الموسوعة الحديثية


- أيُّها البَعيرُ ! اسْكنْ فإنْ تَكُ صادِقًا فلَكَ صِدْقُكَ، وإنْ تَكُ كاذِبًا فعَلَيْكَ كَذِبُكَ، مع أنَّ اللهَ قَدْ آمَنَ عائِذَنا، ولَيسَ بِخائِبٍ لائِذُنا. فقُلنَا : يا رسولَ اللهِ ! ما يَقولُ هذا البَعيرُ ؟ فقال : هذا بَعيرٌ قَدْ هَمَّ أهلُهُ بِنَحْرِهِ وأكْلِ لَحْمِه، فهَرَبَ مِنهُمْ، واسْتغاثَ بِنَبِيِّكُمْ فبَينا نحن كذلِكَ إذْ أقْبلَ أصحابُهُ يَتعادَوْنَ، فلَمَّا نَظَرَ إِليهِمْ البعيرُ عادَ إلى هَامَةِ رَسولِ اللهِ فَلاذَ بِها ! فقالُوا : يا رسولَ اللهِ ! هذا بَعيرُنا هَرَبَ مُنذُ ثلاثةِ أيامٍ، فلَم نَلْقَهُ إلا بين يَديْكَ، فقال : أمَا إِنَّهُ يَشكُو إليَّ، فَبِئْسَتِ الشِّكايةُ فقالُوا : يا رسولَ اللهِ ! ما يقولُ ؟ قال : يَقولُ إِنَّهُ رُبِّىَ في آمنكم أحْوالًا، وكُنتُم تَحمِلُونَ عليه في الصَّيْفِ إلى مَوْضِعِ الكَلأِ ، فإذا كان الشِّتاءُ رحلتُم إلى مَوضِعِ الدِّفءِ، فلَمَّا كَبُرَ استفْحَلْتُمُوهُ، فرَزَقَكُمُ اللهُ مِنهُ إبِلًا سائِمةً، فلَمَّا أدْرَكتْهُ هذه السَّنةُ الخصِيبةُ هَمَمْتُمْ بِنحرِهِ، وأكْلِ لَحمِه فقالُوا : قَدْ واللهِ كان ذلِكَ يا رسولَ اللهِ ! فقال عليه السلامُ : ما هذا جزاءُ المملُوكِ الصالِحِ من مَوالِيهِ فقالُوا : يا رسولَ اللهِ ! فإنَّا لا نَبِيعُهُ ولا نَنْحَرُهُ فقال عليه السلامُ كَذَبْتُم، قَدْ اسْتَغَاثَ بِكم فَلَمْ تُغِيثُوهُ، وأنا أوْلى بِالرحمةِ مِنكُمْ، فإنَّ اللهَ نَزَعَ الرحمَةَ من قُلوبِ المُنافِقِينَ، وأسْكَنَها في قُلوبِ المؤمِنينَ. فاشْتَراهُ عليه السلامُ مِنهُمْ بِمائةِ دِرْهَمٍ وقالَ : يا أيُّها البَعِيرُ انْطَلِقْ، فأَنْتَ حُرٌ لِوَجْهِ اللهِ تعالى. فَرَغَى على هامَةِ رسولِ اللهِ، فقال عليه السلامُ : ( آمِينَ ). ثُم رَغَى، فقال : ( آمِينَ ). ثُم رَغَى، فقال : ( آمِينَ ) ثُم رَغَى الرابِعةَ، فَبَكَى عليه السلامُ. فقُلْنا : يا رسولَ اللهِ ! ما يَقولُ هذا البَعِيرُ ؟ قال : قال : جَزاكَ اللهُ أيُّها النبيُّ عنِ الإسلامِ والقُرآنِ خَيرًا، فُقُلْتُ : ( آمِينَ ). ثُمَّ قال : سَكَّنَ اللهُ رُعْبَ أُمَّتِكَ يَومَ القِيامةِ كما سَكَّنتَ رُعبِي، فقُلْتُ : ( آمِينَ ) ثُم قال : حَقَنَ اللهُ دِماءَ أُمَّتِكَ من أعدائِها كَما حَقَنْتَ دَمِي، فَقُلْتُ : ( آمِينَ ). ثُم قال : لا جَعلَ الله بأسْها بَينها، فبَكيْتُ. فإنَّ هذه الخِصالُ سألْتُ رَبِّي فأعطانِيها ومَنَعَنِي هذه، وأخبرَنِي جِبريلُ عنِ اللهِ تعالى أنَّ فَناءَ أُمَّتِي بِالسيفِ. جَرَى القَلَمُ بِما هو كائِنٌ.