الموسوعة الحديثية


- لمَّا انصَرَفْنا مِنَ الخَندَقِ، جَمَعتُ رِجالًا مِن قُرَيشٍ، فقُلتُ: واللهِ إنَّ أمْرَ محمدٍ يَعلو عُلُوًّا مُنكَرًا، واللهِ ما يَقومُ له شَيءٌ، وقد رأيتُ رأْيًا. قالوا: وما هو؟ قُلتُ: أنْ نَلحَقَ بالنَّجاشيِّ على حامِيَتِنا، فإنْ ظَفِرَ قَومُنا، فنحن مَن قد عَرَفوا، نَرجِعُ إليهم، وإنْ يَظهَرْ محمدٌ، فنَكونُ تَحتَ يَدَيِ النَّجاشيِّ أحَبُّ إلينا مِن أنْ نَكونَ تَحتَ يَدَيْ محمدٍ. قالوا: أصَبتَ. قُلتُ: فابتَاعوا له هَدايا، وكان مِن أعجَبِ ما يُهدى إليه مِن أرضِنا الأدَمُ، فجَمَعْنا له أدَمًا كَثيرًا، وقَدِمْنا عليه، فوافَقْنا عِندَه عَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْريَّ، قد بَعَثَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أمْرِ جَعفَرٍ وأصحابِه. فلمَّا رأيتُه، قُلتُ: لَعَلِّي أقتُلُه. وأدخَلتُ الهَدايا، فقال: مَرحَبًا وأهْلًا بصَديقي. وعَجِبَ بالهَديَّةِ، فقُلتُ: أيُّها المَلكُ، إنِّي رأيتُ رَسولَ محمدٍ عِندَكَ، وهو رَجُلٌ قد وَتَرَنا، وقَتَلَ أشرافَنا، فأعطِنيه أضرِبْ عُنُقَه. فغَضِبَ، وضَرَبَ أنفَه ضَربةً ظَنَنتُ أنَّه قد كَسَرَه، فلوِ انشَقَّتْ ليَ الأرضُ دَخَلتُ فيها، وقُلتُ: لو ظَنَنتُ أنَّكَ تَكرَه هذا لم أسألْكَه. فقال: سألتَني أنْ أُعطيَكَ رَسولَ رَجُلٍ يأتيه النَّاموسُ الذي كان يأتي موسى الأكبرَ تَقتُلُه؟! فقُلتُ: وإنَّ ذاك لَكذلك؟ قال: نَعَمْ، واللهِ إنِّي لكَ ناصِحٌ، فاتَّبِعْه، فواللهِ لَيَظهَرَنَّ كما ظَهَرَ موسى وجُنودُه. قُلتُ: أيُّها المَلِكُ، فبايِعْني أنتَ له على الإسلامِ. فقال: نَعَمْ. فبَسَطَ يَدَه، فبايَعتُه لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الإسلامِ، وخرَجتُ على أصحابي وقد حال رأيٌ. فقالوا: ما وَراءَكَ؟ فقُلتُ: خَيرٌ. فلمَّا أمسَيتُ، جَلَستُ على راحِلَتي، وانطَلَقتُ، وتَرَكتُهم، فواللهِ إنِّي لَأهوِي إذْ لَقيتُ خالِدَ بنَ الوَليدِ، فقُلتُ: إلى أين يا أبا سُليمانَ؟ قال: أذهَبُ -واللهِ- أُسلِمُ؛ إنَّه -واللهِ- قد استَقامَ المِيسَمُ، إنَّ الرَّجُلَ لنَبيٌّ ما أشُكُّ فيه. فقُلتُ: وأنا واللهِ. فقَدِمْنا المَدينةَ، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أُبايِعُكَ على أنْ يُغفَرَ لي ما تقَدَّمَ مِن ذَنبي. ولم أذكُرْ ما تأخَّرَ. فقال لي: يا عَمْرُو، بايِعْ؛ فإنَّ الإسلامَ يَجُبُّ ما كان قَبلَه.
الراوي : عمرو بن العاص | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سير أعلام النبلاء
الصفحة أو الرقم : 3/59 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات خلا راشد مولى حبيب، فلم يوثقه غير ابن حبان