الموسوعة الحديثية


- خَبَرُ الإسراءِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: قُلتُ: يا جِبريلُ، وما ذاك؟ قال: مُنكَرٌ ونَكيرٌ يَأتيانِ كُلَّ إنسانٍ من البَشَرِ حين يوضَعُ في قَبرِه وَحيدًا فقُلتُ: يا جِبريلُ صِفْهُما لي؟ قال: نَعَمْ، من غَيرِ أنْ أذكُرَ لك طولَهما وعَرْضهما، ذِكرُ ذلك منهما أفظَعُ من ذلك، غيرَ أنَّ أصواتَهما كالرَّعْدِ القاصِفِ، وأعيُنَهما كالبَرْقِ الخاطِفِ، وأنيابَهُما كالصَّياصي، يَخرُجُ لَهَبُ النَّارِ من أفْواهِهما، ومَناخِرِهما، ومَسامِعِهما، يَكسَحانِ الأرضَ بأشعارِها، ويَحفُرانِ الأرضَ بأظْفارِهما، مع كُلِّ واحدٍ منهما عَمودٌ من حَديدٍ، لو اجتَمَعَ عليه مَن في الأرضِ ما حرَّكوه، يَأتيانِ الإنسانَ إذا وُضِعَ في قَبرِه وتُرِكَ وَحيدًا، يَسلُكانِ رُوحَه في جَسَدِه بإذْنِ اللهِ تعالى، ثم يُقعِدانِه في قَبرِه، فيَتنَهِرانِهِ انتِهارًا، يَتَقعقَعُ منه عِظامُه، وتَزولُ أعضاؤُه من مَفاصِلِه، فيَخِرُّ مَغشيًّا عليه، ثم يُقعِدانِهِ فيَقولانِ له: إنَّك في البَرْزَخِ فاعْقِلْ حالَك، واعْرَفْ مَكانَك، ويَنتَهِرانِهِ ثانيةً ويقولانِ: يا هذا، ذَهَبتْ عنكَ الدُّنيا، وأفضَيتَ إلى مَعادِكَ، فأخْبِرْنا مَن ربُّك؟ وما دِينُك؟ ومَن نَبيُّك؟ فإنْ كان مُؤمِنًا باللهِ لقّنَه اللهُ حُجَّتَه فيقولُ: اللهُ ربِّي، ونَبِّيي مُحمَّدٌ، ودِينيَ الإسلامُ، فيَنتَهِرانِهِ عندَ ذلك انتِهارًا، يرى أنَّ أوصالَه تَفرَّقتْ وعُروقَه قد تَقَطَّعتْ، ويقولانِ له: يا هذا، انظُرْ ما تَقولُ؟ فيُثبِّتُه اللهُ عندَه بالقَولِ الثابتِ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخِرَةِ، ويُلقِّنُه الأمانَ، ويَدرَأُ عنه الفَزَعَ، فلا يَخافُهما، فإذا فعَلَ ذلك بعبدِه المُؤمِنِ استَأْنَسَ إليهما، وأقبَلَ عليهما بالخُصومَةِ يُخاصِمُهما، ويقولُ: تُهدِّداني كيما أشُكَّ في ربِّي، وتُريداني أنْ أتَّخِذَ غيرَه وَليًّا، وأنا أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهو ربِّي وربُّكما وربُّ كُلِّ شَيءٍ، ونَبيِّي مُحمَّدٌ، ودِينيَ الإسلامُ؟ ثم يَنتَهِرانِهِ ويَسألانِه عن ذلك، فيقولُ: ربِّيَ اللهُ فاطِرُ السَّمواتِ والأرضِ، إيَّاه كُنتُ أعبُدُ، ولم أُشْرِكْ به شَيئًا، ولم أتَّخِذْ غيرَه أحدًا رَبًّا، أفتُريدانِ أنْ تَرُدَّاني عن مَعرِفَةِ ربِّي وعِبادَتي إيَّاه؟ نَعَمْ، هو اللهُ الذي لا إلهَ إلَّا هو، قال: فإذا قال ذلك ثَلاثَ مرَّاتٍ مُجاوَبَةً لهما، تَواضَعا له حتى يَستَأنِسَ إليهما أُنسَ ما كان في الدُّنيا إلى أهلِ وُدِّه، ويَضحَكانِ إليه ويقولانِ له: صَدَقتَ وبَرَرتَ أقَرَّ اللهُ عَينَيْك وثَبَّتَك، أبْشِرْ بالجَنَّةِ وبكَرامَةِ اللهِ ثم يُدفَعُ عنه قَبرُه هكذا وهكذا، فيَتَّسِعُ عليه مَدَّ البَصَرِ ويَفتَحانِ له بابًا إلى الجَنَّةِ، فيَدخُلُ عليه من رَوحِ الجَنَّةِ وطِيبِ رِيحِها ونَضرَتِها في قَبرِه ما يَتعرَّفُ به كَرامَةَ اللهِ تَعالى، فإذا رأى ذلك استَيْقَنَ بالفَورِ فحَمِدَ اللهَ، ثم يَفرِشانِ له فِراشًا من إستَبرَقِ الجَنَّةِ، ويَضَعانِ له مِصباحًا من نورٍ عندَ رأسِه، ومِصباحًا من نورٍ عندَ رِجْليهِ يُزهِرانِ في قَبرِه، ثم تَدخُلُ عليه رِيحٌ أخرى، فحيَن يَشُمُّها يَغشاه النُّعاسُ، فينامُ فيَقولانِ له: ارقُدْ رَقدَةَ العَروسِ، قَرير العَينِ، لا خَوفٌ عليك ولا حَزَنٌ، ثم يُمثِّلانِ عَمَلَه الصَّالِحَ في أحسَنِ ما يَرى من صورةٍ، وأطيَبِ رِيحٍ فيكونُ عندَ رأسهِ، ويقولانِ: هذا عمَلُك وكَلامُك الطيِّبُ، قد مثَّله اللهُ لك في أحسَنِ ما تَرى من صورةٍ، وأطيَبِ رِيحٍ؛ ليُؤنِسَك في قَبرِك، فلا تكونُ وَحيدًا، ويَدرَأُ عنك هَوامَّ الأرضِ، وكُلَّ دابَّةٍ، وكُلَّ أذًى، فلا يَخذُلُك في قَبرِك، ولا في شَيءٍ من مَواطِنِ القيامَةِ حتى تَدخُلَ الجَنَّةَ برَحمَةِ اللهِ تَعالى، فنَمْ سَعيدًا، طُوبى لك وحُسنُ مآبٍ، ثم يُسلِّمانِ عليه، ويَطيرانِ عنه، وذَكَرَ الحَديثَ وما يَلقاه الكافِرُ من الهَوانِ الشَّديدِ والعَذابِ الأليمِ.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : القرطبي المفسر | المصدر : التذكرة للقرطبي
الصفحة أو الرقم : 129 | خلاصة حكم المحدث : في إسناده مقال