دون البُخْتيِّ، وفوقَ الأعْرابيِّ، وهي عُشَراءُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قد وَصَفتَ ما تُعْطي وأَصِفُ لك ما يُعْطيك اللهُ تَعالى جَزاءً؟ قال: نَعَمْ، قال: لك ناقَةٌ من دُرَّةٍ جَوْفاءَ، قَوائِمُها من زُمُرُّدٍ أخْضَرَ وعُنُقُها من زَبَرْجَدٍ أصْفَرَ، عليها هَودَجٌ، وعلى الهَودَجِ السُّنْدُسُ والإسْتَبْرقُ، تمُرُّ بك على الصِّراطِ كالبَرْقِ الخاطِفِ، فخَرَجَ الأعْرابيُّ من عِندِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَلَقَّاه ألْفُ أعْرابيٌّ على أَلْفِ دابَّةٍ، بأَلْفِ رُمْحٍ، وَأَلْفِ سَيفٍ، فقال لهم: أين تُريدونَ؟ فقالوا: نُقاتِلُ هذا الذي يَكذِبُ ويَزعُمُ أنَّه نَبيٌّ، فقال الأعْرابيُّ: إنِّي أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا له: صَبَوتَ؟ فقال لهم: ما صَبَوتُ وحدَّثَهم هذا الحديثَ، فقالوا بأَجْمَعِهم: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ، فبَلَغَ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتَلَقَّاهم في رِداءٍ، فنَزَلوا عن رُكابِهم، يُقَبِّلون ما وَلَوْا عنه إلَّا وهم يَقولونَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ، فقالوا: مُرْنا بأَمْرِكَ يا رسولَ اللهِ، قال: تَدْخُلون تحت رايَةِ خالدِ بنِ الوليدٍ، قال: فليس أحَدٌ من العَرَبِ آمَنَ منهم أَلْفٌ جميعًا إلَّا بنو سُلَيمٍ.
الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد
الصفحة أو الرقم : 8/295 | خلاصة حكم المحدث : [فيه] محمد بن علي بن الوليد البصري قال البيهقي‏ الحمل في هذا الحديث عليه‏ قلت‏ وبقية رجاله رجال الصحيح‏