الموسوعة الحديثية


- «لمَّا اعْتَزَلَتِ الحَروريَّةُ قُلْتُ لعلِيٍّ: يا أميرَ المُؤْمِنينَ أَبْرِدْ عن الصَّلاةِ لَعلِّي آتي هؤلاء القَوْمَ فأُكَلِّمُهم، قالَ: إنِّي أَتَخَوَّفُهم عليك، قالَ: قُلْتُ: كَلَّا إن شاءَ اللهُ، قالَ: فلَبِسْتُ أَحسَنَ ما أَقدِرُ عليه مِن هذه اليَمانيَةِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عليهم وهُمْ قائِلونَ في نَحْرِ الظَّهيرةِ، فدَخَلْتُ على قَوْمٍ لم أرَ قَوْمًا قَطُّ أشَدَّ اجْتِهادًا مِنهم، أيْديهم كأنَّها ثَفِنُ الإبِلِ، ووُجوهُهم مُعلَّبةٌ مِن آثارِ السُّجودِ، قالَ: فدَخَلْتُ فقالوا: مَرْحبًا بك يا ابنَ عبَّاسٍ، ما جاءَ بك؟ قالَ: جِئْتُ أُحَدِّثُكم عن أصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، نَزَلَ الوَحْيُ وهُمْ أَعلَمُ بتَأويلِه، فقالَ بعضُهم: لا تُحَدِّثوه، وقالَ بعضُهم: لَنُحَدِّثَنَّه، قالَ: قُلْتُ: أَخْبِروني ما تَنقِمونَ على ابنِ عَمِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وخَتَنِه وأوَّلِ مَن آمَنَ به وأصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معَه؟ قالوا: نَنقِمُ عليه ثَلاثًا، قُلْتُ: ما هنَّ؟ قالوا: أوَّلُهنَّ أنَّه حَكَّمَ الرِّجالَ في دينِ اللهِ، وقدْ قالَ اللهُ: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} قالَ: قُلْتُ: وماذا؟ قالوا: قاتَلَ ولم يَسْبِ ولم يَغنَمْ؛ لَئِنْ كانوا كُفَّارًا لقد حَلَّتْ له أمْوالُهم، ولَئِنْ كانوا مُؤمِنينَ لقد حَرُمَتْ عليه دِماؤُهم. قالَ: قُلْتُ: وماذا؟ قالوا: ومَحا نَفْسَه مِن أميرِ المُؤمِنينَ، فإن لم يكنْ أميرَ المُؤمِنينَ فهو أميرُ الكافِرينَ، قالَ: قُلْتُ: أَرأَيْتُم إن قَرَأْتُ عليكم مِن كِتابِ اللهِ المُحكَمِ، وحَدَّثْتُكم مِن سُنَّةِ نَبِيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما لا تُنكِرُونَ أتَرجِعونَ؟ قالوا: نَعمْ، قالَ: قُلْتُ: أمَّا قَوْلُكم: إنَّه حَكَّمَ الرِّجالَ في دينِ اللهِ فإنَّه يقولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إلى قَوْلِه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وقالَ في المَرْأةِ وزَوْجِها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} أَنشُدُكم اللهَ أَحُكْمُ الرِّجالِ في حَقْنِ دِمائِهم وأنْفُسِهم وصَلاحِ بَيْنِهم أَحَقُّ أم في أَرنَبٍ ثَمَنُها رُبُعُ دِرْهَمٍ؟ قالوا: اللَّهُمَّ في حَقْنِ دِمائِهم وصَلاحِ ذاتِ بَيْنِهم، قالَ: أَخَرَجْتُ مِن هذه قالوا: اللَّهُمَّ نَعمْ. وأمَّا قَوْلُكم: إنَّه قاتَلَ ولم يَسْبِ ولم يَغنَمْ، أَتَسْبونَ أمَّكم أمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنها ما تَسْتَحِلُّونَ مِن غَيْرِها؟! فقدْ كَفَرْتُم، وإن زَعَمْتُم أنَّها ليست بأُمِّكم فقدْ كَفَرْتُم وخَرَجْتُم مِن الإسْلامِ، إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يقولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فأنتم تَتَرَدَّدونَ بَيْنَ ضَلالتَينِ فاخْتاروا أيَّهما شِئْتُم، أَخَرَجْتُ مِن هذه؟ قالوا: اللَّهُمَّ نَعمْ. وأمَّا قَوْلُكم: مَحا نَفْسَه مِن أميرِ المُؤْمِنينَ، فإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَعا قُرَيشًا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ على أن يَكتُبَ بَيْنَه وبَيْنَهم كِتابًا، فقالَ: اكْتُبْ: هذا ما قاضى عليه مُحمَّدٌ رَسولُ اللهِ، فقالوا: واللهِ لو كُنَّا نَعلَمُ أنَّك رَسولُ اللهِ ما صَدَدْناك عن البَيْتِ، ولا قاتَلْناك، ولكن اكْتُبْ: مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فقالَ: واللهِ إنِّي لرَسولُ اللهِ وإن كَذَّبْتُموني، اكْتُبْ يا علِيُّ: مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فرَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ أَفضَلَ مِن علِيٍّ، أَخَرَجْتُ مِن هذه؟ قالوا: اللَّهُمَّ نَعمْ، فرَجَعَ مِنهم عِشْرونَ ألْفًا، وبَقِيَ مِنهم أرْبَعةُ آلافٍ فقُتِلوا».
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الضياء المقدسي | المصدر : الأحاديث المختارة
الصفحة أو الرقم : 10 / 413 | خلاصة حكم المحدث : أورده في المختارة وقال [هذه أحاديث اخترتها مما ليس في البخاري ومسلم]