الموسوعة الحديثية


- قَدِمنا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ الحُدَيْبيَةِ فأردَفَني راجِعينَ إلى المَدينةِ على ناقَتِه العَضْباءِ ، فلمَّا كان بينَنا وبينَ المَدينةِ وَكزةٌ وفينا رَجُلٌ منَ الأنصارِ لا يُسبَقُ عَدْوًا، فقال: هل مِن مُسابِقٍ إلى المَدينةِ؟ -قالها مِرارًا وأنا ساكِتٌ- فقُلتُ: ما تُكرِمُ كريمًا، ولا تَهابُ شريفًا، قال: لا، إلَّا أنْ يكونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ائذَنْ لي فلْأُسابِقْه، قال: إنْ شِئتَ فَعَلتَ، فقُلتُ: اذهَبْ إليكَ، فخَرَجَ يشتَدُّ وأَطفِرُ عنِ الناقَةِ عَدْوًا، فرَبَطتُ عليَّ شَرَفًا أو شَرَفَينِ فسَأَلتُه: ما رَبَطتَ؟ قال: استَبْقَيتُ نَفْسي، ثم إنِّي غَدَوتُ حتى ألحَقَه فأَصُك ُّبينَ كَتِفَيهِ، وقُلتُ: سَبَقتُكَ واللهِ، قال: فنَظَرَ إليَّ فضَحِكَ.
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الراوي : سلمة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار الصفحة أو الرقم : 1882
التخريج : أخرجه مسلم (1807)، وأبو عوانة في ((مستخرجه)) (7262) كلاهما في أثناء حديث، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (1882) جميعًا بلفظه .
التصنيف الموضوعي: مغازي - صلح الحديبية مغازي - غزوة الحديبية آداب عامة - توقير العلماء وذوي المكانة والفضل لعب ولهو - المسابقة على الأقدام والمصارعة
|أصول الحديث

أصول الحديث:


[صحيح مسلم] (3/ 1433 )
: 132 - (‌1807) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا هاشم بن القاسم. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا أبو عامر العقدي. كلاهما عن عكرمة ابن عمار. ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. وهذا حديثه: أخبرنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد. حدثنا عكرمة (وهو ابن عمار). حدثني إياس بن سلمة. حدثني أبي قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونحن أربع عشرة مائة. وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية. فإما دعا وإما بسق فيها. قال: فجاشت. فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال فبايعته أول الناس. ثم بايع وبايع. حتى إذا كان في وسط من الناس قال (بايع. يا سلمة!) قال قلت: قد بايعتك. يا رسول الله! في أول الناس. قال (وأيضا) قال: ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلا (يعني ليس معه سلاح). قال: فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة أو درقة. ثم بايع. حتى إذا كان في آخر الناس قال (ألا تبايعني؟ يا سلمة!) قال: قلت: قد بايعتك. يا رسول الله! في أول الناس، وفي أوسط الناس. قال (وأيضا) قال: فبايعته الثالثة. ثم قال لي (يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟) قال قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلا. فأعطيته إياها. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (إنك كالذي قال الأول: اللهم! أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي). ثم إن المشركين راسلونا الصلح. حتى مشى بعضنا في بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله. أسقي فرسه، وأحسه، وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها. فاضجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعو من المشركين من أهل مكة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبغضتهم. فتحولت إلى شجرة أخرى. وعلقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى منادي من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي. ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا في يدي. قال: ثم قلت: والذي كرم وجه محمد! لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. على فرس مجفف. في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (دعوهم. كن لهم بدء الفجور وثناه) فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنزل الله: {هو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [48 /الفتح /24] الآية كلها. قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة. فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي هذا الجبل الليلة. كأنه طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثا. ثم قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة. أنديه مع الظهر. فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل. وأرتجز. أقول: أنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع فألحق رجلا منهم. فأصك سهما في رحله. حتى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال قلت: خذها وأنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع قال: فوالله! ما زلت أرميهم وأعقر بهم. فإذا رجع إلي فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثم رميته. فعقرت به. حتى إذا تضايق الجبل دخلوا في تضايقه، علوت الجبل. فجعلت أرديهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري. وخلوا بيني وبينه. ثم لتبعتهم أرميهم. حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا. يستخفون. ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة. يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. حتى إذا أتوا متضايقا من ثنية فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري. فجلسوا يتضحون (يعني يتغدون). وجلست على رأس قرن. قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا البرح. والله! ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل. قال: فلما أمكنوني من الكلام قال قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة ابن الأكوع. والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم! لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظن. قال: فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر. قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي. على إثره أبو قتادة الأنصاري. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته. فالتقى هو وعبد الرحمن. قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه. وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحول على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن. فطعنه فقتله. فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم! اتبعتهم أعدو على رجلي. حتى ما أرى ورائي، من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم، شيئا. حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد. ليشربوا منه وهم عطاش. قال: فنظروا إلي أعدو ورائهم. فحليتهم عنه (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدوا فألحق رجلا منهم. فأصكه بسهم في نغض كتفه. قال قلت: خذها وأنا ابن الأكوع. واليوم يوم الرضع. قال: يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة. قال قلت: نعم. يا عدو نفسه! أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنية. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن. وسطيحة فيها ماء. فتوضأت وشربت. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حلأتهم منه. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل. وكل شيء استنقذته من المشركين. وكل رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النهار. فقال (يا سلمة! أتراك كنت فاعلا؟) قلت: نعم. والذي أكرمك! فقال (إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان) قال: فجاء رجل من غطفان. فقال: نحر لهم جزورا. فلما كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجالتنا سلمة) قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس وسهم الراجل. فجمعهما لي جميعا. ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء. راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا، قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! ذرني فلأسابق الرجل. قال (إن شئت) قال قلت: اذهب إليك. وثنيت رجلي فطفرت فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي. ثم عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفي. ثم إني رفعت حتى ألحقه. قال فأصكه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت. والله! قال: أنا أظن. قال: فسبقته إلى المدينة. قال: فوالله! ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم: تالله! لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا * فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذا؟) قال: أنا عامر. قال (غفر لك ربك) قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد. قال: فنادى عمر بن الخطاب، وهو على جمل له: يا نبي الله! لولا ما متعتنا بعامر. قال: فلما قدمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال: وبرز له عمي عامر، فقال: قد علمت خيبر أني عامر * شاكي السلاح بطل مغامر قال: فاختلفا ضربتين. فوقع سيف مرحب في ترس عامر. وذهب عامر يسفل له. فرجع سيفه على نفسه. فقطع أكحله. فكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا أنا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: بطل عمل عامر. قتل نفسه. قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال ذلك؟) قال قلت: ناس من أصحابك. قال (كذب من قال ذلك. بل له أجره مرتين). ثم أرسلني إلى علي، وهو أرمد. فقال (لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله) قال: فأتيت عليا فجئت به أقوده، وهو أرمد. حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبسق في عينيه فبرأ. وأعطاه الراية. وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث الغابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثم كان الفتح على يديه. قال إبراهيم: حدنا محمد بن يحيي. حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن عكرمة بن عمار، بهذا الحديث بطوله.

[صحيح مسلم] (3/ 1441 )
: (1807) - وحدثنا أحمد بن يوسف الأزدي السلمي. حدثنا النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار، بهذا.

مستخرج أبي عوانة (14/ 452)
: ‌7262 - حدثنا أبو داود الحراني، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه في أصل شجرة، وبايعته في أول الناس، فلما كان في وسط من الناس، قال: "بايعني يا سلمة! " فقلت: يا نبي الله! قد والله بايعتك في أول الناس! قال: "وأيضا"، قال: فبايعته، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أعزل؛ ليس معي جنة أستجن بها، فأعطاني درقة -أو قال: جحفة-، فلقيني عمي عامر، وهو أعزل، فسألنيها، فأعطيته إياها، فلما كان في آخر الناس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تبايعني يا سلمة؟ " فقلت: يا نبي الله قد والله بايعتك في أول الناس وفي وسطهم، فقال: "وأيضا"، فبايعته ثم قال: "يا سلمة أين الجحفة -أو الدرقة- التي أعطيتك؟ " فقلت: يا نبي الله سألنيها عمي عامر وهو أعزل، فأعطيته إياها وآثرته بها، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "إنك كالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي"، قال: ثم إن المشركين من أهل مكة واسونا الصلح حتى مشى بعضهم إلى بعض واصطلحنا، قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله وكنت آكل من طعامه وأحس فرسه وأسقيه وأخدمه، فأتيت شجرة، فكسحت شوكها، واضطجعت فيها، فأتاني أربعة من المشركين، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأبغضتهم، قال: وعلقوا أسلحتهم ووضعوا ثيابهم في الشجرة، واضطجعوا في ظلها، فأتيت شجرة أخرى، فكسحت شوكها، واضطجعت تحتها، فما عدا أخذوا ينامون، فإذا مناد من أسفل الوادي: يا معشر المهاجرين قتل ابن زنيم، قال: فخرجت أشتد بسيفي حتى وقفت على رؤسهم، وهم مضطجعون، فقلت: والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم! لا يرفع رجل منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه، فلما أخذت سلاحهم فجعلته ضغئا في يدي، ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله -صلى الله عليه [وسلم] -، وجاء عمي هو وأصحاب له بسبعين رجلا منهم مكرز رجل من العبلات من قريش يقود به عمي مجفف على فرس، فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوهم يكون بدء الفجور وثناه منهم، فخلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم}، قال: ثم رجعنا إلى المدينة وبيننا وبين بني لحيان أو بني ذكوان - رأس من المشركين- جبل، قال: فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقى في هذا الجبل، قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد قط يخصه إلا استشهد، قال: فرقيته تلك الليلة مرتين أو ثلاثة، قال: ثم قدمنا المدينة، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم بظهره إلى الغابة ينديه، فخرجت أنا ورباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجت معي بفرس لطلحة بن عبيد الله أنديه، فلما كان عند الصبح إذا عبد الرحمن بن عيينة بن بدر الفزاري قد أغار على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطرده، فذهب به، وقتل راعيه، فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه، فقعد رباح على الفرس، وقمت على أكمة، ووجهت وجهي قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث دعوات: يا صباحاه ثم أتبعت القوم، فجعلت أرشقهم بالنبل وأرتجز، أرميهم وأقول: أنا ابن الأكوع … واليوم يوم الرضع وأعقر بهم حتى ألحق رجلا منهم راكبا على رحله فأصك رجله بسهم حتى نفذ في كتفه، فقلت: خذها: وأنا ابن الأكوع … واليوم يوم الرضع قال: فما زلت أعقر بهم، وأرتجز، وإذا رجل على فرس فجثمت إلى شجرة، فنثرت نبلي ثم عقرت به ولا يقدم علي، قال: فما زال ذلك شأني وشأنهم حتى ما تركت شيئا من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا استنقذته، وجعلته وراء ظهري، قال: وطرحوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحا، كل ذلك يستخفون مني، وأجعل عليه آراما، حتى لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على أصحابه، حتى إذا امتد الضحى الأكبر قال: ودخلوا المضيق، علوت الجبل وجعلت أرداهم بالحجارة، إذا عيينة بن بدر قد جاء مددا للمشركين، فنزلوا يتضحون، فأشرف على جبل فأقعد عليه، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: هذا لقينا منه البرح، فوالله إن فارقنا بغلس حتى استنقذ كل شيء في أيدينا، فقال عيينة: لولا أن هذا يرى وراءه طلبا لترككم، ليقم إليه معي منكم، فقام أربعة فسندوا إلي في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت، قلت لهم: أتعرفوني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم! لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني، فقال أحدهم: إني أظن، فوالله ما برحت مقعدي ذاك حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، فإذا أولهم الأخرم الأسدي، وإذا على إثره أبو قتادة وإذا على إثر أبي قتادة المقداد بن الأسود الكندي، وولوا مدبرين، فأعرض الأخرم الأسدي فأخذ بعنان فرسه، فقلت: يا أخرم! أنذرهم، -فإن القوم قليل خبيث، ولا آمنهم أن يقتطعوك- حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال: يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق، والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال: والتقى هو وعبد الرحمن، فاختلفا ضربتين، فقتله، وعقر عبد الرحمن فرسه، وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، ويلحقه أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفا طعنتين، فقتله أبو قتادة، وعقر بأبي قتادة فرسه، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم، قال: وخرج المشركون لا يلوون على شيء، قال: فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم! إني بطلب الخيل والركاب والرجال الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ما أرى غبارهم، قال: فعرضوا لشعب فيه ماء يقال له ذو قرد، يريدون أن يشربوا منه وهم عطاش، قال فنظروا إلي أعدو وراءهم، قال: فحلأثهم، فما ذاقوا منه قطرة وهم عطاش حتى سندوا في ثنية يقال له بئر، قال: وألحق رجلا من آخرهم عند الثنية فأصطكه بسهم في نغض كتفة، فقلت: خذها. وأنا ابن الأكوع … واليوم يوم الرضع قال: واثكل أمي أكوعيا بكرة؟ فقلت: نعم، أي عدو نفسه، قال: وأدرك فرسين على العقبة، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وجدته على الماء الذي حلأتهم عنه، ذو قرد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائة من أصحابه قد نزلوا الماء وأخذوا الإبل والبرد وكل شيء خلفت ورائي، وإذا بلال قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحر جزورا من الإبل الذي عديت لهم، وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سنامها وكبدها، قال: وجاء عمي عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن، وسطيحة أخرى فيها ماء، فتوضأت، ثم صليت وشربت، فقلت: يا رسول الله! خلني فلأنتخب من القوم مائة رجل فآخذ على المشركين بالعشوة، فلا يبقى منهم رجل، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حى نظرت إلى نواجذه في ضوء النار، فقال: "أكنت فاعلا يا سلمة؟ "، قلت: نعم والذي كرم وجهك! فقال: "إنهم الآن ليقرون بأرض غطفان"، قال: فما برحنا حتى جاء رجل من غطفان، فقال: نحر لهم فلان الغطفاني جزورا فلما كشط جلدها رأوا غبارا، فقالوا: هذا غبار القوم، فأخافوها وولى القوم، فلما أصبحنا أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل جميعا، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة". قال: ثم أردفني نبي الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى المدينة على ناقته العضباء، فلما كان بيننا وبين المدينة ضحوة وفينا رجل من الأنصار لا يسبق عدوا قال: هل من سابق إلى المدينة؟ ألا من سابق؟ فأعادها مرارا وأنا سكت، ثم قلت له ما تكرم كريما ولا تهاب شريفا؟ فقال: لا، إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله ذرني بأبي أنت وأمي لأسابق الرجل، قال: "إن شئت"، فقلت: اذهب إليك، فخرج يشتد، وأطفر عن الناقة، ثم أعدو، فربطت عليه شرفا أو شرفين فسألته: ما ربطت؟ فقال: استبقيت نفسي، ثم إني عدوت عدوتي حتى ألحقه وأصك بين كتفيه، فقلت: سبقتك والله! قال: فنظر إلي فضحك وقال: إني أظن، قال: حتى ورد المدينة فما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر، فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم، وهو يسوق بهم وهو يقول: والله لولا الله ما اهتدينا … ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا … فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا … إن الذين كفروا بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا؟ " فقلت: عمي عامر يا نبي الله! فقال: "غفر لك ربك"، فقال: عمر: -وهو في أول القوم- يا نبي الله! لو ما متعتنا بعامر! وما استغفر لإنسان قط يخصه إلا استشهد، فلما قدمنا خيبر خرج مرحب يخطر بسيفه يقول: قد علمت خيبر إني مرحب … شاك السلاح بطل مجرب. إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز عامر فقال: قد علمت خيبر أني عامر … شاك السلاح بطل مغامر. فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له؛ فرجع سيفه على نفسه، فكانت فيه نفسه، قال: فما مررت على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهم يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه، فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم أبكي، فقلت: أبطل عمل عامر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال ذلك"؟ فقلت: نفر من أصحابك، فقال: "كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين"، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه [وسلم]- "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فدنا لها الناس، قال: فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب، فجئت به أقوده وهو أرمد، فبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ وأعطاه الراية، فخرج مرحب يخطر بسيفه يقول: قد علمت خيبر إني مرحب … شاك السلاح بطل مجرب. إذا الحروب أقبلت تلهب فقال علي بن أبي طالب: أنا الذي سمتني أمي حيدره … كليث غابات كريه المنظرة. أوفيهم بالصاع كيل السندره. ففلق رأس مرحب بالسيف، وكان الفتح على يديه.

شرح مشكل الآثار (5/ 145)
: ‌1882 - ما قد حدثني محمد بن خزيمة قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا عكرمة بن عمار ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه قال: قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية فأردفني راجعين إلى المدينة على ناقته العضباء ، فلما كان بيننا وبين المدينة وكزة وفينا رجل من الأنصار لا يسبق عدوا ، فقال: هل من مسابق إلى المدينة؟ قالها مرارا وأنا ساكت ، فقلت: ما تكرم كريما ، ولا تهاب شريفا ، قال: لا ، إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: يا رسول الله ائذن لي فلأسابقه ، قال: " إن شئت فعلت " فقلت: اذهب إليك ، فخرج يشتد وأطفر عن الناقة عدوا ، فربطت علي شرفا أو شرفين فسألته: ما ربطت؟ قال: استبقيت نفسي ، ثم إني غدوت حتى ألحقه فأصك بين كتفيه ، وقلت: سبقتك والله ، قال: فنظر إلي فضحك. وبه كان يقول محمد بن الحسن وقد ذهب قوم إلى خلاف ذلك وإلى أن لا مسابقة إلا في حافر أو خف. قال أبو جعفر ففي هذه ثلاثة أقوال قد قيلت في هذا الباب ، فذهب أهل المقالة الثانية ، وأهل المقالة الثالثة إلى الاحتجاج بما في رواياتهم التي احتجوا بها لقولهم من نفي النبي صلى الله عليه وسلم السبق إلا بما أباح في رواياتهم التي ذكرناها في الفصل الذي ذكرنا فيه قوليهم ، واحتج أهل المقالة الأولى على أهل هاتين المقالتين بحديثي عائشة ، فكان من حجة أهل هاتين المقالتين عليهم أن في آثارهم التي رووها من قوليهم ما يوجب نفي السبق بالأقدام ، فكان من حجة أهل المقالة الأولى عليهم أن ذلك إنما يكون كذلك لو وقفنا على أن ما في الآثار التي رووها مما ينفي السبق بالأقدام كان بعد ما روته عائشة في ذلك ، وقد يجوز أن يكون ما روته عائشة في ذلك كان بعد ما في آثارهم؛ فيكون ذلك لاحقا بما في آثارهم ، ومانعا أن يكون السبق إلا على الأقدام ، وعلى الحافر ، وعلى الخف ، وبالنصل. ولا ينبغي إذ قد علمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة السبق بالأقدام أن ندفعه ، ولا أن نخرجه من سببه لما لم نعلم أنه دفعه ، ولا أخرجه منها ، فوجب بذلك استعمال ما قال أهل المقالة الأولى في هذا الباب ، إذ لم تقم عليهم حجة توجب دفع ما قالوه فيه ، والله نسأله التوفيق.