الموسوعة الحديثية


- قال عبدُ اللهِ بنُ كعبِ بنِ مالكٍ قال أبي لَمَّا أنْ تاب اللهُ علَيَّ قُلْتُ يا رسولَ اللهِ إنِّي لا أعلَمُ أحَدًا أبلاه اللهُ في الصِّدقِ بما أبلاني وإنَّ مِن توبتي ألَّا أُحدِّثَ إلَّا صِدقًا ما حَيِيتُ وأنْ أنخلِعَ مِن مالي كلِّه إلى اللهِ ورسولِه وذلكَ لِمَا أُنعِمَ علَيَّ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَسْبُكَ الثُّلُثُ مِن مالِكَ
خلاصة حكم المحدث : لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا مسلمة بن علي تفرد به محمد بن رمح
الراوي : كعب بن مالك | المحدث : الطبراني | المصدر : المعجم الأوسط الصفحة أو الرقم : 7/112
التخريج : أخرجه البخاري (4156)، ومسلم (2769)، والترمذي (3102) مطولا.
التصنيف الموضوعي: تفسير آيات - سورة التوبة مناقب وفضائل - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نذور - من نذر أن يتصدق بماله آداب عامة - الأخلاق الحميدة الحسنة مناقب وفضائل - فضائل جمع من الصحابة والتابعين
|أصول الحديث

أصول الحديث:


[المعجم الأوسط - للطبراني] (7/ 112)
: 7009 - حدثنا محمد بن نصر، ثنا محمد بن رمح، ثنا مسلمة بن علي، عن الأوزاعي، عن الزهري قال: قال عبد الله بن كعب بن مالك، قال أبي: لما أن تاب الله علي، قلت: يا رسول الله، إني لا أعلم أحدا أبلاه الله في الصدق بما أبلاني، وإن من توبتي ألا ‌أحدث ‌إلا ‌صدقا ما حييت، وأن أنخلع من مالي كله إلى الله ورسوله، وذلك لما أنعم علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك الثلث من مالك لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا مسلمة بن علي، تفرد به محمد بن رمح "

[صحيح البخاري] (4/ 1603)
: 4156 - حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك، قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري: أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ، يريد الديوان. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال، وهو جالس في القوم بتبوك: (ما فعل كعب). فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه، ونظره في عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: (تعال). فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: (ما خلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك). فقلت: بلى، إني والله - يا رسول الله - لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله، ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك). فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين، قد شهدا بدرا، فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار. قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط أهل الشأم، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها. وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: (لا، ولكن لا يقربك). قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب؟ فلبثت بعد ذلك عشر ليال، حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ، أوفى على جبل سلع، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم، فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتلقاني الناس فوجا فوجا، يهنونني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه من السرور: (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك). قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: (لا، بل من عند الله). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك). قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا ‌أحدث ‌إلا ‌صدقا ما لقيت. فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت. وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار - إلى قوله - وكونوا مع الصادقين}. فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا - حين أنزل الوحي - شر ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم - إلى قوله - فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}. قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}. وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، إنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. [ر: 2606] ‌‌_________ أخرجه مسلم في التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: 2769. (قط) أي زمان مضى. (أقوى ولا أيسر) أكثر قوة ويسارا أي غنى. (راحلتان) مثنى راحلة، وهي ما يصلح للركوب والحمل في الأسفار من الإبل، ويصلح للسفر. (أهبة غزوهم) وفي نسخة (عدوهم) ما يحتاجون إليه في السفر والحرب. (طابت الثمار والظلال) نضجت الثمار ولذ للنفوس أكلها، وكثرت الظلال بتورق الأشجار ورغبت النفوس أن تتفيأ فيها. (فطفقت) أخذت وشرعت. (اشتد في الناس الجد) بلغوا غاية اجتهادهم في التجهيز للخروج. (جهازي) ما أحتاجه في سفري. (فصلوا) خرجوا من المدينة وفارقوها. (تفارط الغزو) فات وقته وتقدم. (مغموصا) محتقرا، مطعونا في دينه أو متهما بنفاق. (حبسه براده والنظر في عطفيه) أي منعه من الخروج إعجابه بنفسه ولباسه، وبراده مثنى برد وهو الكساء، وعطفيه: مثنى عطف وهو الجانب. (قافلا) راجعا من سفره إلى المدينة. (سخطه) غضبه، وعدم رضاه عما حصل مني. (أظل قادما) دنا قدومه إلى المدينة. (زاح عني الباطل) زال عني التفكير في الكذب والتماس الأعذار الباطلة. (فأجمعت صدقه) عزمت على أن أصدقه. (المخلفون) الذين لم يذهبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفوا عنه. (علانيتهم) ظاهرهم. (سرائرهم) جمع سريرة وهي ما يكتم في النفوس. (ابتعت ظهرك) اشتريت راحلتك. (جدلا) فصاحة وقوة حجة وكلام. (تجد) تغضب. (كافيك ذنبك) يكفيك من ذنبك. (أسوة) قدوة. (تغيروا لنا) اختلفت أخلاقهم معنا عما كانت عليه من قبل من الود والألفة. (تنكرت) تغيرت. (فاستكانا) ذلا وخضعا وأصابهما السكون. (أطوف) أدور. (فأسارقه النظر) أنظر إليه خلسة. (تسورت) صعدت على سور الدار. (حائط) بستان من نخيل. (ففاضت عيناي) انهال دمعهما. (نبطي) فلاح. (دفع إلي) أعطاني. (جفاك) أعرض عنك وقاطعك. (هوان) ذل وصغار. (مضيعة) حيث يضيع حقك. (نواسك) من المواساة وهي التسلية عن المصيبة. (البلاء) الاختبار. (فتيممت) قصدت. (فسجرته) أوقدته بها. (تعتزل امرأتك) لا تجامعها، وهي عميرة بنت جبير الأنصارية رضي الله عنها. (ضائع) قاصر عن القيام بشؤون نفسه. (حركة إلى شيء) من جماع ومباشرة وغيرها. (الحال التي ذكر الله) في قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم .. } /التوبة: 118/. (أوفى) أشرف. (سلع) جبل معروف في المدينة. (فخررت) أسقطت نفسي على الأرض. (آذن) أعلم. (ركض) استحث، من الركض وهو الضرب بالرجل على بطن الفرس لتسرع. (غيرهما) من جنس الثياب. (فوجا) جماعة. (لتهنك) من التهنئة، وهي المخاطبة بالأمر راجيا أن يكون مبعث سرور له. (أبلاه) أنعم عليه أو أختبره. (وأنزل الله) أي في توبتنا. (لقد تاب) عفا وصفح. (على النبي) في اذنه للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك. (والمهاجرين والأنصار) فيما وقع في قلوبهم من الميل إلى القعود وعدم الخروج إلى غزوة تبوك. (إلى قوله) تتمة الآيات: {والأنصار الذي اتبعوه ساعة العسرة من بعد ما كاد أن يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إلى الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} /التوبة: 117 - 119/. (اتبعوه) اتبعوا أمره، ولبوا دعوته وخرجوا معه. (ساعة العسرة) وقت الضيق والشدة، فقد كانوا في قلة من المركب والطعام والشراب، إلى جانب شدة الحر وبعد المسافة وكثرة العدو، مع طيب الثمار والظلال في المدينة. (كاد يزيغ) قارب أن تميل قلوب بعضهم عن الحق فيقعدوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم تداركتهم رحمة الله تعالى وعنايته فصبروا واحتسبوا أجرهم عند الله تعالى وندموا على ما هموا به. (تاب عليهم) ألهمهم الإنابة والرجوع إليه سبحانه، لما علم من إخلاصهم وصدق إيمانهم وقبل توبتهم ومعذرتهم. (وعلى الثلاثة) وتاب على الثلاثة، وهم كعب وصاحباه رضي الله عنهم، (خلفوا) أخروا عن الحكم بأمرهم. (ضاقت .. ) حاروا في أمرهم حتى أصبحوا وكأنهم لا يجدون مكانا في الأرض على سعتها يقرون فيه ويطمئنون. (وضاقت عليهم أنفسهم) اشتد كربهم وحزنهم حتى أصبحت نفوسهم لا تتسع لأنس ولا سرور. (ظنوا) علموا وأيقنوا. (لا ملجأ من الله إلا إليه) لا مفر من حكم الله تعالى ولا مجير من عذابه إلا اللجوء إلى استغفاره والتضرع بين يديه، والإنابة إليه، فذلوا له وخضعوا، واستغفروا وصبروا واحتسبوا. (تاب عليهم) عفا عنهم وقبل التجاءهم واستغفارهم. (ليتوبوا) ليكونوا دائما في جملة التوابين الذين يحبهم الله سبحانه وتعالى. (كونوا مع الصادقين) الزموا الصدق دائما في النية والقول والعمل. (انقلبتم) رجعتم. (إلى قوله) وتتمتها: {إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم .. } /التوبة: 95 - 96/. (لتعرضوا عنهم) لتتركوهم ولا تؤنبوهم بسبب تخلفهم. (فأعرضوا عنهم) لبو طلبهم ولا تعاتبوهم، ودعوهم وما اختاروا لأنفسهم من النفاق. (إنهم رجس) بواطنهم خبيثة وأعمالهم قبيحة، لا تنفع فيهم موعظة، ولا تصلحهم معاتبة، ولا تطهرهم طاعة ظاهرة. (مأواهم) مسكنهم. (يكسبون) من سوء الطوية وانحراف القصد وخبث العمل. (لترضوا عنهم) لتقبلوا معذرتهم وينالوا رضاكم فينتفعوا به في الدنيا. (فإن ترضوا عنهم) ظاهرا وتعاملوهم معاملة المسلمين. (فإن الله لا يرضى) عنهم حقيقة لما يعلم في قلوبهم من النفاق، فلا يخلصهم رضاكم عنهم في الدنيا من عذابه يوم القيامة. (الفاسقين) الخارجين عن طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. (تخلفنا .. أمر أولئك) أي تخلفنا عن الاعتذار مثلهم، فلم يقض فينا مثل ما قضى فيهم

[صحيح مسلم] (4/ 2120 )
:53 - (2769) حدثني أبو الطاهر، أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح، مولى بني أمية. أخبرني ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب. قال: ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك. وهو يريد الروم ونصارى العرب بالشام. قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك؛ أن عبد الله بن كعب كان قائد كعب، من بنيه، حين عمي. قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط. إلا في غزوة تبوك. غير أني قد تخلفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلف عنه. إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش. حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة. حين تواثقنا على الإسلام. وما أحب أن لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. وكان من خبري، حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة. والله! ما جمعت قبلها راحلتين قط. حتى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد. واستقبل سفرا بعيدا ومفازا. واستقبل عدوا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد، بذلك، الديوان). قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب، يظن أن ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال. فأنا إليها أصعر. فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه. وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم. فأرجع ولم أقض شيئا. وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه. ولم أقض من جهازي شيئا. ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو. فهممت أن أرتحل فأدركهم. فيا ليتني فعلت. ثم لم يقدر ذلك لي. فطفقت، إذا خرجت في الناس، بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحزنني أني لا أرى لي أسوة. إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق. أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوكا فقال، وهو جالس في القوم بتبوك "ما فعل كعب بن مالك؟ " قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله! حبسه براده والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله! يا رسول الله! ما علمنا عليه إلا خيرا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كن أبا خيثمة "، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري. وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون. فقال كعب بن مالك: فلما بلغني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك، حضرني بثي. فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي. فلما قيل لي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما، زاح عني الباطل. حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقة. وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما. وكان، إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين. ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاءه المخلفون. فطفقوا يعتذرون إليه. ويحلفون له. وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم. ووكل سرائرهم إلى الله. حتى جئت. فلما سلمت، تبسم تبسم المغضب ثم قال "تعال" فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال لي "ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ " قال قلت: يا رسول الله! إني، والله! لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا. ولكني، والله! لقد علمت، لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي. ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عقبى الله. والله! ما كان لي عذر. والله! ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما هذا، فقد صدق. فقم حتى يقضي الله فيك" فقمت. وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني. فقالوا لي: والله! ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا. لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما اعتذر به إليه المخلفون. فقد كان كافيك ذنبك، استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. قال: فوالله! ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأكذب نفسي قال ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم. لقيه معك رجلان. قالا مثل ما قلت. فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن ربيعة العامري، وهلال بن أمية الواقفي. قال فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة. قال فمضيت حين ذكروهما لي. قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا، أيها الثلاثة، من بين من تخلف عنه. قال، فاجتنبنا الناس. وقال، تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض. فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة. فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام، أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي. وإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي. فسلمت عليه. فوالله! ما رد علي السلام. فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك بالله! هل تعلمن أني أحب الله رسوله؟ قال فسكت. فعدت فناشدته. فسكت فعدت فنا شدته. فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت، حتى تسورت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطي من نبط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدل على كعب بن مالك. قال فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى جاءني فدفع إلي كتابا من ملك غسان. وكنت كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أما بعد. فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. قال فقلت، حين قرأتها: وهذه أيضا من البلاء. فتياممت بها التنور فسجرتها بها. حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنها. قال فأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. قال فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت له: يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم. فهل تكره أن أخدمه؟ قال "لا. ولكن لا يقربنك" فقالت: إنه، والله! ما به حركة إلى شئ. ووالله! ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان. إلى يومه هذا. قال فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. قال فقلت: لا استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. قال فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا. قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر. قال فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج. قال فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا، حين صلى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشروننا. فذهب قبل صاحبي مبشرون. وركض رجل إلي فرسا. وسعى ساع من أسلم قبلي. وأوفى الجبل. فكان الصوت أسرع من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني. فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته. والله! ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم. يتلقاني الناس فوجا فوجا، يهنئونني بالتوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، وحوله الناس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني. والله! ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو يبرق وجهه من السرور ويقول "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك" قال فقلت: أمن عندك؟ يا رسول الله! أم من عند الله؟ فقال "لا. بل من عند الله" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه. كأن وجهه قطعة قمر. قال وكنا نعرف ذلك. قال فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم. "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمسك بعض مالك. فهو خير لك" قال فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. قال وقلت: يا رسول الله! إن الله إنما أنجاني بالصدق. وإن من توبتي أن لا ‌أحدث ‌إلا ‌صدقا ما بقيت. قال فوالله! ما علمت أن أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسن مما أبلاني الله به. والله! ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى يومي هذا. وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله عز وجل: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم، إنه بهم رءوف رحيم* وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم} [9 /التوبة /117 و-118] حتى بلغ: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [9 /التوبة /119]. قال كعب: والله! ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي، من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا. إن الله قال للذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شر ما قال لأحد. وقال الله: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم، فأعرضوا عنهم، إنهم رجس، ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون* يحلفون لكم لترضوا عنهم، فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} [9 /التوبة /95 و-96]. قال كعب: كنا خلفنا، أيها الثلاثة، عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم. وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال الله عز وجل: وعلى الثلاثة الذين خلفوا. وليس الذي ذكر الله مما خلفنا، تخلفنا عن الغزو. وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. ‌‌_________ (ليلة العقبة) هي الليلة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فيها على الإسلام. وأن يؤووه وينصروه. وهي العقبة التي في طرف منى، التي يضاف إليها جمرة العقبة. وكانت بيعة العقبة مرتين، في سنتين. في السنة الأولى كانوا اثني عشر، وفي الثانية سبعين. كلهم من الأنصار رضي الله عنهم. (تواثقنا على الإسلام) أي تبايعنا عليه وتعاهدنا. (وإن كانت بدر أذكر) أي أشهر عند الناس بالفضيلة. (ومفازا) أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك. (فجلا للمسلمين أمرهم) أي كشفه وبينه وأوضحه. وعرفهم ذلك على وجهه من غير تورية. يقال: جلوت الشيء كشفته. (ليتأهبوا أهبة غزوهم) أي ليستعدوا بما يحتاجون إليه في سفرهم ذلك. (فأخبرهم بوجههم) أي بمقصدهم. (فقل رجل يريد أن يتغيب … الخ) قال القاضي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم. وصوابه: إلا يظن أن ذلك سيخفى له. بزيادة إلا. وكذا رواه البخاري. (فأنا إليها أصعر) أي أميل. (وتفارط الغزو) أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا. (مغموصا عليه في النفاق) أي متهما به. (حتى بلغ تبوكا) هو في أكثر النسخ: تبوكا، بالنصب. وكذا هو في نسخ البخاري. وكأنه صرفها لإرادة الموقع، دون البقعة. (والنظر في عطفيه) أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه. (مبيضا) هو لابس البياض. ويقال: هم المبيضة والمسودة، أي لابسوا البياض والسواد. (يزول به السراب) أي يتحرك وينهض. والسراب هو ما يظهر للإنسان في الهواجر، في البراري، كأنه ماء. (كن أبا خيثمة) قيل: معناه أنت أبو خيثمة. قال ثعلب: العرب تقول: كن زيدا، أي أنت زيد. قال القاضي عياض: والأشبه عندي أن كن هنا للتحقق والوجود. أي لتوجد، يا هذا الشخص، أبا خيثمة حقيقة. وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب. وهو معنى قول صاحب التحرير: تقديره اللهم اجعله أبا خيثمة. (لمزه المنافقون) أي عابوه واحتقروه. (توجه قافلا) أي راجعا. (حضرني بثي) هو أشد الحزن. (أظل قادما) أي أقبل ودنا قدومه كأنه ألقى علي ظله. (زاح) أي زال. (فأجمعت صدقة) أي عزمت عليه. يقال: أجمع أمره وعلى أمره، وعزم عليه، بمعنى. (أعطيت جدلا) أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة، بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إلي، إذا أردت. (ليوشكن) أي ليسرعن. (تجد علي فيه) أي تغضب. (إني لأرجو فيه عقبى الله) أي أن يعقبني خيرا، وأن يثيبني عليه. (يؤنبونني) أي يلومونني أشد اللوم. (العامري) هكذا هو في جميع نسخ مسلم: العامري. وأنكره العلماء وقالوا: هو غلط إنما صوابه العمري. من بني عمرو بن عوف. وكذا ذكره البخاري. وكذا نسبه محمد بن إسحاق وابن عبد البر، وغيرهما من الأئمة. قال القاضي: هو الصواب. (أيها الثلاثة) قال القاضي: هو بالرفع، وموضعه نصب على الاختصاص. قال سيبويه، نقلا عن العرب: اللهم اغفر لنا، أيتها العصابة، وهذا مثله. (فما هي بالأرض التي أعرف) معناه: تغير علي كل شيء. حتى الأرض، فإنها توحشت علي وصارت كأنها أرض لم أعرفها، بتوحشها علي. (فاستكانا) أي خضعا. (أشب القوم وأجلدهم) أي أصغرهم سنا وأقواهم. (حتى تسورت) معنى تسورته علوته وصعدت سوره، وهو أعلاه. (أنشدك بالله) أي أسألك بالله، وأصله من النشيد، وهو الصوت. (نبطي من نبط أهل الشام) يقال: النبط والأنباط والنبيط، وهم فلاحو العجم. (مضيعة) فيها لغتان: إحداهما مضيعة، والثانية مضيعة. أي موضع وحال يضيع فيه حقك. (نواسك) وفي بعض النسخ: نواسيك، بزيادة ياء. وهو صحيح، أي ونحن نواسيك، وقطعه عن جواب الأمر. ومعناه نشاركك فيما عندنا. (فتياممت) هكذا هو في جميع النسخ ببلادنا، وهي لغة في تيممت. ومعناها قصدت. (فسجرتها) أي أحرقتها. وأنث الضمير لأنه أراد معنى الكتاب، وهو الصحيفة. (واستلبث الوحي) أي أبطأ. (وضاقت علي الأرض بما رحبت) أي بما اتسعت. ومعناه: ضاقت علي الأرض مع أنها متسعة. والرحب السعة. (أوفى على سلع) أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف. (فآذن .. الناس) أي أعلمهم. (أتأمم) أي أقصد. (فوجا فوجا) الفوج الجماعة. (أن أنخلع من مالي) أي أخرج منه وأتصدق به. (أبلاه الله) أي أنعم عليه. والبلاء والإبلاء يكون في الخير والشر. لكن إذا أطلق، كان للشر غالبا. فإذا أريد الخير، قيد كما قيد هنا، فقال أحسن مما أبلاني. (أن لا أكون كذبته) هكذا هو في جميع نسخ مسلم، وكثير من روايات البخاري. قال العلماء: لفظة لا في قوله: أن لا أكون، زائدة. ومعناه: أن أكون كذبته. كقوله تعالى: ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك. (وإرجاؤه أمرنا) أي تأخيره

سنن الترمذي (5/ 281)
: 3102 - حدثنا عبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدرا، ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا تخلف عن بدر، إنما خرج يريد العير فخرجت قريش مغيثين لعيرهم فالتقوا عن غير موعد كما قال الله عز وجل، ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لبدر، وما أحب أني كنت شهدتها، مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام، ثم لم أتخلف بعد عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها، وآذن النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالرحيل - فذكر الحديث بطوله - قال: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر، وكان إذا سر بالأمر استنار، فجئت فجلست بين يديه فقال: أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم أتى عليك منذ ولدتك أمك، فقلت: يا نبي الله، أمن عند الله أم من عندك؟ قال: بل من عند الله ثم تلا هؤلاء الآيات: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم} قال: وفينا أنزلت أيضا: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119] قال: قلت: يا نبي الله، إن من توبتي أن لا ‌أحدث ‌إلا ‌صدقا، وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، قال: فما أنعم الله علي نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدقته أنا وصاحباي، ولا نكون كذبنا فهلكنا كما هلكوا، وإني لأرجو أن لا يكون الله أبلى أحدا في الصدق مثل الذي أبلاني ما تعمدت لكذبة بعد، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. وقد روي عن الزهري هذا الحديث بخلاف هذا الإسناد فقد قيل: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن كعب، وقد قيل غير هذا. وروى يونس هذا الحديث عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن أباه حدثه، عن كعب بن مالك ‌‌