الموسوعة الحديثية


- أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا نَزَلَ مَرَّ الظَّهرانِ رَقَّت نَفسُ العَبَّاسِ لأهلِ مَكَّةَ، فقال: واصباحَ قُرَيشٍ! واللهِ لئِن دَخَلَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنوةً قَبلَ أن يَأتوه فيَستَأمِنوه قَبلَ أن يَدخُلَها عليهم عَنوةً إنَّه لهَلاكُ قُرَيشٍ إلى آخِرِ الدَّهرِ! قال العَبَّاسُ: فأخَذتُ بغَلةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الشَّهباءَ فرَكِبتُها وقُلتُ: ألتَمِسُ حَطَّابًا أو صاحِبَ لبَنٍ أو ذا حاجةٍ يَأتي مَكَّةَ فيُخبِرُهم بمَكانِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليَخرُجوا إلَيه فيَستَأمِنوه قَبلَ أن يَدخُلَها عليهم عَنوةً، فواللهِ إني لفي الأراكِ ألتَمِسُ ما خَرَجتُ إلَيه إذ سَمِعتُ كَلامَ أبي سُفيانَ وبُدَيلِ بنِ ورقاءَ وهما يَتَراجَعانِ، وأبو سُفيانَ يَقولُ: ما رَأيتُ كاللَّيلةِ نيرانًا قَطُ ولا عَسكَرًا! فقال بُدَيلُ بنُ ورقاءَ: هَذِه واللهِ خُزاعةُ حَمَشَتها الحَربُ! فقال أبو سُفيانَ: خُزاعةُ أقَلُّ وأذَلُّ مِن أن تَكونَ هَذِه نيرانَها وعَسكَرَها، قال العَبَّاسُ: فعَرَفتُ صَوتَ أبي سُفيانَ، فقُلتُ: يا أبا حَنظَلةَ! فعَرَف صَوتي فقال: لبَّيكَ يا أبا الفَضلِ، ما لكَ فِداكَ أبي وأُمي! وعَرَف صَوتي، فقُلتُ: وَيلَك! هَذا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عَشَرةِ آلافٍ، فقال: واصباحَ قُرَيشٍ! واللهِ بأبي أنتَ وأُمي فما تَأمُرُني هَل مِن حيلةٍ؟ قُلتُ: نَعَم، اركَب عَجُزَ هَذِه البَغلةِ، فأذهَبُ بكَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأستَأمِنُه لكَ، فإنَّه واللهِ إن ظُفِرَ بكَ دونَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لتُقتَلَنَّ، فرَكِبَ خَلفي ورَجَعَ صاحِباه. قال العَبَّاسُ: فجِئتُ بأبي سُفيانَ، كُلَّما مَرَرتُ بنارٍ مِن نيرانِ المُسلِمينَ قالوا: مَن هَذا؟ فإذا رَأوا بَغلةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا عليها، قالوا: عَمُّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بَغلَتِه، حَتى مَرَرتُ بنارِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فلمَّا رَآني قامَ فقال: مَن هَذا؟ قُلتُ: العَباسُ، فذَهَبَ يَنظُرُ فرَأى أبا سُفيانَ خَلفي، فقال: أيْ عَدوَّ اللهِ! الحَمدُ للهِ الذي أمكَنَ مِنكَ بغَيرِ عَقدٍ ولا عَهدٍ، ثُمَ خَرَجَ يَشتَدُّ نَحوَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورَكَضتُ البَغلةَ فسَبَقتُه كَما تَسبِقُ الدَّابَّةَ البَطيئةُ الرَّجُلَ البَطيءَ، فاجتَمَعنا على بابِ قُبةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فاقتَحَمتُ عَنِ البَغلةِ فدَخَلتُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ودَخَلَ عُمَرُ على أثَري، فقال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، هَذا أبو سُفيانَ قد أمكَنَ اللهُ مِنه بغَيرِ عَقدٍ ولا عَهدٍ، فدَعني فلَأضرِبْ عُنُقَه، قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ إني قد أجَرتُه، ثُمَّ التَزَمتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخَذتُ برَأسِه، فقُلتُ: واللهِ لا يُناجيه اللَّيلةَ دوني رَجُلٌ، فلمَّا أكثَرَ عُمَرُ في شَأنِه، فقُلتُ: مَهلًا يا عُمَرُ، فواللهِ لو كان مِن رِجالِ بَني عَديِّ بنِ كَعبٍ ما قُلتَ هَذا! ولَكِنَّكَ قد عَرَفتَ أنَّه مِن رِجالِ بَني عَبدِ مَنافٍ! فقال: مَهلًا يا عَباسُ -وفي لفظٍ: يا أبا الفضلِ- فواللهِ لإسلامُكَ يَومَ أسلَمتَ كان أحَبَّ إلَيَّ مِن إسلامِ الخَطَّابِ لو أسلَمَ، وما بي إلَّا أني قد عَرَفتُ أنَّ إسلامَكَ كان أحَبَّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن إسلامِ الخَطَّابِ لو أسلَمَ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح.
الراوي : عبد الله بن عباس | المحدث : محمد ابن يوسف الصالحي | المصدر : سبل الهدى والرشاد الصفحة أو الرقم : 5/215
التخريج : أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (8/ 9) (7264)، والطحاوي في ((معاني الآثار)) (5450)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (5/ 32) بنحوه.
|أصول الحديث