الموسوعة الحديثية


- عن سعيدِ بنِ أبي راشِدٍ، قال: لَقِيتُ التنُّوخيَّ رسولَ هِرَقلَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحِمصٍ، وكان جارًا لي شيخًا كبيرًا قد بلغ الفندَ أو قرُبَ، فقلتُ: ألا تُخبِرُني عن رسالةِ هِرَقلَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورسالةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى هِرَقلَ؟ قال: بلى قَدِمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه تبوكَ، فبعث دِحيةَ الكلبيَّ إلى هِرَقلَ، فلمَّا أن جاءه كتابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دعا قِسِّيسي الرُّومِ وبطارِقَتَها ثم أغلقَ عليه وعليهم بابًا، فقال: قد نزل هذا الرَّجُلُ حيث رأيتُم، وقد أرسَلَ إليَّ يدعوني إلى ثلاثِ خصالٍ يدعوني إلى أن أتبَعَه على دينِه أو على أن نعطيَه مالَنا على أرضنا، والأرضُ أرضُنا أو نُلقِي إليه الحربَ، واللهِ لقد عرَفتُم فيما تقرؤون من الكتبِ ليأخُذَنَّ ما تحتَ قَدَمي، فهلُمَّ نَتبَعْه على دِينِه، أو نعطيه مالَنا على أرضِنا، فنخَروا نخرةَ رجلٍ واحدٍ حتى خرجوا من برانسِهم وقالوا: تدعونا إلى أن نَدَعَ النَّصرانيَّةَ أو نكونَ عَبيدًا لأعرابيٍّ جاء من الحجازِ، فلمَّا ظنَّ أنَّهم إن خرجوا من عندِه أفسَدوا عليه الرُّومَ رفأَهم ولم يكَدْ، وقال: إنَّما قُلتُ ذلك لأعلَمَ صَلابتَكم على أمرِكم، ثمَّ دعا رجلًا من عربِ تُجِيبَ كان على نصارى العربِ، فقال: ادعُ لي رُجلًا حافظًا للحديثِ، عربيَّ اللسانِ، أبعثُه إلى هذا الرَّجُلِ بجَوابِ كتابِه، فجاء بي فدَفَع إليَّ هِرَقلُ كتابًا فقال: اذهبْ بكتابي إلى هذا الرَّجلِ، فما ضيَّعتُ من حديثِه، فاحفَظْ لي منه ثلاثَ خِصالٍ: انظُرْ هل يذكرُ صحيفتَه التي كَتَب إليَّ بشيءٍ، وانظُرْ إذا قرأ كتابي فهل يذكُرُ اللَّيلَ، وانظُرْ في ظَهرِه هل به شيءٌ يَريبُك؟ فانطلقتُ بكتابِه حتى جئتُ تبوكَ، فإذا هو جالسٌ بين ظهرانَي أصحابِه مُحتَبِيًا على الماءِ، فقُلتُ: أين صاحبُكم؟ قيل: ها هو ذا، فأقبلتُ أمشي حتى جلستُ بين يدَيه فناولتُه كتابي فوَضَعَه في حَجرِه، ثمَّ قال: ممَّن أنتَ؟ فقلتُ: أنا أحَدُ تنوخٍ، قال: هل لك في الإسلامِ الحنيفيَّةِ ملَّةِ أبيك إبراهيمَ؟ قلتُ: إني رسولُ قومٍ، وعلى دينِ قومٍ لا أرجِعُ عنه حتى أرجِعَ إليهم، فضَحِكَ وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} يا أخا تنوخَ، إني كتبتُ بكتابٍ إلى كِسرى، واللهُ مُمَزِّقُه ومُمَزِّقُ مُلكِه، وكتبتُ إلى النَّجاشيِّ بصحيفةٍ فخرقَها واللهُ مُخرِقُه ومُخرِقُ مُلكِه، وكَتَبتُ إلى صاحبِك بصحيفةٍ، فأمسَكَها فلن يزالَ النَّاسُ يجدون منه بأسًا ما دام في العَيشِ خيرٌ، قُلتُ: هذه إحدى الثَّلاثةِ التي أوصاني بها صاحبي، وأخذتُ سَهمًا من جَعبَتي فكتبتُها في جلدِ سَيفي، ثمَّ إنَّه ناول الصَّحيفةَ رجُلًا عن يسارِه، قُلتُ: مَن صاحبُ كتابِكم الذي يقرأُ لكم؟ قالوا: معاويةُ، فإذا في كتابِ صاحبي تدعوني إلى جنةٍ عرضُها السَّمواتُ والأرضُ أُعِدَّتْ للمتَّقين، فأين النَّارُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سبحانَ اللهِ! أين اللَّيلُ إذا جاء النَّهارُ، قال: فأخذتُ سَهمًا من جَعبَتي، فكتبتُه في جِلدِ سَيفي، فلمَّا أن فرغ من قراءَةِ كتابي قال: إنَّ لك حقًّا وإنَّك رسولٌ، فلو وجدتَ عندنا جائزةً جوَّزناك بها، إنَّا سَفَرٌ مُرمِلون، قال: فناداه رجُلٌ من طائفةِ النَّاسِ قال: أنا أُجوِّزُه، ففتح رَحلَه، فإذا هو يأتي بحُلَّةٍ صَفوريَّةٍ فوضعها في حَجري، قُلتُ: مَن صاحبُ الجائزةِ؟ قيل لي: عُثمانُ، ثمَّ قال رسولُ اللهِ: أيُّكم يُنزِلُ هذا الرَّجُلَ؟ فقال فتًى من الأنصارِ: أنا، فقام الأنصاريُّ وقمتُ معه، حتى إذا خرجتُ من طائفةِ المجلِس ناداني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: تعالَ يا أخا تنوخَ، فأقبلتُ أهوي إليه حتَّى كُنتُ قائمًا في مجلِسي الذي كنتُ بين يدَيه فحلَّ حَبوتَه عن ظهرِه وقال: هاهنا امضِ لِما أُمِرْتَ له، فجُلْتُ في ظهرِه فإذا أنا بخاتمٍ في موضعِ غُضونِ الكَتِفِ مثلَ المِحجَمةِ الضَّخمةِ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن لا بأس به.
الراوي : سعيد بن أبي راشد | المحدث : محمد ابن يوسف الصالحي | المصدر : سبل الهدى والرشاد الصفحة أو الرقم : 5/457
التخريج : -